مساء الخير أيها العالم! كتب محمد جبريل([1]). ليخبرنا عن فضيلة التخفف؛ كي نعبر الأيام بخفة وملاحة، أو يقول: فإذا كان جبران خليل جبران يقول "إنما الناس سطور" فالبنت التي تسقطَ في شَرِك حبها هي السطر المدخل إلى سرد حياتك بالكامل، السطر المفتاح، العلامة التي لا تُمحى عن جدران القلب، وحقيبة الذاكرة، حتى بعد الانفصال الفيزيائي، ولو لم تُعبِّر عن ذلك قط!
ليكتب أحدهم: "عرفت كيف أكون وحيدًا، لأن من لم يستطع أن يكون وحيدًا، لا يمكن أن يكون مع أحد! لكني أقسم لك يا رفيق أن هذه الليلة، الآن، من أسوأ لحظات العمر، لم أكن قط، شاعرًا بكل هذه الوحدة. لم أشعر مثل الليلة بكل هذا الافتقاد والغربة والضياع والتشتت التام؛ أفتقدها كما لا أفعل تجاه شيء آخر. على الزمان أن يمنحنا مع فضيلة التخفف، فرصة ما، ولو للوداع. لكنها لطالما كانت بعيدة، لم تكن هنا قط، أو آثرت أن ترحل، تاركة يدٌ -لم تتردد حيالها ولو في الإتيان بالعالم صاغرًا- معلقة في الهواء إلى أن ينتهي العالم! قل لي إذن، بحق أي شيء كيف تتخفف يد طوحها الهواء، يد لم يتعلق بها أحدٌ من المارة، العابرون بخفة الظل؟ إنها الآن تتلاشى فقط يا رفيق، تتلاشى!"([2]).
يناقش كتاب "الحب والفراق على أريكة التحليل النفسي" فكرة استعارة الحب عند لاكان وما يقاربها عند اسبينوزا، حيث "توجد في كل علاقة حب لحظة حاسمة، عندها يولد الحب بأتم معنى للكلمة، تولد دراما الحب، وتصير علاقة الحب جديرة باسمها، وهي اللحظة التي يتحول فيها المحبوب إلى محب"([3]). إلا أن المسألة تتعدى الحديث عن الحب كما هو متعارف عليه منذ أمد طويل، إلى الحديث عن فلسفة الفراق، متى يتحقق؟ وإلى أي شيء يؤول الحب بعدها؟ بالأحرى هل ينتهي الحب بانتهاء العلاقة وحلول لحظة الفراق، أم أن في الأمر متسع للمزيد من المخاطرة بلعبة الحب؟ أو ربما تشكل لحظة الفراق تمام الحب نفسه، وعلامة استمراره في الزمن. أي أن تكون القطيعة علة الحب نفسه. ويا لها من مفارقة موجعة!
"في المسرحية الشعرية (مجنون ليلى) لم يأتْ شوقي بجديد يذكر؛ إذ ترك لنا قيس هذا أجمل ما قد يقال في حبيب، أي حبيب، وهل بعد قيس من مُحب، وهل بعد ليلى من أمل؟! وهي الحب الذي قطعت الحياة حبال وصله، بين العرف والأحداث والبشر. بالأمس راحت تراودني مرات، أي المسرحية والحكاية، حتى إذا رأيت أحد الأصدقاء يسخر من جيل ما بعد الألفية متسائلًا: أين الحب دون أمل أنا لا أراه؟! لمعت ببالي مثل عرق نافر؛ هي ما تركت لنا الحياة رغم قسوتها، بعض ما تشهد به الأيام على حب غافلته الأيام فلم ينم، ولم يهدأ رغم رحيل أبطاله، غير أن القصة، الشِّعر، وكثير من العذوبة والشجن، يقضيان حتمًا ببقائه الأبدي.
لاهٍ -في حديثه إليها- عن جمرة يحملها بيديه حتى كاد يحرق جسده، فأمست قصته مقياسًا لكل حب تفصح عنه الحياة. مجنون عامرٍ، مثالًا يُعرف به صدق المحب من عدمه! فهل يصح الآن أن نسأل عن محب -صادق- دون أمل، سوى وقد يتنبه العقل والفؤاد لواحد لم تنصفه الحياة حينها، فمات كلاهما كمدًا وحزنًا وبقي الحبُّ هائم بيننا ينمو ويزدهر، يخايل مرايا الدنيا -التعسة دون الهوى- ببهاءه وروعته، إذا صادف بيوم من الأيام قيس آخر ليلاه"([4]) . ولكن هل أحب قيس ليلى -إذ يقول مخاطبًا إياها: إليكِ عني، فقد شغلت بالحب عنكِ- أم أحب الشِعر؟! أو أحب الحب/ العلاقة ذاتها؟ طبقًا للتفرقة بين الحب والمحبوب والمحب. وهو ما يمكن أن يشمل بوصفه قصص حب وفراق مشابهة لكيركجارد وكافكا ولوكاتش وغيرهم.
وهذا حيث يطرح آرون شوستر رأيًا مغايرًا بخصوص محاورة المأدبة الأفلاطونية، من حيث إن خيطًا عن الفراق لا الحب -فقط- يتسرب في ثناياها، إذ وجد "تلميح إلى ذلك في خطبة أرسطوفان، التي تبين -على نحو أسطوري- أن الفراق سابق على الحب: حيث عاقب زيوس البشر الأولين -ذوي الشكل الدائري- على عجبهم بأنفسهم وتمردهم على الآلهة، بشطر كل واحد منهم إلى نصفين. وهذا الإنشطار الإبتدائي هو ما يكمن في أصل الحب، باعتباره بحث كل نصف عن نصفه المفقود؛ فوحده كائن مشطور ومقطوع يمكنه أن يحب. تتألف صيغة الفراق الأفلاطوني التي ابتكرها سقراط، من جزئين:
حيث فهم الحب من منظور الفراق. أي اعتبار الافتراق، الانفصال، القطيعة، الهَجر -أي نهاية الحب- ظاهرة مستقلة بذاتها، لا يمكن فهم الحب من دونها"([5]). إلا أن الصيغة الأفلاطونية للفراق تستهدف تبديد الرغبة نفسها، فكما أني لست بشيء، يفترض جدلًا أنني لا أملك الأسباب اللازمة كي تحبني، هو ما يستدعي الجملة التالية بعدها، أي ستكون أسعد مع شخص غيري؛ فحتى "تقطع علاقتك بالحبيب، إذا ما ظل متعلقًا بك، مفتونًا ومولعًا بك، إذا ما ظل ينظر إليك.. ففي الشكل المثالي للفراق ينبغي تبديد سحر رغبة الحبيب فيك .. قتل رغبته مباشرة"([6])، إما بتوجيه هذا الحب إلى طرف آخر تمدحه على مرئى ومسمع من الحبيب، أو إلى محاولة الاعتراف بالحقارة: أنا نذل! وهو ما أحدثه كيركجارد من تجديد على صيغة الفراق الأفلاطونية، إذ يعمد مباشرة إلى نكران الحب، أنه لا يستحق، فضلًا عن حقارته التامة، ثم في الأخير إلى نكران الحبيب ذاته، جعله يشعر بالهشاشة والضياع وخطأ الحسابات وخطأ الحب إذا أصاب نذلًا كهذا، فإنه يستحق اللعن الأبدي. حتى لو أن هذه الحقارة الظاهرة هي مجرد غطاء ابتكره كيركجارد ليدفع حبيبته إلى الزواج بغيره؛ إنقاذها حسب ما رأى، أو أنها حقارة بمثابة "ضربًا نادرًا من الشهامة"([7]). لكنه يظل ملغزًا؛ إذ يظل الدافع وراء هذه القطيعة في وجود الحب، مجهولًا.
هو ما يجيب عنه شوستر قائلًا: أن "الثيمة التي تربط بين فناني الفراق هؤلاء- هي التعارض الجذري بين الفن والزواج، بين الأدب والحب"([8]). وهو الأمر الذي يمكن أن نراه في سياقات متعددة، لا يمكن بطبيعة الحال قياس مدى صدقها من عدمه، أو مدى تناسبه فعلًا مع ما تطرحه، بالأحرى ما يظنه فناني الفراق هنا وهم يعلنون أن "الإخلاص للأدب لا يجتمع مع الإخلاص العاطفي لامرأة. على المرء أن يختار إذن: إما الكتابة وإما المرأة. -حيث- احتاج كيركجارد إلى بؤسه لكي يبدع، وأعطى إبداعه شكلًا فنيًا لكآبته وإثمه، يمكنه من تحملهما. وحتى يقول لوكاتش في تأويله لما فعل كيركجارد: لعله كان يخشى أن تكون السعادة ممكنة في نهاية المطاف .. فأي شخص سيكون من دون كآبته؟ وعليه فلم تكن المشكلة أن السعادة مستحيلة، وإنما أنها ممكنة، وهذا تحديدًا ما يروعه"([9]). إلا أن هذا الأمر ولو يصح من جانب، فهو يخطىء من آخر، إذ لا يمكن لنا أن نجرد كيركجارد نفسه من نزوعه الروحي نحو الرهبنة بمعناها المسيحي التام، وهو الأمر ذاته الذي يجعله يرى في الزواج -إن أعلن هذا الأمر أو لم يفعل- خطيئة كبرى، وليس هذا ببعيد عن الحب المطلق، ويعني به محبة الله. وعليه فهو بطريقة ما، "يرى في المرأة الأنانية المشخصة، فهي مجعولة للقضاء على حياة الرجل الروحية. كما يرى أن هناك تعارضًا جوهريًا بين الحب والواجب، وفي ذلك يروي قصة القبيلة التي التقى بها اليسوعيون في بارجواي، فكانوا يجدون أنفسهم مضطرين إلى قرع أجراس في منتصف الليل، من أجل تذكير الأزواج بواجباتهم الزوجية"([10]). أو لعله لم ينشد سوى الحرية الثائرة المنطلقة على الدوام، بينما يسأل: يا إلهي؛ هل أكتب بدلًا من أن أعيش؟!
غير أن هذه الصيغة تطرح تساؤلًا عن استحقاق الرجل على الدوام لتلابيب الاختيار وحده، استنادًا على تعارض مزعوم بين الرجل والمرأة، حيث إن المرأة تشبه النبات -أو كما يقول باشلار- تشبه الماء أو التراب بما يمثلاه من استقرار وثبات أرضي (طبيعة)، والرجل يشبه النار أو الهواء بما يمثلاه من حركة واندفاع (فعل). وعليه فإن التعارض حاضر لا محالة بينهما. ولكن هل يتعلق هذا الأمر بما يمكن أن نسميه مهارة الاستهداف القضيبية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تقول المرأة إما الكتابة وإما الرجل؟ ألا يمكن اعتبار ميلاد الرجل والمرأة باعتبارهم (إنسان) هدمًا لكل هذه الدعاوي التي تستند في جوهرها على اختلاف الجنس وحده؟([11]) وهل للأمر علاقة بفكرة من يبادر بالحب أولًا؟ ولا نغفل أن هذه الحجج من الممكن أن تكون مجرد مقولات للهرب من عبء استمرار علاقة طويلة الأمد (الزواج)، ودفع مسئولية الحفاظ على وجود الشريك/ المحب بما يتطلبه ذلك من جهود رعاية واهتمام ومشاركة إلى أسباب عصية على القياس أو المداواة.
وهي الصيغة التي تُظهر طمعًا في مهمة يضطلع بها كل فنان؛ إذ "الحب الضائع يُفتدى من خلال تبدله إلى شِعر، وهذه هي مهمة الكاتب الأسمى -هو ما عين يقول كيركجارد عن نفسه وعن ريجينا: حيث- الغرض من وجودي هو التوكيد المطلق على حياتها، ويمكن اعتبار مؤلفاتي نُصبًا لمدحها وتشريفها. لقد أخذتها معي لتخلد في التاريخ. إن الخطبة فسخت لكي تكتب عنها صفحة مجيدة، لتُقرأ في ما بعد؛ فالقراءة عنها (وليس هي) هو ما يهم حقًا"([12]). الأمر الذي يشبه قصة مجنون ليلى؛ إذ لو لم يحدث الفراق ساعتها، ربما لم نكن نعرف عن محبته (أشعاره) أي شيء، بل ربما لم يكن ليستمر الحب من الأساس. لكن علام يختار المحبوب النهاية وحده؟ وعلام الحب إذ لم يكن مشاركة الحبيب خيال الحب ذاته؟ ألم يكن ضربًا من النذالة أن يختار لوكاتش ما على أثره انتحرت حبيبته، ثم يتعالى بالحب والتكريم فيهديها أحد كتبه؟ ألم يكن احتقارًا شديدًا للحب والحبيب (المرأة) تلك التي أكد بها كيركجارد أنه شرّف ريجينا بمؤلفاته ليخلدها في التاريخ؟ ثم من يملك حق الاختيار إذا لم يرغب المحب في خلود جحيمي كهذا؟ من خول للمحبوب حق اختيار الطريقة التي ينسى به المحب أو يتجاوز بها الحب؟ ألا يمكن أن يكون هذا نوعًا من الغرور والصلف وادعاء المثالية؟ ألا تشمل الأنانية والغطرسة كل ما فُعل باسم الحب في هذه الحالة وهو منه براء؟ على كل، يبدو أن الفصل في نوايا المحبين ضربًا من غياب العقل، إلا أن لدينا ثالثًا قد يكون محبًا من دون أمل بالفعل، لا أمل في الحبيب، وبالتالي لا أمل في الشِّعر، سوى السلوى بالحب وحده، وهو وحده قليل؟!
لعل جديد شوقي في رواية هذه القصة، هو رؤيته للطرف الثالث، أي "ورد" زوج ليلى الذي حالت الدنيا بين الحبيبين عن طريقه، ليس لبيان شره أو نذالته، وإنما لأنه كان محبًا بالفعل، لكنه لم ينل حظه أيضًا، خاسر آخر في علاقة كل أطرافها خاسرين تمامًا. وعجيب أن القصة المتداولة لا تأخذ موقفه أو سيرته بعين الاعتبار، إلا أن يكون صدى لرجل نذل اشترى ليلى بماله الوفير، ومن ثم أخذها من مرتع طفولتها والحب إلى هجير ثقيف وغربتها الموحشة، بالرغم من كون محبته جارفة وربما لا تقل عن ما يملك قيس من الحب، بل ربما يفوقه. ومعولًا على الشر المحض وسبب القطيعة، قائلًا: شِعرك يا قيس أصل البلاء! متفقًا في ذلك مع كيركجارد الذي حالت الكتابة بينه وبين حبيبته، وفي إشارة إلى أن مجاهرة قيس بمحبته ليلى شعرًا سببًا مباشرًا لعدم الزواج بها، إذ كانت عادة العرب اعتبار هذا الأمر عارًا مشينًا، يمنع على الرجل الزواج من الفتاة التي جهر بحبها. لكنه يشير خلسة إلى الحبل الذي تدلت منه عنق الشاعر، وهو الشعر ذاته، وقد بدا معلقًا من تلك العلاقة/ القصة التي قالها شِعرًا، بالإضافة إلى تعلقه بالحب ذاته.
غير أن التعلق هنا لم يكن من قيس فحسب تجاه ليلى، بل عدوى الحب التي انتقلت إلى ورد، عبر وسيط من شِعر قيس ذاته؛ هنا تتضح بلوى الشِعر كما تصورها ورد، مخاطبًا قيس قائلًا: "فلولاك ما اخترت إلا ثقيفًا/ ولم أُلق للعامرية بالًا. ذهبت بشعرك منذ الشباب/ أغني القصار وأروي الطوالا. أرى بين ألفاظه ظل ليلى/ وألمح بين القوافي الخيالا. فشعرك يا قيس أصل البلاء/ لقيت به ليلى والضلالا. كساها جمالًا فعلقتها/ فلما التقينا كساها جلالا". "علقتها" إذن؛ إذ تتضح مرة أخرى مغامرة الحب الحلوة التي تلقفها ورد متسرعًا، وربما مدركًا أن في الأمر حتفه مقدمًا، لكنه مع ذلك لم يملك سوى السير في الطريق إلى نهايته، أي الطريق وذاته المحبة في الوقت نفسه، حتى لو بدا في الأمر بعض الخسة التي جعلته راغبًا في الزواج من امرأة قال فيها الشِعر رجل آخر، لكنه لم يستطع أن يغالب الحب، بالأحرى أن يغالب صورة ليلى/ الحبيبة المشتهاة كما رآها قيس. وفي ضوء القصة بين سقراط وألسيبياديس، ربما نُمنح تأكيدًا غير متوقع أن وردًا أحب قيس أولًا، ومن ثم أحب الشِعر وليلى! حتى لتبدو الحكاية استعارة -أخرى- لاستعارة الحب -الأولى-! سقطة موت في حب صورة امرأة!
***
دعنا نأخذ الأمر إلى منحى مختلف نوعًا ما، ليس للحديث عن شيء آخر غير الحب والفراق، وإنما من باب تجاوز الشكل الكلاسيكي لعلاقات الحب، أي عبر محب -أولًا- وحببيبه، ومن ثم تحقق طرفي العلاقة المحبين والحبيبين في آن واحد. تطرح علينا مسرحية مجنون ليلى الطرف الثالث المحب فقط، لا محبوب كما أشرنا، وهو لا يعرف موقعه بالضبط، أهو المحب الذي خسر لأنه لم يملك بعد -ولا في أي وقت- ما يجعله محبوبًا في نظر حبيبه؟([13]) أو أنه لم يستحق الحب بدايةً؟ وفي مخاطبته قيس قائلًا: "قيس أرى الموقف لا يجمعنا/ أنت حبيب القلب والزوج أنا. يا لكما مني ويالي منكما/ نحن الثلاثة ارتطمنا بالقضا". إدراك الخسارة؛ هي النظرة التي تقبع داخله، فقبل مبتذلًا ذاته المحبة، شاعرًا بالمهانة في مجاورة حبيب (قيس وليلى معًا) لا يحبه! كأن لسان حاله يقول: في يدي وردة تذبل، لا أعرف لمن أهديها في هذه الحياة الغريبة! أو يقول مع العراقي حسن المرواني: ليلى (ليلالي، ليلى القلب)؟ وما أثمرت شيئًا نداءاتي!
وفي إطار مشابه يغني عبادي الجوهر وآمال ماهر من كلمات حسين السيد أغنية بعنوان "سامحني يا حبيبي"، ليس انتهاء بوجيعة تشعر بها في سماع صوتيهما، وإنما في قصة جديدة وأدوار أخرى، بل ونتيجة مغايرة تمامًا عما هو متعارف عليه في علاقات الحب. وإذ تبدأ المفارقة من العنوان وأول سطر مُغنَّى، يطلب على إثره الحبيب من حبيبه السماح، ومن سواه يا تُرى أهل للسماح!
سامحني يا حبيبي.. مش قصدي أجرحك
لما بقولك نبعد وننسى حبنا.. تسألني ليه
ح أقولك عشان أريحك..
وياريت قلبي يطاوعني
وأرتاح كمان أنا
خبيت عليا ليه سرك من الأول
وسبت ليه الطريق يحلو.. ويطول
وإذ تبدو مفارقة أخرى، ليس لأن كل منهم توقف عن الحب فجأة، فظهر الفراق كحل وحيد، وإنما لأن المحبة باقية لا تزال، لا ينازعها شيء سوى الرغبة بداية في راحة الحبيب المشتهى/ البعيد مقدمًا، وللغرابة هو بعيد لعلة الحب، الحب فقط! ومن ثم لا مفر من تمني الراحة للنفس أيضًا، لكن بينما تسمع صوتين عذبين يشدوان بأغنية ملغزة، حتمًا ستسأل علام الحب ورغبة الرحيل في الوقت عينه؟ وستعرف حينها أن هناك سرًا قديمًا، وعتاب عن لماذا أخفيت -يا حبيب- هذا السر العظيم؟ ولماذا تركت الطريق بيننا يزهر ويخضر بأجمل أمنياتنا معًا؟ لأننا -معًا- ولا شيء آخر.
انت كان لك ماضي قبلي
وعرفت غيري وحبيته
والماضي ده جاني وقاللي
واداك حياته واديته
وعشان كده كان لازم أفكر
قبل ما أحبك أكثر وأكثر
لو حبك الماضي صحي
وتلاقي روحك بين حبيبين
ح يبقى فين أنا مطرحي
وساعتها ح أروح من جرحك فين
لتأتي الإجابة حاملة بين ثناياها الحزن والألم معًا، ببساطة لأنك وقعت في الغرام قبلًا، مرة وانتهى الأمر. إذ تعرف الذات المحبة هنا أن الحب لا يغادر، أن الماضي يحترف ملاحقة ضحاياه غالبًا، فإنها تقضي بضرورة الرحيل، لأن مجرد التفكير في ظهور الحبيب السابق يعني جرحًا بالغًا، وستكون حينها -أي الذات المحبة- طرفًا ثالثًا زائدًا عن الحاجة، طرفًا ستقضي الحاجة عاجلًا أو آجلا ببتره نهائيًا، من دون كلمة عزاء واحدة تُشفي الغليل ولا تشفي جراح الحب المجهض. ومهما بلغت المحاولات، "لا يمكن للمرء أن يشفى شفاءً تامًا أبدًا"([14]). وبينما تعتزم الغياب النهائي، بعد تفكير طويل وحسابات مضنية، تأسف رغم ذلك. تبكي بينما تقول: سامحني يا حبيبي!
إلا أن هذا النوع من الحب الذي تم قطع حبال وصله عمدًا، وبطريقة فجة أحيانًا، بل وأليمة للغاية، لا يستدعي قصصًا مشابهة فحسب، بل يمضي إلى أبعد من ذلك، أي إلى استمرار هذا الحب في الزمن، رغم القطيعة؛ فلا شفاءً تامًا أبدًا. ولا تختلف قصة كيركجارد وريجينا، عن قصة كافكا بفليس باور، ولا الاثنين عن جورج لوكاتش وإيرما سيدلر، ولا عن قيس وليلى وورد أو عبادي وآمال. بل جميعهم يميلون أن يكونوا معًا رفاقًا في تعاسة الحب! "فمثل كافكا رأى لوكاتش أن كيركجارد يشبهه. لقد كان هو أيضًا منذورًا للتعاسة، لم يتزوج قط، وشعر أنه مضطر للتضحية بحياته في سبيل عمله. وفي خلال علاقتهما الغرامية الوجيزة، لم يكف لوكاتش عن الجهر بشكوكه في مصير هذه العلاقة، إلى أن تركته إيرما في نهاية المطاف. ولقد كان لهذه القطيعة أثر صادم على كليهما؛ فبعد فترة وجيزة، وعلى إثر علاقة غرامية أخرى، انتحرت إيرما، وأهدى لوكاتش الطبعة الألمانية من الروح والأشكال إلى ذكراها"([15]). وهو الأمر الذي لم يكن بعيدًا عن أوفيليا وفيرناندو بيسوا، حيث ضرب مثالًا لاذعًا من أنا لست بشيء السقراطية، وبالرغم من أن المعادلة تقول أن كيركجارد يجمع بين تصور الفلسفة عن الفراق (سقراط) وتصور الأدب الخيالي عن الفراق (أوفيليا)، إلا أن هناك شيئًا مشتركًا بينهم جميعًا، وربما يعيدنا إلى قولة قيس (شغلت بالحب عنكِ)، أو تأمل ما يعينه هنا بالحب، هل هو الحب الذي يكنه لحبيبته (ليلى) أم محبته للشعر ذاته؟ أم محبته لإن يكون في علاقة حب ملحمية كهذه؟
تفيد كلمة "التعلق" في أوساط كثيرة واحدة من أشهر طرق التلاعب العاطفي، إذ يمني الحبيب حبيبه ولا يلبث أن يتمنع عليه، يخايله بالمحبة حينًا، وباللا مبالاة حين، الأمر الذي يشعل الحب والغيرة والترقب. تمامًا مثل ما حدّث به ألسيبياديس الحضور في محاورة المائدة عما فعل سقراط من هجره ومعاملته بغطرسة وغرور، حيث سقراط "متهم بأنه حبيب سيىء، أو على نحو أدق: متهم بأنه يمني حبيبه ليحرمه؛ يغويه لكي يقبل عليه، ثم يتمنع عليه ويصده"([16]). يتطور هذا الأمر أحيانًا لتبصح النتيجة واحدًا من أنماط التعلق الشديد، فلا يرى المحب في الحياة سوى وجه الحبيب ولو كان شخصًا سيئًا، أو هي العلاقات السامة التي باتت ولا حديث غيرها لدى مختصين العلاقات العاطفية.
على هذا، يبدو أن للحب آثارًا لا تنتهي، حتى بالقطيعة، ولكن هل يتعلق ذلك بالحب ذاته أم بطريقة تلقي المحبين للحب؟ وهو ما يستدعي سؤالًا عن أنماط التعلق المختلفة، بالأخص نمط التعلق غير الآمن، وهو ما يخلف شخصًا محبًا، لكنه لا يستطيع التوقف عن التفكير في حبيبه، وربما يعجز عن وصله، إن لرغبة ذاتية كما هو الحال مع كيركجارد، أو لغياب الحبيب نفسه، والحالة الأخيرة تخلف -لدى المحب- آمالًا لا تنتهي من تمني الوصل والعودة لما سلف من أيام كنا أعز حبايب، حتى وإن عرف المحب أنها آمال ساذجة، فضلًا عن أنها كاذبة وعصية على التحقق. أو يقول مع الشاعر حين يدرك حدفه جراء انقطاع الأمل عن عودة الحبيب: أنا العاشق سيىء الحظ/ لا أستطيع الذهاب إليكِ/ ولا أستطيع الرجوع إليّ! حيث بغياب الحبيب يفتقد المحب شيئًا غامضًا ربما لم يملكه الحبيب من الأساس، ليظل هذا الشقاء سرمديًا. هكذا المحب؛ "قلب مفتقر إلى شيء ما، ولا يعرف ما الذي يفتقر إليه. وهو السر في حلاوة الحب، بالأحرى أن نُحِب، فتنقطع رغبتنا في أن نُحَب"([17]). لكن، هل يشمل هذا النوع من التعلق أحد الفنانين العصابين، بدءًا من كيركجارد إلى كافكا ولوكاتش وغيرهم؟ بغض النظر عن تشخيص حالة هؤلاء الفنانين، وما إذا كان الأمر يتعلق بنوع الحب والدعم الذي تلقوه في طفولتهم ومن كلا الأبوين أم لا، فإنه يظل قائمًا، أي يشغل حيزًا من هذا الفضاء المؤسس لعلاقة ما بين الطرفين، بيد أنها هنا يمكن أن تسمى شيئًا آخر.
بتحلف لي وبتقول لي
ده كان ماضي وصبح ذكرى
وأعيش أنا ليه مع صورة
جايز تنده عليك بكرة
أضمن منين الأمان
مع ذكرياتك زمان
والقلب عمره ما بينسى
بيسيب علامة ولو همسة
حيث يقترن الحب بالمعانة والعذاب من ناحية، ويقترن بضرورة الفراق من أخرى، وبينما يعلل الحبيب نجاعة حبه وصدقه بالقسم على المحبة البالغة، وبأن الماضي كله لم يكن سوى ذكرى مراهقة، وعلامة على النضج والتجاوز أكثر منها علامة حنين باقٍ، إلا أن شيئًا هناك لدى الآخر يشعره بالخوف بداية ويثير في نفسه الشكوك عن احتمالية بعث هذا الحب من العدم مرة أخرى. مستنكرًا يسأل المحب: وهل يموت الحب أصلا؟! وهذا حيث "إن حبًا ينتهي ليس بحب (وهي العبارة التي تعود إلى أرسطو أيضًا؛ فهي إذن سابقة على تصور كيركجارد عن استحالة الفراق)؛ فانتهاء الحب ينفي وجوده السابق، بمفارقة المرء لمحبوبه يُثبت له أنه لم يحبه مطلقًا -ويقصد بالفراق هنا النسيان أو المحو، ولكن هل هذا ممكن؟- وفي ذلك تقول الكاتبة الأمريكية ليزلي جيمسون: إن شأن العلاقة المقطوعة أكبر على الدوام من مجرد قطعها؛ فانتهاؤها لا يبطل كل ما جرى فيها من ذي قبل. إن ذكريات العلاقة لا تختفي بعد قطعها، لكن العالم يضن عليها بمكان في أغلب الأحيان.. لذلك فإن مأساة الحب الحقيقية ليست انتهاءه، وإنما كونه لا ينتهي"([18]). ليقول مع أبي تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول. كم منزل في الأرض يألفه الفتى/ وحنينه أبدًا لأول منزل. وهو -أي المُحب- إما محقًا في مخافته أو مدعيًا لمحض رغبة في أن يفارق على أهون سبب، ومعزيًا خوفه لغياب ضمانته على استمرار الحب، ببساطة لأن الرغبة في استمرار الحب، أي حب، تعني بالضرورة أن كل ما فات باقٍ رغم كل شيء، قد يخفت، قد يُطمس مع الأيام، إلا أنه لا يذوب، ربما! إذ القلب يا عزيزي، لا ينسى، لا ينسى أبدًا!
بيلوموني ويسألوني ماضي هواك ليه مخوفني
وقلبي ليه محتار.. أقول يا ناس افهموني
ليه ما قاليش وصارحني من أول المشوار
لكن انت كذبت عليا
مانت أول حب ليا
أيوة حبيتك حب فرحني وسهرني وهناني
أيوة حبيتك
حب مش ممكن يكون في الدنيا له ثاني
بس مش ح أقدر أكمل الطريق وياك
خطوة ثالثة ماشية جنبي تشاركني هواك
وعشان كده كان لازم أفكر
قبل ما أحبك أكثر وأكثر.
وبينما يغرق الحبيبان في الجدال كل عن محبته وما وقر في القلب، يأت اللائمون متسائلين علام الخوف، وهل على العاشق من ملام وهل في أحضان الحبيب من مساحة للخوف أو التردد؟! لتأتي الإجابة واضحة تمامًا، رغبة في المعرفة ليس إلا، وكأن مجرد المعرفة يمحي ما قبله، أو يشرعن وجوده على الأقل، أو ربما حضور الكذب، دلالة جوهرية على غياب الأمان بداية. وفي تعقيد أكثر لمستوى العلاقة؛ أي كما هو لسان حال المحبوب هنا، يقول شاعر: قلبي رهين بالهوى المقتبل/ فالويل لي في الحب إن لم أعدل. أنا مبتلى ببليتين من الهوى/ شوق إلى الثاني وذكر الأول! إلا أن الذات المحبة لا تملك من أمر نفسها -رغم الرغبة في الفراق- غير الاعتراف بالحب، الذي هو سبب الفرح والسهر والهناء، نعم أحببتك بدرجة لا يمكن تحققها مرة أخرى، كحلم لا يمكن تحقيقه أبدًا ولو طال الزمان، لكن -أعتذر يا حبيب- لن يستمر هذا، هناك خطوة ثالثة، حبيب آخر، قد يكون صادقًا أكثر أو أقل حبًا قياسًا على محبتي، وللأسف يسبقني بخطوة واسعة إلى هذا الحب، قلبك. بينما تأتي علة الرحيل، وهي مخافة أن يتعمق الحب أكثر، وأن تتعلق الذات المحبة بحبيبها المشتهى أكثر، حتى يبدو كأن الحب مجبرًا على أن يعاش بهذه القسوة، أن نعيد الكرة من جديد، محبين ومعذبين على الدوام.
وحيث إن "كل طرف من المتحابين لا يعلق نفسه بالطرف الآخر فحسب، وإنما بالعلاقة نفسها كذلك" وفي حين يقصد كيركجارد أن تأويل عملية الحب يحتاج فهم أنها تتكون من ثلاثة عناصر وهم: المحب والمحبوب والحب؛ فإن التعلق هنا هو تعلق بالحب ذاته بطريقة ما. وقد بدا لافتًا أن تعود قولة قيس مرة أخرى إلى الوجود (إليكِ عني، فقد شُغلت بالحب عنكِ)، فكيف إذن أن يتعلق المرء بالحب، في تعلقه بمحبوبه؟ يقول كيركجارد حسب ما رأى شوستر، أن المحب في حالة الفراق، لا يفقد الإيمان بالحب، فالحب يدوم ولا يمكن له إلا أن يكون أبديًا. ببساطة، فإن الأبدية هي دلالة الحب في رأيه، وفيما عدا المشاعر المحبة التي ترنو إلى الأبدية، فإنها يمكن أن تكون أي شيء عدا عن أن تكون حبًا خالصًا، بل في رأيه فإن الحب الجنسي على سبيل المثال لا يمكن له أن يكون حبًا، لأنه يفتقد الأبدية طبقًا لشرطه الجسدي، وطبقًا لمنطق المتعة المؤقتة/ اللحظية، وباعتبار أن الزمن وحده كفيل أن يوهن هذا الحب ويضعفه.
إلا أن هناك بعض الأمل في النجاة من هذا التعلق المميت، إذ يطرح شوستر وبناء على نظرة بيسوا "أننا لا نحب أي شخص آخر أبدًا"([19])؛ إذ أننا نحب فقط تصوراتنا عن هذا الحبيب أو ذاك، بالتالي فإن الحب الجنسي مؤقت بتأقيت المتعة نفسها وبصحة الجسد، والحب المتجاوز للجسد، لا يحدث لشيء خارج حدودنا الشخصية، هو إذن نابع من دواخلنا، وهو ما يفرضه اللاوعي بإعطائنا مثالًا/ تصورًا عن الحبيب من قبل أن يوجد، وهو ما يعنيه مران بيجوفيتش بقوله: الحب من قبل النظرة الأولى. وفي ذلك عودة مرة أخرى لمثال ورد الذي أحب ليلى من محبته اشعار قيس. بالتالي لا يمكن أن نفارق شخصًا آخر أبدًا، إذ أننا لا نفارق فعلًا إلا فكرتنا الخاصة عنه. من هنا، يبقى أن الجيد في مسائل الحب والفراق، ليس أن نحتفظ بالأحباب على الدوام، إذ الحب ليس يعصم من الفراق -بمختلف أسبابه- في عالم معقد ومتغير باستمرار، وإن لم يكن لدواعي تبني قيمًا وأفكارًا جديدة أو تخلي عن غيرها، فربما بداعي الحرب واللجوء وما يفرضه سير الزمن والأحداث فينا. باختصار، لا يبقى غير قدرتنا على الحب، النور الذي يمكن له أن يبدد بعض العتمة. فلنبتهج؛ لقد عشنا وأحببنا.
***
انتهينا إذن؛ مازلت أحبك!
***
([2]) من مخطوط مجموعة قصصية لكاتب المقال.
([3]) شوستر، آرون. مران بيجوفيتش. "الحب والفراق على أريكة التحليل النفسي". ترجمة: طارق عثمان. ط (1). مزيج للنشر والتوزيع. القاهرة. 2023م. ص 10.
([4]) أحمد، سيد. مقالة بعنوان "لأنه اليوم لا محبين دون أمل. أو كيف تكتب فيلمًا عن الهزيمة؟". ضمن كتاب "النقد في الهاب". تحرير د. مي التلمساني. دار الشروق. 2024. ص 74، 75.
([5]) "الحب والفراق .." ص 15، 16، 17.
([9]) "الحب والفراق.." ص 38، 42، 42.
([10]) إبراهيم، زكريا. مشكلة الحب. مكتبة مصر. القاهرة. ص229، 230.
([11]) - وهو ما انتهت إليه سيمون دي بوفوار في كتابهاthe second sex ، ولو أنها غفلت الحتمية البيولوجية، أو ببساطة فرغت أدوار مثل الحمل والولادة على سبيل المثال من معنيهما ووظيفتيهما، وبالتالي حيدت الصفات التي يولد بها الطرفين تمامًا، وهو الخطأ ذاته الذي وقع فيه أنصار الحتمية البيولوجية مثل فرويد ودايف باري مختزلين قيمة المرأة في دورها البيولوجي فقط، وعليه يمكن تحديد ما يجب أن تقوم به في المجتمع. حتى بدا أن المخرج يكمن في تحليل أكثر راديكالية، متجاوزًا أحادية الاختزال والتعميم.
- إلى أي مدى يمكن اعتبار ما قالته بوفوار في أجزاء من سيرتها الذاتية عن معاناتها من الغيرة وعذاب الهجران -وقد عدتا في هذا الوقت من روث الماضي الذي ينبغي تجاوزه لصالح الحرية الجنسية- داعمًا للتصور الذي قال به باشلار عن التناقض بين المرأة والرجل؟
([12]) "الحب والفراق.." ص 40، 41.
([15]) "الحب والفراق.." ص 33، 34.
([16]) "الحب والفراق .." ص 20.
([17]) "الحب والفراق.." ص 123.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.