حاجات قديمة للبيع، حكايات المهن المصرية المندثرة

تساءلت كثيرًا، عن من كُتب التاريخ؟ عن الأمراء والرؤساء والسلاطين؟ عن تطور البلاد ومنشآتها؟ عن المستعمر والمستشرق والمستعرب؟ عن الاحتلال والتحرير؟ فوجدت أن هؤلاء من كُتب عنهم، لكن تاريخ الشارع لم يُكتب ولم يهتم به إلا القليل، فقررت أن أبحث عن أبناء الشوارع والمهمشين وأصحاب المهن المختفين! المهن المصرية المندثرة ليست بقليلة، وطوال الوقت تظهر مهن وتختفي أخرى، وبعد قليل من الآن لن يكون هناك وجود للسقا والخطاط والماشطة والقرداتي والحاوي، وغيرهم الكثير حتى على الورق، لن تعرف الأجيال الجديدة شيئًا عن هذا، كما لم أعرف أنا شيئًا عن غيرها بالتأكيد. رحلة البحث بدأت بداخلي حينما رأيت حاوٍ في السيرك، وتذكرت بعدها بعض المهن الأخرى التي رأيتها في صغري، فمثلا "سمكري البوابير" الذي كانت ترسلني إليه جدتي حاملة البابور في حضني وخمس وعشرون قرشًا في يدي لأحاسبه، كنت أجلس جوراه في دكانه الصغير الذي هو بيته نفسه فأراه يملأ البابور بالجاز، لا أعرف أين هو الآن كما لم أعرف هل ورث أحد ابنائه مهنته أم لا. تذكرت "مبيض النحاس" الذي يمر بمنطقة الخليفة والدرب الأحمر ليقوم بتلميع الحلل والأواني النحاسية وهو يدندن نغمات تمشي مع حركات جسده كأنه يتراقص عليها. "صانع الحصير" في نفس المنطقة، وكان دربًا كاملًا لصنّاعه اسمه "درب الحصر" كان بيت جدتي هناك، وفي آخر الشارع يوجد مسجدًا كبيرًا مدخله عبارة عن مصنعًا للمقشات القشّية. كانت المنطقة مليئة بالمهن الجميلة التي رأيتها تتلاشى شيئًا فشيء حتى أصبحت كلمات على ألسنة سكان الحي والأحياء المشابهة. في هذا الكتاب محاولة لتوثيق بعض من هذه المهن وتاريخها، وكذلك محاولة لا بأس بها لكتابة تاريخًا موازيًا للشارع المصري لم يُكتب عنه، علّ أحدًا يتذكرها فيما بعد ويقرر أن يبحث عن أصحابها، أو حتى يعيد إحيائها مرة أو أكثر.

ملفات تعريف الارتباط

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.