[1][2]لقد أظهر دونالد طرمب، في مرة واحدة على أقل تقدير، أنّه أقدر من أي رئيس أمريكي آخر. فحينما سُئل عن فيلمه المفضّل، أجاب بجواب حقيق بأستاذ سينما. إذ قال إنّ فيلم Citizen Kane (المواطن كَين) لأورسين ويلز (1941)، هو أعظم فيلم على الإطلاق، والفيلم الأثير عنده شخصيّا.[3]ويقينًا، هذا هو أفضل جواب أجاب به أي رئيس أمريكي على هذا السؤال.[4] لكن عندما نتدبر فيه، يبدو لنا زلة لسان لاوعية ولابد. فمن بين جميع الأفلام، اختص طرمب الفيلم الذي يصف خواء رجل ثري وقوي، يشبهه شبهًا مدهشًا.
وحتى لو لم يُجب طرمب بهذا الجواب، من المغري أن نربطه بفيلم المواطن كَين، وذلك لأوجه الشبه الكثيرة بينه وبين بطل الفيلم، تشارلز فوستر كَين. فلو أننا لم نكن على علم بواقع الأمر، لتخيلنا أنّ أورسن ويلز قد اتخذ من دونالد طرمب، وليس من وليام رندولف هيرست، نموذجًا بنى عليه شخصية تشارلز فوستر كَين، مما يوحي بأنّ طرمب سليل سلالة طويلة من الشخصيات الأمريكية، وليس sui generis (نسيج وحده أو فريد من نوعه)، كما يُزعم عادة.[5] فكل مِن طرمب وكَين قد بنى إمبراطوريات ماليّة من خلال وسائل الإعلام، ثم من خلال المنصب السياسي، سالكًا، في خضم ذلك، مسلكًا متعجرفًا متكبرًا وغرورًا. إنّ الشبه بينهما ظاهر، يستحيل أن تخطئه العين. لكن أهمية فيلم المواطن كَين لفهم بزوغ نجم طرمب، لا تكمن في شبه حياته بحياة كَين، وإنما في طرح الفيلم تشخيصًا لسياسته وجاذبيته. ومن هذا الوجه، لكي يحب طرمب هذا الفيلم لا بدّ له من أنّ يتأوله تأويل خاطئ تمامًا، حتى يتسنى له التوفيق بين هذا الحب ومواقفه السياسية. وذلك لأنّ الفيلم يبيّن عين الغلط الذي وقع فيه طرمب بالوعد الذي قطعه على نفسه: استعادة مرغوب مفقود عن طريق مراكمة مرغوبات أخرى بلا هوادة ولا انقطاع.
فيلم المواطن كَين صورة لشخص مُفرِط. إذ يصور الفيلم نشأة الإفراط―الإفراط في مراكمة السلع على وجه التحديد―عن السعي إلى قهر الشعور بالفقد والافتقار، وضلال هذا السعي وخيبته على نحو مفجع ومثير للحسرة. إذ يراكم كَين كمية لا تنفك تتزايد من المرغوبات، التي لا تفضي إلا إلى نقيض المقصود منها: تعزيز شعوره بالسخط عوضًا عن تخفيفه. فكلما حاول تخفيف شعوره بالفقد عن طريق الإفراط في جمع الممتلكات، نمى هذا الشعور وتفاقم. إنّ زيادة الإفراط تزيد الافتقاد، لأن الفرار من الشعور بالفقد بالانغماس في الإفراط يفضي إلى نقيض ما يُرتجى منه دائمًا. في الفيلم، يظل المرغوب الذي يدلّ على أن كَين ذات مفتقرة―مزلجة تُسمى «روزبَدّ»―منسيًّا ومطمورًا تحت ركام السلع الفائضة. تدلّ المزلجة على الفقد والافتقار، لكنها لا تجسد بذلك إمكانية تحقق الرغبة وإنما تجسد النقص المتأصل في الذات، الذي لا يمكن لأي مرغوب أن يسدّه. على خلاف جميع السلع التي يراكمها كَين، تُعلن المزلجة عن عدم كفايتها، وهو الأمر الذي لا يمكن للشخص الرأسماليّ، ولا لدونالد طرمب، أن يتقبله أو يرتضيه. بمقابلته بين المزلجة التي تجسد الفقد وبين فائض السلع التي يراكمها كَين، يقدم الفيلم صورة لنحو من التمتع مناهض للنظام الرأسمالي.
يبدأ الفيلم بآخر كلمة نطق بها كَين المحتضر: «روزبدّ»، ثم يعرض المساعي الخائبة لتعيين مدلول هذه الكلمة المبهمة عن طريق سلسلة من المقابلات التي أجراها الصحفي چيري طومسون. لم يُظهر لنا المخرج قط نجاح طومسون في حل هذا اللغز، لكن يرى المشاهد في خاتمة الفيلم الحل الذي لم يستطع أي أحد داخل الفيلم رؤيته.[6] إنه حل مخيب تمامًا للظنون. ففي الخاتمة، نشاهد أحد العاملين في قصر كَين يلقي مقتنيات شتى في تنّور، ونرى، من ضمنها، مزلجة طفل تحترق مكتوب عليها «روزبَدّ». ويربط المشاهد ذلك بمشهد من أول الفيلم نرى فيه الطفل كَين يلعب بهذه المزلجة عينها، حينما همّ والتر ثاتشر بأخذه من بيت أبويه لكي يكفل له أفضل تعليم مدرسي ممكن.
لقد نعمَ الطفل كَين بعلاقة طيبة مع أمه، على ما يبدو، لكن أباه كان باغيا. مما دفع أمه إلى إرساله بعيدًا عن البيت، بفضل مال ورثته، حتى تهبه ما ظنتها حياة أفضل. وبالنظر إلى أنّ كَين قد عانى في طفولته من بغي أبيه، لا يسعنا أن نعدّ المزلجة تجسيدًا لزمن الإشباع المحض أو البراءة النقيّة. إنّ المزلجة لا تجسّد مثال منسيّ قد خانه كَين، ولا إشباع قد فقده، وإنما تجسّد الفقد نفسه. إنّ كَين متعلق بها كمرغوب مفقود إلى الأبد لا كمرغوب يمكن الطمع في نيله. حينما فقد كَين المزلجة، فقد الفقد نفسه. «روزبَدّ» هي آخر كلمة تفوه بها كَين المحتضر قبل مفارقة الدنيا، لكنه قد قضى حياته بأكملها ساعيًا إلى الفرار من الفقد الذي تجسده هذه الكلمة، بالإغراق في المراكمة المفرطة. يجلي فيلم المواطن كَين عواقب الجحد الصنمي للفقد، المميز للذات الرأسماليّة، من خلال المزلجة المفقودة وفائض السلع الذي يُعمّي ركامها على تأصل الفقد وديمومته.[7] تقوم السلعة بدور الصنم (الفِتّش) عن طريق وعد الاكتمال الذي تعد به الذات، والذي لا تنفك تقطعه وتحنث به.[8]
بمقابلته بين المزلجة المجسدة للمرغوب المفقود وفيض المرغوبات الماديّة المملوكة التي يكدّسها كَين، بيّن لنا أورسن ويلز بوضوح طريقة تكشّف العلاقة الجدلية بين الفقد والفرط، داخل المجتمع الرأسمالي على وجه الخصوص. يركّز فيلم المواطن كَين على التعارض بين فرادة المرغوب المفقود مستحيل المنال، الذي يُشبع الذات من خلال غيابه، وركام المرغوبات الماديّة المتكدسة في متناول اليد، التي لا تشبع الذات بل وتحيل بينها وبين تبين مصدر إشباعها الحق. لقد قضى كَين حياته ساعيًا إلى سد الفقد بفرط المراكمة، لكنه مات متحسرًا على تخليه عن الفقد [متجسدًا في المزلجة]. في المقابل، يقدر المشاهد، الذي يرى وحده المرغوب المفقود في خاتمة الفيلم، على تبين أنّ هذا المرغوب المفقود هو مصدر الإشباع الحق.[9] نرى في فيلم المواطن كَين أنّ الفرط ردّ على الفقد، محاولة لاستبدال ما لا تملكه الذات بفائض مما تملكه.
يردّ كَين على الفقد على نحو استثنائي―بإفراط أشد شططًا من إفراط معظمنا. وبذلك، يمكن اتخاذه مثالًا نموذجيّا على الذات البشريّة. بدخوله في اللغة―خضوعه للدوال―يغدو الإنسان ذاتًا مفتقرة، ذاتًا لها رغبات لا يمكن تحقيقها. وتمده هذه الرغبات بالإشباع من خلال عدم تحققها وليس تحققها، من خلال تكرار الإخفاق في تحقيقها. ولذلك، كلما وجد المرء مرغوبًا معيّنًا يعده بأن يشبع رغبته ويسد نقصه، سرعان ما يتحول عنه إلى مرغوب آخر. فلا يوجد مرغوب مشبع إشباعًا تامًا، لأنه لا يمكن لأي مرغوب أن يكون الـمرغوب، أي المرغوب الذي يجسّد ما يشعر المرء بافتقاده والافتقار إليه. تحت قناع البحث عن شتى المرغوبات الموجودة، يسعى المرء وراء مرغوب مفقود أبدًا من شأنه أن يمده بالإشباع التام.
ويرجع إخفاق الرغبة إلى طبيعة المرغوب الذي تتعلق به: إنه مرغوب معدوم وليس موجودًا، غائب وليس حاضرًا. أو كما يقول چاك لاكان فيما يخص الرغبة في النظر: «ما الذي يسعى المرء إلى رؤيته؟ ما يسعى المرء إلى رؤيته―وإياكم والخطأ―هو المرئي الغائب».[10] لا يمكن للمرء أن يرى غائبًا، ومع ذلك يمكن له أن يتبين الإشباع المستمد مما ليس حاضرًا. هذا ما يكشفه لنا التحليل النفسي، وهذا ما تُكرهنا الرأسماليّة على جحده لأنّ من شأنه تبديد وهم الإشباع الذي يزين السلعة في أعيننا.
لا يفضي غياب هذا المرغوب إلى إخماد رغبة الذات وإنما إلى نقيض ذلك: إلى فيضها. لأن الذوات مفتقرة على نحو متأصل وجوهري، ترغب على نحو مفرط ومشط. إننا نمحض رغبتنا أقصى تقدير لأنها مستحيلة التحقق. وهذا التشابك الجذري بين الفقد والفرط هو ما يميز الذات، لكنه أيضًا ما يدمغها بصدمة لا مفر منها. وتكمن هذه الصدمة في عجز الذات عن فصل الفقد عن الفرط. فقدرتنا على التمتع بشطط وإفراط مرتبطة ارتباطًا وثيقًا لا ينفصم بكوننا ذوات ناقصة ومفتقرة. ولذلك، لا يمكن لأي قدر من الإفراط والشطط في التملك أو التمتع أن يمكننا من الفرار من الشعور بالفقد والافتقار. فبقدر ما نمتلك نفتقر، بقدر ما تزيد ممتلكاتنا ومتعنا يزيد شعورنا بالفقد والنقص. فلا يمكن لأي إفراط أن يكون مفرطًا بما يكفي للتغلب على الفقد بالكلية. إنّ الفرط مبني على الفقد، ولذلك كلما أفرطنا شعرنا بفقدنا، وهذا هو عين المسار الذي يقصه علينا أورسن ويلز في فيلم المواطن كَين.
مثل تشارلز كَين، نجاح دونالد طرمب مرتبط ارتباطًا جليًّا بالإفراط. إنه يعيش حياة فائضة: يشتري عقارات شاسعة، ويحيط نفسه بكثرة من النساء الفاتنات، ويبني فنادق ضخمة، ويراكم ثروة هائلة (أو مظاهرها على الأقل). ويجهر أنصاره السياسيون برجائهم في أنه سينقل هذا الفائض الاقتصادي والاجتماعي من حياته الشخصية إلى البلد ككل، في أنه سيجعل أمريكا بلدًا عظيمة مرة أخرى عن طريق خلق شتى أصناف الفائض―فائض في الثراء، وفي الأمن، وفي الهوية الوطنية. لكن مفتاح رواج منهجه السياسي لا يكمن في توظيفه للفيض وإنما للفقد. إذ ينتصر عن طريق إقناع أتباعه بأنهم ذوات مفتقرة في مواجهة آخر مفرط، ممثلا في المهاجرين أو الحكومة الصينية أو الصوابية السياسية. فبتوسله بهذا التوزيع للافتقار والفيض، يمكّن طرمب أنصاره من التمتع بإفراط الآخر الذي ينفّرهم وأيضًا من طمأنة أنفسهم على أنهم ليسوا بمفرطين. وهكذا تكمن أهمية فيلم المواطن كَين لدونالد طرمب في قدرة الفيلم على تحديد أسباب جاذبيته.
أهم تبصر عفوي لطرمب هو تبينه أن تجريب الإفراط متخم دائما بالشعور بالافتقاد، ولذلك لا يكون مفرطًا قط بما يكفي. أو بعبارة أخرى: هو يعلم أنّ صورة الإفراط أشد غواية من تجريبه. لأن صور الإفراط تبدو مفرطة تمامًا أما تجريبه فيكون مشرب ضرورة بشيء من الفقد. لكن طرمب لا يعرض صورًا لعالم الإفراط والفيض الذي يرجو خلقه―أمريكا العظيمة مرة أخرى―فحسب، وإنما يشير إلى صور الإفراط عند الآخر تحديدًا. لأنّ الإفراط لا يبدو مفرطًا بحق إلا حينما نراه في صورة الآخر وليس في أنفسنا. إنّ صورة الآخر المفرط هي أنقى صور الإفراط، ولهذا يلجأ إليها شعبويون،كطرمب، باستمرار.
تتضمن استراتيجيّة طرمب السياسية إمطار أنصاره بوابل من صور إفراط الآخر، مع مقابلة هذه الصور بافتقاد مخاطبيه وافتقارهم. يتمثل الآخر المفرط عند طرمب في المجرمين المكسيكيين، والقادة السياسيين الصينيين، واللاجئين المسلمين، ودعاة الصوابية السياسية في الجامعات. وفي حين يتمتع هؤلاء بفائضهم، يكابد الأمريكيون البسطاء الافتقار. إذ يعانون من الاتفاقات التجارية المجحفة، والاضطهاد الديني، وفشو الموت بجرعات المخدرات الزائدة. ومن هذا الوجه، ما يجعل طرمب جذّابًا هو تشديده―ويا للسخرية―على افتقاد أمريكا إلى العظمة وتنعّم الآخر بها، على الافتقار الأمريكي والإفراط الأجنبي. إنّ طرمب يحتاج ألا تكون أمريكا عظيمة وذلك حتى يجنب أنصاره تجريب الفائض المحض الذي يعدهم به، والذي يُعدّ ضربًا من المحال. وهكذا تعتمد جاذبيته على فشل أنصاره في تبين أنهم مفرطون بالفعل، في تبين أنه لا مناص لنا جميعا من مواجهة خليط الفقد والفرط الذي يؤلف ذواتنا.
من اليسير علينا دائمًا أن نتبين الإفراط في الآخر وليس في أنفسنا، وأن نتبينه في المستقبل وليس في حاضرنا. ويرجع ذلك إلى أننا لا نجرب قط الإفراط المحض بمعزل عن الافتقاد. إنّ افتقادنا يقتحم علينا حتى أشد لحظاتنا إفراطًا، مما يجعل لحظات إفراطنا اليومية لا تبدو لنا مفرطة إلى حدٍ كبير. فحيما تكون غارقًا في مشاهدة مبارة كرة قدم أو في التهام كعكة شوكولاتة، لن تعدم ما يكدر عليك صفو هذا الفائض، كأن تتحسر على أنّ المبارة ستنتهي عاجلًا، أو أن تفكر في أنك ذاهب إلى العمل في الصباح التالي، أو أن تتعرض للمقاطعة من أطفالك عند لحظات المبارة الحاسمة أو عند التقام ألذّ لقمة. وهكذا، لا يمكننا، كذوات راغبة، أن نجرب الفائض المحض قط. لكن المكدرات التي تقطع علينا لحظات إفراطنا ليست أمرًا عارضًا كما نظن وإنما ضروريّا، ليس منه مناص. إذ لا يوجد إفراط نقي قط (بينما يوجد، مع طرمب، إفراط غير نقي).
لكن يمكننا أن نرى ما يبدو إفراطًا نقيًّا في الآخر: صور الجهاديين، أو العرب المحتفلين بحدث 11/9 فوق سطح منزل، أو المشاركين في حفل عربدة، أو أستاذ الجامعة الملتزم بالصوابية السياسية. إنّ إفراطنا لا يبدو في أعيينا مفرطًا كإفراط الآخر قط. وأمام صورة الآخر المفرط، يبدو لنا عيشنا فقيرًا. إننا نتوهم أنّ الآخر ينعم بفائض محض، ولهذا الوهم عواقب سياسية وخيمة.
هذا تحديدًا ما بينه لنا أورسن ويلز في فيلم المواطن كَين. إذ نرى كَين مفتون باستمرار بصورة تمتع الآخر البعيدة عن متناول يديه. لقد خابت جميع مساعيه لشراء السلعة المثاليّة أو لتسنم المقام الرفيع، لأنه لا يمكنه قط أن يفلت تمامًا من كونه ذات مفتقرة. ويبرز ويلز افتقار المشاهد على نحو متوافق مع افتقار كَين. إذ نخفق، نحن المشاهدون، في فهم دلالة كلمة «روزبَدّ»، كما يُخفق كَين في امتلاك المرغوب المثالي.
لكن يمكّن الفيلم المشاهد مِن تبين الإشباع الذي يمدّنا به هذا الافتقار على نحو لم يتسنّ لكَين قط. إذ يظل كَين باحثًا عن فائض منقى من الفقد، بينما يحض الفيلم المشاهدين على تقبل الفائض المتحصل من خلال الفقد. وهذا التعارض الأساسي بين موقع كل من المشاهد وكَين (وغيره من شخصيات الفيلم) هو ما يميز المواطن كَين.
ومن شأن هذا الموقع الذي وضع ويلز المشاهد فيه أن يمكّن المرء أيضَا مِن تفسير ظاهرة دونالد طرمب. إذ تكمن جاذبية طرمب في البحث الدائم عن الفائض النقي الذي يعزوه إلى الآخر والذي يعد باسترداده منه وإرجاعه إلى الأمريكيين المفتقرين. وبعزوه الفائض إلى الآخر دون «الأمريكيين الحقيقيين»، يحفظ طرمب نقاء هذا الفائض من أي شوب.
وتتلائم القدرة على رؤية الإفراط المحض عند الآخر دون الذات مع ضرب أساسي من المحافظة السياسية. لو أننا نتساءل: لماذا تبدو مهمة اليمين السياسية أسهل دائمًا من مهمة اليسار؟ فإن الجواب يكمن في النحو الذي يتبدى به كل من الافتقاد والإفراط: من العسير تبين الافتقاد في الآخر لكن من اليسير تبينه في الذات بينما من اليسير تبين الإفراط في الآخر لكن من العسير تبينه في الذات. وعاقبة ذلك، أننا نجد في أنفسنا ميلًا متأصلًا إلى الارتياب في الآخر وإلى الاعتقاد في أننا ضحايا لهذا الوضع البنيوي.
هذه القدرة على تبين الافتقاد في الذات والإفراط في الآخر هي الشكل الأساسي الذي تتخذه الأخيولة (fantasy).[11] تضع الأخيولة للمرء بنية تمتعه: إذ تتخذ من إفراط الآخر―قدرته على التمتع دون الذات―هدفًا، ثم تمد المرء بسيناريو خيالي يمكّنه من بلوغ هذا الهدف الذي لم يكن له أن يبلغه من خلال أي سبيل آخر.[12] وبذلك، تمكّن الأخيولة المرء من تحقيق المستحيل: من جسر الهوة التي تفصل بينه وبين تمتع الآخر.
يبيع طرمب الأخيولة التي يعيشها كَين: استكشاف متعة الآخر المفرطة التي بلغها من خلال مراكمة لا تنقطع. ولكي تعمل هذه الأخيولة عملها، تتطلب صورة الآخر المفرط. إن لبّ خطة طرمب السياسية هو عرض أخيولة الإفراط المحض عن طريق إقناع أنصاره أنهم مفتقرون بينما يتمتع الآخرون (المهاجرون، الصين، نخبة هوليوود الملتزمة بالصوابية السياسية) تمتعا مشطا بلا حد. ولا تشير هذه المقابلة بين الذات المفتقرة والآخر المفرط إلى الجور الذي يكابده الأمريكيون البسطاء فحسب، وإنما أيضًا إلى أنّ هذا الآخر المفرط هو الذي سرق منهم ذلك الفائض الذي يتمتع به، أي هو الذي أفقرهم. وهذا هو المنطق الكامن في شعاره: «لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» [أي: لنعيد الفائض المسروق إلى أصحابه مرة أخرى].
والاعتقاد في أنّ الآخر قد سرق فائضنا (أو عظمتنا) هو الصيغة الأساسية للبارانويا (أو ضلال الارتياب) التي تمضي بمنطق الأخيولة خطوة إضافيّة إلى الأمام.[13] إنّ البارانويا هي بنية نفسية منبثقة عن منطق الأخيولة. وما يفرق بينهما هو أنّ الأخيولة لا تعزو إلى الآخر المفرط نية الكيد بنا، بينما تجعله البارانويا العائق الذي يحول بيننا وبين متعتنا. إنّ «المعرفة الارتيابية قائمة على...التنافس»، كما يقول چاك لاكان.[14] ولا يستطيع المرتاب أن يفر قط من شبح التنافس هذا، إذ يربط لزامًا بين شعوره بالافتقاد وإفراط الآخر، بحيث يغدو إفراط الآخر، في نظره، سبب افتقاده. وما يعجز المرتاب عن رؤيته هنا هو أنّ الآخر لم يكن له أن يفرط إلا لأنه يعاني من نفس الافتقاد الذي يعاني هو ذاته منه.
تذكّر البارانويا الذات، باستمرار، بأنها قد فشلت في منافسة الآخر ومزاحمته، بأن الآخر يتمتع، بلا حق، بفائض يعود إليها بينما تتمرغ هي في وحل الفقد: لقد أتى المهاجرون إلى أمريكا بطرق غير شرعية ليتمتعوا بوظائف ومنافع من حق المواطنين وحدهم. وهاهم قادة الصين يستولون على رأسمال من حق أمريكا. بينما يسلب منّا أبطال الصوابية السياسية التجاوزات الاجتماعية التي كانت مباحة لنا فيما سلف. ومن هذا الوجه، تغرقنا البارانويا في الإحباط.
لكن من وجه آخر، البارانويا موقع نفسي مُشبع جدًا، وذلك لأنها تمكننا من الاعتقاد في أنه يوجد شخص آخر يتمتع حقًا بفائض محض منقى من شائبة الفقد. فمن خلال مهاجمتنا للآخر الذي سرق الفائض منّا، نتمتع بهذا الفائض على نحو يستحيل تحصيله بأي طريقة أخرى. إنّ الهجوم على الآخر، بذريعة تجريده من تمتعه غير الشرعي، هو ما يتيح لنا فرصة استشعار الفائض المحض. وهكذا نتماهى من العدو الذي سرق متعتنا. ومن هذا الوجه، تتيح لنا البارانويا اختلاس النظر إلى الفائض المحض الذي لا يمكن لأي أحد أن يجده في واقع الأمر. ولأنها تتيح لنا تجريب فائض محض غير موجود في واقع الأمر، تتمتع البارانويا بجاذبية لا تتمتع بها أي بنية نفسية أخرى. ولهذا نجد الناس ميّالين إلى تبني مواقف ارتيابيّة حتى لو كانت مناقضة للحقائق صراحة، بل حتى لو كانت مناقضة لحسهم الأخلاقي.
من العسير إبطال البارانويا، لأنه كلما بيّنا للمرتاب أنّ الآخر مفتقد مثله، تخيل فائض خفي كامن وراء هذا الفقد الظاهر. ولهذا قلما نجد تأثيرًا لتلك التقارير الإخباريّة التي تصور معاناة اللاجئين الرهيبة داخل المعتقلات أو الحياة العادية التي يعيشها المهاجرون المكسيكيون. لأنّ الفائض الذي يراه المرتاب عند الآخر ليس له أي صلة بحال هذا الآخر الواقعي، وإنما هو كامن في علاقة المرتاب بذاته. ويقتضي تخليه عن الاعتقاد في وجود هذا الفائض عند الآخر تخليه عن قدرته على التمتع به. فالمرتاب لا يكف عن التشنيع على إفراط الآخر غير الشرعي، لكنه يتمتع، عن طريق التشنيع، بهذا الإفراط على نحو يستحيل من أي طريق آخر. ولذلك، يقتضي إنكار وجود متعة الآخر حرمان المرتاب من متعته. ولذلك أيضًا، لا يمكن قط لأي قدر من التقارير الإخبارية التي تبين واقع حال الآخر أن تقنع المرتاب.
إنّ السمة الأساسية لمسيرة طرمب السياسية هي توظيفه الناجع لمنطق البارانويا. إنّه يتوجه إلى أولئك الذين يستشعرون الافتقار ويدلهم على سبيلٍ للتمتع بفائض لا تشوبه شائبةٌ (من خلال تخيل الآخر المتمع بالفائض والتشنيع على إفراطه). وعلى هذا النحو، يعطي طرمب لأنصاره فرصة لأن يكونوا تشارلز فوستر كَين―أي لأن يكونوا ذواتٍ مفرطة. وبفعل ذلك، يضخم طرمب من الآلية النفسية التي تحفز بها الرأسماليّة الناس على الدخول فيها. إنّ نجاح طرمب السياسي ليدل على أنه قد تعلم الدرس الأساسي للرأسمالية، ليس بصفتها نظامًا اقتصاديًّا وإنما نفسيًّا.
دونالد طرمب وتشارلز فوستر كَين شخصيتان رأسماليتان نموذجيتان. لكن نجاح طرمب السياسي يرجع إلى قدرته على استغلال ما يفشل المنطق الرأسمالي في تحقيقه نفسيّا. إنه لا يقدّم نفسه كممثّل للنظام الرأسمالي فحسب وإنما كموفر لما أخفق النظام الرأسمالي في توفيره. ومن هذا الوجه، يمثّل التوجه نحو الفاشيّة.
يقوم الاقتصاد الرأسمالي على رؤية الذوات النقص في أنفسها والفائض في الآخرين. فهذا ما يحفزهم على منافسة بعضهم لبعض، وهذا التنافس هو ما يحرك النظام الرأسمالي ويقوده. وهذا الفائض عند الآخر، هو ما ترمي الذات الرأسماليّة إلى الاستيلاء عليه من خلال عمليات التبادل ومراكمة رأس المال. فبمراكمة رأس المال، تسعى الذات إلى الاستيلاء على فائض الآخر والاستئثار به، بقصد التخلص من شعورها بالفقد، والتمتع بفائض لا يشوبه نقص. يصف ماركس ذلك بأنه استيلاء على فائض عمل الآخر، لكن هذه الآلية سارية المفعول على نحو أعم من ذلك في خلال النظام الرأسمالي بأجمعه. فكل فعل رأسمالي قائم على سعي الذات إلى الاستيلاء على فائض الآخر والاستئثار به لنفسها، بغرض محو نقصها. وهذا هو المنطق النفسي للرأسماليّة.[15]
ومن دون هذا الميل النفسي إلى التغلب على النقص من خلال مراكمة رأس المال، تتوقف الرأسماليّة عن العمل ببساطة. إنّ الرأسماليّة تتطلب ذواتًا تعتقد أن المراكمة هي أوجب واجب―هي ما أوصى به موسى والأنبياء، بعبارة ماركس.[16] فلو اعتقدنا أننا في فائض بالفعل، لَما انكببنا على مراكمة المزيد بلا انقطاع. ولهذا، لا تكف الكيانات الرأسماليّة قط عن تذكير الناس بأنهم مفتقدين وبأن السبيل الوحيد لسد هذا الفقد هو مراكمة السلع. وهذه هي الوظيفة الأساسية للدعاية الموجهة إلى المستهلكين، لكنها أيضًا ما يحرك الشركة التي تسعى إلى تعيين موظفين جدد، وصاحب العمل التجاري الذي يفكر في رفع قدرته الإنتاجيّة، والمضارب الذي يتدبر فيما سيشتريه أو يبيعه من أسهم.
تنكب الذوات الرأسماليّة على المراكمة لظنها أنّ جمع ما يكفي من النقود أو السلع سيمكنها من التمتع بلا قيد. وفكرة التمتع بلا قيد، عوضًا عن مجرد التمتع، أساسية لبنية الرأسماليّة النفسيّة. فلو تبينّا أنّ المتعة تنطوي، ولا بد، على نقص، ولذلك تعتمد على شكل أو آخر من التقييد، لكففنا عن أن نكون ذوات رأسماليّة فعّالة. وذلك لأنّ المتعة المحضة، المجردة من أي نقص، هي شكل المتعة الوحيد الذي ترتضيه الرأسماليّة.
وتكمن المشكلة في أنّ المرء لا يمكنه قط أن يبلغ نقطة الكفاية هذه، لأن هذه النقطة تبتعد عنه كلما اقترب منها، مثلما يبتعد الضوء الأخضر، الذي يؤشر على منزل ديزي، في رواية جاتسبي العظيم، عن جاتسبي كلما اقترب منه. ففي عالم الرأسماليّة النفسي، كلما امتلك المرء شعر بافتقاره. لأن الإفراط لا يسد الفقد كما يرتجى منه وإنما يبرزه. ولذلك، نجد أنّ أعتى المراكمين في النظام الرأسمالي هم الذين يتسنمون قمته وليس الذين يقبعون في قاعه.
كلما تملك المرء ما يريده، سرعان ما يتبين له أن الإفراط يقتضي تملك ما هو أكثر منه. فبعدما يمتلك ما رغب فيه سلفا، يرغب في غيره على الفور (المزيد من المال، هاتف جديد، منزل أكبر، تلفاز أضخم، إلخ). وهكذا لا تفضي المراكمة إلى إخماد الرغبة في المزيد وإنما إلى إيقادها. في الاقتصاد النفسي الرأسمالي، لا يقول أي أحد أنه يمتلك ما يكفي لأن الواحد لا يشعر قط بأن ما يملكه فائض بما يكفي. ويرجع ذلك إلى أنّ تجربة أي فائض لا يمكن لها أن تكون مشبعة بنفس القدر الذي تعد به صورته المتخيلة. إن الفائض لا يكون فائضا بحق إلا وهو بعيد عن متناول أيدينا، ولذلك لا يمكن لامتلاكه أن يخلصنا قط من شعورنا بالنقص والافتقار.
ويقتضى هذا المنطق النفسي أن تجد الذوات الرأسماليّة أنفسها ساخطة على الدوام من دون أي سبب واضح لهذا السخط، وذلك لأنه ناتج عن بنية النظام الرأسمالي نفسه. ولا يوجد داخل منطق الرأسمالية أي حل لمشكلة السخط هذه. لكن من شأن تركها بلا حل أن يخلق روحا ثورية تتطلع إلى ما وراء أفق الرأسماليّة بحثًا عن نظام اجتماعي واقتصادي مختلف. ولكي تتجنب الرأسماليّة حدوث ذلك في نهاية المطاف، تستعيذ بأخيولة ارتيابيّة، بالبارانويا.
تقف بنية الرأسماليّة النفسية على حافة السقوط في البارانويا دائمًا، ولذلك يحوم خطر الفاشيّة باستمرار حول الديمقراطيّة الرأسماليّة. فتخيل أنّ الآخر هو العائق الذي يحول بيننا وبين التمتع بالفائض المحض الذي تعد به الرأسماليّة، هو الأخيولة الفاشيّة الأساسيّة، وهذا تحديدًا ما يروجه دونالد طرمب. ففي عين طرمب، الآخر المفرط―المهاجرون المجرمون، أو الحكومة الصينية الذكيّة، أو أستاذ الجامعة الملتزم بالصوابية السياسيّة―هو الذي يحول بين أمريكا وبين الخلاص من افتقارها. ولا يمكن لأمريكا أن تتخلص من فقرها، أن تعود عظيمة مرة أخرى، إلا بمحو هذا العائق. وهذه هي العطفة الارتيابيّة التي يدخلها طرمب على الأخيولة الرأسماليّة [يمكنك أن تتمتع بالفائض المحض + الآخر هو الذي يحول بينك وبين ذلك]. وهذه هي العطفة التي تقود الديمقراطيّة الرأسماليّة نحو الفاشيّة.
تقوم الديمقراطيّة الرأسماليّة على تخيل الذات لإفراط الآخر. ولا يمكن لها أن تستغني قط عن هذه الأخيولة لأنها هي التي تحفز الذات على التنافس مع الآخر بلا انقطاع. ومن دونها، لن ينكب أي أحد على المراكمة بالقدر الذي تتطلبه الرأسماليّة. بل إنّ آدم سميث نفسه قد أقر بذلك. إذ أشار إلى أنّ الأثرياء يعيشون حياة تعيسة في الواقع. ومع ذلك، تخيل أنّ الثراء يجلب الإشباع التام، أمرًا ضروريّا. وذلك لأن هذه الأخيولة هي «ما يحفّز الكدح البشري ويديمه».[17] ولو تركنا الاعتقاد في أن المراكمة تفضي إلى الإشباع الأقصى، سنتوقف عنها ببساطة.
لكن عندما تنقلب هذه الأخيولة الرأسماليّة (الإفراط في المراكمة يجلب الإشباع) إلى أخيولة ارتيابيّة (الآخر هو الذي يحول بيننا وبين هذا الفائض المشبع)، تظهر الفاشيّة. فالفاشيّة هي تطبيق البارانويا في أرض الواقع. إذ تجعل من آخر (أو آخرين) بعينه مسؤولًا عن سرقة فائض المجتمع، ثم تسعى، سدى، إلى محو هذا الآخر. لكن الفاشيّة طريق مسدود. إذ لا يمكنها أن تنجح قط، لأن بنيتها الارتيابيّة تعتمد على وجود هذا الآخر الذي تسعى إلى محوه. ولذلك، كلما محت آخر (يقوم بدور الحائل دون الفائض المحض)، سارعت لزامًا إلى تنصيب غيره. وهكذا، لا توجد فاشيّة ناجحة لأنه لا يوجد فائض محض.[18]
بعدما نصّ دونالد طرمب على أنّ فيلم المواطن كَين هو فيلمه المفضل، طرح تأويلًا موجزًا للفيلم. إذ قال إنّ الدرس الذي نخرج به من الفيلم هو أنّ كَين لم يجد قط المرأة المناسبة، التي كان من شأنها أن تهبه الإشباع الذي لم يجده قط في صُحُفِه، ولا في أملاكه، ولا في مكانته الاجتماعيّة. لقد تزوج كَين مرتين وأخفق فيهما، أما طرمب نفسه فقد وجد مبتغاه―أو هكذا يزعم―في زوجته الثالثة. ومن هذا الوجه، يمكن القول أنّ طرمب قد تعلم الدرس الأساسي للفيلم، إذ ظل يبحث [على خلاف كَين] عن المرأة المناسبة حتى ظفر بها.
تأويل طرمب سخيف، لكنه، ومهما بدا كذلك، لم يجانب الصواب بالكامل. إنّ فيه غلط، وعلى هذا الغلط يقوم مشروع طرمب السياسي بأكمله. لقد أصاب طرمب في رأيه أنّ الفيلم يركز على المرغوب المشبع. لكنّ الفيلم لا يقترح أن كَين لم يجد قط ميلينا خاصته، هكذا ببساطة، وإنما يبين أنّ فشله يرجع إلى سعيه وراء فائض لا يشوبه أي فقد. إنّ المرغوب الصائب ليس شيئا موجودًا―كامرأة مناسبة كما يرى طرمب―وإنما مفقودًا. إنّ كَين لا يرى أنّ الإشباع ينطوي لزاما على فقد، أنّ الفقد لا مناص منه، بل نافع للذات أيضًا. ولقد قضى عليه امتناعه عن التسليم بضرورة الفقد بحياة يكدح فيها بلا انقطاع من دون أن يبلغ غايته قط.
وهذا هو عين الموقع الذي يشغله المشاهد على مدار أغلب الفيلم. فكما يقول چيمس ناريمور: «مثل صُحُف كَين، أضحت الكاميرا "مفتشا"، تولد، ببحثها، في المشاهد رغبة في معرفة جوهر كَين الخفي وليس الظاهر».[19] لكن في خاتمة الفيلم، ينأى ويلز بالمشاهد عن لهث كَين الأبدي وراء المرغوب الأقصى إشباعًا [بالكشف له وحده عن المزلجة روزبَدّ]. وهذه النقطة التي ينأى عندها الفيلم بالمشاهد عن كَين (وغيره من الشخصيات)، هي التي أخفق طرمب في أخذها في حسبانه، سواء في تأويله الموجز للفيلم أو في مشروعه السياسي.
في كلمات الفيلم الأخيرة، أوجز الصحفي طومسون تحقيقاته. وخلص إلى أنّ عجزه عن العثور على الشيء الذي تدل عليه كلمة «روزبَدّ»، يدل على أن هذا الشيء غير موجود، أي أنه لا يوجد حل مرضي للمسألة التي طرحت في بداية الفيلم. وحينما قالت له زميلته: «لو أنك وجدت ما تدل عليه كلمة روزبَدّ، لفسر لنا ذلك كل شيء بلا ريب»، ردّ عليها قائلًا: «لا، أنا لا أظن ذلك، لا. إن السيد كَين رجل وجد كل ما اشتهاه ثم فقده. لعل روزبَدّ شيء لم يتمكن من الحصول عليه أو شيء قد فقده. على أي حال، لم يكن لمعرفة ذلك أن تفسر أي شيء. فأنا لا أظن أنه من الممكن لأي كلمة أن تفسر حياة إنسان. لا، أظن أن روزبَدّ ليست سوى قطعة في لعبة تركيب صورة مقطعة، قطعة مفقودة». وفي أثناء حديث طومسون، أبعد ويلز الكاميرا إلى الوراء لتصوير لقطة بالغة الطول لداخل قصر كَين (زانادو) الذي يحتوي على كم هائل من الممتلكات التي راكمها كَين. وتثبت هذه اللقطة، على ما يبدو، صحة أطروحة طومسون: من المستحيل أن ينتقي المرء من بين كل هذا الركام شيئا واحدًا يحوي سر حياة إنسان.
كان من الممكن لويلز أن ينهي الفيلم بحديث الصحفي طومسون الذي صرّح فيه بعجزنا عن تحديد المرغوب أو الفائض الذي يدفع أحد الأشخاص. ولو أنهى ويلز الفيلم عند هذا الموضع، لكان درسه هو أننا لا نستطيع أن نعلم كنه إفراط الآخر. ومن شأن هذه النهاية أن تترك المشاهد متوهما وجود فائض منقى من الفقد. أي أن تتركه في موقع الذات الرأسماليّة. ومن هذا الوجه، يمكن القول أن اللقطة التي أنهى بها ويلز الفيلم بالفعل، المزلجة المشتعلة، هي ما خلع على الفيلم أهميته السياسية، على الرغم من الإبداع الشكلي الذي اتسم به كل ما سبقها.
لقد أظهر ويلز للمشاهد أن كلمة «روزبَدّ» تدل على المزلجة، وبذلك مكّنه من رؤية ما لم يتمكن طومسون (ولا غيره من شخصيات الفيلم) من رؤيته. إن «روزبَدّ» ليست مرغوب غامض يتمتع به كَين تمتعًا مفرطًا، كما ظننا على مدار الفيلم. وإنما هي الفقد الذي يميز ذاته ويحددها. إنها لا تجسد نجاح كَين الخاص وإنما فشله الفريد. لقد أجبر ويلز المشاهد على رؤية الصلة الحتمية بين إفراط الذات وافتقادها، بين ما تفتقده الذات وتمتعها، وهي الصلة التي لم يتمكن كَين من رؤيتها قط. إنّ ما أخطأ تشارلز كَين في تبينه كذات هو ما أصاب فيه المواطن كَين كفيلم.
لا يمكن للمرء أن يفلت من منطق الحسد والبارانويا إلا بتقبله لارتباط إفراطه بافتقاده ارتباطًا لا ينفك قط. فبهذا السبيل وحده، يتجنب المرء رؤية ما بين يدي الآخر من فوائض كعائق يحول بينه وبين التمتع والإشباع. إنّ الإفراط لا يسد الافتقار ولا يمحوه وإنما ينمّيه ويجدده. إنه السبيل الذي يفضي بنا إلى مواجهة فقدنا. فكلما أفرطنا شعرنا بنقصنا.
إنّ رهان فيلم المواطن كَين هو الآتي: يمكن للمرء أن يتقبل الارتباط الوثيق بين الفقد والفرط. ليس على المرء أن يقضي حياته ساعيّا، سدى، وراء الفائض، ليجد نفسه، في نهاية سعيه، على أرض الفقد لم يبرحها. أو بعبارة أخرى، على المرء ألا ينخدع بوعد دونالد طرمب بإمكانيّة قهر الشعور بالفقد قهرًا تامًا. في المقابل، من الممكن للمرء أن يتبين أن صورة الفائض التي يراها في حال الآخر ليس فيها أي شيء زائد على ما يجده في حاله من افتقار. إننا لا نفلت من السقوط في البارانويا إلا بتبين أننا في فائض بالفعل، وهذا هو الموقف الذي يمكننا المواطن كَين من اتخاذه. إنّ مشروع طرمب السياسي―بل والحياتي―قائم برمته على تأويله الخاطئ للفيلم. فإيمانه بإمكانيّة التمتع بالفائض المحض، غير المشوب بالفقد، هو تحديدًا ما يدحضه الفيلم. وفقط برؤيتنا لما أخفق طرمب في رؤيته في الفيلم، يمكننا أن نتجنب الانخداع بالوعد الرأسمالي الذي يتركنا دائمًا متأرجحين على حافة الفاشيّة. إنّ فيلم دونالد طرمب الأثير هو ما يهدينا إلى سبيل معارضته.
[1] Todd McGowan, “Citizen Trump,” Continental Thought & Theory 3,1 (2020), 166-180.
[2] فيلسوف لاكاني معاصر. أستاذ السينما في جامعة فيرمونت في الولايات المتحدة.
[3] صرّح طرمب بذلك في مناسبات عدّة، منها: مقابلة مع ميجان كيلي، على محطة فوكس نيوز، في شهر مايو من سنة 2016.
[4] قائمة الأفلام المفضلة عند الرؤساء كاشفة حقًا، انظر:
https://www.businessinsider.com/presidents-favorite-movies-2016-8?r=AU&IR=T
[5] لتفصيل القول في أوجه الشبه بين حياة طرمب وحياة كَين في الفيلم، انظر:
Benjamin Hufbauer, “How Trump’s Favorite Movie Explains Him,” Politico (6 June 2016):
https://www.politico.com/magazine/story/2016/06/donald-trump-2016-citizen-kane-213943/
[6] الفكرة الأساسية هنا هي أنّ عجز طومسون عن العثور على مدلول دال «روزبدّ» يرجع إلى أنّ فيض المرغوبات المتراكمة يُعمّي على فرادة المرغوب المفقود. فكما يقول چون-فردريك هِل جيدي: لا يستطيع المحققون «رؤية المرغوب الذي يبحثون عنه لأنه مطمور تحت ركام السلع الغزيرة»، انظر:
Johan-Frédérik Hel-Geudj, Orson Welles: La règle du faux (Paris: Éditions Michalon, 1997), pp.60 61.
إنّ الإفراط الرأسمالي يجعل تبين الفقد أمرًا مستحيلًا.
[7] الجحد (disavowal) أحد مفاهيم التحليل النفسي (وهو الآلية النفسية الفاعلة في الصنمية أو الفتشية الجنسية، كما أنّ الكبت هو الآلية النفسية الفاعلة في العصاب، والحجب هو الآلية النفسية الفاعلة في الذهان). ويمكن تبيين المقصود منه بالتفريق بينه وبين آلية نفسية أخرى وهي الإنكار (denial)، ولنضرب هذا المثال: ما الفرق بين إنكار خطر فيروس كرونا وجحده؟ أن أنكر خطر الفيروس يعني أن أنفيه، أن أقول: أنا أعلم تمام العلم أن الفيروس ليس خطيرًا كما يُقال، ولذلك سأتصرف وفق هذا العلم. أما جحده فيعني أن أثبته، أن أقول: أنا أعلم تمام العلم أن الفيروس خطير حقا، لكنني سأتصرف كما لو كنت لا أعلم ذلك. ولذلك يعبر أوكتاڨ مانوني عن بنية الجحد بهذه الصيغة الشهيرة: «أنا أعلم تمام العلم...ومع ذلك...». وبعبارة أجامبنية، يجوز لنا أن نقول: إن الجحد «يعطل» العلم أو «يدخله في العطالة». في الجحد، أنا لا أنفي العلم وإنما أثبته وأبقيه لكنني أعطله، أي أجعله بلا أي تأثير على سلوكي، أنا أعلم لكنني أتصرف كما لو كنت لا أعلم.
ويسمى الجحد بالجحد الصنمي أو الفتشي لأن فرويد قد فصّل القول فيه في مقالته عن الصنمية الجنسية، لكن الحق أنه قد طرحه لأول مرة في مقالته عن الحرب والموت. في هذه المقالة، بيّن فرويد أننا نعلم أننا سنموت لكننا لا نعتقد أننا سنموت، أو بالإحرى «لا يعتقد لاوعينا في أنه سيموت». إننا لا ننكر الموت وإنما نجحده، فنحن نعلم تمام العلم أننا سنموت، لكننا نتصرف كما لو أننا لا نعلم ذلك. يوضح لنا فرويد ذلك بهذه النكتة: قال رجل لزوجته: «إذا مات أحدنا سأهاجر إلى باريس». إننا نتكلم عن موتنا لكننا لا نستطيع تصوره. يتكلم الرجل، في النكتة، عن موته وموت زوجته، لكنه لا يستطيع أن يتصور إلا موت زوجته وحدها. ومن آليات جحدنا للموت، بحسب فرويد، التعامل معه كما لو أنه أمر عارض، حادث، يقع على سييء الحظ. ويرى فرويد أنّ الحرب تحول بيننا وبين جحد الموت، ففي الحرب لا يمكننا أن نتصرف كما لو أننا لا نعلم أننا سنموت، إنّ الحرب «تُكرهنا على الاعتقاد في الموت».
أما في مقالة الصنمية الجنسية فقد بين فرويد أن الصنم الجنسي (حذاء امرأة أو لباسها الداخلي مثلًا) يطمئن صاحبه ويحميه من قلقل الخصاء، إذ يقوم الصنم في مقام القضيب الغائب. ويتمكن الصنم من القيام بهذه الدور بفضل آلية الجحد: يعلم صاحب الصنم تمام العلم أن الصنم ليس قضيبا ومع ذلك يتصرف كما لو أنه لا يعلم ذلك، كما لو أنه قضيبا.
خارج نطاق الصنمية الجنسية، يقوم الصنم بدور مطمئن ومضاد للقلق من أي تهديد بالنقص عامة (الخصاء هو نموذج النقص والفقد الأول).
وفي السياق الرأسمالي، تقوم السلعة بدور الصنم لأنها تعد مالكها بأنها ستكمله، ستسد نقصه، ستحميه من الشعور بالفقد والفوت. يعلم المرء أن السلعة مجرد سلعة لكنه يتصرف كما لو كان لا يعلم ذلك، يتصرف كما لو كانت أكثر من مجرد سلعة، كما لو أنها ستشبعه الشبع التام. (المترجم)
[8] كما يقول فرويد: «يرمز الصنم الجنسي على اتقاء خطر الخصاء والتغلب عليه»، انظر:
Sigmund Freud, “Fetishism,” trans. Joan Riviere, in The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, vol. 21, ed. James Strachey (London: Hogarth Press, 1961), p.154.
[9] شددت لورا ميلڨي على الفرق بين موقع المشاهد وموقع المحقق الصحفي في الفيلم، إذ يتمتع المشاهد دون المحقق بلذة الرغبة، تقول: «في حين تدل كلمة روزبَدّ على "لغز كَين" في قصة الفيلم، يقدم ويلز للمشاهد سلسلة من الأدلة البصرية التي تحول هذا اللغز المكتوب إلى صور مرئية على الشاشة. وهكذا يطلب النص الملغز، المتجسد في صور، مشاهدا نشطا وفضوليا يجد لذة في تبين العلامات وتأويلها وحل لغزها»، انظر:
Laura Mulvey, Fetishism and Curiosity (Bloomington: Indiana University Press, 1996), p.99.
لكن الفرق بين الاثنين يمضي إلى ما هو أبعد من ذلك. فبفضل زاوية النظر التي يطلعون منها على المزلجة بصفتها المرغوب المفقود المشبع، لا يتمتع المشاهدون بلذة حل اللغز فحسب، كما تقول ميلڨي، وإنما يتمكنون أيضًا من تبين الإشباع الكامن في الفقد.
[10] Jacques Lacan, The Seminar of Jacques Lacan, Book XI, The Four Fundamental Concepts of Psychoanalysis, trans. Alan Sheridan (New York: Norton, 1978), p.182.
[11] ليست الأخيولة مجرد مُحسّن يدخله المرء إلى حياته اليومية لكي يضيف إليها شيئا من المتعة، وإنما هي الأساس الذي تقوم عليه حياته اليومية. لكن الأخيولة التي يهتدي بها الواحد منا في حياته اليومية لاواعية في الأصل، إذ لا يعلمها المرء إلا من خلال تلك الإشارات إليها التي تلهمه التصرف على هذا النحو أو ذاك. أو كما يقول خوان-دَڨيد ناسيو: «المرء محكوم بأخيولته، لكنه لا يتبين المشهد الذي تحكيه ولا يميز بين أبطاله بوضوح»، انظر:
Juan-David Nasio, Le Fantasme: Le plasir de lire Lacan (Paris: Petite Bibliothèque Payot, 2005), p.17.
[12] تقول چون كوبچك: «مراد الحاسد الأساسي هو تجريد الآخر من مجرد قدرته على التمتع [وليس تجريده من أيّ من مصادر متعته]»، انظر:
Joan Copjec, Imagine There’s No Woman: Ethics and Sublimation (Cambridge: MIT Press, 2002), p.159.
[13] في مقالته التأسيسية عن الأخيولة: «طفل يُضرب»، تتبع فرويد المسار المفضي من الأخيولة بشتى أشكالها إلى البارانويا. ففي نظره، تشير بنية الأخيولة إلى اتجاه البارانويا في نهاية المطاف. ويرجع ذلك إلى أهمية المقام الذي يشغله الآخر (وتمتعه) في هذه البنية، انظر:
Sigmund Freud, “‘A Child Is Being Beaten’: A Contribution to the Study of the Origin of Sexual Perversions,” trans. Alix and James Strachey, in The Standard Edition of the Complete Psychological Works of Sigmund Freud, vol. 22, ed. James Strachey (London: Hogarth Press, 1955), pp.175-204.
[14] Jacques Lacan, The Seminar of Jacques Lacan, Book III: The Psychoses, 1955-1956, trans. Russell Grigg, ed. Jacques-Alain Miller (New York: Norton, 1993), p.39.
[15] لتفصيل القول في هذا المنطق النفسي، انظر:
Todd McGowan, Capitalism and Desire: The Psychic Cost of Free Markets (New York: Columbia University Press, 2016).
[16] Karl Marx, Capital: A Critique of Political Economy, Volume I, trans. Ben Fowkes (New York: Penguin, 1976), p.742.
[17] Adam Smith, The Theory of Moral Sentiments (New York: Penguin, 2009), p.214.
[18] لا يوجد الفائض المحض إلا من خلال العائق الذي نفترض أنه يحول بيننا وبينه، ولذلك يمكن القول أن الآخر في البارانويا والفاشيّة هو ما يجسد الـ objet a اللاكاني. إذ يظهر الـ objet a كعائق يحول بين المرء وموضوع رغبته (الفائض المحض المشبع). وعن طريق ظهوره كعائق أمام موضوع الرغبة يسبب رغبة المرء فيه. يضرب لنا المؤلف، في موضع آخر، الأمثلة التالية: غلاف الهدية، علبة هاتف الآي فون. لماذا نعتني بتغليف الهدايا؟ غلاف الهدية هو آخر عائق بين المرء وبينها، وجوده هو ما يجعل الهدية مرغوبة، وبتمزيقه أو فتحه، تتحول الهدية إلى موضوع عادي مبتذل (لنتخيل أننا وضعنا للأطفال هدايا الميلاد تحت شجرة عيد الميلاد بلا أغلفة!) ويضرب لنا سلافوي جيجك الأمثلة التالية: الوحمة أو الشامة في وجه امرأة، أو وزنها الزائد: تلعب الوحمة دور العائق أمام جمال الوجه، وبذلك تحديدًا توجد هذا الجمال. يقول الرجل: لولا هذه الوحمة لغدت فائقة الجمال. وكذلك تلعب زيادة الوزن دور العائق أمام جمال الجسد، وبذلك تحديدًا توجده. يقول الرجل: لولا هذا الكيلوجرام الزائد في وزنها لأضحى جسدها مثاليًّا. هذا الجمال الفائق، وهذا الجسد المثالي، أي موضوع رغبة الرجل، موجود تحديدًا بفضل هذا العائق الذي يقف أمام تحقُّقه؛ يرى الرجل جمال الوجه أو الجسد تحديدًا من خلال هذا العيب في الوجه أو الجسد.
ونجد مثالًا على الـ objet a في الموسم الأول من مسلسل The White Lotus (مايك وايت، 2021). يذهب شَين وزوجته رِتشل لقضاء شهر العسل في فندق The White Lotus بجزر هاواي، حيث حجزت له أمه الجناح المخصص لشهر العسل (الذي يحتوي على مسبح مدرج خاص). لكن بسبب غلطة، حجز مدير الفندق (أرماند) للعروسين جناحًا آخر غير الجناح المخصص لشهر العسل. ومع أن هذا الجناح الآخر لا يقل فتنةً عن جناح شهر العسل بل هو أجمل منه في واقع الأمر (فقط لا يوجد فيه مسبح خاص)، ومع أن رِيتشل لم تشتكِ قط بل لم تنفك تُعبِّر عن فرحتها بالجناح الذي انتهى بهما المطاف فيه، ظل شَين طوال المسلسل لا شاغل له سوى جناح شهر العسل، لماذا؟ لأنه كلما مر يوم عليه في الفندق زاد يقينه في أن أرماند قد تعمَّد، لسبب أو لآخر، حرمانه من النزول في جناح شهر العسل. ولولا هذا اليقين لما انشغل حد الهوس بهذا الجناح. جناح شهر العسل هو موضوع رغبة شَين، وأرماند هو العائق (المتخيل) الذي يحول بين شَين وبين موضوع رغبته. أي إن أرماند هو مجسد الـ objet a ، هو الموضوع المسبب لرغبة شَين في موضوع رغبته؛ فاعتقاد شين أن أرماند يحول بينه وبين جناح شهر العسل هو تحديدًا ما يوقد رغبته فيه. ولأن أرماند هو الـ objet a ، انشغل به شَين أكثر من انشغاله بشهر العسل وبعروسه رِتشل نفسها، لقد كرَّس نفسه له بالكامل. يرى شَين موضوع رغبته، جناح شهر العسل، تحديدًا من خلال العائق الذي يحول بينه وبينه، أرماند. فمن خلال أرماند، يتخيل شَين جناحًا فندقيًّا فريدًا، مثاليًّا، قادرًا على إشباعه دون أي جناح آخر في الفندق. أرماند غير موجود في عين جميع النزلاء الآخرين، مجرد مدير فندق ببساطة، لكن لا يوجد سواه في عين شَين، لأنه مَن يحول بينه وبينه موضوع رغبته (المترجم).
[19] James Naremore, The Magic World of Orson Welles, rev. ed. (Dallas: Southern Methodist University Press, 1989), p.57.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.