القلق مفهوم أصيل يرتبط تاريخه بأصل وجود البشر، بل ويستمر بطول بقاء الإنسان على الأرض، فبمجرد وجودك كإنسان تتحقق الحتمية لوجود القلق في حياتك اليومية. من المهم دائمًا لنا بشرًا أن نحيا حياة ممتلئة بالسعادة والرفاه، وإن اختلف البعض في جدوى البحث عن مثل هذه الحياة، إلا أنه لا جدال أن السواد الأعظم من الناس لا يريدون أن يكونوا في حياة ممتلئة بالكدر والتوتر. ولذلك فإننا نبحث دائمًا عن ملاذ آمن يريحنا من القلق والتوتر بقدر ما نستطيع، ويظل السؤال دائمًا لدينا: إلى من نذهب لنحقق ذلك؟ وما الذي يجب علينا فعله لأجل هذه الغاية؟
أغلب القلق يكون مفاجئًا، ففجأة تصيبك حالة نفسية وجسمية تكون نتيجة أو ردة فعل، وبشكل أدق غمة أو جزع وإحساس بالضيق والاختناق، تشعر حينئذ بزيادة في ضربات القلب، وإحساس شامل بعدم الراحة. ولتلك الحالة مستويات عدة، ففي مستواها البسيط يمكن السيطرة عليها تمامًا ولا تؤثر علينا، وفي مستواها المتوسط تفقدنا التركيز وتبدو الأعراض الجسمية بشكل أوضح، وفي مستواها الأشد تؤثر على العضلات بقوة وينتابك إحساس دائم بالتعب والإرهاق ويصبح النوم أصعب وغير مريح للجسم، ومن القلق أيضًا حالات مرضية تأتي على شكل نوبات الهلع واضطراباته.
ومن المهم هنا معرفة أن القلق باضطراباته وأعراضه لا يأتي بشكل مرتب، أو بالأحرى لا يأتي درجة تلو أخرى، ولكن يكون مختلط الأعراض، وهذا على حسب المؤثر الذي يؤثر على الفرد ويجعله في هذه الحالة. وبالتالي لا يمكن تعميم الحلول، لأن كل حالة منفردة بذاتها، فقد تكون رؤية عنكبوت سببًا كافيًا جدًّا لشخص ما لتظهر عليه أقسى الأعراض، ويكون محرك القلق لدى فرد آخر رؤية شخص معين أو الذهاب لمكان معين يحمل ذكرى خاصة به.
ولذلك فالقلق المرضي والقلق عامة من الموضوعات الركيزة في العلاج النفسي بكل مدارسه، ولكننا سنتطرق في حديثنا هذا عن العلاج الوجودي للقلق باعتباره الملاذ الأخير للبعض، وإن كان الملاذ الأول للبعض الآخر. فالقلق من المنظور الوجودي ليس مجرد مشكلة عابرة نتحكم في عوارضها، ولكن دراسة لكيان الإنسان في انتظار أن يُفهم هذا الكيان وتُستَوعب معطياته. وتنطوي عملية العلاج الوجودي للقلق على مفاهيم أصيلة مثل: القلق، والاختيار، والموت، والالتزام، والتأكيد على أهمية الذاتية.
لم يكن من المقبول لكثير من الأفراد في النصف الأول من القرن العشرين، أن يتجهوا لأحد الفلاسفة لتقديم الإرشاد لهم بشأن الحياة الضاغطة التي يعانون منها، على اعتبار أن دور الفلاسفة ينحصر في التحليل اللغوي للأفكار والقضايا الأخلاقية، وليس العلاج أو الإرشاد جزءًا من هذا الدور، برغم أن الكثير من الفلاسفة القدامى كانوا يتولون القيام بهذا الجزء فعلًا وعلى نحو فعال في مجتمعاتهم. غير أن هذه العلاقة التكافلية قد لا تروق لكثير من علماء النفس، لا تروق لهم ممارسة الإرشاد الفلسفي جنبًا إلى جنب مع الإرشاد والعلاج النفسي لحل مشكلات البشر، برغم أن الفلسفة هي أصل كل العلوم التي ازدهرت في عصرنا للكشف عن أي جديد، وهي الأداة الضرورية للإبداع والإقناع، كما أن الإرشاد الفلسفي قديم قدم الفلسفة نفسها. ولكي نحسم بعضًا من الخلاف، فعلينا أن نعرف أولًا كيف يتكون القلق داخلنا بالأساس.
القلق مكون شعوري موجود بداخل ذواتنا منذ بداية خليقتنا، فالقلق مكون مركزي في حياة الإنسان يمكننا من أن نحيا حياة أصيلة ممتلئة بالمعاني، فقد تكون النظرة إلى الأحاسيس غير المرغوبة مثل الحزن والقلق على أنها أحاسيس غير طبيعية نظرة خاطئة، لأن هذه الأحاسيس والمشاعر تعادل في حياتنا مشاعر أخرى مثل الفرح والبهجة، حيث ناقش "بول تيليش" أن القلق هو جوهر الطبيعة الأنطولوجية (الوجودية) للإنسان. وهناك أيضًا نموذج العلاج الموجه وجوديًّا الذي يقدمه "رولو ماي" بأن على الإنسان أن يتقبل قلقه، ويزيد الوعى به كنتيجة حتمية لكونه إنسانًا. وفي علم النفس البوذي يُنظَر إلى القلق أيضًا أنه تجربة ذاتية تدفع البشر نحو الإدراك المعرفي لتجاربهم الخاصة. ونجد أيضًا كيركيجارد يصرح بأن القلق كما الأستاذ الذي يجب أن نتعلم منه، وأن هذه التجربة الداخلية ذاتية للغاية، ولكنها تمثل الحقيقة المطلقة على حساب الموضوعية. أما عن "جافن" فهو يعتبر القلق الوجودي مصدر الإبداع، وذلك لكون التواصل ما بين القلق والحرية لا مفر منه، فالقلق وفقًا لكيركيجارد هو دوار الحرية، ذلك الدوار الذي تشعر به حينما تكون على حافة منحدر.
أولًا من داخل إدراكنا بفنائنا الحتمي في النهاية، وطبيعة حياتنا العابرة، وشكوكنا المتأصلة في الوجود. وينبع أيضًا من أسئلة عميقة حول معنى الحياة، والغرض منها، وطبيعة الحرية، والمسؤولية التي نتمتع بها، بل والعزلة والوحدة التي قد يُحتمل أن نواجهها.
وثانيًا من أمور ومسائل لم تُحل بداخلنا، والتي تعد قضايا وجودية مثل: الخوف من الموت، والبحث عن المعنى، وإشكالية الحرية، والتحدي المتمثل في اختيارات نريدها أن تكون حقيقية لنا قدر الإمكان. إن لم تُواجه هذه المشاكل وتُحل، فنحن بصدد احتمالية كبيرة لزيادة القلق بداخلنا.
وثالثًا من التجنب والإنكار، فحينما نحاول التعامل مع قلقنا على أنه أمر عابر، وبمجرد تجنبه أو إنكاره، فسوف تُحل المشكلة ولن تطفو للسطح مرة أخرى، فنحن على الأرجح نعطي أنفسنا مُسكّنًا مؤقتًا لمشكلة وجودية وليست سلوكية بالأساس، والصواب أن نواجه المشكلة وهذا هو صُلب العلاج الوجودي.
ورابعًا من حياة غير أصيلة، حيث يمكن للقلق أيضًا أن يستشري بداخلنا لمجرد أننا نعيش حياة غير أصيلة بنا، نكبت فيها أفكارنا ومشاعرنا من أجل أن نلاقي توقعات مجتمعنا، سواء كان مجتمعنا الصغير أم الكبير، ونتلافى الأحكام الصادرة منه إن حدث منا غير ما يريد، ونتجاهل حقيقة أن هذه ليست حقيقتنا التي نريد أن نعيشها. وفي الحقيقة فإن ما يحدث أننا نبتعد خطوة بخطوة عن حقيقتنا وشخصنا الأصيل، ونتمسك بأقنعة ارتضيناها لأنفسنا، ويملؤنا الخواء على مر الوقت، وتتصاعد مشاعر القلق بداخلنا، وتتأصل فينا بدون وعي منا حتى لم نعد نرى الحياة بدونها.
بمقدور القلق أن يحبسك في حلقة مفرغة بداخلك، حتى يصبح القلق ذاته هو مصدر الشعور بداخلك، وبإمكان هذه الحلقة المفرغة أن تؤدي بك إلى سلوكيات جديدة هدامة، كأن تصير دائم التجنب للمشاكل، وأن تزيد لديك الحساسية لمحفزات القلق، وتضيق إمكانيات حياتك بالضرورة، وكل هذه السلوكيات تغذي الدائرة المفرغة ليتفاقم القلق بداخلك بشكل أكبر. فالقلق يولد القلق، تتغذى هذه الدائرة المفرغة على نفسها، إنها تأكل نفسها وتأكلك.
الطريق لحياة يكون القلق فيها مؤثرًا إيجابيًّا هو من الأمور الممكنة أيضًا، فلا جدال أن هذا المكون لم يُخلق لعذاب البشرية، فهناك الوجه الآخر له أيضًا، فإيجابية القلق ممكنة أيضًا ومفيدة لنا كبشر، خاصة في ظل حياتنا المتتابعة سريعة الوتيرة، ولكنَّ خيطًا رفيعًا يفصل ما بين أن تكون على الجانب الإيجابي أو أن تكون مصابًا بالقلق المزمن.
فالقلق الإيجابي يكون بأن يشعر به الفرد بطريقة بناءة ومتكيفة مع واقعه الفردي، مما يزيد من حافزيته وإنتاجيته بشكل عام، فقليل من القلق قبل المهام يكون عاملًا محفزًا كبعض القلق الذي يصيب الرياضيين قبل المسابقات الرسمية، أو بعض القلق الذي يزيد التركيز قبل مقابلة للعمل، مما يدفع الأفراد للاستعداد بشكل كامل أو طلب الدعم أو تطوير المرونة في مواجهة ما هو آتٍ. وقليل من القلق أيضًا سيكون مثاليًّا لدفعنا خارج مناطق راحتنا، وللسعي للأفضل في حياتنا، ولمزيد من التقدم واستكشاف الفرص الجديدة. ويعود ذلك لعوامل كثيرة تشمل الشخصية الفردية الذاتية، والسياق، والتفضيلات الشخصية، وما اتخذه الفرد من خطوات عملية لتحقيق ذلك. وبذلك يقينًا فنحن نعلم أن ما يسري على أحدهم لا يسري على الآخر، ولكن التوازن بين القلق الإيجابي والقلق المفرط هو بداية الطريق في عالم مُطَّرِد السرعة.
يركز العلاج السلوكي المعرفي على تحديد وتعديل أنماط التفكير المختلفة السلبية المرتبطة بالقلق، فهو بالأساس يساعد الأفراد على تحدي المعتقدات غير العقلانية، وتطوير استراتيجيات المواجهة، والانخراط في التعرض التدريجي للمواقف المثيرة للقلق، كذلك فاللعلاج السلوكي المعرفي تقنيات علاجية عدة لمعالجة القلق نذكر منها:
في أغلب الأحيان يتجه المعالجون لاستخدام تقنيات الاسترخاء المختلفة مثل: تمارين التنفس العميق، واسترخاء العضلات التدريجي، والتأمل الذهني، مما يساعد الأفراد على إدارة أعراض القلق بتعزيز الاسترخاء وتقليل الإثارة الفسيولوجية.
تتضمن هذه التقنية تعريض الأفراد تدريجيًّا للمواقف أو المحفزات المختلفة المسببة للقلق، في بيئة خاضعة للدعم والرقابة، ومن خلال هذا التعرض المتكرر الآمن، يستطيع الأفراد تعلم كيف بإمكانهم تحمل وتقليل استجاباتهم الشخصية للقلق.
يشجع هذا العلاج الأفراد على قبول أفكارهم وعواطفهم القلقة دون إصدار أحكام مسبقة، مع التركيز على قيمهم المختلفة، واتخاذ إجراءات ملتزمة نحو أهداف ذات معنى، مما يساعد ذلك بالضرورة الأفراد على تطوير المرونة النفسية، والقدرة على التكيف في مواجهة القلق.
يجمع ذلك الأسلوب بين التأمل الذهني، ووعي الجسم، والحركة الخفيفة، وذلك لتنمية الوعي باللحظة الحالية وتقليل التوتر والقلق. ويعتمد هذا الأسلوب على مساعدة الأفراد ألا يتبنوا أحكامًا مسبقة نحو أنفسهم، وقبول اتجاههم وميولهم نحو القلق عامة.
يستكشف العلاج النفسي الديناميكي الصراعات اللاواعية، وتجارب الحياة المبكرة التي قد تساهم في ظهور أعراض القلق، فهو يساعد الأفراد على اكتساب نظرة ثاقبة للمشاعر الكامنة، وأنماط السلوك المختلفة، مما يؤدي بالتالي إلى تخفيف الأعراض.
ومن المهم هنا ملاحظة أن اختيار نوع العلاج نفسه يعود للفريق المعالج، نظرًا لاختلاف الاحتياجات الفردية، وشدة القلق، ومنهج المعالج، وبذلك فإن الطبيب المعالج يقوم بتصميم خطة العلاج المناسبة تفصيلًا لكل عميل.
ولكن حتى بوجود فعالية وطرق منهجية واضحة لعلاج القلق واضطراباته، إلا أننا نظل دائمًا هنا نتعامل مع الأعراض ومثيرات القلق، بشكل أكبر من التعامل مع صلب القلق وجوهره، وهو ما يقدمه العلاج الوجودي، وهو ما نحن بصدد الحديث عنه الآن، فتعالَ بنا عزيزي القارئ لمعرفة العلاج الوجودي من وجهة النظر الفلسفية عن قرب.
قد يمثل العلاج الوجودي مقارنة بالعلاج النفسي بارقة الأمل الألمع، فليس الغرض الأساسي من العلاج الوجودي التعامل مع الصغائر، وتحويل الإنسان إلى مجموعة من القوالب الجاهزة للتعامل مع القلق، تتغير بكبسة زر بداخله كما تفعل بعض تقنيات العلاج النفسي، ليصبح قادرًا على التعامل مع القلق بشكل أفضل. ولكن الغرض الأساسي للعلاج الوجودي هو أن يتحول العميل من حالته غير الفعالة إلى عضو فعال بإدراكه ووعيه قبل أي شيء آخر، والمسعى الأكبر للعلاج الوجودي أن يحول غير الواعي إلى واعٍ، وأن يوسع المدارك والرؤية العامة للأمور، وقدراتنا الفكرية بالأساس.
إن أعظم قوة تجدي من العلاج الوجودي هي التركيز الفلسفي، فالعلاج الوجودي يقدم أعظم مساهمة له إلى العلاج النفسي، بتذكيرنا أننا بحاجة إلى إلقاء نظرة على القضايا الفلسفية في حياة الناس، وكيف يمكن أن تخاطب هذه القضايا عقولهم وتغمر تفكيرهم، إنه يساعد الناس على طرح الأسئلة الكبيرة، وتحرير أنفسهم من وظائف حياتهم اليومية وانشغالهم بمشاكلها، بمساعدتهم على التركيز أكثر على المنظور الأوسع، على الأشياء التي تهم حقًّا، إنه يساعدنا على الحصول على صورة أوضح لحياتنا، إنه يأخذ في الاعتبار كثيرًا من الأشياء التي أهملناها لأنها تُنسى بسهولة في مدار حياتنا اليومية: (الاعتبار الثقافي، وجهات النظر، المنظور الاجتماعي السياسي، العقائد، وجهة النظر الخاصة التي تؤثر على الناس)، كل هذه الأشياء تصنع فارقًا كبيرًا، تصنع الفرق في كيفية تجربة الشخص، في كيفية تجربته للعالم المحيط به، وحينها فإن ما يقوم به المختص حقًّا هو أن يساعد العميل في تحديد موقعه الحقيقي من العالم الحقيقي حوله، وبذلك يصبح واعيًا كفاية كيف أنه مقبوض في هذا العالم، وكيف أيضًا يؤثر هو فيه ويتأثر به. وبفعل ذلك فإننا نرى جانب وجهات النظر الجانبية، وأيضًا وجهة نظر الفرد الرئيسية، فهي بالضرورة ما يركز الأفراد عليه وتُظهِر تحيزاتهم، ونرى من خلالها ما هي توقعاتهم، فنصبح حينها أيضًا مدركين لما الذي يجعلهم متحمسين، ويجعلهم ملتزمين بما هم عليه ومشغولين به، ما الذي يعيشون من أجله حقًّا؟!
في كثير من الأحيان، فإن الشيء الذي يعيش الفرد من أجله حقًّا، يكون منسيًّا، وقد توقف عن التأكيد عليه في مجرى حياته، وتوقف عن جعله مجرى حياته، وهذا حقًّا ما يجعل الناس يفقدون طاقتهم ودافعهم للمواصلة، وهنا يأتي دور العلاج الوجودي بأن يعيد الصلة مرة أخرى بما يلهمك للعيش مرة أخرى بطاقة قوية وحماس.
فحينما تضيق نفسك ويصبح تركيزك في محل واحد، شيء ما يقودك بوازع المسؤولية للرد على الحياة بفعل ما، إحساس داخلي بأن تكون على قيد الحياة حقًّا، وبأن تواجه التحدي الماثل أمامك. إن هذا النوع من القلق هو ما يعيدك حقًّا للحياة كل مرة، هو ما يجعلك حقًّا بداخل تجربتك الخاصة لك في الحياة، وإن كان هذا بحد ذاته إحساسًا بعدم الاتزان بشكل متناقض لديك، لمعرفتك باحتمالية الفشل، هذا هو حقًّا ما يجعلك على علم بأنك الآن تخوض تجربتك في الحياة، ولا تتماهى مع الواقع.
إن هذا الشعور الدفين بداخلك، هو ما يجعلك أيضًا على علم بأنك يجب أن تتصل بعناصر الحياة والعالم المحيط بك، لا أن تتجنبها أو تتماشى معها، بل أن تصنع منها شيئًا خاصا بك، وهذا ليس بالأمر الهين، لأنك فجأة تدرك ذلك، تدرك بأن الأمور يمكن أن تسوء وأنك لن تكون كاملًا أبدًا، ولن تكون الأمور كما تخيلتها حقًّا، وحينها لا يهم حقًّا من أين أتت براعم الأفكار داخلك، إن كانت منك أو من والديك أو الثقافة المحيطة بك: "هي بداخلك أنت، هي أنت"، وما تتوقعه حقًّا من نفسك هو ما يثبتك. وما يؤثر عليك سيؤثر عليك، بل وعادة هو ما يجعلك تخطو خطوة للخلف في كثير من الأحيان، ولذلك ستتصالح معه، ستتصالح مع كل تلك الأشياء، وستدع ذلك المكون الشعورى المسمى القلق يسري بداخلك مرة أخرى، لترى نفسك حقيقة مرة أخرى، تعيش واقعك وتجاربك بشكل صحيح ومتيقظًا لكل ما هو خاص بك، حولك، بدلًا من محاولة الانفصال أو أن تكون ساخرًا. فبدلًا من أن تكون ذلك الوجه أو القناع الذي يعيش بين الناس غير مرتبط حقًّا بأي شيء، غير مبالٍ بما حولك ومن أنت ولماذا، غير مهتم بما يهمك وما يهتم به من حولك، بإمكانك حقًّا أن تعيش مرة أخرى في صلب الواقع ودائرة الاهتمام.
ولذلك فإن القلق هو ذلك المكون السحري في داخلنا، فبدلًا من الهروب من رؤيته كما في علم الأمراض، بإمكانك أن تبدأ بالشعور به وتقديره، وتجعله مصدر نمائك وازدهارك الداخلي، وأن يكون شعلة طاقة حياتك. في النهاية، إنه الدليل على أنك حي تُرزق، وإن كان في مكانه الصحيح، فهو تلك الدفعة الصغيرة التي تحتاجها للمضي قدمًا إلى الأمام في الحياة.
وحينما ستتقبل قلقك الداخلي، فإنك ستدرك حريتك الأساسية، فهما مفهومان مقترنان ببعضهما البعض:-
الحرية هي تجربة غاية في الروعة؛ أن تكون غير مقيد بشيء أو متحكم بك بأي شكل من الأشكال، وأن تحس بوجودك بدون إحباط، ولكن الحرية من الصعب جدًّا استحقاقها، فلا يمكن تحقيقها إلا بعد أن تشعر بعدم حريتك، لن تشعر بها إلا بعد أن تعرف إحساس أنك مقيد، وأن تعرف ما هي قيودك. ويمكنك فقط أن تستغل حريتك وتستخدمها في حدود وجودك، فبالتالي فقط بتقبلك أنه لا يمكنك فعل كل شيء في الحياة إلا في الحدود التي تفرضها عليك، وأنه عليك أن تعمل بما لديك في نطاق هذه الحدود من أجل أن تشعر فعلًا بحريتك، وفقط بمعرفة تلك الحدود يمكنك أن تتحرك بداخلها، أو بجانب الحدود فهو أمر معرفي بالنهاية، وبالطبع إن أدركتها فبإمكانك تغيير هذه الحدود واختيار أخرى تناسبك، ولكن لن يتأتى ذلك إلا بعد معرفة حدود حريتك.
ولكن هنالك دائمًا بعض الحدود التي تنطبق علينا جميعًا وهي حقائق: (حقيقة أنك ولدت وستموت، حقيقة الجاذبية، حقيقة احتياجات جسمك المادية، إلخ) ولذلك فالحرية دائمًا ليست جذرية أو كاملة، دائمًا محدودة بشكل ما، وبمعرفة الحدود يأتي التغيير والإحساس الحقيقي بها، واستغلالها لأقصى حد، وصنع حياة خاصة بك تستطيع أن تراها أفضل وأجمل ما تريد، أقل ما يُقال عنها نابضة بالحياة، حينها ستستطيع الإحساس بمتعة خلق قيمك الخاصة وتطويرها دائمًا في حياتك فهي من صنعك أنت، وهذه الخطوة ستضع أُطُر المعنى، ليس فقط بالبحث عنها ولكن بصنع المعاني الخاصة بك وإضافتها للعالم. وأن تكون على علم بأن الطريقة التي تعيش بها بوعيك وإدراكك في هذا العالم، هي الطريقة التي ستعظم المعنى في حياتك أو تقلل منه، فأنت تعيش حقًّا بكامل وجدانك وتراكيبك النفسية المختلفة، فبمرور المواقف عليك الجيد منها والسيئ، لا فرق فكلاهما ستعيشه بكامل وجدانك، لتصنع منهما اختياراتك الصحيحة والخاطئة، لا فرق أيضًا لأنك كنت حقيقيًّا وأنت تعيش هذه المواقف، وأخضعتها لقيمك وخلقت منها معنى جديدًا لنفسك، واتخذت منها تحديات مختلفة قمت بعيشها، أو عقبات عايشتها وأخضعتها لتجربتك الخاصة، جعلتك تمر بتجارب أخرى بالضرورة وأضفتها لحياتك ومجموع تجاربك.
وهنا تتداخل المفاهيم؛ "قلقك" أولًا الذي دفعك للتصرف بالأساس وجعلك واعيًا كفاية لتهتم، و"حريتك" التي سمحت لك أن تكون مبدعًا، وأن تغير الأشياء من حولك، وأن تتخذ اختيارات، وأن تؤسس "قيمًا"، وأن تخلق "معنى"، وأن تتعاظم تلك المعاني بداخلك على مدار نضجك وعمرك، لتصبح الأمور أسهل بتصرف، لأنك لديك الآن تصور أفضل لنفسك وللعالم من حولك ولمحيطك.
وبذلك فإنه بمجرد أن يسمح العميل لنفسه أن يؤكد لنفسه هذه المفاهيم، بدعم من المختص، فإنه يفاجأ بما يكتشفه من فرص وإمكانات، وأنه دائمًا "القدرات أكثر من القيود"، لأن هذه هي طريقة صنع الإنسان، فقد خُلقنا بقدرة التغلب على الصعوبات، وأن نستعمل المعطيات التي أمامنا لخلق شيء آخر تمامًا، جديد كليًّا إن أردنا، فالإنسان بطبيعته قادر على خلق المزيد والمزيد إن أراد، وهكذا تسير الأمور، نأتي للدنيا نضيف لها شيئًا ما، ونتركها بعدها برغم ضآلتنا كمخلوقات. (Emmy van Deurzen)
هو أن العلاج الوجودي يعمل مع الوجود البشري بأكمله، من خلال النظر في تجاربه الخاصة في أبعاد مختلفة: (بيولوجية، اجتماعية، سياسية، وجودية، روحية) من منظور متعدد الطبقات، بدلًا من مجرد معالجة الحالات الذهنية والسلوكية الفريدة من منظور نفسي.
فنجد كلًّا من سارتر وكامو يؤكدان: "أنه من الواجب على الإنسان أن يخلق معناه الخاص به، لأنه وبهذه الطريقة فقط بإمكانه التغلب على قلقه، وحماية ذاته من الشعور بالعدم". في حين يزعم فيكتور فرانكل: "أن الشغل الشاغل للإنسان هو البحث عن المعنى في الحياة" واقتبس بذلك قول كيركيجارد بأن "الالتزام غير المشروط هو مفتاح الحياة ذات المعنى".
أكد كيركيجارد، في القرن التاسع عشر، على أهمية الالتزام غير المشروط كمفتاح لحياة ذات معنى. ووفقًا لكيركيجارد فإنه لا يمكن تحقيق المعنى الحقيقي والوفاء في الحياة، إلا عندما يلتزم المرء التزامًا صادقًا وثابتًا بشيء أو بشخص يتجاوز نفسه. فبالنسبة لكيركيجارد، فإن عيش حياة ذات معنى ينطوي على تجاوز عالم الرغبات الشخصية والطموحات والمصلحة الذاتية. ورأى أن الأفراد غالبًا ما يجدون أنفسهم عالقين في حالة من التردد والغموض واليأس، بسبب تعدد الخيارات والإمكانيات المتاحة لهم، في هذه الحالة فقد يفتقرون إلى الإحساس بالاتجاه والغرض والأصالة.
وجادل كيركيجارد بأن المعنى الحقيقي والوفاء يتطلبان قفزة إيمانية، أو التزامًا جذريًّا بشيء أعظم من الذات، ويتضمن هذا الالتزام: (تكريسًا عميقًا لهدف أسمى، أو دعوة أخلاقية أو دينية، أو علاقة ذات أهمية عميقة). فهو يتطلب الاستعداد لتحديد الأولويات، وتكريس الذات بالكامل لهذا الالتزام المختار، حتى في مواجهة التحديات أو الشكوك أو التضحيات.
ومن خلال الالتزام غير المشروط، يتقبل المرء المخاطر والشكوك الكامنة التي تأتي مع مثل هذا الاختيار. رأى كيركيجارد في هذا الالتزام وسيلة للتغلب على القلق والمعضلات الوجودية التي تنشأ من حرية الاختيار. فهو يوفر إطارًا للأفراد لتوجيه حياتهم، وتشكيل قيمهم، وإيجاد إحساس بالمعنى والغرض يتجاوز وجودهم الفردي.
ففي فلسفة كيركجارد، يُعتبر هذا الالتزام شخصيًّا وذاتيًّا للغاية؛ إنها ليست مسألة التوافق مع التوقعات المجتمعية أو الالتزام بالمعايير الخارجية. وبدلًا من ذلك فهذا الالتزام يتضمن تفكيرًا داخليًّا، ولقاء حقيقيًّا مع قيم الفرد ومعتقداته وعواطفه، واتخاذ قرار شجاع باحتضانها والعيش وفقًا لها.
من المهم أن نلاحظ أن فكرة كيركيجارد عن الالتزام غير المشروط هي فكرة فردية للغاية، ويمكن أن تختلف بشكل كبير من شخص لآخر، فليس الهدف الأسمى أو الغاية العظمى متفقة عند شخصين بنفس المعنى بتطابق تام، حتى وإن اشتركا ظاهريًّا فيه، بل إن ما يشكل التزامًا هادفًا سيختلف اعتمادًا على ظروف الفرد الشخصية وقيمه ونظرته للعالم. بالنسبة للبعض، فقد يكون التزامًا بعقيدة دينية، أو سعيًا إبداعيًّا، أو قضية اجتماعية، أو علاقة حميمية للغاية.
في النهاية، يشير تركيز كيركجارد على الالتزام غير المشروط إلى أن الحياة ذات المعنى لا توجد في مساعي المتعة أو تراكم الإنجازات الخارجية، بل في العمق والإخلاص والتفاني الذي لا يتزعزع الذي يجلبه المرء لالتزامه الذي اختاره. ومن خلال تبني مثل هذا الالتزام، يمكن للأفراد العثور على الهدف والأصالة والشعور بالتعالي الذي يتجاوز وجودهم المحدود.
فى حين يزعم هايدجر بأن "الإنسان لا جوهر له، ولكنه كائن ديناميكي يتجه نحو الموت، وخلال ذلك يقوم بالاختيارات المختلفة حتى ينتهي وقته"، ولذلك فإنه لا يعتد بالإنسان أبدًا كبناء أو كهيكل مختلف.
فكر في الأمر بهذه الطريقة:
بداية كمراهقين، نحن نتطور باستمرار، ونواجه تجارب جديدة، ونتخذ خيارات تشكل هويتنا.
يرى هايدجر أن عملية الصيرورة هذه لا تنتهي عندما نصل إلى مرحلة البلوغ، أو نحقق أهدافًا معينة. وبدلًا من ذلك، فإنها تستمر طوال حياتنا كلها، حيث إن أحد الجوانب الرئيسية لفلسفة هايدجر هو فكرة أن وعينا بفنائنا ومحدوديتنا، ينهض بدور حاسم في تشكيل وجودنا. كأن يعتقد أن إدراك موتنا النهائي يمنح حياتنا إحساسًا بالإلحاح والمعنى، بل ويدفعنا إلى اتخاذ الخيارات، واتخاذ الإجراءات التي تتماشى مع قيمنا وما يهمنا حقًّا.
لذا، فوفقًا لهايدجر، فإن كونك إنسانًا لا يعني محاولة التكيف مع قالب مسبق، أو الارتقاء إلى مستوى توقعات الآخرين. يتعلق الأمر باحتضان فرديتنا، والاعتراف بأننا نتطور باستمرار، والاعتراف بأن خياراتنا وأفعالنا مهمة.
يمكن لهذا المنظور أن يشجعك على تبني عملية اكتشاف الذات والنمو. إنه يذكرنا بأن لدينا الحرية في تشكيل حياتنا، واتخاذ الخيارات التي تتماشى مع ذواتنا الحقيقية، ولا بأس في استكشاف مسارات مختلفة، وارتكاب الأخطاء والتعلم منها على طول الطريق.
ولنتذكر أن الحياة لا تتعلق بالوصول إلى وجهة ثابتة، بل تتعلق بالانخراط في رحلة مستمرة لاكتشاف الذات وتطوير الشخصية.
احتضن هذه العملية، واتخذ الخيارات التي تتوافق مع شخصيتك الحقيقية، ودع عملية الكشف عن وجودك الفريد تكون مصدرًا للإثارة والوفاء.
إن العلاج الوجودي يختلف جوهريًّا عن نظام تصنيف الأمراض التقليدي، ومنظور القلق واضطراباته، حيث إنه لا يعتبر أن أي عاطفة أو مكون وجودي بداخلنا مرض، ولكنه نهج بانتظار أن يتم فهمه، باعتبار القلق فرصة للعمل عليها وتحقيق لنتائج مرغوبة بدلًا من محاولة التخلص من هذه المشاعر.
ولكن ليس للعلاج الوجودي نظرية إبستيمية (معرفية) خاصة به، بالرغم من تميزه بالكثير من المناهج التي زادها الفلاسفة حديثًا للعمل به، إلا أنه يتدخل عن طريق استخدام الأسلوب الفمنيولوجي (الظاهري)، وهو بكل بساطة فهم الأشياء كما تبدو للعيان، فوعينا دائمًا يكون مدركًا لشيء ما ومرتبطًا بباقي الأشياء، وبالتالي فإن البحث في علم الظواهر هو بالضرورة بحث في العلاقة بين الأشياء والإنسان في حوار قائم. وعلى عكس الموضوعية، فإن أي شيء لا يمكن بأي شكل أن يختبر نفسه، بل لا بد من وجود من يختبره، فعلى عكس الطريقة الفرويدية فإن العلاج الوجودي لا يبحث عن المعنى الضمني للأشياء، بل ما يظهر وكيفية ظهوره في حد ذاته باعتبار أول لذاتية التجربة كأولوية، فإن اتخذنا مثالًا لعميل أُصيب بالفصام أو الذهان ويدّعي أنه نابليون بونابرت، فنجد العلاج الوجودي يعتد بهذا الادعاء كحقيقة صحيحة، ليتم بعدها التحقيق في ما يعنيه أن يكون هو نابليون بونابرت لتبدأ الأسئلة:
"ما الذي يحاول أن يخبرنا به؟!"، "هل يجعله ذلك يشعر بالقوة أن يكون نابليون بونابرت؟!" بحيث يحاول المعالج الوجودي الدخول إلى جوهر التجربة ذاتها، وهو أصل العلاج الوجودي وما يعنيه بالأساس. ولنتذكر دائمًا أن الغرض الأساسي من العلاج هو الإحالة من حالة اللاوعي إلى الوعي.
الاختلاف الآخر اختلاف منهجي، فعلم الظواهر في الأساس أسلوب بحث شخصي يركز على أهمية التجربة الذاتية الفريدة، بدون تعليقات أو تدخل من قبل المعالج، ما قد ذكره جايمس بوجينتال بالتركيز على ما هو ضمني في سياق ما هو صريح. ولذلك فإن استخدام المكون الوجودي هو استخدام لسبر أغوار الشخصية، واستخدام التجربة الذاتية هو أفضل فرصة للتقييم.
والمجال الرئيسي للعلاج الوجودي هو موضوعات مثل الحرية والقلق والموت والالتزام، وهذا لا يجعل له بالضرورة أي تفوق أو دونية عن المدارس العلاجية الأخرى، فمن المناسب جدًّا لبعض الأفراد أن يتضمن علاجهم العلاج الوجودي، ولا يناسب إطلاقًا غيرهم. فمثلًا لا يمكن بأي حال من الأحوال استخدام العلاج الوجودي مع الأطفال، فلا يمكن أن نعتبر التجارب الخاصة بهم أو اختياراتهم أصيلة كفاية ليُعتد بها.
وحتى يصبح الإرشاد الفلسفي أو العلاج الوجودي مهنة، فلا بد للممارس من تدريب خاص في الفلسفة، وهذا يعني أنه على المرشد الفلسفي تكوين العديد من الخطابات الفلسفية الواسعة، التي يمكن أن تكون قابلة للتطبيق لحل المشكلات المختلفة التي تواجه الناس.
ومن هنا، لا يمكن لأي شخص أن يكون مرشدًا فلسفيًّا، فهو بحاجة إلى تدريب خاص على درجة متقدمة في الفلسفة. ويعني ذلك أنه يحتاج إلى أن تكون لديه معرفة بالعديد من الخطابات الفلسفية، لتطبيقها بطريقة مجدية في حل المشكلات المختلفة، التي تواجه حالة المُستَنصِح.
وهناك برامج إرشادية حقيقية قائمة على أسس ومبادئ معترف بها مثل:
Rational Emotive Behavior Therapy (REBT)
Logic Based Therapy (LBT)
وهذا النوع من العلاج الفلسفي له جذوره في العلاج النفسي أيضًا، وخاصة العلاج العقلاني الانفعالي، بالرغم من أن هذه البرامج تُعد في الوقت الحاضر من أبرز أشكال الإرشاد الفلسفي والتي تؤكد الارتباط الوثيق بين الإرشاد النفسي والفلسفي.
ويتلقى المرشدون النفسيون عادة للقيام بمهامهم في دراسة اضطرابات السلوك وفهمها، وعلاجها على الوجه المطلوب، تدريبًا خاصًّا في مجالات ثلاثة.
المجال الأول: قياس الذكاء والقدرات العقلية العامة، وذلك لمعرفة حالة الفرد العقلية والنفسية في الحاضر والمستقبل.
المجال الثاني: قياس الشخصية ووصفها وتقويمها، وتشخيص السلوك الشاذ، بغرض معرفة شكوى المسترشِد أو المتعالِج، والظروف المختلفة التي أحاطت به وأدت إلى ظهور تلك المشكلة، مما يساعد بالتالي على فهمها بدقة وتمهيد الطريق إلى علاجها.
المجال الثالث: يرمي الإرشاد النفسي بأساليبه وطرقه المختلفة إلى تخليص الفرد مما يعانيه من اضطراب وسوء توافق. بينما الإرشاد الفلسفي هو بواقع الأمر فلسفة تطبيقية، وإن لم يكن علاجًا بأتم معنى الكلمة بالمفهوم الطبي، حيث يرى تيلمان أن الإرشاد الفلسفي يُعد شكلًا من أشكال الإرشاد الفكري الذي يختلف تمامًا عن الإرشاد النفسي التقليدي، ووفقًا لذلك يكون الهدف من الإرشاد الفلسفي هو توضيح المفاهيم حول الحكمة، والمفاهيم الأخرى المتعلقة بالقيم، دون اللجوء إلى توضيح أشكال الاضطرابات النفسية أو مفاهيم الصحة النفسية، ومع ذلك من المسلم به أن الإرشاد الفلسفي قد تكون له آثار نفسية مفيدة، كالتي يمكن وصفها على نطاق واسع في العملية العلاجية أو الإرشادية النفسية.
وعلى ذلك، فلا يمكن أن ندّعي بأي حال من الأحوال أنه يمكن تقديم الإرشاد الفلسفي بديلًا عن الإرشاد النفسي كحكم تعميمي، لأن الإرشاد الفلسفي مختلف جذريًّا في جوهره عن الإرشاد النفسي كما أسلفنا. ويمكن القول بأن الإرشاد الفلسفي مرحلة مهمة جدًّا في حياة الفرد، لفهم ذاته وتنميتها، فهناك أنواع كثيرة من نظريات وأساليب الإرشاد والعلاج النفسي، يمكن أن تُقدَّم كوسائل مساعدة للمسترشدين الذين يعانون من معضلات حياتية، وفي الوقت نفسه يركز العديد من المرشدين النفسيين إن لم يكن معظمهم على الانفعالات مثل يونج، وروجرز، وإليس، وفرانكل، وفروم…. الذين انتقلوا نحو الطرق الفلسفية للإرشاد، ومعظم المرشدين الفلسفيين تناولوا الجوانب الأساسية للانفعالات، التي هي قوة لا يُستهان بها في حياة الفرد، والعديد من عملاء الإرشاد الفلسفي استكشفوا الجوانب المعقولة في علم النفس تمهيدًا للانتقال إلى الفلسفة، والمثل يقول "تعلم السباحة في المياه الضحلة قبل الخوض في المياه العميقة".
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.