يبصر الناس علامات السماء ويستقصونها، أمّا علامات الزمن فلا يستطيعون أن يبصرونها على الرغم من أنّها بيّنة لا تخفى عن الأعيّن (إنجيل متّى 16: 2-4).[2] تتبلور علامات الزمن في شكل أحداث تُنبئ عن الحقبة الآتية وتبيّن خصائصها، أحداث يمكن لها أن تمر من دون أن تُلحظ ومن دون أن تغيّر أي شيء تقريبًا في الواقع الذي حدثت فيه، لكنها―ولهذا السبب تحديدًا―تُعدّ علامات أو مؤشرات تاريخية، sēmeia tōn kairōn (آيات على الزمن، بيونانية الإنجيل).
وقع أحد هذه الأحداث في الخامس عشر من شهر أغسطس من سنة 1971، عندما أعلنت الحكومة الأمريكية، في عهد رِتشارد نِكسون، عن تعطيل قاعدة تحويل الدولار إلى ذهب. لقد أشّر هذا الإعلان، فعليّا، على نهاية النظام النقدي الذي ربط، لردح من الزمن، قيمة النقود بالذهب، ومع ذلك، عندما زُفّ هذا الخبر، في أوج إجازة الصيف، تلقى قدر من النقاش أقل مِن الذي يحق لنا توقعه. فبداية من هذه اللحظة، فقدت عبارة «أتعهد لحامله بدفع مبلغ...» المنقوشة على بعض العملات الورقية (كالجنيه الإسترليني والروبية لكن ليس اليورو)، والمصدّق عليها بتوقيع محافظ البنك المركزي، معناها نهائيا. إذ لم تعد تعني، منذ ذلك الحين، سوى الآتي: في مقابل هذه الورقة النقدية، لن يجب على البنك المركزي أن يعطي حاملها (لو افترضنا أنّ أحدًا بلغ من الحمق أن يطلب مقابلها) مقدار محدد من الذهب (35 أونصة مقابل الدولار الواحد)، وإنما ورقة مثلها بالضبط. وبذلك أفرِغت النقود من أي قيمة لا تحيل عليها بحد ذاتها فقط لا غير. والأمر الأشد إدهاشا هو اليُسر الذي تُقبّلت به حركة السيّد الأمريكي، التي ترقى إلى محو ثروة الذهب من بين يديّ أصحاب النقود. وكذلك، لو أنّ ممارسة الدولة لسيادتها النقدية تتألف، كما يُقال، مِن قدرتها على حثّ المستثمرين في الأسواق الماليّة على استعمال ديونها كنقود، فإنّ هذا الدَين قد فقد صلابته الواقعية بالكامل، قد أضحى ورق محض.
والحق، إنّ عمليّة تجريد النقود من ماديّتها قد بدأت قبل ذلك بقرون عِدّة، حينما أفضت طلبات السوق إلى إصدار أوراق الدفع (الكمبيالات)، والأوراق النقديّة (البنكنوت)، والصكوك السَناهيّة (Juros)،[3] وأوراق الصاغة المصرفيين (goldsmith's notes)، وهلمّ جرّا، إلى جانب النقود المعدنيّة، التي كانت شحيحة بالضرورة ومتعبة. وتشير كل هذه الأشكال من النقود الورقيّة، في واقع الأمر، إلى الإئتمان أو التصديق (credit)، ولذلك تُسمى بالنقود الإئتمانيّة، أو قُلْ النقود الإيمانيّة (fiduciary money) [لأنّها تستمد كل قيمتها من إئتمان حاملها وتصديقه والثقة فيه، من الإيمان بأنّه سيصدق الوعد ويدفع مقابلها من الذهب أو الفضة]. أمّا النقود المعدنيّة فقد كانت ذات قيمة―أو كان يُفترض أنها ذات قيمة―بفضل محتواها من المعدن النفيس (الذي لم يكن مستقرًا، كما هو معروف، ومن الأمثلة المتطرفة على ذلك، العملة الفضية التي سكّها الملك الصقلي فريدريك الثاني (ت 1250) وتحول لونها، بعد الاستعمال، إلى الأحمر النحاسي). ومع ذلك، جاز لعالم الاقتصاد يوزيف شومبيتر (ت 1950)―الذي عاش في حقبة قد تمت فيها غلبة النقود الورقيّة على المعدنية―أن يقول، غير مجانبا للصواب: ليست جميع النقود (ورقية ومعدنية) سوى إئتمان، في نهاية المطاف. وبعد ما جرى في الخامس عشر من أغسطس من سنة 1971، ينبغي على المرء أن يضيف الآتي إلى قوله: النقود إئتمان لا يقوم إلا على نفسه وليس له عِدْل إلا نفسه.
تحمل واحدة من وريقات ڨالتر بنيامين الأشد ألمعيّة المنشورة بعد مماته هذا العنوان: «الرأسماليّة كدِين».[4]
لقد تبين كثيرون أنّ الاشتراكيّة تشبه الدين (ومنهم كارل شميت الذي قال: «تزعم الاشتراكيّة أنها تبث الروح في دين جديد، معناه عند أهل القرنين التاسع عشر والعشرين نفس معنى المسيحيّة عند أهل القرن الأول»).[5] في المقابل، يرى بنيامين أنّ الرأسماليّة ليست مجرد علمنة للدين البروتستانتي، كما يرى ماكس ڨيبر، وإنما هي ظاهرة دينية في جوهرها، قد ترعرعت متطفلة على عاتق المسيحية. إنها دِين الحداثة، الذي يتصف بثلاث صفات أساسيّة. أولًا: إنها دِين نُسكي (تعبدي)، بل لعلها الأشد نسكيّة من بين جميع الأديان التي وجِدت على الإطلاق. إذ يستمد كل شيء فيه معناه من أداء المناسك وليس من أي عقيدة أو فكرة.[6] ثانيًا: العبادة الرأسماليّة سرمديّة: «أداء المناسك sans trêve et sans merci (بلا هدنة ولا رحمة، بعبارة بودلير)».[7] إذ يستحيل التمييز فيها بين أيام التعبد وأيام التعييد، وإنما يوجد يوم تعبّد-تعييد واحد لا ينقطع، يتطابق فيه التعبّد مع التعييد.[8] ثالثًا: لا ترمي العبادة الرأسماليّة إلى النجاة وتكفير الذنوب (الديون) وإنما إلى الذنب (الدَين) نفسه: »لعل الرأسماليّة أوّل ديانة تُحدِث الذنب عوضا عن تكفيره...إنّ إحساسا هائلًا بذنب لا مغفرة له يُمسك بتلابيب هذه الديانة، لا لتكفير هذا الذنب وإنما لتعميمه...لدرجة أنّ الربّ يجد نفسه، أيضا، مثقلا، في نهاية المطاف، بالذنب...إنّ الرب لم يمت وإنما صار إلى نفس مصير البشرية «مذنبا».[9]
وتحديدًا لأنّها تنزع، بكل جبروتها، لا إلى النجاة وإنما إلى الذنب، لا إلى الرجاء وإنما إلى القنوط، لا ترمي الرأسماليّة بصفتها دينًا إلى تغيير العالم وإنما إلى تدميره.[10] ولقد تم ظهور الرأسماليّة وسلطانها في زمننا لدرجة أنّ أنبياء الحداثة الثلاثة الكبار (نيتشه وماركس وفرويد) لم يسعهم، بحسب بنيامين، إلا أن يتواطؤ معها، أن يدخلوا، بقدر أو بآخر، في دين القنوط: »هذه هي أخلاق نيتشه: مرور الكوكب "البشري" خلال منزل القنوط في عزلة فلكه المطلقة. هذا الإنسان [القانط] هو الإنسان الأعلى، أوّل من يعترف بدين الرأسماليّة ويشرع في السعي إلى إتمامه.« وكذلك تنتمي النظرية الفرويديّة إلى كهنوت الدين الرأسمالي: «إنّ ما كُبِت، أي فكرة الخطيئة، هو رأس المال نفسه، الذي يدفع فوائد في جحيم اللاوعي«. وعند ماركس، تتحول الرأسماليّة عن طريق الفائدة البسيطة والمركبّة المرتهنة بالذنب...إلى الاشتراكيّة على الفور».[11]
دعونا نحمل فرضيّة بنيامين هذه على محمل الجد ونوسعها. لو أنّ الرأسماليّة دين، فكيف لنا أن نعرّفها من جهة الإيمان (faith)؟ ما الذي تؤمن به الرأسماليّة؟ وما مقتضى قرار نيكسون على هذا الإيمان؟
عكف دَڨيد فلاسر (ت 2000)، وهو بحّاثة كبير في علم الأديان (أجل، يوجد فرع علمي يحمل هذا الاسم الغريب)، على دراسة كلمة pistis، وهي الكلمة اليونانية التي استعملها المسيح ورسله، في الكتاب المقدس، للإشارة إلى الإيمان. وذات يوم، وجد نفسه بمحض الصدفة في أحد ميادين أثينا، وعند موضع معين، رفع عينيه فرأى هذه الجملة مكتوبة أمامه بحروف كبيرة: Trapeza tēs pisteōs. ومدهوشا من الصدفة، نظر بتمعن فتبين على الفور أنه واقف أمام مصرف (بنك) ببساطة: فهذه الجملة تعني «مصرف الإئتمان» في اللغة اليونانيّة.[12] ها هو معنى كلمة pistis، الذي قضى أشهرًا في البحث عنه، ماثلًا أمام عينيه: pistis، الإيمان، هو التصديق الذي ننعم به مع الله وينعم به كلامه معنا، حينما نثق فيه (أو نأتمنه). ولهذا السبب جاز لبولس[13] أن يقول في تعريفه الشهير: «الإيمان هو جوهر ما نرجوه»[14] (الرسالة إلى العبرانيين 11: 1): إنه ما يعطي واقعيّة ووجودا لما لم يوجد بعد لكننا نصدّقه ونثق فيه، لكننا خاطرنا بوضع كلمتنا وثقتنا على محكه. لفظ Creditum هو اسم المفعول من الفعل اللاتيني credere: إنه ما نصدّقه ونثق فيه، حينما ندخل في علاقة إئتمانيّة (إيمانيّة) مع أحد الناس بإدخاله في جوارنا أو بإقراضه من مالنا، بدخولنا في جواره أو بإقتراضنا من ماله. وهكذا تحيي كلمة pistis البولسيّة تلك العلاقة الهندو-أوربيّة العتيقة التي وصفها إيميل بنڨِنيست، وهي «الوفاء الشخصي» : مَن يؤتَمن يضع مَن يأتمنه تحت رحمته...وتنطوي هذه العلاقات، في صورتها البدائيّة، على ضرب من المبادلة: وضع المرء ثقته أو إيمانه (Fidēs) في شخصٍ يضمن له، في المقابل، كفالته وعونه.[15]
ولو صح ذلك، ستجد فرضيّة بنيامين عن الصلة الوثقى بين الرأسماليّة والمسيحيّة تأييدًا إضافيّا لها: [16] مثل المسيحية، الرأسماليّة دين قائم بالكامل على مجرد الإيمان؛ إنها دين يعيش أتباعه sola Fide (على الإيمان وحده). وكما أنّ العبادة في دين الرأسماليّة متحررة من أي معبود، والذنب متحرر من أيّ خطيئة وبذلك من أيّ مغفرة، فإنّ الإيمان في دين الرأسماليّة متحرر من أي مؤمَن: إنها تؤمن بفعل الإيمان نفسه، بمحض الإئتمان والثقة، أي: [تؤمن بالنقود التي ليست سوى إئتمان محض في نهاية المطاف، كما قال شومبيتر[. ولذلك الرأسماليّة هي دين قد حلّ فيه الإيمان―الإئتمان―في محل الله. أو بعبارة أخرى: الرأسماليّة هي دين حلّت فيه النقود―بصفتها إئتمان محض―في محل الله؛ إنّ النقود هي إله الدين الرأسمالي.[17]
ومقتضى ذلك، أنّ المصرف (البنك)―وما هو إلا آلة لصنع الإئتمان وتدبيره―قد حلّ في محل الكنيسة. وبتدبيره للإئتمان، يسيطر على الإيمان―الثقة الشحيحة والمتزعزعة―الذي لا يزال زمننا يحتفظ به في نفسه، ويتلاعب به.
ما أثر قرار تعطيل قاعدة تحويل النقود إلى ذهب على هذا الدِين؟ تجليّة مضمونه اللاهوتي، يقينا، على غرار حرق موسى لعجل الذهب أو تقرير معتقد على إثر مجمع مسكوني. إنه الخطوة الحاسمة نحو تصفية الإيمان في هذا الدين وبلورته. فبفضله تحرر الإيمان―في شكل إئتمان ونقود―من أي مدلول خارجي، وقطع صلته الوثنية بالذهب، وأكّد على مطلقيته. الإئتمان (credit) موجود غير مادي تماما، ولذلك هو أكمل محاكاة هزليّة للإيمان (pistis)، الذي هو »جوهر ما نرجوه«، كما ينص تعريف بولس الشهير في الرسالة إلى العبرانيين، الذي يستعمل فيه لفظ ousia، وهو أبرز مصطلحات الأنطولوجيا اليونانية على الإطلاق (الإيمان هو ousia ما نرجوه). ومقصد بولس هنا هو الآتي: أولئك الذين آمنو―الذين وضعوا pistisهم في المسيح―يعاملون أقواله كما لو أنّها جوهر أي شيء واقعي موجود وملموس.[18] وهذه الـ»كما لو«، هي تحديدا ما ألغته محاكاة الدين الرأسمالي الهزليّة للإيمان. ففي الدين الرأسمالي، لا تُعامل النقود -كما لو- أنها جوهر، وإنما أضحت النقود، أي الـ pistis الجديد، جوهر صريح وتام. وتتجلى لنا هنا طبيعة الدين الرأسمالي المدمرة، التي تحدث عنها بنيامين، بوضوح شديد. إذ لم يعد «ما نرجوه» موجودًا، لقد وجب محوه، وتم محوه، لأنّ النقود أضحت هي جوهره (هي ousia اه باصطلاح أنطولوجي). وبذلك، أزيل العائق الأخير الذي كان يعترض طريق خلق سوق نقدي أي تحويل النقود إلى سلعة تامة الـ(finance).
والمجتمع الذي يدين بدين الإئتمان، أي الذي لا يؤمن إلا بفعل الإيمان، محكوم عليه بأن يعيش على الإئتمان (على الدَين). لقد شرح روبرت كيرز تحوّل رأسماليّة القرن التاسع عشر―التي كانت لاتزال قائمة على القدرة على الدفع أو الملاءة (solvency) وعلى عدم الثقة فيما يخص الاستدانة―إلى الرأسماليّة النقديّة المعاصرة (الـ finance)، قائلا: »في القرن التاسع عشر، حيث كان رأس المال خاصا، أي مملوكا لأفراد وعائلات، كان مبدأ الاحترام والملاءة لا يزال معمولا به، ولذلك بدت الاستعانة المتزايدة بالاستدانة شبه فاحشة، بداية النهاية. ويعج أدب هذه الحقبة (الروايات المسلسلة) بقصص سقوط عائلات كبيرة إلى الحضيض بسبب اعتمادها على الاستدانة. بل إنّ توماس مان قد فاز بجائزة نوبل على تصويره لهذه الثيمة في روايته Buddenbrook (بودينبروك). بالطبع لم يكن للنظام الاقتصادي الآخذ في التشكل حينئذ مندوحة عن رأس المال المنتِج للفائدة، لكنه لم يكن يؤدي في ذلك الحين دورًا مركزيّا في الإنتاج الرأسمالي العام. إذ عُدّت الأعمال التجارية القائمة على رأس المال "الوهمي" (المستدان) شأن النصّابين والمحتالين القابعين على هامش الأعمال القائمة على رأس المال الحقيقي (المملوك لصاحبه). حتى هنري فورد نفسه قد أبى لردح من الزمن أن يلجأ إلى الاقتراض من البنك، وأراد أن يموّل استثماراته برأسماله الخاص«.[19]
على مدار القرن العشرين، تقوض هذا المبدأ الأبوي بالكامل، وأضحت الأعمال التجاريّة اليوم قائمة بقدر متزايد على رأسمال نقدي مُقترض من البنوك. ومقتضى ذلك أنّ الأعمال التجاريّة يتحتم عليها―إذ ما أرادت أن تستمر في الانتاج―أن ترهن مقدّما كميات لا تنفك تتزايد من العمل والإنتاج المستقبلي. وبذلك، يتغذى رأس المال المنتِج للمتاع (goods)، تغذيا وهميّا، على مستقبله. إنّ الدين الرأسمالي ليعيش―كما يتفق مع أطروحة بنيامين―في حالة استدانة لا تزول، في ديون لا ينبغي قضائها ولا يمكن قضائها.
لكن ليست الأعمال التجارية وحدها ما يتحتم عليها أن تعيش sola Fide، أي على الإئتمان، على الديون. فأيضا الأفراد والعائلات، الذين لا ينفكون يلجأون إلي الاستدانة، يتوجب عليهم دينيا أن يقفزوا هذه القفزة الإيمانية المستمرة والمعممة بالمستقبل. والبنك هو الكاهن الأعلى الذي يؤمّ المؤمنين في هذه الشعيرة التعبدية الوحيدة في دين الرأسماليّة: الإئتمان-الإقتراض.
أتساءل، في بعض الأحيان، كيف يمكن للناس أن يظلوا مؤمنين بدين الرأسماليّة وقابضين على جمره! إذ من الواضح أنّ الناس لو ارتدوا عن الإيمان بالإئتمان وتوقفوا عن العيش عليه، لانهارت الرأسماليّة على الفور. ومع ذلك، يبدو لي أنني ألمح بطرفي بعض بوادر الكفر بإله الإئتمان.
قبل إعلان نِكسون بأربع سنوات، نشر جي ديبور كتابه La société du spectacle (مجتمع المشهد).[20] وهذه هي أطروحة الكتاب المركزيّة: تقدم الرأسماليّة نفسها، في طورها الأخير، كمراكمة هائلة للصور، بحيث يغدو كل ما كان يستعمل ويُعاش على نحو مباشر مُغرّبا في صورته. وحينما يبلغ التسليع ذروته تختفي القيمة الاستعماليّة بأكملها، بل وتتبدل طبيعة النقود نفسها أيضا. إذ لا تعود المعادل المجرد والعام لجميع السلع« التي لا تزال محتفظة بشيء من قيمتها الاستعماليّة، وإنما: المشهد [هو الوجه الآخر للنقود]...لكنه هو النقود التي يمكن للمرء أن ينظر إليها فحسب [لا أن يستعملها]، وذلك لأنّ مجمل الاستعمال مستبدل، في المشهد، بمجمل التصوير المجرد.[21] ومن الواضح أنّ هذه النقود التي يُنظر إليها ولا تُستعمل هي―حتى ولو لم يصرّح ديبور بذلك―سلعة مطلقة أي لا تحيل على قدر معلوم من المعدن النفيس. ومن هذا الوجه، يمكن عدّ مجتمع المشهد نبؤة قد حققتها الحكومة الأمريكيّة بقرارها بعد أربع سنوات من تنبئ ديبور بها.
وبحسب ديبور، يقابل هذا التبدّل في طبيعة النقود تبدّلا في طبيعة اللغة البشرية، إذ لا يعود لها ما تبلّغه (توصّله)، وإنما تبدو تبليغا لم لا يُبلّغ.[22] في مقابل النقود بصفتها سلعة نقيّة منبتة الصلة عن المعدن النفيس، توجد لغة منبتة الصلة عن العالم. فبعزل اللغة (والثقافة) إلى نطاق الإعلام (media)، الدعاية والإعلان،« تصبح نجمة السلع في المجتمع المشهدي»،[23] حيث ينعم الإعلام بشطر كبير من الناتج القومي. أي أنّ ما تمتّ مصادرته في المجتمع المشهدي هي طبيعة البشر اللغوية والتبليغية (التواصلية) نفسها: إنّ ما يعيق التبليغ اليوم هو تجريده وعزله في نطاق مخصوص، لا يوجد فيه ما يُبلّغ سوى التبليغ نفسه. وعلى ذلك، ما يفصل بين البشر، في المجتمع المشهدي (مجتمع الدعاية والإعلان) هو تحديدًا ما ينبغي له أن يؤلف بينهم.
الشبه بين اللغة والنقود أمر جلي ظاهر للنظر، أو كما يقول جوته: verba valent sicut nummi (الكلمات قيّمة كالنقود). لكن لو حملنا الصلة بين الكلمات والنقود على محمل الجد سيتبين لنا أنها أكثر من مجرد شبه. فكما إنّ النقود تدل على الأشياء بجعلها سلع، بجعلها قابلة للمتاجرة، فإنّ اللغة تدل على الأشياء بجعلها قابلة لأن تُقال وتُبلّغ. وكما إنّ ما سمح للنقود، على مدى قرون، أن تؤدي وظيفة المعادل العام لقيمة كل السلع، هو علاقتها بالذهب، فإنّ ما يضمن للغة قدرتها على التبليغ هو إشارتها إلى الأشياء، عزم المتكلم على الدلالة. إنّ الصلة الإشاريّة أو الدلاليّة بين الكلمات والأشياء، الحاضرة في عقل كل متكلم، هي ما يقابل في اللغة قاعدة الذهب في النقود. وهذا هو معنى المبدأ القروسطي القائل: لا يعتمد الشيء على الكلمة وإنما تعتمد الكلمة على الشيء (non sermoni res, sed rei est sermo subiectus). ومِن الكاشف، أنّ فقيه قانوني كبير من القرن الثالث عشر، وهو چيفري الطِراني، قد عبّر عن هذه الصلة بألفاظ قانونية، متحدثا عن Lingua rea (لغة متهَمة)، ولذلك يمكن للمرء أن يتهمها بعلاقة مع الأشياء: »وحدها صلة العقل بالأشياء ما تجعل اللغة متهَمة (أي دالّة)«.[24] ولو اختفت هذه الصلة الدلاليّة أو الإشاريّة، لن تقول اللغة شيئا (أو ستقول لاشيء). إنّ المعنى―الدلالة على الواقع―هو ما يضمن وظيفة اللغة التبليغية تماما كما أنّ الإحالة على الذهب هي ما يضمن قدرة النقود على أن تُبادل مع جميع السلع. ويحرس المنطق الصلة بين اللغة والعالم تماما كما حرست »قاعدة الصرف بالذهب« صلة النقود بالمعدن النفيس.
ويصوب التحليل النقدي لمجتمع المشهد والرأسماليّة النقديّة، ولسبب وجيه، سهامه نحو إبطال هذا الضمان اللازم عن فصل اللغة عن العالم، على جهة، وفصل النقود عن الذهب، على الجهة الأخرى. إنّ الوسيط الذي يجعل التبادل ممكنا، أي النقود، لا يمكنه أن يكون هو الشيء المتبادل عينه؛ إنّ النقود التي تقيس قيمة السلع لا يمكنها أن تصير، هي عينها، سلعة. وبالمثل، إنّ اللغة التي تجعل الأشياء قابلة للتبليغ لا يمكنها، هي عينها، أن تصير شيء، موضوع للمصادرة والتبادل؛ إنّ وسيلة التبليغ لا يمكنها أن تكون هي الشيء المُبلَّغ عينه. بفصلها عن الأشياء، لا تبلّغ اللغة شيئا وهكذا تحتفي بانتصارها الزائل على العالم؛ وبفصلها عن الذهب، تستعرض النقود لاشيئيتها كمقياس مطلق للقيمة، وكسلعة مطلقة أيضا. اللغة هي أسمى قيمة مشهديّة، لأنها تكشف عن لاشيئية جميع الأشياء؛ والنقود هي أسمى سلعة، لأنها تكشف، في نهاية المطاف، عن خواء جميع السلع.
تكشف الرأسماليّة عن طبيعتها الدينيّة وعن تطفلها على المسيحيّة في كل نطاقات العيش البشري، وأهمها نطاق الزمن والتاريخ. ليس للرأسماليّة telos (غاية)؛ إنها لانهائيّة بالطبع، لكنها―ولهذا السبب تحديدًا―في أزمة لا تنقطع، في وضعية انتهاء لا تنتهي. وفي ذلك شاهد على علاقتها التطفليّة بالمسيحيّة. حينما طرح دَڨيد كايلاي هذا السؤال على الفيلسوف واللاهوتي إيڨان إليتش (ت 2002): هل نعيش في عالم مابعد-مسيحي؟ أجابه قائلا: ليس عالمنا عالم مابعد-مسيحي وإنما هو العالم الأظهر مسيحية على الإطلاق، إنه عالم قيامي (أبوكاليبسي). تقوم فلسفة التاريخ المسيحيّة (وكل فلسفة للتاريخ مسيحية بالضرورة) على هذا الافتراض: تاريخ البشر والعالم متناهي، زائل. إنه يبدأ بالخلق وينتهي بيوم القيامة والحساب، حيث يصير الناس إلى فريقين: مرحومين في النعيم ومغضوب عليهم في الجحيم. لكن في هذا الزمن التاريخي الكرونولوجي ]زمن الساعة الخطي[ غرس الحدث المسيحاني ]قيامة المسيح[ زمن آخر كيرولوجي ]شكل العيش في الزمن المسيحاني الممتد من قيامة المسيح إلى يوم الدين[ تتعلق كل لحظة فيه بقيام القيامة، تعاش كزمن ينتهي لكنه يبتدأ من جديد.[25] وإذ كانت الكنيسة قد أغلقت مكتبها الأخروي (الاسكاتولوجي) على ما يبدو، فإنّ العلماء قد تحولوا اليوم إلى أنبياء قياميين وراحو ينذرون بقرب نهاية الحياة على الأرض. وكذلك في كل نطاق آخر، في الاقتصاد كما في السياسة، لا ينفك الدين الرأسمالي يُعلن عن وجود أزمة دائمة (كلمة crisis، أزمة، تعني تأثيليّا: الحكم أو القضاء النهائي)،[26] أي عن حالة استثناء غدت القاعدة الطبيعية، المخرج الوحيد منها هو نفس المخرج القيامي: »أرض جديدة«. لكن الآخرة في دين الرأسماليّة آخرة خاوية بلا حساب أو نجاة.
ليس للرأسماليّة نهاية حقَّة، ولذلك هي في وضعية انتهاء دائم، وبالمثل، ليس للرأسماليّة بداية حقَّة، إنّها بلا مبتدأ، بلا أصل، ولذلك هي في وضعية ابتداء دائم. ومن هنا تأتي الوحدة الجوهرية (consubstantiality)[27] بين الرأسماليّة والابتكار أو الابتداع، الذي أقام عليه شومبتر تعريفه للرأسماليّة.[28] إنّ أناركيّة رأس المال، أي كونه بلا أصل أو مبتدأ، لتتفق مع حاجته التي لا تنقطع إلى الابتكار والابتداع.[29]
وهنا أيضا تُبدي الرأسماليّة صلتها الوثيقة والمحاكيّة بالعقيدة المسيحية: فأي شيء يكون الثالوث إن لم يكن الآلة التي تمكّننا من المصالحة بين عدم وجود archē، أي أصل أو مبتدأ، لله ومولد المسيح، التاريخي والأزلي في آن واحد، من المصالحة بين الأناركيّة الإلهيّة وتدبير أمر العالم واقتصاد الخلاص؟[30]
أود أن أضيف هنا شيئا ذي صلة بالعلاقة القائمة بين الرأسماليّة والأناركيّة. في فيلم Salò لبازوليني، قال أحد الأشرار الأربعة هذه الجملة: »لا توجد إلا أناركيّة واحدة: أناركيّة السلطة«. وبالمثل، قال بنيامين قبل ذلك بسنيين عدّة: »لا يوجد ما هو أشد أناركيّة من النظام البرجوازي«. وأرى أنه من الواجب علينا أن نحمل قوليهما على محمل الجد. لقد فطن بنيامين وبازوليني هنا إلى صفة أساسية للرأسماليّة: إنها السلطة الأشد أناركيّة على الإطلاق، بالمعنى الحرفي لكلمة أناركيّة، أي بلا archē، بلا أصل أو مبدأ. وهنا أيضا يبدي الدين الرأسمالي تطفله على اللاهوت المسيحي.
إنّ الأناركيّة الرأسماليّة مبنية على مثال المسيحولوجيا، أي الكلام في طبيعة المسيح (Christology). بين القرنين الرابع والسادس، دار جدل لاهوتي مرير حول المذهب الأريوسي، انخرطت فيه المسيحية الشرقية بأجمعها والإمبراطور الروماني، وفرّق الكنيسة تفرقا شديدا. ولقد كانت المسألة محل النزاع هي تحديدا: archē الابن، أصله ومبدأه. فأريوس وخصومه كانا متفقان، في واقع الأمر، على أنّ الابن قد ولد من الأب، وعلى أن ذلك قد وقع -في الأزل- (pro chronōn aioniōn بعبارة أريوس، وpro pantōn tōn aionōn بعبارة يوسابيوس القيصراوي). بل إنّ أريوس قد تعمد النص على أنّ الابن قد ولد achronōs، أي قبل الزمن. وعليه، ما على المحك هنا ليس مسألة السبق الزمني: هل وجود الأب سابق زمنيّا على وجود الابن (لأنّ الأزل غير زمني، فالزمن لم يُخلق بعدُ)، ولا مسألة المقام الإلهي: هل الأب أعلى مقاما من الابن (لأنّ أريوس ليس وحده من قال بعلو مقام الأب على الابن، إذ قال بذلك أيضا الكثير من خصومه)، وإنما هذه المسألة: هل للابن―أي كلمة الله وفعله―أصل في الأب أم أنه، مثله، anarchos، أي بلا أصل ولا مبدأ؟
يبين لنا التحليل النصي لرسائل أريوس وخصومه أنّ اللفظ الحاسم الذي دار عليه الجدل هو: anarchos أي بلا archē، بلا أصل أو مبدأ أو أساس.
إذ قال أريوس إنّ الأب «أناركي»، بلا أصل أو مبدأ مطلقا، أما الإبن فليس بـ«أناركي»، لأن له أصل ومبدأ في الأب.
وضد هذا القول البدعي، الذي يجعل للكلمة، للابن، مبدأ راسخ في الأب، شدد الأساقفة―الذين جمعهم الإمبراطور قنسطنس في سرديكا صوفيا، [عاصمة بلغاريا حاليا] سنة 343―على أنّ الابن «أناركي» أيضا، «وبصفته كذلك يحكم، على نحو مطلق وأناركي وأبدي، مع الأب».[31]
بصرف النظر عن دقائقه وتعقيداته البيزنطيّة، لماذا يبدو لي هذا الجدل العقدي على هذا القدر من الأهميّة؟ لأنّ الابن هو كلمة الأب وفعله، بل هو، إن شئنا الدقة، الفاعل الرئيس في «اقتصاد» الخلاص، أي في التدبير الإلهي لأمر العالم، ولذلك ما على المحك هنا هو الطبيعة «الأناركيّة» أو عديمة الأساس لكلٍ من اللغة والفعل والحكم. لقد ورثت الرأسماليّة نزوع المسيحولوجيا الأناركيّ وعلمنته ودفعته إلى الحدود القصوى. وإذا لم يفهم المرء هذه النزوع الأناركيّ المبكر، لن يفهم أطوار اللاهوت المسيحي اللاحقة، بميلها الأناركي الكامن، ولا تاريخ الفلسفة والسياسة الغربيتين، بقطعهما الصلة بين الوجود والفعل وتشديدهما التالي على الإرادة والحريّة. إنّ أناركيّة المسيح تقتضي، في نهاية المطاف، أنّ اللغة والفعل والاقتصاد، في الغرب الحديث، ليس لها مبدأ أو أساس في الوجود.
والآن يتسنى لنا أن نفهم سبب حاجة الدين الرأسمالي والفلسفات التابعة له الماسّة إلى الإرادة والحرية. في العالم الكلاسيكي القديم كان الوجود والفعل مرتبطان ارتباطا وثيقا، أما الآن فقد انقطعت الصلة بينهما ومضى كل منهما في سبيله. إذ لم يعد الفعل البشري مؤصلا في الوجود، ولهذا السبب هو حر، أي متروك للصدفة ولعدم اليقين.[32]
عند هذا الحد أنهي هذا التأصيل (الأركيولوجيا) الموجز لدين الرأسماليّة. لن أختم بخاتمة. لأنني أرى أننا لا نستطيع أن »نختم« عمل فلسفي أو فني، وإنما نستطيع أن نتركه، «نهجره»، فحسب، كما قال ألبرتو جياكوميتي عن لوحاته. لكن لو كان لي أن أعهد إليكم بشيء لتتفكروا فيه، فسأعهد إليكم بمسألة الأناركيّة.
في مقابل أناركيّة السلطة، لا أريد أن أدعو إلى العودة إلى أصل أو أساس راسخ في الوجود. لأننا لم نملك هذا الأساس قط وحتى لو ملكناه يوما ما، فقد فقدناه يقينا أو نسينا طريق الوصول إليه. لكنني أرى أنّ تبيّن أناركيّة المجتمعات التي نعيش فيها هو السبيل الصائب الوحيد لطرح مسألة السلطة والأناركيّة الحقة. فالأناركيّة الحقة لا تغدو ممكنة إلا بعدما نتبين أناركيّة السلطة. وهنا يتطابق البناء والهدم تطابقا تاما. وما نحصلّه من هذا السبيل هو «انفتاح حيّز للتفكير، لا أكثر من ذلك ولا أقل»،[33] بكلمات ميشيل فوكو.[34]
[1]* Giorgio Agamben, “Capitalism as Religion,” in Idem, Creation and Anarchy, trans. Adam Kotsko (Stanford, California: Stanford University press, 2019), 66-77.
العنوان الفرعي من المترجم.
[2] يحيل المؤلف هنا على جواب المسيح ابن مريم (بروايّة متّى) على أئمة الفريسيين والصدوقيين الذين جاءوا إليه ليمتحنوه فسألوه أن يأتيهم بآية من عند الله: ﴿تقولون في المساء: «سيكون الجو لطيف هذه الليلة، لأنّ السماء محمّرة»، وتقولون في الصباح: «سيكون الجو عاصف هذا النهار، لأنّ السماء محمّرة ومنذرة». إنكم تحسنون تفسير آيات السماء لكنكم لا تستطيعون تفسير آيات الزمن﴾ (المترجم، وكل الحواشي له، بخلاف المراجع التي استشهد بها المؤلف).
[3] صك يضمن تلقي المرء معاشا سنويا مقابل مبلغ من المال يدفعه نقدا.
[4] يرى مايكل لوي أنّ بنيامين قد استعار هذا العنوان من صديقه إرنست بلوخ على الأرجح.
[5] Schmitt, Carl, Donoso Cortés in gesamteuropäischer Interpretation: Vier Aufsätze (Cologne: Greven, 1950).
[6] بخلاف غيره من الأديان، دين الرأسمالية دين نسكي محض. فلكي يدخل المرء فيه ليس عليه أن يعتنق أي عقائد وإنما أن يؤدي مناسكه (العمل، المراكمة، الاستثمار، المضاربة، الاستهلاك، إلخ) فحسب. أو بعباره من اللاهوت (الكلام) الإسلامي: لا يستلزم دين الرأسمالية عمل القلب (الاعتقاد) ولا عمل اللسان (الجهر بالمعتقد) وإنما عمل الجوارح (التعبد) فقط. ليست العبادة الرأسماليّة وسيلة لغاية وإنما هي غاية نفسها، إنها غير موجهة إلى أي معبود سواها (كصلاة فرانك أندروود في House of Cards: »أصلي إلى نفسي ولنفسي«).
[7] Benjamin, Walter, “Kapitalismus als Religion,” in Gesammelte Schriften, vol. 6 (Frankfurt am Main: Suhrkamp, 1985). English translation: “Capitalism as Religion,” trans. Rodney Livingston, in Selected Writings, vol. 1, 191 3–1926 , ed. Marcus Bullock and Michael W. Jennings (Cambridge, MA: Harvard University Press, 1996), p. 100/288.
[8] أو بعبارة أجامبِنية: ليس التعبد (أداء المناسك) والتعييد (الراحة منها) منفصلان، في دين الرأسمالية، وإنما في »منطقة التباس أو انعدام تمايز«: يوم العبادة يوم عيد ويوم العيد يوم عبادة.
[9] المصدر نفسه، ص 100-101/288-289.
[10] وصف بنيامين زخرفة الأوراق النقديّة بأنها تجلية لـ»روح قدس الرأسماليّة«، بأنها »واجهة الجحيم« الرأسمالي. ولنتذكر أنّ دانتي قد كتب على واجهة الجحيم هذه العبارة: »يا أيها الداخلون هنا ألا فلتقنطوا«، وكذلك كتبها رأسمالي ماركس على واجهة مصنعه ليقرأها العمال كل يوم. إنّ الرأسمالية دين بلا رجاء، دين اليأس التام.
[11] المصدر نفسه، ص 101.
[12] كلمة Trapeza اليونانيّة محفوظة في العربيّة العاميّة، ترابيزة أو طرابيزة، بمعناها الحرفي: طاولة (خوان، منضدة، مائدة). وهذا هو أيضا المعنى الحرفي لكلمة bank الإنجليزية المشتقة من banca الإيطاليّة. ويسمى المصرف بنكا كإحالة على طاولة المصرفي التي يتبادل عليها النقود مع المتعاملين معه.
[13] الإجماع منعقد على أنّ الرسالة إلى العبرانيين منحولة على بولس وليست من تأليفه (لكن ليس لذلك أثر على طرح المؤلف هنا).
[14] أثبت المؤلف ترجمة الملك چيمس: “faith is the substance of things hoped for”، وسيتعرض فيما يلي لدلالة الكلمة اليونانية المستعملة هنا، ousia، والتي تترجم في هذا الموضع عادة بالوثوق أو التيقن عوضا عن جوهر أو وجود.
[15] Benveniste, Émile, “La fidelité personelle,” in Le vocabulaire des institutions indo-européenes, vol. 1 (Paris: Minuit, 1969). English translation: “Personal Loyalty,” in Indo-European Language and Society, ed. Jean Lallot, trans. Elizabeth Palmer (London: Faber, 1973), p. 118-119/97.
[16] يقول بنيامين: »إنّ تاريخ المسيحية ليس سوى تاريخ الطفيلي الذي عاش عليها: الرأسماليّة«.
[17] نقرأ في الإنجيل: ﴿لا يمكن لأحد أن يخدم ربين، فإما سيحب العبد أحدهما ويكره الآخر أو يخلص لأحدهما ويحتقر الآخر. لا يمكنكم أن تعبدوا الله والمال (mammon، باليونانية) معا﴾ (متّى 6: 24). وفي الحديث النبوي: ﴿تعس عبد الدرهم والدينار﴾ (صحيح البخاري).
[18] ومن هنا ترجمة مصطلح ousia في هذا الموضع بالوثوق أو التيقن: الإيمان هو أن نثق فيما نرجوه كما لو أنّ ما نرجوه لا ينتمي إلى الغيب وإنما إلى الشهادة، كما لو أنه ليس مجرد وعد بما لا نراه وإنما شيء واقعي موجود بين أيدينا.
[19] Kurz, Robert, La fine della politica e l’apoteosi del dinaro (Rome: Manifestolibri, 1997), Original edition: “Die Himmelfahrt des Geldes,” in Krisis 16–17 (1995), p. 76-77.
[20] ترجمه أحمد حسان إلى العربيّة بعنوان: »مجتمع الاستعراض« )واختار ناشره في طبعته الأولى عنوان »مجتمع الفرجة«) وأترجمه هنا بمجتمع المشهد أو المشاهدة أو الشهود.
[21] Debord, Guy, Society of the Spectacle (Detroit, MI: Black and Red, 1997), §49.
[22] المصدر نفسه، الفقرة رقم 192.
[23] نفسه، الفقرة رقم 193.
[24] Geoffrey of Trani, Summa super titulis decretalium (Aalen: Scientia Verlag, 1968), f. 247, n. 2, p. 37.
[25] فصّل أجامبِن القول في هذه المفاهيم الزمنية في كتابيه: The Time That Remains، وThe Chirch and the Kingdom.
[26] وتحديدًا، لحظة الأزمة هي اللحظة التي يصدر فيها الطبيب حكمه النهائي على حالة المريض: هل سيعيش أم سيموت. ويلعب أجامبن هنا على معنى كلمة حكم أو قضاء (judgment) التي تحيل أيضا على يوم القضاء، يوم الحساب، يوم الدين.
[27] بالمعنى اللاهوتي للكلمة: الوحدة الجوهرية بين الأقانيم الثلاثة: الأب والابن والروح القدس.
[28] يرى شومبتر أنّ لُبّ الرأسماليّة هو أنها نهج أو شكل للتغيير الاقتصادي: يقوم رائد الأعمال بزعزعة وضعية اقتصادية ثابتة ومتزنة بابتداعه لمحدثة اقتصادية.
[29] لكلمة archē اليونانية معنيين: أولا: مبتدأ، مبدأ، أصل، أساس، ثانيا: أمر، إمرو، تسلط، سيادة. ولذلك تعني كلمة an-archy، أناركية: أولا: غياب الأصل والمبتدأ أو ثانيا: غياب السلطة صاحبة الأمر. ولقد فصّل أجامبِن القول في ذلك في الفصل الرابع من كتابه: Creation and Anarchy، والمعنى الأول للكلمة هو ما يهمنا هنا.
[30] أفرد أجامبِن لهذه المسألة (اقتصاد التثليث وتدبير الله لأمر العالم واقتصاد الخلاص) كتابه: The Kingdom and the Glory.
[31] مستشهد به في:
Simonetti, Manlio, ed., Il Cristo, vol. 2, Testi teologici e spirituali in ingua greca dal IV al VII secolo (Milan: Fondazione Lorenzo Valla, Mondadori, 1986), p. 136.
[32] أفرد أجامبِن لهذه المسألة (مركزية الحرية والإرادة في الفلسفة والسياسة الغربيتين بصفتها أمر ناتج عن قطع الصلة بين الوجود والفعل) كتابه: Karman.
[33] Foucault, Michel, The Order of Things: An Archaeology of the Human Sciences (New York: Vintage, 1994), p. 342.
[34] لتحليل نقدي لمفهوم الأناركيّة عند أجامبِن، انظر الفصل الثامن من كتاب كاثرين مالابو:
Stop Thief! Anarchism and Philosophy.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.