يحكي لنا فيسفولد أنه دخل إلى عالم السينما بطريق المصادفة، وكان يعتبر السينما في البداية فنًّا تافهًا، ويراها أقل من المسرح؛ وذلك لأن السينما كانت في هذا الوقت -كما يحكي- نوعًا من التهريج وموضوعاتها بدائيةً، ذلك لأن الاهتمام كان اهتمامًا غريزيًّا بالنسبة للمنتجين، ذلك لأنها اعتمدت في ذلك الوقت على الاستعراض.
عندما قابل فيسفولد كوليشوف، تغير تفكيره تجاه السينما، ذلك لأنه عرف منه معنى المونتاج الذي يرى أن الفيلم يبدأ من الوقت الذي يرتب فيه المخرج اللقطات، وليس من التصوير.
ولكن الفن -كما يراه- يبدأ من المونتاج والتوليف بين القطع المختلفة، وهو -أي المونتاج- الذي حل المشاكل المعقدة الخاصة بتوجيه الممثلين. كذلك تنبَّه أيضًا إلى مشكلة جديرة بالوقوف عندها، وهي الخطأ الكبير الذي يقع فيه الممثل المسرحي حين ينتقل إلى السينما ويطغى عليه الأسلوب المسرحي، لذلك كان قد قرر ألا يعمل مع ممثلين سبق لهم العمل في المسرح لتجنُّب تلك الأخطاء الكبيرة، كما لجأ أيضًا لخداع الممثل المسرحي في الحالة التي استعان بممثلين مسرحيين فيها عن طريق أنه لا يُشغِّل الكاميرا ويُصوِّره ظنًّا منه أنه لا يُصوِّر وأنه فقط يُوجِّهه ليحصل على الشعور المراد، والاعتماد على الهواة في الوقوف أمام الكاميرا؛ لأنهم -على عكس الممثل المسرحي المتمرس- لا يسعون إلى الشهرة، فيمكن استخراج كل المشاعر المطلوبة منهم أمام الكاميرا.
كما توقع فيسفولد وجود أفلام تتفق فيها الأصوات البشرية والضجيج مع الصورة المرئية على طريقة الموسيقى، بحيث يمكن أن تؤدي نغمتان أو أكثر إلى النغمة المطلوبة، ويرى أن ما كان متبعًا في ذلك الوقت من أن يحرك الممثل شفتيه على سبيل أنه يتكلم ليس إلا تقليدًا غير كامل للحقيقة وليست له أهمية فنية.
وأن المكياج والحركات والإشارات والإلقاء عندما تستبعد بالنسبة إلى الممثل السينمائي تخلق له إمكانيات لم تكن تخطر ببال رجال المسرح، ذلك مع إمكان وضع طريقة جديدة للإلقاء تكون أقرب إلى الواقع، ويرى أن هذا هو ما يجعل السينما أقرب إلى القصة منها إلى الدراما، إلى جانب التوسع في البروفات لمنح الممثل الحالات الممكنة حتى يستوعب التوجيهات الفنية، وأن المونتاج والتوليف وجمع اللقطات القصيرة وتكوين الشكل المراد هو عمل من أعمال المخرج، وأن الممثل عليه أن يعرف المونتاج معرفةً جيدةً وليس المخرج وحده، كما أن الممثل يجب أن يشترك في كل مراحل الفيلم حتى المرحلة النهائية، ويجتهد لإيجاد طريقة للإلقاء والتمثيل والمونتاج تتلاءم مع المرحلة.
هو واحد من أعلام السينما وأصحاب النظريات السينمائية، ويقال إنه أول من مهد الطريق للسينما الشاعرية، كان اهتمامه منصبًّا على التعبير بشكل خاصّ، إلا أنه كان يرى أن الممثل لا يجب عليه أن يجهد نفسه بالتعبير بوجهه عن شيء لا يتفق مع شخصيته، وأن حركته يجب أن يكون منبعها الغريزة وإلقاؤه طبيعيًا، وأن المبالغة في تلبُّس الشخصية لن تعطيه إلا هيئةً جامدةً أشبه بالتماثيل، والتي ربما تكون لها جاذبية فقط في التمثيل الهزلي، كل ذلك إلى جانب الاختيار اللائق للملابس؛ لأن صفة الشخصية لا بد أن تكون منطبقةً مع ملبسها، فكل صفة كما يقول: يجب أن تحمل معها ما يرمز إليها، وإلا كان هناك عائق في فهم الحركة، وذلك قد يتضح في وضع السيجارة في فم امرأة وما تحمله من دلالات متعددة بكل حركة أو وضع لها، وكذلك في منظر الثياب وارتدائها، فالمظهر الخارجي له دلالة، وهو سمة مميزة في كل الأحوال، لكن -في تقديره- يمكن الحكم على الممثل من خلال تعبيرات وجهه، سواء أراد المخرج إعطاءه هذه الصفة أم لا. ينقلنا بيلا بالاش إلى جزء من كتابة غوتيه من كتابه (إضافات إلى معلومات عن الهيئة) ليدلل على أنه لا بد من اتخاذ الحيطة والحذر ووضع معيار الزمن الذي يزحف على الوجه لإعطائه الملبس والهيئة الملائمة والبيئة لكيلا يتعارض ذلك مع الحركة، لكن له رأيًا -ربما يكون غريبًا الآن، بل ربما يكون مستهجنًا- وهو أن الممثل السينمائي يجب أن يكون جميل الصورة وجذابًا، وهو ما ليس شرطًا في الممثل المسرحي، لكنه ألزم الأمور كما يرى في عالم السينما، فكما يقول: لا يهم السينما الروح والفكرة، بل الذي يهم هو الشيء الخارجي البحت والزخرفة، فجمال الملامح يؤثر في الفيلم كتعبير شكلي، فعبارة كانط: الجمال هو رمز الخير، يؤكد أن لها دلالتها الصحيحة هنا في عالم السينما، فبطل الفيلم يجب أن يكون جميلًا في ظاهره لأنه أيضًا جميل في باطنه!
إلى جانب ذلك، كان يرى أن التعبير العاطفي غني جدًّا بدرجة تفوق أي أدب من الآداب؛ فنظرة واحدة تعبر عن أبسط المشاعر وتصفها بدقة تفوق أي وصف، وأن من يحكم على فيلم من الأفلام من جانب الروائي وحده هو أشبه ما يكون بمن يروي قصة حب ويقول إن هذه قصة جميلة وأنا أحبها.
فعلى عكس الأدب، من الممكن أن تغنيك السينما في لقطة عن الكثير من الكلمات التي يستخدمها الأدب لوصف شعور ما، فطبيعة الكلمات مرتبطة بالزمن، على عكس التعبير الذي يتصف بالديمومة، فالتعبير بالملامح إلى جانب ذلك أفصح من أي لسان أو تتابع كلمات، إلى جانب السرد الطويل بالنسبة للكلمات في محاولة إيصال المعنى المراد على عكس التعبير، وينظر بعد ذلك إلى أن العمل الفني لا بد أن يُبيِّن أو يوحي بما يجب أن يحدث، لأن إمكانية حصول أي تغيير يجب أن تتضح من البداية!
فالوجه عنده هو أهم وسيلة في التعبير، فأقل تجعيدة فيه تتحول في العرض الذي يغطي الشاشة كلها، مما يجعله محط الاهتمام، لأنه علامة مميزة لطابع الشخصية، هذا إلى جانب تأكيده وتركيزه على الضوء وأثره والمناظر الكبيرة التي لا بد أن تُولَّى اهتمامًا أكثر، فالأفلام الرديئة تفقد الإنسان إحساسه بالبيئة، ذلك مع مراعاة الجو العام للعمل، فلا يصح أن يدمج مظهر يدل على البهجة في وسط مناظر محزنة. هذا ويؤكد أيضًا أنه على المخرج أن يكون دقيقًا عند عرض المشاهد المجمعة الكبيرة، أي ينظم حركة الأفراد، ذلك لأن كل ما هو غير معقول داخل شريط الفيلم هو بمثابة تشوُّه له.
من الممكن اعتبار هذا المقال -كما تقول صاحبته- تجربةً شخصيةً.
ترى بيتي أنها وزميلاتها لسن إلا عاملات في السينما يحاولن إدخال السرور على الناس هكذا تُعرِّف نفسها، فالمشاهد أو المتفرج لا يهمه سوى التسلية.
لكن اختيار الموضوع هو أهم شيء في مهنة التمثيل؛ فالموضوع الجيد هو ما يصل بصاحبه للمكانة الرفيعة، تتحدث بيتي هنا عن السرعة وما هو مطلوب في عالم الفن، وما قد يتعرض له الفنان من ضغوطات تضطره لقبول عمل رديء، ترى بيتي أن الفنان لا بد ألا يكون مقلًّا، ولا يجب أن يكون كثير الظهور بدرجة كبيرة، وترى أن ثلاثة أفلام في العام الواحد جيدة، فالممثل يحتاج إلى إجازات طويلة للراحة والاستجمام، وأنها لم تقم بأي دور لا يتفق مع شخصيتها، وتتحدث عن أكثر الأشياء لصوقًا بالمهنة، وأهمية هذه الأشياء، كالملابس وتصفيف الشعر، وذلك لاختيار أنسب الملابس والألوان للدور وأمام العدسة، ذلك إلى جانب الأهمية الكبرى للقراءة للإحاطة بأبعاد الشخصية وعصرها والسمات المميزة لها، خاصةً إذا كان الدور تاريخيًّا، إلى جانب جمع الصور والوثائق بهذه الحقبة وموالاة الاهتمام بالمكياج للحصول على التطابق أو التشابه الدقيق بين الشخصيات.
وتُلمِّح إلى الفنان الأصيل الذي بداخل كل فنان حقيقي، أي محاولة التماهي والتماثل مع ما يُؤدَّى، مع أن الجمهور قد يكون طلبه أقل من ذلك، لكنه الولع بتحقيق الشخصية التي تمثلها تمام التحقيق كما تقول.
مع توضيح لطريقته لحفظ الدور وتمثُّله عن طريق تخصيص وقت طويل للحوار قبل بدء الفيلم، والتوغل في التاريخ وتطوير الشخصية، مع أنها نادرًا ما كانت تحفظ نصًّا تامًّا قبل اليوم السابق للتصوير، وتبيان ما يعتري الفنان من إجهاد وتعب يجعلانه لا يفكر في أي شيء سوى الراحة، وهو تأكيد لما أبدته في بداية المقال من أن الفنان لا بد له من وقت راحة طويل، وما يقابل العمل من معوقات الإعادة أثناء التصوير، وكل ذلك كما تقول: مدعاة لأنه يجب أن يكون لهم ضمير حي ويشعرون بما عليهم من مسؤولية تجاه الجماهير، لذلك يبذلون كل ما في وسعهم حتى لو كان ذلك على حساب صحتهم وأعصابهم، وأن الدافع للاستمرار هو ما يكافئهم به الجمهور من هتاف وتصفيق يدفعانهم للاستمرار، فالجماهير بالنسبة للفنان أشبه بالوقود.
مع الحديث عن العوائق التي تقابلهن في الحياة من المصورين الذين لا يراعون الحياة الخاصة للفنانين، مع التأكيد على إجادة ما يُصوَّر أمام الكاميرا من الحياة العادية، وألا يكون مخالفًا لها، فلا يأتي فنان أو فنانة يمارسان شيئًا ما داخل العمل مع عدم إجادته في الحقيقة، كلعب الجولف وغيره.
لتنتقل لتأكيدها على أن كل شيء هو نتاج تعب ومجهود مضنيين وليس وليد الصدفة وحدها، هذا هو ما أوردته مما عايشته داخل العالم الفني، فكما تقول: لا يوجد شيء في العالم يحصل من لا شيء.
مع التحلي بالشجاعة لإبداء الموهبة الحقيقة الموجودة داخل الفنان.
المقال عبارة عن إجابة لسؤال: أي الصناعتين تفضلون؟
يجيب باريمور بأن انتقاد صناعة التمثيل السينمائي على أساس مقارنتها بالتمثيل المسرحي هو أشبه ما يكون بالحط من قيمة صورة مطبوعة لأنها ليست مرسومةً بالألوان المائية؛ فلكل فن تعبير مختلف كل الاختلاف، حتى ولو كانت هناك بعض الجوانب المشتركة.
وفي النهاية لا بد أن يكون التمثيل طبيعيًّا دون حاجة إلى أي شيء خارجي.
ويفرق بين الفن المسرحي والفن التمثيلي والطبيعة المختلفة لكل نوع منهما، ففي المسرح قواعد تختلف عن السينما اختلافًا كبيرًا، فالصوت المقصود أن يكون خافتًا ضعيفًا في المسرح لا بد أن يكون مرتفعًا ليسمع كل من بصالة العرض الصوت، وإن كان الإيحاء والأصل أنه خافت، على عكس السينما؛ فالسينما لها طبيعة خاصة أكثر حساسيةً من المسرح، إلى جانب عدم الترتيب في السينما؛ فقد يبدأ العمل بآخر مشهد. ويميل إلى القول بأن الممثل المسرحي ربما يفوق الممثل الذي داخل عالم الفن من خلال السينما مباشرةً إذا طبَّق بعض القواعد وتجنَّب الأداء المسرحي، وقد نجح في ذلك العديد من المسرحيين حين انتقلوا إلى السينما، مع إمكانية الجمع بين العمل في النوعين، وإن كان يرى أن الطريق إلى السينما أسهل، خصوصًا من الناحية الجسمانية.
هو مدرس بجامعة القلب المقدس الكاثوليكية بميلانو، وهذا فصل من كتابه (التكوين الجسدي للممثلين السينمائيين).
يشير رفاييلو ماجي إلى العلاقة بين التركيب الجسدي للممثل ورنين الصوت، في إشارة إلى التطور التشريحي الذي حدث ابتداءً من القرن الخامس عشر وتغيير الشكل الخارجي والبنية التشريحية للجسد، وأثر ذلك على السينما منذ بداية عهدها حتى وقته، وأن السينما تُبيِّن لنا من خلال الفيلم المثل الأعلى للجمال الجسدي في فترة معينة، وأن السينما بنسبة كبيرة تحدد المعايير الجمالية، وتنقل من خلال عدستها، وتؤثر في الذوق العام والاختيار، من هنا جاء الاهتمام بدراسة الأجساد التي تتطلبها الشاشة السينمائية لمعرفة المثل الأعلى للجمال في الوقت الحاضر، فيتعاون العلم مع الفن لمعرفة الميول الجمالية المقبلة أو ما سيصبح عليه الشكل المثالي، ذلك مع ربط بعض الصفات والعلامات المميزة وحضورها داخل العمل الفني.
ترجع أهمية كوليشيوف إلى تعاليمه أكثر من أفلامه التي أشار إليها في كتبه المطبوعة، التي أراد من خلالها أن يجمع المواد اللازمة لتكوين المخرج.
وهي عبارة عن تعاليم من خلالها يوجه كوليشيوف إلى عدة أشياء، منها دراسة الناس التي تُعَدُّ أصعب فرع من فروع عمل المخرج، والتي لا تقل أهميةً عن دراسة الكتب، وأنه إذا ما أعدَّ النص فقد حانت لحظة من أصعب اللحظات، وهي اختيار الممثل الذي لا بد أن يكون المخرج على معرفة كافية به، وذلك عن طريق التردد على المسارح ومعاهد السينما للانتقاء، وأن يكون الممثل مطابقًا لما اشتملت عليه أوراق النص، أما الطريقة الأقصر لذلك فهي توجيه النظر نحو شخص بعينه لأداء الدور، ذلك دون النظر إلى أدواره السابقة؛ فالممثل متعدد الجوانب؛ فالسينما تتطلب شخصيات حيةً، ولكنها لا تريد تكرار ما سبق رؤيته، فلا داعي لتقليد المخرجين الذين يتقيدون بشخص بعينه لأداء نفس الدور، وذلك عن طريق اكتشاف الإمكانيات الدفينة داخل الفنان، مع وضع كل العوامل في الاعتبار، من النص وما يتطلبه في الشكل للفنان، فالمميزات الشكلية للفنان لا يمكن علاجها على الشاشة بسهولة، على عكس المسرح؛ فالعوامل الحاسمة، التي يتوقف عليها اختيار ممثل بعينه لدور معين، هي قبل كل شيء صفاته النفسانية وموهبته وصناعته الفنية.
وأثناء المقابلة مع الممثل، يعرض عليه موضوع الفيلم ومشاكله وصورة الشخصية، ويستمع لملاحظاته واقتراحاته، بعدها تبدأ مرحلة التجربة، ويرى أن هناك ثلاث محاور يجب العمل عليها:
1ــ دراسة العبارات والمميزات الجوهرية للشخصية التي تبرز مختلف أعمال المخرج التي سيقوم بها.
2ــ تصوير الممثل وتجريب الدور واختيار نوع المكياج المناسب
3ــ اختيار العبارة الأبرز التي تُعَدُّ السمة المميزة للشخصية
وكذا تبيان لدور مساعد المخرج المنوط به ومهمته في الاختيار ومراقبة عمل المصورين ومصممي الأزياء.
كذلك بعض النصائح التي يجب أن يراعيها المخرج، وهي التقرب إلى الممثل، وألا يكون الكلام معه عن طريق الأوامر والتعليمات، لجعله يندمج في العمل ويحب الدور الذي سيؤديه، كذلك عدم فرض طريقة معينة في الأداء، والتحدث إليه باللغة الفنية التي يستطيع فهمها، إلى جانب ما يُسمَّى بالتمرين التخيُّلي، مع التنبيه على بعض الأمور في ما يتعلق بالحوار، فإنه مثلًا لا يمكن فصله عن الحركات، والتأكيد على أن التجاوب هو أحد أهم الأشياء أمام الكاميرا وأصعبها، فيجب أن يتعلم الممثل كيفية التجاوب مع زملائه في العمل، والتأكيد على أهمية الحركة في العمل السينمائي، التي هي من أهم الأمور، على عكس المسرح الذي يتسم بالحرية في هذا الأمر، فأقل حركة أمام الكاميرا قد تكون خارج الكادر ولا ترى، والعديد من التوجيهات الأخرى والنصائح التي تهم كل أعضاء العمل.
تختلف الرؤى في هذا الجزء بين ديديروت، الذي يرى أن الممثل لا بد أن يكون شخصًا هادئ الطباع وباردًا، وما يطلب منه من ثم يؤديه دون أي حساسية ولا انفعال، وبين (جان مودوي دي لاريف) الذي يرى العكس تمامًا من رأي ديديروت، فيرى أن التراجيديا تتوقف على تأثر الروح، فهي موهبة من مواهب الإلهام تتطلب حساسيةً رقيقةً. وتعددت بعد ذلك الأفكار والرؤى من مؤيد لهذا الرأي ومن رافض له مؤيد للآخر. ويكمن الفرق بينهما -وإن كان الكاتب يميل إلى رأي ديديروت- في أن ديديروت يعتمد على أفكار استاتيكية، أما لاريف فيعتمد على طريقة سيكولوجية، هذا مع أن العاطفيين يؤكدون ضرورة إحلال العاطفة ويفضلونها على الصناعة الفنية الجامدة.
يضع الكاتب تعريفًا للممثل بأنه يجب أن يكون رجلًا عبقريًّا قادرًا على الملاحظة والتحليل والاختيار، ذلك لكي يستطيع التمثيل على أحسن وجه وبحكمة وتعقُّل، وأن الممثل صاحب الحساسية المفرطة، الذي يتماهى مع الدور لدرجة التعب والالتحام التام مع الشخصية، لا يمكن أن يكون فنانًا حقيقيًّا، بل هو مصاب بمرض عصابي، يستطيع أن يؤثر ولا يستطيع أن يقدم عملًا خالدًا! وأن العبقرية والدراسة والبحث والثقافة هي الأسس التي يعتمد عليها عمل الشاعر والممثل على السواء.
كذلك من الخطأ أن يخلط الفنان بين الشعور المفهوم نظريًّا والمشاعر الخاصة؛ فمشاعر الممثل الشخصية لا دخل لها في التمثيل، وهذا هو مغزى الفن كما يقول؛ الفصل بين هذه المشاعر يعني أنه من الممكن أن يكون هناك إطار عام لمشاعر تعرفها البشرية في عمقها، وهذا هو المقصود الوصول إليه.
هو أحد كبار المفكرين الذين كان لهم اهتمام بعلم الجمال، يتحدث هنا عن الإمكانيات التي يمتلكها الممثل المسرحي وعن القيمة الجسدية، مع تلميح بسيط إلى بدايات الفن التمثيلي عند اليونانيين وكيف انتقل إلى المرحلة الحالية -أي في زمانه- واعتبار أن هذا الفن (بصورته البدائية) احتوى على جانبين مهمين بصورة كبيرة: جانب التعبيرات الفنية الذي لم يكن متقدمًا عند اليونانيين، إذ إنهم كانوا يهملون الجانب التعبيري على حساب الموسيقى والتعبيرات الشعرية، وأحيانًا الغناء، وجانب الحركة الجسدية والإشارة، ليخبرنا بأن اليونانيين لم يكن يعنيهم هذا الجانب ولم يولوه اهتمامًا؛ إذ إنهم كانوا يرتدون الأقنعة على وجوههم، أما وجوههم فكانت بلا تعبير ولا تغيُّر، فلا توجد مشاعر ولا تعبيرات على عكس الفن الحديث. استنكر هيجل أيضًا وجود الموسيقى المبالغ فيها، والتي تضعف أثر الكلمات، ويرجع الفضل للمؤلف في التغلب على هذا العائق وتسهيله لمهمة الممثل، ذلك أن الممثل لا بد أن يخرج إنتاج المؤلف بما يحتوي عليه من تعبيرات وأداء، فيقع عليه عبء كبير لإظهار النص والتعبير عنه، إذ يجب عليه كما يقول: أن يكون الآلة التي يعزف عليها المؤلف، وأن يكون المرآة التي تنعكس وتظهر على وجهها جميع الألوان دون تغيير.
وينتقل إلى بعض التوجيهات والتلميحات، ومنها أنه يرى أن هناك أعمالًا كاملةً كأعمال شكسبير كتبت كاملةً، فلا بد على الممثل أن يرينا هذا الكمال الذي ينبغي أن يتفق تمام الاتفاق مع الصورة التي رسمها المؤلف، كذلك يرى أن التأليف يستطيع أن يظهر تأثيرات ونتائج كان القدماء يجهلونها كل الجهل، كذلك يجب على الممثل أن يوفق بين تخصصه ومقدرته وبين القصة ووجهة نظر المؤلف.
عارض ديدرو في نظريته العبارات الباردة والضجيج الأجوف في التراجيديات عن طريق حوار بين شخصيتين. ينقل لنا دينيس ديدرو وجهة نظره في المسرح الذي يصرح في النهاية أنه يمقته ويتقزز منه.
فينقل لنا تفرقةً بين الممثلين ودرجاتهم وتداخلهم وتماهيهم مع النص الذي يؤدونه، ويرى أن الممثل الشديد الحساسية القوي الإيمان لا يستطيع أن يستمر في تقديم العمل بنفس الجودة، إذ إنه حتمًا سيقل أداؤه مع تعدُّد العروض، ناهيك عن فقدان الممثل الحساس هذا للصرامة العقلية التي يتصف بها الممثل المتأمل، الذي يساير الطبيعة البشرية ولا يعارضها، فيكون ممثلًا كاملًا على الدوام؛ لأنه يضع لكل شيء مقياسًا خاصًّا في المُخيِّلة ولا يلجأ للترديد الممل.
ولذلك يرى أن الحساس هذا من الممكن أن يشاهد العرض لكن لا يرتقي خشبة المسرح.
ليخبرنا ديدرو أنه يتقزز من المسرح ويمقته لعدم احتوائه على الحقيقة المسايرة للطبيعة البشرية، فبعد النظارة عن الممثلين يوقعهم في كثير من الخدع التي لا يرونها.
إن من يحاول أن يكون طبيعيًّا أكثر من الطبيعة يصبح ضعيفًا متهافتًا.
يضع موروكيزي بعض التنبيهات للممثل، منها أن يبتعد عن التقعُّر، وأن يكون في غاية البساطة والوضوح منذ بداية التمثيل وحتى نهايته، فالمبالغة جالبة للسخرية، فيجب أن يكون حريصًا على هذا، إلى جانب الحذر عند استعمال شيء جديد، وألا يكون مخالفًا للطبيعة لأن الفن والطبيعة متسايران جنبًا إلى جنب، وألا يخدع بالتصفيق والهتاف إلا في حدود الفن الجيد.
إلى جانب ذلك، يرى أنه يجب على الممثل أن يكون رزينًا دون أي مبالغة، وأن يؤدي دوره في حدود المعقول، وأن تكون إشاراته متلائمةً مع عباراته، وأن يكون صوته واضحًا ونطقه سليمًا، وقبل كل ذلك أن تتأثر روحه التأثر الكافي الذي ينتقل إلى قلوب المتفرجين، وأن تكون سيطرته على الدور كاملةً.
فالجهل والادعاء الخاطئ، كما يقول، وخصوصًا الرغبة في التجديد دون كفاية، هي أمور يجب أن يعاقب عليها الممثل.
كما أنه يجب عليه ألا يلتفت إلى بطانته من المتملقين والزائفين الذين يوهمونه بما ليس حقيقيًّا.
يمكن أن نُعرِّف فرانشيسكي في البداية على أنه كان صاحب العديد من الكتابات والاهتمامات المختلفة التي جعلت الفيلسوف الإيطالي بنيديتو كروتشي يضعه في مصافِّ شاعر إيطاليا الكبير (كاردوتشي).
يرى فرانشيسكي أن السبب في فشل المسرح الإيطالي هو أنهم اعتبروا الكوميديا نوعًا من التفاهة أو من الفنون التافهة. يضع فرانشيسكي بعض النقاط الهامة للممثل، ومنها أنه لا بد أن يكون على علم ودراية بالفنون الجميلة والفلسفة والتاريخ وبعلم تقويم البلدان حتى يستطيع أن يفرق بين الشخصيات ويستطيع تحليلها، كذلك لا بد أن يكون وجه الممثل، خصوصًا عينيه، وبدنه وذراعاه، لها جميعًا المقدرة على تقوية عباراته التي يتفوه بها، وأن يكون الممثل الكوميدي قادرًا على التعبير والحركة بجسده، وعلى قدر كبير من الفصاحة وطلاقة اللسان، لأن هذه الخصائص إذا انعدمت فسيصبح من المستحيل عدُّه من الممثلين؛ فالذي لا يستغل أعضاءه ولا يعرف قواعد التمثيل ويحتقر الدراسة لن يكون في يوم من الأيام من الممثلين الحقيقيين.
ويرى أن الممثل الكوميدي الحقيقي، والفنان الدراماتيكي البارع، هو ذلك الشخص الذي يمتلك المقدرة على أن يتشكل ويأخذ صفةً أخرى غير صفته، ويبدو مخالفًا لما هو عليه، والذي يبدو رزينًا في المواقف العاطفية ويستطيع أن يقول ما لا يعتقد بطريقة طبيعية كما لو كان يعتقده حقًّا؛ ففي المقدرة على التشكُّل تكمن عبقرية الفنان الكوميدي كما يرى.
يُعَدُّ ستانسلافيسكي أحد أصحاب النظريات المسرحية، والذي أسَّس لطريقة أو لنظرية مسرحية. طريقته هذه -كما يقول- تسمح للممثل أن يخلق الشخصية، وأن يكتشف فيها حياتها وروحها، وهما ما عليه أن يبرزه على خشبة المسرح.
لكنه على الرغم من قدره الكبير وكونه مُنظِّرًا كبيرًا لفن المسرح وابتكاره لطريقة ونظرية في المسرح شرحها في رسالته "حياتي في الفن"، لم تكن له معرفة كبيرة بالنقد.
لكنه وضع العديد من التعليمات التي تؤهل مراعاتها التلاميذ لأن يكونوا أكفاءً. من ضمن تعليماته هذه أنه كان يرشدهم إلى أن خير ما يحدث لهم هو أن يستغرقوا في الدور ولا يهتموا برغبتهم الخاصة وأن يعيشوا الدور الذي يؤدونه دون التفكير في ما يعملون ولا في الغريزة.
كما يؤكد ستانسلافيسكي على أن الإبداع أساسه الإلهام دائمًا، وأنه لا توجد عبقرية في العالم بمثل هذا الشكل. ولذلك فإن فننا يعلمنا قبل كل شيء كيف نبدع بوعي وإدراك، لأن هذا يمهد السبيل لتدخُّل العقل غير الواعي والإلهام.
مع التنويه بأهمية المعايشة الداخلية لكل شخصية من الشخصيات، وأن القوانين الطبيعية العضوية لا بد ألا تعارض، وأن تمرين العضلات والتأكيد على المنطق في سياق الكلام هنا من الأمور الهامة، وألا يلقى الكلام قبل أوانه أو قبل حالته الشعورية المثلى، وأن الأفكار لا بد أن تترجم على خشبة المسرح إلى حركة مماثلة معبرة عنها، كذلك يجب أن يكون الممثل مسيطرًا على شعوره وسيدًا لنفسه، وأن يتذكر دائمًا أن تمثُّل الفكرة يجعل من السهولة استدعاء الشعور، أما محاولة تمثيل الشعور فهي مدعاة للإفلات.
يخبرنا بينيت ببعض الملاحظات التي دوَّنها بعد الحديث مع بعض الممثلين عن علم النفس، إلى جانب التعقيب على كتاب ديديروت "غرائب عن الممثل الكوميدي" وما يزعمه ديديروت من آراء ويُفنِّدها من خلال حواره مع هؤلاء الممثلين والذي يستدل منهم من خلال تجاربهم المسرحية على خطأ هذه الآراء التي أوردها، والتي يمكن إجمالها في أنهم خالفوا ديديروت فيها.
كانت المشكلة المثيرة لجوفيه بعيدًا عن آراء النقاد، المشكلة الحقيقية، هي مشكلة النجاح وإجادة التمثيل.
يفرق جوفيه بين الممثل الكوميدي والممثل العام ويميز بينهما قائلًا: إن الممثل لا يستطيع أن يمثل إلا بعض الأدوار، في حين أن الممثل الكوميدي يستطيع أن يمثل الأدوار كافة.
فالممثل العام -كما يرى- يستطيع أن يلبس الشخصية، ولكن الممثل الكوميدي تلبسه الشخصية.
هذا ويتفق جوفيه مع ستانسلافيسكي في أن نقطة البداية عنده هي الإحساس أيضًا، الذي من دونه لا يستطيع الممثل أن يكون ممثلًا كبيرًا؛ إذ إنه يجب عليه قبل الوقوف على المسرح أن يفرض على نفسه الصمت الداخلي والهدوء النفساني، كما أنه يفضل الفنان الكوميدي على الفنان العادي الذي لا يستطيع أن يؤدي إلا بعض الأدوار.
ويضع الفرق بينهما في أن موهبة التقليد لا يمتلكها الممثل العادي بالدرجة التي يمتلكها الممثل الكوميدي. هذا إلى جانب مواهبه البدنية من حسن مظهر ووضوح صوت ورشاقة حركة وحفظ سريع للنصوص، التي تؤهله للقيام بأدوار عديدة، على عكس الممثل العادي الذي يقوم بنوع واحد من الأدوار.
ويرى أن الخوف الذي يشعر به الممثل على خشبة المسرح والذي لم يستطع الممثلون التخلص منه هو الدافع والملهم للفنان الكوميدي.
يشير بيرانديللو في هذا المقال إلى معنى الفن أو النشاط العملي والصناعة الفنية والعمل، ويرى أنه يجب أن يكون كل ذلك خاضعًا للتلقائية، وأن هناك شروطًا يجب توافرها في الفنان، أولها هو تملُّكه اللغة التكتيكية للفن حتى يصل إلى جعلها طبيعيةً، وأن الاختلاف الظاهري، الذي نلاحظه في الفنون المختلفة، يستدعي وجود عمل داخلي مختلف أيضًا. ويفصل بين الأحاسيس الفنية المختلفة ويفرق بينها، ويرى أنه كما أن المؤلف عند قيامه بعمله يجب أن يعيش في الشخصيات التي يخلقها حتى يحس بها، كذلك الممثل يجب أن يتخلص من شخصيته لكي يحيا في الشخصية التي يقوم بدورها، لكن على الرغم من ذلك فإن الممثل حتى وإن اجتهد في محاولة الوصول لنية الممثل فإنه من الصعب عليه الوصول لنفس شعور المؤلف، فالصورة في النهاية -كما يرى بيرانديللو- لن تكون هي، إنما من الممكن أن تقترب منها، ولكنها لن تكون نفسها أبدًا، فهي (الشخصية) وإن كانت تقول ما كتبه المؤلف، لن تكون هي ما خلقه المؤلف. وينقل رأي (بنيديتو كروتشي) أنه ليس من الممكن نقل أي شيء كما هو، وأن كل ترجمة إما أن تنقص من قيمة هذا الشيء أو تُشوِّه جماله الأصلي.
فالفن في النهاية لا يقدم لنا أشخاصًا، ولا يُصوِّر أفكارًا، ولكنه يبسط الأشياء ويركزها. والممثل فقط يعطي شكلًا فنيًّا في بيئة وهمية لأشخاص وأعمال من ابتكار المؤلف.
لذلك يرى أن التمثيل على المسرح ليس تعبيرًا أصيلًا، ولكنه مجرد ترجمة، ربما يشبه الأصل كثيرًا أو قليلًا، ولكنه في النهاية ليس الأصل. هذا إلى جانب عرضه لما يراه من استحالة ترجمة أي نص أو نقله كاملًا كما أراد المؤلف.
كان سيلفيو داميكو، الناقد والمؤرخ المسرحي، من أشد المعارضين للفن السينمائي؛ فقد اعتنق نظريةً قديمةً في الفن تعارض السينما، هذا وإن كان قد أبدى بعض الرضا عن بعض الأعمال السينمائية الحديثة.
في لمحة تاريخية، يأخذنا داميكو ليرينا كيف بدأ تناقل الشعر عبر الأجيال منذ البدائيين حتى اللحظة الحالية، وطريقة تناقله عبر الأجيال، التي تمَّت عن طريق المشافهة، وكان السجع هو الطريق لحفظ هذه الأشعار. ينتقد سيلفيو طريقة إلقاء الشعر التي استمرت كطقس وتوغلت على مدار العصور، ويرى أنها ليست من الفن في شيء، ويضع معايير أو نتائج لذلك النقد، منها أن هؤلاء الممثلين الشعريين -إذا جاز التعبير- لم يفهموا أن كل بيت من الشعر يجب أن يكون له كيانه الخاص وحياته الخاصة، وأن اهتمامهم كان منصبًّا على الإلقاء وطريقته.
خرج سيلفيو من ذلك بعدة نتائج هي النقيض لما كان يفعله هؤلاء، من هذه النتائج أنهم لم يكونوا على دراية بخصوصية كل بيت من هذه الأشعار التي يلقونها، سواء في الوصل أو الفصل، فكل بيت أو وصل يجب مراعاته والمحافظة عليه، هذا إلى جانب أنه لفهم بيت الشعر يجب عدم تفتيته عن الأبيات الأخرى، بل لا بد من التعامل معه على أنه أشبه ما يكون بنوتة الكمان.
هذا إلى جانب التنبيه على أن اتباع طريقة نظم الشعر عند الإلقاء وخفض الصوت لهما أثر كبير، كما يجب البعد عن الرتابة والتكرار.
ويجمل قوله في أن المطالعة، التي يقوم بها الإنسان منفردًا، لها لذة ومتعة لا حد لهما، وأن الاستماع إلى قارئ أو ممثل عظيم -ولو أنه ليس له وجود- لا يقدم لنا إلا متعةً محدودةً للغاية، الأمر الذي يجعلنا ناقدين إلى حد القسوة ولا يرضينا بأي حال استماع الأشعار من أحد. وذلك لأن هذا القارئ يفرض علينا نظرته الشخصية التي لا تتفق مع نظراتنا وأحاسيسنا.
ولذلك كان أحسن القراء جميعًا الذين نستمع إليهم هم أشخاصنا نحن وليس أي فرد آخر.
يرى هنريك كلايست أن مسرح العرائس هو أنموذج لمخلوق يمكنه التعبير وأداء العمل التمثيلي، وأن هذا المخلوق يمكن تحريكه بجميع أجزائه بدرجة لا تتوافر إلا في الإنسان البدائي والحيوان والأطفال، والحركة هنا ليست ميكانيكيةً بحتةً، إنما هي حركة مدروسة.
وبراءة هذه العرائس وعدم تدخل المشاعر البشرية للتأثير عليها تجعلها النموذج الفني الأسمى، مع إمكانية الحركة والتعبير اللذين لا يشوبهما خطأ، وهو ما يجعله يفضل مسرح العرائس على المسرح البشري؛ فالمسرح البشري تعتريه عوارض ربما تفسد ما يُقدَّم، على عكس الحركة المرنة السريعة التي تمتاز بها عرائس الماريونت.
كان إدوارد كريج صاحب نظرية وضع فيها الإخراج في مقدمة العناصر الأخرى للعمل الفني في العمل المسرحي؛ فقد كان يرى أن الممثل في يد المخرج لا بد أن يكون كالماريونت، وأن المؤلف يقدم العمل للمسرح كمادة خام من الممكن تشكيلها بكل حرية.
ونتيجة لذلك، يرى أن الممثل ليس فنانًا؛ ذلك لأنه كان يرى أن الفن لا يحدث إلا بالرسم، وكون الإنسان ليس من بين المواد التي يمكن إعدادها للرسم فلا يمكن اعتباره كذلك، لأن الإنسان بطبيعته يميل للحرية، هذا كما أنه يخضع للانفعالات التي تعتريه، مما يجعله تحت رحمتها، والانفعال والتأثير هذان يسيطران عليه ويفسدان عقله الذي يصبح بالتبعية خاضعًا لهما. وهذه كلها عوارض، ووفقًا لرؤيته فإن الفن لا يقبل ما هو عرضي، نتيجةً لذلك يخبرنا أنه ليس هناك ما هو أكثر إزعاجًا وقبحًا من رؤية رجال ونساء يتركون أحرارًا فوق خشبة المسرح، ويرى أنه يجب أن يختفي الممثل ويذهب إلى حال سبيله، وتحل محله الصورة التي لا حياة فيها، أو ما يطلق عليه (الماريونت المثالية)؛ لأن أسمى الفنون -في وجهة نظره- الفن الذي لا يبدو فيه تصنُّع. يدلل لنا كريج على كلامه بأننا إذا نظرنا إلى الفن الفرعوني لوجدناه يدل على صرامة تمنع الفنان من إبداء أحاسيسه، وأنه باختفاء عرائس الماريونت وظهور النساء على خشبة المسرح، جاءت الروح الشريرة، وطالب بإلحاح بعودة عرائس الماريونت المثالية إلى المسرح.
لكنه رغم ذلك لم يفقد الأمل في تحرُّر الإنسان من هذه القيود التي تكبله وتعوقه، قائلًا: إنهم يمثلون، يفسرون، وغدًا سيكون من الواجب عليهم أن يمثلوا الشخصية التي يقومون بدورها وينوبوا عنها في التعبير، وبعد غد سيكون واجبًا عليهم أن يبتكروا ويخلقوا. وبهذه الطريقة يمكن أن يكون هناك أسلوب.
لكن هذا الأسلوب سيكون قائمًا على الحرية التامة المتحررة حتى من النص، ذلك عن طريق إيجاد مادة جديدة لم تكتشف بعد.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.