[1]أفضل تعريف للعلاج النفسي المؤسسي، ربما، هو أنه محاولة للمقاومة اليومية ضد كل ما يمكن أن يحول الجمعي إلى بنية معسكراتية concentrationist أو فصل-عنصرية segregationist. جون أوري (1970)[2]
أثناء الاحتلال الألماني لفرنسا، و بين عامي 1940 و 1945، مات 40.000 مريض في مستشفيات الطب النفسي الفرنسية. وكما هو الحال في معظم الأراضي الفرنسية خلال هذه السنوات، عانت المستشفيات من نقص الطعام وعوزٍ وظروفٍ معيشية قاسية. ومع ذلك، وكما أشار المؤرخون في السنوات الأخيرة، لم تكن هذه الوفيات بسبب الجوع والبرد فقط كما كان يُعتقد سابقًا، ولكن أيضًا بسبب سياسة إبادة خاصة موجهة نحو المرضى النفسيين، والتي روجت لها الدولة النازية وأيدها نظام فيشي بصمت.[3] في سانت ألبان، وهي بلدة صغيرة ونائية في وسط فرنسا، حاولت إحدى مستشفيات الأمراض النفسية مقاومة هذا الشكل من الاحتلال المادي والسياسي. حيث سعى الموظفون والراهبات والأطباء الذين عملوا في سانت ألبان إلى إعالة مرضاهم وإطعامهم عن طريق تخزين الطعام الزائد بمساعدة السكان المحليين. بدأ العديد من الأطباء في سانت ألبان، إلى جانب هذه الجهود لتأمين الغذاء، في التشكيك في الأسس العملية والنظرية للرعاية الطبية النفسية وإعادة النظر فيها. أوضحت الحرب والفاشية بشكل خاص أن الاحتلال لم يكن ظرفًا ماديًا فقط بل كان أيضًا حالة ذهنية. كان على الطب النفسي أن يفكر في هذه العلاقة بين الاجتماعي والنفسي إذا ما أراد أن "ينزع الاحتلال/يُفرغ disoccupy" عن عقول المرضى حقًا.عُرفت الحركة التي بدأت في سانت ألبان والتي أثرت على العديد من العيادات في فرنسا وخارجها خلال النصف الثاني من القرن العشرين، باسم العلاج النفسي المؤسسي. يركز هذا المقال على شخصية فرانسوا توسكييز[4]، أحد أهم منظري وممارسي العلاج النفسي المؤسسي، والذي عمل في سانت ألبان من عام 1940 حتى وفاته في عام 1994. كان لتوسكييز تأثيرٌ حاسمٌ على العديد من الأطباء والمثقفين والفنانين الذين مروا بسانت ألبان أثناء الحرب. وكان من بينهم فرانتز فانون (الذي اعتمد على العديد من مبادئ العلاج النفسي المؤسسي في ممارسته الطبية النفسية في الجزائر)، و جون أوري (مؤسس عيادة لابورد التي نشط فيها إلى حد كبير فيليكس غواتاري والتي ألهمته في نواح كثيرة بكتابة "أوديب- مضادًا" الصادر عام 1972 والذي شارك جيل دولوز في كتابته)، وجورج كانغويلم (مؤرخ العلوم الذي استلهم مفاهيمه عن الطبيعي/السوي والمرضي من الطب النفسي)، والعديد من الفنانين السرياليين الهاربين من الفاشية، بمن فيهم بول إلوار وتريستان تزارا.[5] بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص المختلفين، كان العيش تحت الاحتلال(سواء كان فاشيًا أم استعماريًا أم رأسماليًا) تجربةً ضروريةً لتكوين رؤيتهم النقدية حيال الكيفية التي يُشخص الجنون ويُفسر ويُعالج بها - ليس فقط داخل المصحّة، بل داخل المجتمع ككل. قدمت لهم سانت ألبان، في نظرهم، إمكانية التوفيق بين ماركس وفرويد، إمكانية تجاوز راديكالي للمعسكراتية النفسية والسياسية كليهما بضربة واحدة.
يتكون طرحي في هذه المقالة من شقين. أولاً، أريد توضيح أن توسكييز لعب دورًا رئيسيًا في الحوار بين التحليل النفسي والطب النفسي في فرنسا القرن العشرين. فقد جلب توسكييز العديد من رؤى فرويد ولاكان على وجه الخصوص إلى مجال الطب النفسي، سواء في كتاباته النظرية أو في ممارسته الطبية. كشف اعتماد توسكييز على التحليل النفسي عن محدودية مقاربات الطب النفسي التي تميل أكثر نحو البيولوجيا أو علم الأعصاب. كما كشف أيضًا عن الحدود النظرية لفهم فرويد نفسه للتحليل النفسي بصفته ابتعادًا عن الطب النفسي وعلاجًا موجهًا في المقام الأول نحو العصابيين، على عكس الذهانيين، الذين يعمل عندهم الكبت وتعمل الأعراض واللغة -ومن ثم التحويل[6] - بشكل مختلف تمامًا[7].
ثاني أطروحاتي التي أود تناولها هنا هي أن عمل توسكييز النفسي تشكل بالأساس من خلال نشاطه السياسي الراديكالي في كاتالونيا ومن خلال تجربته خلال الحرب الأهلية الإسبانية، أولاً كطبيب في الجيش الجمهوري على الجبهة، ولاحقًا كلاجئ في معسكر اعتقال فرنسي. يشترك الطب النفسي والسياسة بالنسبة لتوسكييز في هدف واحد: إمكانية تحقيق شكل من أشكال الحرية الحقيقية من خلال "تفريغ/نزع احتلال disoccupation" الذهن. وعليه كان ماركس وفرويد شخصيتين متكاملتين، وجهين مختلفين لنفس النضال من أجل ما أسماه توسكييز "سياسةٌ للجنون" (une politique de la folie). فبينما كان ماركس ضروريًا لفهم الاغتراب الاجتماعي، كان فرويد ضروريًا من أجل تشخيص السخط النفسي ([8]disaffection
هذا المقال هو جزء من مشروع أكبر يتتبع تاريخ العلاج النفسي المؤسسي، منذ نشأته في سانت ألبان إلى تجسداته المختلفة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. أهدف، على نطاق أوسع، أن استخدم سانت ألبان كنموذج مصغر أفكر من خلاله في ثلاث مجموعات من الأسئلة المنهجية: صياغة السياسي والنفسي نسبةً إلى التغير الاجتماعي؛ والعلاقة بين الطب النفسي والتحليل النفسي - أو لنقل، تفاعلات العوامل الاجتماعية والنفسية والبيولوجية في تشييد النفس self؛ وإمكانية تدوين تاريخ فكري أكثر عالمية global من شأنه أن يفكر في المتوازيات بين كاتالونيا وإسبانيا الفاشية وفرنسا المحتلة والجزائر المستعمرة دون الخلط بين هذه السياقات المختلفة؛ تاريخ منتبه للانغلاقات السياسية والنفسية التي تسم تجربة الفصل العنصري في المعسكرات و المستعمرات والمستوطنات والسجون والمستشفيات.
لوضع الأمور في نصابها، لم يكن العلاج النفسي المؤسسي أولى الحركات التي حاولت، في تاريخ الطب، الجمع بين السياسة والعمليات النفسية. فقد أكد مؤرخو الطب النفسي على الدور التأسيسي الذي لعبته الثورة الفرنسية في ولادة وتطور منظومة المصحة النفسية في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.[9] علاوة على ذلك، فإن كتابات ميشيل فوكو وروبرت كاستل منذ ستينيات القرن العشرين، وصعود الحركة المناهضة للطب النفسي والمجتمعات العلاجية في المملكة المتحدة وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية، قد طعنت بصورة جوهرية في فكرة الممارسة الطبية النفسية المحايدة والموضوعية والعلمية البحتة. أظهرت هذه النصوص والممارسات بطرق مختلفة أن الطب النفسي عمل تاريخيًا كناقل للسلطة، وبالتالي، أنه ينبغي على الوعي الاجتماعي والسياسي أن يكون عنصرًا أساسيًا في العلاج النفسي.[10]
وبالمثل، فقد تصارع المحللون النفسيون مع مشكلة السياسة منذ نشأة تخصصهم. فكما أوضح فرويد نفسه، أن أخذ اللاوعي بجدية يعني التشكيك الجذري في الفكرة التي تخص الذات المريدة willing subject أنها تستطيع التصرف على نحو متسق وفقًا لتعليمات خارجية.[11] لو أن إطار التحليل النفسي الفرويدي قد قاوم السياسة بعدد من الأساليب المهمة، فقد كافحت الماركسية بعد ماركس أيضًا من أجل صياغةٍ نظريةٍ للذاتية، وبالأخص، نظرية للاغتراب. تصالح العديد من مثقفي اليسار بحلول منتصف القرن العشرين مع فكرة أن الأيديولوجية ليست حكرًا على طبقة حاكمة تسعى لقمع طبقة أخرى، ولا أنها من المحتمل أن تختفي، حتى عندما تستحوذ البروليتاريا على وسائل الإنتاج، كما أكد المثال السوفيتي. ووفقًا لذلك، لجأ العديد من المفكرين المحسوبين على مدرسة فرانكفورت (خاصة ماركوز وفروم)، أو على الوجودية الماركسية (سارتر، على سبيل المثال)، أو على "فكر مايو 68" (ألتوسر، وفوكو، ودولوز و غواتاري على سبيل المثال) إلى التحليل النفسي على أمل العثور على نظرية أكثر ملاءمة للذات. إذا استمر العمال في التصويت ضد مصلحتهم وفي تخريب تحررهم المحتمل، فذلك لأنهم رُبطوا شرطيًا - دون وعي منهم - للتفكير والتصرف بطرق معينة. هذه العملية الخبيثة، سواء اتخذت اسم الأيديولوجيا، أو الإخضاع subjectification، أو الأوديبة، أو الاستعمار النفسي، قد شكّلتهم كذوات في نفس الوقت الذي "احتلتهم" فيه. دخل العلاج النفسي المؤسسي في حوار مع العديد من هذه النصوص و التيارات. لكن في حين مالت الحركة المناهضة للطب النفسي، كما اقترح باتريك فوغيراس، إلى الخلط بين السياسة والسياسي (la politique و le politique)، كان الاهتمام الرئيسي للعلاج النفسي المؤسسي هو الإلمام بـ "السياسي"، الذي يُفهم هنا على أنه "جوهر كل اجتماع، ذلك الذي يؤسس الوجود معًا أو الوجود مع [l'être-ensemble ou l'être-avec] ، كيف يتشيد وكيف يمكننا التفكير فيه.[12]
نَظَر العلاج النفسي المؤسسي إلى المستشفى بأبعادها الاجتماعية والسياسية كوسيلةً لإعادة التفكير في المجتمع ككل. عني ذلك زعزعة منهجية لأي بنية يمكن لها أن تصبح جامدةً وراكدةً ومترسبةً. لعب فرانسوا توسكييز، في هذا الصدد الخاص بتحويل الطب النفسي إلى أحد أشكال النقد المنهجي، دورًا أساسيًا بين ماركس وفرويد
بالفعل كان ماركس وفرويد أهم مرجعين لتوسكييز قبل أن يغادر إسبانيا لاجئًا إلى فرنسا عام 1939. ولأنه ولد عام 1912 في مدينة ريوس، وهي مدينة تقع في جنوبي برشلونة، فقد تأثر توسكييز للغاية بالفورانات السياسية والثقافية الكاتالونية في مطلع القرن الماضي، ومع الانتصار الانتخابي لحزب Esquerra Republicana de Catalunya، الذي دعا إلى الاشتراكية والاستقلال الكتالوني، أصبحت كتالونيا في عام 1931 أول منطقة في إسبانيا تعلن نفسها جمهورية. كانت سنوات نابضة بالحياة بالنسبة للحركة العمالية، التي ضمت الاشتراكيين والنقابيين و اللاسلطويين، وأخذت مكانها في واحدة من أكثر المناطق الصناعية في إسبانيا.[13] كما جذبت الأفكار الاشتراكية أيضًا العديد من الفنانين والمثقفين، مثل المؤلف الموسيقي باو كاسالس الذي نظّم حفلات موسيقية عمالية في محاولة لجعل الموسيقى الكلاسيكية متاحة للطبقة العاملة.[14] في عام 1935، قام نشطاء من Izquierda Comunista de España و the Bloque Obrero y Campesino، تحت قيادة أندريو نين وخواكين مورين، بتأسيس حزب العمال للاتحاد الماركسي Partido Obrero de Unificación Marxista (POUM).
متأثرًا بالتقاليد العريقة الأناركية الكاتالونية التي دعت إلى مجتمع من الكوميونات الفيدرالية، ومتأثرًا بفكرة الثورة الدائمة، كان حزب الـ POUM عنيدًا في معارضته للستالينية و كذلك للمنعطف المركزي اللا ديمقراطي البيروقراطي الذي اتخذه الاتحاد السوفيتي.[15] وكما ذكر قادته في بيانهم عام 1936 "من هو حزب POUM وماذا يريد؟ " فقد ناضل الحزب من أجل ثورة ملتزمة بالمثل الديمقراطية الاشتراكية، بالتحالفات العمالية، بالاعتراف بالقوميات الإقليمية وإنشاء اتحاد أيبيري من الجمهوريات الاشتراكية التي ستحل محل الأمة المركزية، وبالحق في انتقاد سياسات قادة الاتحاد السوفييتي عندما تؤدي إلى نتائج عكسية لمسيرة الثورة العالمية.[16]
اصطدمت دعوة حزب POUM إلى الفيدرالية والقومية و الممارسة النقدية مع توجيهات الكومنترن للحركات الاشتراكية في جميع أنحاء أوروبا، ومع سياسة ستالين الخارجية التي أصبحت مهووسة بشكل متزايد بتصوراتها عن التخريب والخيانة بعد هزائمها في ألمانيا وإستونيا وبلغاريا والصين في عشرينيات القرن العشرين. وكما أكد قادة حزب POUM مرارًا، كانت كومنترن ستالين نموذجًا مثاليًا للاستعمار الأيديولوجي، "محاولة بغيضة لفرض خريطة روسيا على مثيلتها في إسبانيا."[17] بالرغم من تنديد ستالين الفوري بحزب POUM باعتباره منظمة تروتسكية مليئة "بالجواسيس الفاشيين"، إلا أن POUM ظل على نفس القدر من الانتقاد لتروتسكي الذي سعى أيضًا، في نظرهم، إلى فرض النموذج الروسي على إسبانيا. وهكذا رفض حزب POUM الالتزام بالأممية الرابعة لتروتسكي، مفضلين بقاءهم مستقلين سياسيًا. كما دفعهم هذا الالتزام بالاستقلالية إلى إدانة محاكمات موسكو، خاصة إعدام ليف كامينيف وجريجوري زينوفييف في عام 1936[18]
كان توسكييز من بين الأعضاء المؤسسين لحزب POUM الذي أصبح بحلول عام 1936 أكثر شعبية من الحزب الشيوعي الإسباني الرسمي (PCE) الموالي بشدة لستالين و الكومنترن، وسرعان ما بدأ حزب PCE يدعو لإبادة حزب POUM. على الرغم من انتقاد الـ POUM لاستراتيجيات "الجبهات الشعبية" التي دعا إليها ستالين، إلا أنه اختار المشاركة في جبهة مانويل آزانا الشعبية الإسبانية التي جمعت بين الجمهوريين والشيوعيين والاشتراكيين، والتي فازت في النهاية في انتخابات فبراير 1936، أي قبل خمسة أشهر من انقلاب فرانكو في يوليو 1936، وبداية الحرب الأهلية الإسبانية. وكما ذكر توسكييز في إحدى المقابلات، كان نشاطه في الـ POUM هو ما علّمه أن يرفض "السلطة المطلقة" (le tout-pouvoir). يقول على حد تعبيره:
أراد ستالين من حزب POUM أن ينضم إلى مدريد وأن ينشر البروباجاندا الإسبانية - حيث السلطة في يد النظام الملكي والجيش - ويقول "كل السلطة للسوفييت". لا جمهوريين، لا لاسلطويين، لا اشتراكيين، لا شيء.
كان قبول المركزية يعني قبول التحدث باللغة القشتالية "في وقتٍ كان القشتاليون هم مضطهدونا."[19] ومع ذلك، فقد كان من خلال نشاطه في POUM أيضًا ومن خلال تعرضه الأناركية الكاتالونية، أن أصبح توسكييز مهتمًا بشكل خاص بتعزيز اللامركزية والإدارة الذاتية والتضامن داخل حدود مستشفى الأمراض النفسية، كآليات لمنع الاستبداد والتشيؤ reification.
وبالتوازي مع نشاطه السياسي، بدأ توسكييز دراسته في كلية الطب في عام 1927 واختار التخصص في الطب النفسي، المزدهر في كاتالونيا حينها في أوائل القرن العشرين. كان إصلاح الطب النفسي، كما أشار مؤرخ الطب النفسي جوسيب كومييز، محوريًا في المشروع السياسي الكتالوني خلال هذه السنوات، خاصةً بمجرد أن تمكّن القوميون من السيطرة على حكومات المقاطعات الأربع في كتالونيا بين عامي 1914 و 1925. قامت "القومية الكتالونية الطب-نفسية"، على حد تعبير كومييز، على فكرة أن الفرد والمجتمع متماثلان، وبالتالي، يجب تكييف الرعاية النفسية مع الخصوصية الإقليمية الكاتالونية.[20] بين عامي 1911 و 1925، كانت إحدى أهم المبادرات الهيكلية للحكومة هي إضفاء اللامركزية على الرعاية النفسية من خلال تطبيق تقسيمات قطاعية تُعرف باسم الكوماركات comarcas. كانت الفكرة من وراء هذه الـ comarcas هي السماح للمرضى الذين لا يحتاجون إلى العلاج في المستشفى بالاستمرار في العيش مع عائلاتهم، في محيطهم الطبيعي.[21] أو كما صاغها فيليكس مارتي إيبانيز، الطبيب النفسي اللاسلطوي الذي أصبح مديرًا للخدمات الصحية والاجتماعية في كاتالونيا بعد ثورة 1936:
في ضوء البنية الخاصة لكتالونيا، اخترنا الكوماركا، التي تتمتع في هذه المنطقة بخصائص جغرافية واقتصادية محددة جيدًا، يمكنها، بما تمثله من وفرة غير مسبوقة في الطاقة الإبداعية والحيوية الناشئة، أن تجدد الكثير في نظام الرعاية الصحية القديم. لقد اقتنعنا أن شكل التنظيم الاجتماعي الثوري المستقبلي ستكون الكوماركا. ستتمتع، في تشريح كاتالونيا الجديد، بازدهار جديد للحياة، وستكون عضوًا نابضًا للمنطقة بأكملها، وسوف يوسّع دفؤها العواصمَ الكوماركية العظيمة التي ستصبح مرايا ثقافية واقتصادية تنعكس الكوماركا فيها؛ هذا بدلا مما جرت عليه الأمور في الماضي، عندما كانت هذه المدن صحارى اجتماعية واقتصادية ذات حيوية ضئيلة، تزدهر فيها واحةٌ، من وقت لآخر، بتألق زائف.[22]
وقد أرسى نظام "كوماركا" من نواحٍ عديدة أسس ما سيُطلق عليه فيما بعد psychiatrie de secteur في فرنسا، وهي الحركة التي طورها توسكييز وشركاؤه لأول مرة في سانت ألبان والتي أدرجتها وزارة الصحة الفرنسية في القانون، نهاية الأمر، في 15 مارس 1960.
كان إيميلي ميرا إي لوبيز، معلم توسكييز، من بين أهم الفاعلين في حركة الإصلاح النفسي الكاتالونية هذه في أوائل القرن العشرين.[23] ميرا، الذي كان يعمل في معهد بيري ماتا في ريوس-حيث مارس توسكييز مهنته في نهاية المطاف- والذي شغل منصب أول رئيس للطب النفسي في جامعة برشلونة، كان أيضًا أحد أهم المروجين الرئيسيين لفرويد في كاتالونيا. كان قارئًا نهمًا للظاهراتية والسريالية والتحليل النفسي، دمج ميرا العديد من أفكار فرويد في ممارسته الطبية.[24] كان ميرا، كما يذكر توسكييز، هو من علمه خلال المرورات السريرية في بيري ماتا، أن يشكك في رؤية الطبيب النفسي، ذلك المنفصل والموضوعي، رؤيته التي ظلت مؤمثلة طوال القرن التاسع عشر، وعلمه بدلًا من ذلك، أن ينظر في تحويل الطبيب نفسه مع المرضى ومع المستشفى.[25] بدأ توسكييز، حتى يعمق فهمه للتحليل النفسي، تحليلاً مع ساندور إيمندر في عام 1933، وهو طبيب نمساوي يهودي ينتمي إلى مجموعة آيخهورن في فيينا، وكان واحدًا من منفيي أوروبا الشرقية الكُثر الذين حطوا رحالهم في برشلونة -و التي غالبًا ما وُصفت كـ "فيينا صغيرة" في أوائل الثلاثينات.[26] كان الطب النفسي والتحليل النفسي، بالنسبة لميرا وكذلك لتوسكييز، تخصصين متكاملين لعلاج الأمراض النفسية، وعلى نحو أوسع، لفهم الذاتية.
بالإضافة إلى أعمال فرويد، كان توسكييز مدينًا بشكل خاص، كما ذكر في مقابلات عدة، لكتابين أحضرهما معه إلى فرنسا عبر جبال البرانس عندما هرب من النظام الفاشي عام 1939: أطروحة جاك لاكان الصادرة عام 1932 عن البارانويا وكتاب هيرمان سيمون الصادر عام 1929 الذي سجل فيه خبرته الطبية في مصحة "جيوترسلوه في ألمانيا. كانت هذه النصوص، التي قام توسكييز بترجمها ونسخها وتوزيعها في سانت ألبان قبل أن تكون متاحة للجمهور الفرنسي، نصوصًا تأسيسيةً لتطوير النظرية والممارسة التي يقوم عليها العلاج النفسي المؤسسي.[27] كان سيمون معروفًا في أوساط الطب النفسي في أوائل القرن العشرين لإدخاله مفهوم العلاج النشط/الإيجابي active في المستشفى. فبعد أن لاحظ كيف يصبح المرضى "هادئين وصافيي الذهن عند تمكنهم من القيام بمهمة صغيرة، مهما بلغ صغرها"، بدأ سيمون بإعداد أنشطة متنوعة لجميع مرضاه حتى أصبح تسعون بالمائة من المرضى المقيمين يعملون بحلول عام 1919. [28]العلل الثلاث الرئيسية التي تقوض عمل الطب النفسي، بحسب ما قاله سيمون، هي "خمول المريض، وبيئة المصحة غير المناسبة، والاعتقاد المتجذر بلا مسؤولية irresponsabilité المرضى النفسيين". "[29] ولمعالجة تلك العلل، دعا سيمون إلى بناء المكتبات وإنشاء ورش عمل، وتعزيز نظام "الأبواب المفتوحة." [30]وبالمثل، نصح الممرضين بتجنب استخدام "النبرة العسكرية القاسية والقاطعة."[31] كان الهدف من علاجه النشط هو قيادة المريض إلى الحرية، الحرية الحقيقية التي لم تكن تعني تركه وشأنه laissez-faire ، بل حرية تسمح للمرضى أن يعيشوا حياة مستقلة قدر الإمكان، "متحررين من حاجتهم للأطباء و المساعدة الفورية."[32]
بالتأكيد لم يكن سيمون أول طبيب نفسي يوصي بالعمل البدني للمرضى النفسيين. فبحلول نهاية القرن التاسع عشر، كما يذكّرنا توسكييز في تحليله لسيمون، أصر فيليب بينيل على أهمية إبقاء المرضى مشغولين من أجل "تليين طباعهم."[33] وبالمثل، سعى العلاج المهني في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية إلى إعادة تقديم قدامى المحاربين إلى أماكن العمل.[34] رغم ذلك، كانت أكبر مساهمة لسيمون وفقًا لتوسكييز هي تغيير مواقف الأطباء والممرضين تجاه المرضى.[35] لم يكن العمل مجرد إلهاء للمرضى وبالتأكيد لم يكن "علاجًا أخلاقيًا" بالطريقة التي أرادها بينيل. لكنه كان وسيلة تضع المرضى في موضع المسئولية: " وضع المرضى موضع المسؤولية يعني بالنسبة لسيمون الثقة بهم والثقة في وجود قانون عام لجميع الكائنات الحية؛ "اللوغوس" الذي ينظم ويرتب كل شيء."[36] أصر توسكييز على أن هذا القانون العام لم يكن أخلاقًا morality، بل كان أشبه بـ إيتيقا ethics وأسلوب حياة. وكما قال توسكييز: "ليس الهدف هو "جعل المرضى يعملون" من أجل تخفيف هذا العرض أو ذاك، ولكن جعلهم هم والموظفين يعملون لإبراء المؤسسة.[37] ما جلبه توسكييز لسانت ألبان، وما كان مؤثرًا بشكل خاص على مفكرين من أمثال جون أوري وفيليكس غواتاري، هو هذا الفهم الإيتيقي - والاجتماعي في الأساس- للطب النفسي.[38]
فكرة وجود قانون عام مترسخ في اللغة قد صاغها لاكان أيضًا في أعماله وإن كان بشكل مختلف، خاصة من خلال مفهومه عن الرمزي. الجنون (أو الذهان)، كما كرر لاكان طوال حياته، تأسّس في شكل من أشكال الاغتراب اللغوي ويعبر عن نفسه فيه - وهو ما أسماه لاكان لاحقًا بنبذ النظام الرمزي. لعبت أعمال لاكان، على غرار سيمون، دورًا تأسيسيًا لتوسكييز بسبب ثقلها النظري وأيضًا بسبب تأثيرها المؤسسي في عالم الطب النفسي الأوروبي في أوائل القرن العشرين. في واقع الأمر، كان لاكان، قبل أن يُعرف كمحلل نفسي، طبيبًا نفسيًا في زمن وسياق لم يكن الالتزام بأطروحات فرويد فيه خيارًا واضحًا أو سهلًا.[39] كان لاكان منذ أيامه الأولى كطبيب مقيم في مستشفى سانت آن، وبسبب انغماسه في الفلسفة والظاهراتية والسريالية، حريصًا على تمييز نفسه عن عضوانية organicism معلمه إدوار تولوز القديمة، الذي ظل مؤيدًا قويًا لأطروحات الوراثة والتنكس degeneration [40]
احتوت أطروحة لاكان في الدكتوراه والمعنونة "عن الذهان البارانويدي وعلاقاته بالشخصية"[41]، و الصادرة عام 1932، على ملاحظاته النظرية المبكرة. ونظرًا لتردد التيار السائد في أروقة الطب وعلم النفس الفرنسي في قبول التحليل النفسي الفرويدي - لأسباب معقدة تتعلق بالشوفينية ومعاداة السامية وكراهية الألمان - بدت أعمال لاكان المبكرة ثوريًا تمامًا، نظريًا ومؤسسيًا. كان هدف لاكان من أطروحته، كما بين ذلك فيها، ذا شقين: الإصلاح الجذري للطب النفسي بمساعدة التحليل النفسي وإعادة النظر في التحليل النفسي من خلال عدسة البارانويا. اهتم لاكان بشكل خاص بتوضيح نقطة تتعلق بالمنهج من خلال دراسته لحالة "إيمي"، وهي موظفة سكة حديد في الثامنة والثلاثين من عمرها حاولت بشكل غير مفهوم قتل ممثلة مشهورة في باريس. فلم يهدف، على حد تعبيره، إلى تعميق "وصف" مرض إيمي فحسب بل تعميق "مفهوم المرض" ذاته."[42] تساءل لاكان: هل كان الذهان البارانوي نتيجة تطور الشخصية، وعليه، هل هو ناتج عن شذوذ تكويني أم عن تشوه رجعي/ثانوي reactionary deformation؟ أم أن الذهان مرضٌ مستقلٌ بذاته يعيد تشكيل الشخصية بتحطيم مسار تطورها؟[43]
بعبارة أخرى، هل ينشأ الجنون في الدماغ كما اعتقد العديد من علماء الأعصاب، أم ينشأ في الجسم كمرض مكتسب، أم ينشأ في المضمار الاجتماعي والعائلي؟ جاءت إجابة لاكان واضحة: "من العبث أن نعزو هذه الظواهر إلى أوتوماتزمات عصبية معينة."[44] ينبغى دراسة الذهان، كما اقترح لاكان، في علاقته مع تكوين "شخصية" معينة، بدلًا من صب التركيز على البحث عن أصل واحد. إذا كان للذهان أيضًا "أصل وممارسة و معنى اجتماعي"[45]، فسيكون من المهم النظر في ثلاثة عوامل: "تاريخ طفولة المريض، والبنى المفاهيمية لهذيانه، والدوافع/الحفزات والنوايا الكامنة وراء سلوكه الاجتماعي."[46] وبالتالي يحتاج العمل السريري الطب-نفسي أن يبقى منفتحًا على التساؤلات الاجتماعية والفحوصات الطبية، والأهم من ذلك كله، على المعالجة التحليلية النفسية. بحسب لاكان، فإن التحليل النفسي هو بالفعل الاختصاص الوحيد القادر على تقديم نظرية متماسكة عن الذاتية: الذات الناتجة عن التمثيلات الواعية واللاواعية المشيدة في علاقتها مع الآخر الكبير Other ومع الآخرين بشكل أعم.[47] أشار لاكان أنه لا ينبغي على الطب النفسي أن يركز على الدماغ أو على الإرادة ( الضروري وجودها في العلاج الأخلاقي عند بينيل) بل على دراسة اللاوعي.
لم يقترح لاكان، وفقًا لإليزابيث رودينيسكو، أن يدمج الطبُ النفسي ببساطة مفاهيمَ التحليل النفسي في ممارسته، بل أنه ينبغي على أي طرح نوزوغرافي nosographic (nosology هو علم تصنيف الأمراض-المترجم) نابع من الطب النفسي أن يكون مترسخًا في الفهم الفرويدي لللاوعي، ومن ثم، في الفهم الفرويدي للذات.[48] لم تُرفض أطروحة لاكان من أروقة الطب النفسي، ولكنها في الواقع قُوبلت بالتجاهل. وبدلًا منها، كان السورياليون هم أول المحتفين بها، حيث رحبوا بمقاربة لاكان المبتكرة في تناول الجنون وناقشوه في العديد من دورياتهم. إذن، وعلى خلفية ما سبق، يكون هامًا أن نعرف أن توسكييز وزملاءه في سانت ألبان كانوا من بين أوائل الأطباء الذين احتفلوا بفهم لاكان البنيوي للشخصية، و بمفهومه عن المركّب، والتماهي النفسي، والذاتية بشكل عام.[49]
عندما اندلعت الحرب الأهلية في عام 1936، انضم توسكييز إلى حركة المقاومة التابعة لحزب POUM - الذي كان في ذلك الوقت مضطهدًا من قبل العسكر والحزب الشيوعي كليهما. عُين توسكييز، ذي المعرفة الدقيقة بالسياسات الصحية الكاتالونية، و بفضل ميرا الذي كان يعمل مستشارًا لدى الجيش الجمهوري، رئيسًا للخدمات النفسية العسكرية وأُرسل إلى الجبهة الجنوبية. وبسبب الحرب، توقفت خطة الحكومة الكتالونية الهادفة لنزع المركزية عن الرعاية الصحية النفسية من خلال الكوماركات، ورغم ذلك ظل ميرا مؤمنًا بإمكانية تنفيذها على الجبهة. وهكذا أنشأ توسكييز، في المودوفار ديل كامبو، مجتمعًا علاجيًا حقيقيًا حيث اختبر العديد من النظريات والممارسات التي سيقوم لاحقًا بتطويرها في سانت ألبان، ولا سيما politique de secteur القائمة على أساس الكوماركا وعلى تصور أنه ينبغي معالجة المرضى بالقرب من منازلهم و وعائلاتهم حتى لا يُقتلعوا من جذورهم أكثر من هذا. وكما ذكر توسكييز في إحدى المقابلات:
تجنبتُ إرسال المرضى مائتي كيلومتر بعيدًا عن الجبهة. وإنما عالجتهم هناك، حيث بدأ الأمر، على بعد أقل من خمسة عشر كيلومترًا، وعلى أساس مبدأ يمكن مقارنته بـ politique de secteur. لو أرسلتَ مصابًا بعصاب الحرب مائة وخمسين كيلومترًا بعيدًا عن الجبهة، فإنك تجعل منه مريضًا مزمنًا. عليك أن تعالجه بالقرب من عائلته حيث بدأت المشاكل.[50]
جلب ميرا وتوسكييز أيضًا إلى الجبهة بعضًا من اكتشافات الطب النفسي الألماني خلال الحرب العالمية الأولى، وعلى وجه الخصوص، علاج رد الفعل الذعري panic reactions، وصدمة القصف shell shock وعصاب الحرب، ونادوا بالحاجة إلى توفير الرعاية النفسية للمدنيين والمقاتلين والأطباء أنفسهم. رسخ هذا النهج الطب-نفسي المتكامل في جميع ممارسات توسكييز، خاصةً فيما يتعلق بمؤسسة المستشفى، التي كان يراها مؤسسة تحتاج أيضًا إلى العلاج والشفاء. روى توسكييز تجربته خلال الحرب:
علمت من ميرا أن شخصًا يدعى بارتز قد اقترح ونفذ سلسلة من الخدمات خارج الإطار المستشفياتي… والتي سمحت بأشكال عديدة من العلاجات تتوقف على تسلسل متشابك من التدخلات. يمكن للممارسة المعروفة باسم الطب النفسي الجغرافي geopsychiatry أن تتم خارج المستشفى وتتألف من مشاركة العيش والملح مع المرضى النفسيين في منازلهم. . . . جلبتُ مفهوم المشاركة الفعالة هذا إلى سانت ألبان، خطة العمل على المستوى الكوماراكي هذه ... كلٌ في قطاعه. وبالطبع، ساعدت الحرب على ترسيخها هناك: العمل مع الفلاحين والشرطة المحلية ... ناهيك عن المدرسين وبعض الكهنة وموثقي العقود. لقد عملنا مع الأطباء المحليين، ودور السينما، ومع العائلات في منازلهم ... التعاون بين الطبقات الاجتماعية ... لم لا؟ .. المؤسسة هي مساحة للتبادل، مكانٌ يكون فيه التبادلُ ممكنًا. بعبارة أخرى، لا وجود للتفرد singularity خارج سياق جماعي أو مؤسسي.[51]
أثناء الحرب، أقترح ميرا وتوسكييز كذلك على رؤساء الأركان تفعيل الإجازات المتناوبة، وتحرك الوحدات القتالية ذهابًا وإيابًا بين الخط الأمامي والخطوط الخلفية، والدعم النفسي للقوات، و وغير ذلك الكثير.[52]
في يونيو 1937، تم حل حزب POUM بعد اغتيال سكرتيرها السياسي على يد عملاء سوفييت. وفي يناير 1939، سقطت برشلونة في يد جيش فرانكو، وفي مارس من ذلك العام، وضع انتصار فرانكو العسكري النهائي خاتمة مأساوية للحرب الأهلية و للجمهورية الإسبانية. في الأشهر التي تلت ذلك، هرب توسكييز، مثل العديد من الجمهوريين الآخرين، من إسبانيا وعبروا جبال البرانس إلى فرنسا كجزء من النزوح الجماعي الذي أصبح يعرف باسم الريتيرادا Retirada. عند وصوله إلى فرنسا، وُضِع توسكييز في معسكر سبتفوندز في جنوب غرب فرنسا. كان معسكر سبتفوندز واحدًا من المراكز الخاصة التي أنشأتها الحكومة الفرنسية للتصرف في 450000 من لاجئي الحرب الأهلية الإسبانية "غير المرغوب فيهم"[53] كانت ظروف المعيشة في مخيم سبتفوندز قاسية بشكل استثنائي، كما ذهب المؤرخون وأكدت أرشيفات سبتفوندز، مما تسبب في وفاة العديد من الجوع أو المرض ودفع آخرين إلى الانتحار. علاوة على ذلك، استخدم الحراس سلسلة من الأساليب اللاإنسانية مع السجناء بشكل منتظم. نددت العديد من شهادات اللاجئين بنقص المرافق الصحية وحكت شهادات أخرى كيف كان يلقي لهم الحراسُ الخبز كما لو كانوا حيوانات.
وكما قال المؤرخ سكوت سو: "كان هناك اتفاقًا على عامل واحد أساسي: الضرر النفسي الذي يسببه الاحتجاز ". [54] اتخذ "عصاب الحرب" في المعسكرات الإسبانية عدة أسماء، بما في ذلك "مرض الأسلاك الشائكة " أو la arentitis أو "التهاب الرمال" بسبب الظروف الرملية والعاصفة. وكما قال أحد السجناء "لقد دخلت الرمال إلى روحي وجسدي، فلو أنني بكيت الآن لجف الحبر الذي أكتب به، لأن دموعي تحولت إلى رمال."[55] وبالمثل، وصفت العديد من وثائق أرشيفات سبتفوندز تفصيلًا التقنيات اللاإنسانية لمراقبة وتصنيف السجناء الذين كانوا يُرسَلون فور وصولهم إلى محطات الاغتسال حيث يغسلون و تطهر ملابسهم.[56] تأثر توسكييز بشدة، كما ذكر في مقابلات عديدة، بـ تجربته في سبتفوندز وما وصفه ب بيئة "معسكراتية" و"محبوسة". لقد كانت هذه البيئة "المعسكراتية" هي التي شجعته رغم ذلك على إنشاء خدمة طب-نفسية داخل المعسكر حيث قام بتطبيق العديد من أفكاره النظرية. وبالفعل، جنّد توسكييز العديد من النشطاء السياسيين والفنانين والموسيقيين من سجناء المعسكر لمساعدته في تنظيم الأنشطة - حفلات موسيقية وإنتاج مسرحي، ومنشورات، وأيضًا علاجات جماعية، من شأنها أن تخفف من بعض الآثار النفسية ل "ذهان المعسكر". يقول توسكييز:
لم يكن معنا سوى ممرض نفسي واحد فقط؛ و الباقي كانوا أشخاصًا عاديين. أعتقد أنه أحد الأماكن التي مارست فيها طبًا نفسيًا جيدًا للغاية، في معسكر الاعتقال هذا، في الوحل.[57]
انتشرت أخبار ممارسات توسكييز في المعسكر وفي الجبهة بين الأوساط الطبية ووصلت في النهاية إلى انتباه بول بالفيه، الذي تولى إدارة مستشفى سانت ألبان في عام 1937. كان بالفيه مهتمًا بتزويد المستشفى بالموظفين أثناء الحرب ولكن أيضًا بتحديث منشآته المتهالكة التي يعود تاريخها إلى القرن التاسع عشر. إلى جانب افتقار المستشفى إلى التدفئة والصرف الصحي، لم تتمكن من التحصل على أي أدوية.[58] وفقًا لشهادة ماريوس بوني، أحد ممرضي المستشفى، كان المرضى في فترة ما قبل الحرب "محبوسين في غرف. كانوا ينامون على أكوام القش التي تستخدم أيضًا كمراحيض." [59]بدى توسكييز في نظر بالفيه كمرشح مثالي لمساعدته في تجديد المستشفى، وفي هذا السياق وصل توسكيبز إلى سانت ألبان في 6 يناير 1940.
كانت الحرب العالمية الثانية هي التي جمعت في سانت ألبان مجموعة فريدة من الأشخاص سينشئون في نهاية المطاف العلاج النفسي المؤسسي: بالفيه و توسكييز، وكذلك لوسيان بونافيه، وجورج كانغويلم، وجورج دوميزون، وماريوس بونيه، وبول إيلوار، وجون أوري و فرانتز فانون (اللذان كانا متدربين هناك)، وغيرهم الكثير. وهكذا أصبحت سانت ألبان أثناء الحرب مركزًا للابتكار في الطب النفسي وللازدهار الفكري، وأيضًا للمقاومة السياسية ضد فيشي والفاشية - وهو الدور الذي تم تسهيله، كما اقترح البعض، من خلال ميول بالفيه البيتانية (نسبة إلى المارشال فيليب بيتان، ويقصد بيه تعاطفًا مع الاحتلال الألماني لفرنسا-المترجم) التي تضاءلت مع ذلك بحلول نهاية الحرب. وكما يتذكر بونافيه هذه الفترة:
لعب الاحتلال دورًا بالغ الأهمية في بده توجه أنا الفريق الطبي إلى نحن. انعاشت في ظل الاحتلال تجربةٌ أخويةٌ لزم وجودها ... في سانت ألبان.[60]
المقاومة، كما قال بونافيه، دائمًا ما تكون سياسيةً ونفسيةً في نفس الوقت. بالتالي كان لا بد من التركيز على القضاء على كل ما يحاول إخضاع الذات لسلطة غريبة عن نفسها، ويحاول تسميمها بإقناعها "بأنها أقوى منها"، حتى توجه ضميرها وتمنعها من التفكير.[61]
في يوليو 1941، قرر توسكييز وبونافيه وبالفيه وشوراند، وآخرون مَنْهَجَة هذا "العمل التتبعي لانحرافات الفكر الشمولي" وكذلك تدوين بعض الممارسات التي بدأوها داخل المستشفى أثناء الحرب. أصبح هذا أول بيان لـ "جمعية جيفودان Société du Gévaudan"، وهو الاسم الذي اختاروه لجماعتهم، في إشارة إلى الوحش الأسطوري الذي يجمع بين الكلب والذئب الآتي من منطقة سانت ألبان في لوزيري. وهكذا استخلص أعضاء جمعية جيفودان من تجاربهم كأطباء ونشطاء ومقاومين ما مكنهم من وضع المبادئ التي ستسمى فيما بعد بالعلاج النفسي المؤسسي. أكد توسكييز وبونافيه وزملاؤهمها، في البيان التأسيسي وما تلاه من اجتماعات، على ثلاث نقاط. أولاً، قالوا بأن النظرية والتطبيق مرتبطان لا محالة. وكما قال بونافيه، "ينبغي على التنظيرات النفسية والنفس-مرضية أن تتخذ الحقيقة العيادية هدفًا لها"[62] أو كما أوضح توسكييز أنه إذا "ضحى الأطباء بالفرد بسبب اعتبارات فلسفية مفرطة"، فسوف ينتهي بهم الأمر بممارسة غير مجدية. ومع ذلك، ما لم يتعامل الأطباء مع المستشفى ككائن حي يساهم في الجانب الاجتماعي من المرض، فلن يفهموا أبدًا الأوجه المتعددة للجنون. ثانيًا - وهذه نقطة أكد عليها كانغويلم أيضًا في أعماله المبكرة - أن التشخيصات الطبية كلها افترضت بشكل مسبق وجود نموذج معياري صحي أو أخلاقي. وبالتالي، يكون أساسيًا بالنسبة للطب النفسي أن يعتبر الجانبَ الاجتماعي للمرض في علاجاته.
ثالثًا، وفي نفس الإطار، "لم يكن الجنون أبدًا شأنًا شخصيًا". الذهان، بعبارة أخرى، فردي واجتماعي في نفس الوقت. اعتمد أعضاء جمعية جيفودان في هذا السياق تحديدًا على أعمال لاكان لانتقاد المدرسة الطب-نفسية المهووسة بتحديد أصل وحيد للجنون:
يمكننا القول إن الجنون ليس له بداية. على الرغم من أهمية دراسة الاضطرابات المخلقة للمرض، كما اقترحت أطروحة لاكان، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الجنون في كليتها الظاهرية، المتجلية بالفعل في الشخصية.[63]
وكما لخص أطباء جمعية جيفودان في خاتمة نصهم:
لم يبدأ الجنون أبدًا بمشكلة مخلقة؛ ولكنه ظاهرة تاريخية وجدلية. الاستقصاءات التخليقية لشخصية المريض هي استقصاءات أحادية الجانب؛ فهي لا يمكنها أن تستوعب الحقيقة التاريخية بأكملها.[64]
وهكذا يتطلب "نزع الاغتراب disalienation" عن المستشفى - وعن مهنة الطب النفسي– سلسلة من تدابير غاية في العملية، بالإضافة إلى إعادة تفكير في النظرية برمتها. نحتاج أن نبدأ أولًا على مستوى التصميم المعماري. كانت الخطوة الأولى في سانت ألبان هي هدم جدران المصحة وبعد ذلك الجدران الفاصلة بين الغرف. وكما قال ماريوس بونيه:
في أحد الأيام، هدمنا جدران المجمع. ولم يعد هناك حدودٌ بين المستشفى والقرية في سانت ألبان ... بعد الحرب، كان تحرير الأراضي هو أيضًا تحريرٌ للمستشفى.[65]
على نفس المنوال، ووفق توصيات سيمون مرة أخرى، ألغت الإدارة الزي الرسمي و والبلوزات الطبية بحيث لا يمكن التمييز بين الأطباء والممرضين والمرضى. كان الهدف هو التخلص من الأدوار الثابتة، والتخلص من "مظهر الثكنة المعطوبة أو معسكر الاعتقال"، ولكن أيضًا لإجبار الطاقم الطبي على التفكير في خصوصية مرض المريض.[66] وكما قال بونافيه:
حين لا تتمكن من إلباس المريض زي موحد، وحين لا تتمكن من حبسه هكذا ببساطة، فستكون مجبرًا على توقع ردود أفعاله وبالتالي اختراق آليات مرضه.[67]
وُضع هذا الجهد المبذول لاحترام فردية كل مريض موضع التنفيذ منذ لحظة دخوله المستشفى، حيث يُرحب به من قبل لجنة مؤلفة من الأطباء والممرضين والمرضى الذين يعرّفونه بالمكان حول القلعة ويشرحون له لوجستيات العلاج والحياة اليومية.
إحدى ركائز هذه الممارسة الجديدة، التي عُمدت باسم "العلاج النفسي المؤسسي" في عام 1952، هي المستشفى. شكلت المستشفى، كما أوضح توسكييز، مجالًا مشحونًا بالدلالات الاجتماعية:
بالنسبة لمعظم مرضانا، فإن الأفعال والهذيانات والاعترافات غالبًا ما تأتي ترجمةً للصراعات الحميمية التي دائمًا ما تكون داخل المجتمع، وعائلية بالتحديد، الصراعات التي يمكن أن ندفعها والتي تقودنا دائمًا إلى حالات طفولية مشابهة لتلك التي وصفها المحللون النفسيون.
في هذا السياق
يمكن للمستشفى أن تلعب دورًا مشابهًا لدور المحلل النفسي. يمكن أن تكون هدفًا للاستثمارات المتتالية لهذه الصراعات؛ ويمكن لجدلية العلاج أن تمر عبر هذه الطاحونة [laminoir] من التحويلات والإسقاطات حسب ما تسمح به بنية المستشفى.[68]
يمكن للمستشفى، بعبارة أخرى، أن تتحايل على بعض الصعوبات التي واجهها فرويد في علاجه لمرضى الفصام، من خلال تقديم نموذج مختلف للتحويل. بالفعل، تشكل المستشفى -بتصميمها وأنشطتها وموظفيها - كما أكد توسكييز مرارًا في جميع أعماله، "مجموعًا استشفائي" collectif soignant
تحديدًا في هذه التجمعات، تظهر ديناميكية أخروية تمامًا من "العناصر النفسية" التي يجب على المرء أن يستوعبها. أنا أتحدث عن تجمعات من "الكليات wholes"، [collectifs des ‘ensembles’] التي تتوظف دائمًا كأنظمة مفتوحة تحدث في الزمان والمكان.[69]
لم يكن الهدف، كما أكد توسكييز، مجرد تعديل التنظيم المكاني أو القوانين التي تحكم المستشفى، بل النظر في إمكاناتها النفسية. لم يعد من الممكن التعامل مع المستشفى كأداة سلبية أو كموقع جغرافي مستقر. بل وَجب فهم "حياتها الداخلية باعتبارها بيئة العلاج الاجتماعية: مرضاها، ، مجموعاتها، علاقاتها مع الموظفين، ومع الإدارة، ومع الأطباء أيضًا". [70] إذا كان الجنون مشكلة اجتماعية، فإنه يتطلب حلًا اجتماعيًا أيضًا، وقد وفرت المستشفى مساحة للتفكير في هذه الأسئلة وحلولها.
أحد أهم ابتكارات مستشفى سانت - ألبان، والمصممة لتفعيل بعض هذه الرؤى النظرية، كان نادي بول بالفيه. كان النادي، المؤسس عام 1947، هيئة تعاونية يديرها المرضى، كأنه اتحاد بشكل ما، مسؤول عن تنظيم جميع الأنشطة داخل المستشفى. ريد بالنادي، كما قال توسكييز، أن يمثل "التعبير التلقائي عن المستشفى بأكملها."[71] النادي منتخبٌ ومؤلفٌ من لجان فرعية مختلفة، يخطط لوجبات الطعام والعروض المسرحية والموسيقية، الرياضة والحفلات والرحلات الميدانية - وهي أنشطة اجتماعية اُعتبرت جزء لا يتجزأ من العلاج. كما يدير النادي المكتبة ومختلف ورش العلاج الوظيفي، وينتخب اللجنة التي ترحب بالمرضى الجدد. يشبه نادي بول بالفيه، كما وصف أحد الملاحظين، مقهى حيوي يتناقش فيه الجميع طوال الوقت. عملت المناقشات المستمرة واللامركزية كآليات لتوفير "ضمانة دائمة ضد عودة السلوكيات القمعية."[72] تشابه النادي بطرق كثيرة مع نوعية الكيانات السياسية التي حارب توسكييز من أجلها في سياق عمله مع حزب POUM في الثلاثينيات آملاً في تعزيز مجتمع مدار ذاتيًا، عضوي، ديمقراطي بصورة جذرية ومناهض للاستبداد. كما يقول ماريوس بونيه في هذا السياق:
كانت إدارة النادي في اجتماعاتها تحلل الأفكار المختلفة التي طرحتها اللجان. وعندما يبدأ مريض ما، دون سابق إنذار، في الحديث عن مشاكله، يٌعطل جدول أعمال الاجتماع ويستمع الجميع إلى المريض. يمكنني أن أذكر حالة أخرى: على سبيل المثال، عندما يقول أحد المرضى، فيما يتعلق بالمكتبة، أنه "ما كان ينبغي علينا أبدًا أن نشتري هذا الكتاب"، كان الطبيب يسأله إذا كان قد قرأ الكتاب وما هي الفقرة التي أزعجته. كما ترى، كان كل شيء في سانت ألبان ذريعة للحوار، وليس فقط في مثل هذه الاجتماعات. بل في كل مكان آخر، في الحياة اليومية أيضًا. البستاني، الطباخ، السكرتير، الممرض، والكهربائي ... كل واحد من الموظفين يتدخل في نظام العلاج النفسي. إذا اقترح البستاني مثلًا فكرة ما، يمكن للمريض أن يجيبه أنها فكرة سيئة، عندما أعود بالذاكرة إلى تلك الفترة، غالبًا ما أتساءل: في سانت ألبان، من كان يعالج من؟ [73]
وقد وجهت هذه الروح الجماعية جميع مبادرات النادي، وعلى وجه الخصوص اثنتين من أهم مهامه: نشر مجلة أسبوعية بعنوان شَرْطة وصل/ سمة الجمع [74]Trait d’Union، وتنظيم ورش عمل للمرضى. كانت مجلة Trait d'Union عبارة عن مجموعة من النصوص (النظرية والأدبية والشعرية)، والرسومات، والوصفات، والإعلانات والرسائل التي استمرت من 1950 إلى 1981. تألفت هيئة التحرير من المرضى و ساعدهم عدد قليل من الموظفين، ونُشرت المجلة في المستشفى نفسها بواسطة لجنة الطباعة والتجليد. وقد ساهم كل من توسكييز وبونافيه وفانون بالعديد من مقالات الرأي في الأعداد المبكرة من المجلة. كان لمجلة Trait d'Union ، مرة أخرى، مهمة نظرية وعملية على حد سواء. كان المحتوى معلوماتيًا ومحفزًا على التفكير الفلسفي أيضًا، لكن فعل القراءة كان مهمًا هو الآخر. وكما ذكرت إحدى المقالات الافتتاحية في 15 يوليو 1950، فإن للمجلة اهتمامًا علاجيًا نشطًا يتجاوز قيمتها التوثيقية أو الأدبية أو الإعلامية. قراءة المجلة هو فعل اجتماعي بامتياز ... إنه خروجٌ من الذات للاستماع إلى صوت الآخرين والاهتمام بأفراحهم وأحزانهم.
ثم خاطبت المقالة المرضى مباشرة:
لقد فقد الكثير منكم الرغبة في القيام بذلك أو الشجاعة أو الهمة، بسبب متاعبكم وأحزانكم، أو أنكم ببساطة لم تعودوا تحبون التحدث إلى الآخرين. تعزلون أنفسكم؛ تعيشون معًا لكن كل منكم في فقاعته الصغيرة.[75]
عمل نادي بول بالفيه كذلك على تنسيق مختلف أنشطة المرضى التي اعتبرها توسكييز، على غرار سيمون، أساسية للعلاج. قُسم العمل إلى ثلاث فئات: الزراعة (قطف الفاكهة، والعمل في الحقل، والإشراف على الحيوانات في المراعي)، والأعمال المتعلقة بالمستشفى (البناء، النجارة، الطلاء والطبخ) وورش العلاج الوظيفي (صناعة الفخار والطباعة والتجليد والأعمال الخشبية).[76] يتقاضى المرضى مقابل أعمالهم اليدوية مبلغًا بسيطًا يمكنهم إيداعه في بنك المستشفى واستخدامه في المقهى أو الحانة بعد ذلك. في العلاج الوظيفي، كما أوضح توسكييز:
الشيء الذي يُصنّع ليس له قيمةٌ علاجية في حد ذاته، ولكن تُستثمر فيه قيمٌ عاطفيةٌ و اقتصاديةٌ واجتماعيةٌ يجب علينا أن نساعد المريض على اكتشافها. رفع الوعي و اكتشاف الآخر بهذا الشكل هو هدف العلاج الوظيفي.[77]
العلاج الوظيفي، كما أوضح توسكييز في حديثه عن سيمون، هو طريقةٌ لتقديم المرضى إلى هذا القانون العام، إلى العالم الرمزي.
كان النادي، والمجلة، والأنشطة في سانت ألبان مصممةٌ كلها لتسهيل ظهور هذه "الجماعية" الأفقية: مساحةٌ جديدة من التحويل - "كوكبة تحويلية" - وعلاجٌ مختلف لمريض الذهان. دُعي المرضى، رغم تلقيهم جلسات تحليل نفسي فردية مع الأطباء، للمشاركة في الاجتماعات العامة، والتي كان لها هدف علاجي صريح. سمحت هذه الاجتماعات، المستوحاة من سيكودراما جاكوب مورينو، للمرضى بلعب الأدوار واستكشاف تخييلات وسلوكيات خاصة في بيئة سريرية.[78] كانت هذه الاجتماعات التي حضرها الأطباء والممرضون والموظفون والمرضى، مناهضة تمامًا للسلطوية، كان الجميع مدعوين فيها للتحدث عن أي موضوع فلسفي أو شخصي. وكما روى أحد الملاحظين أنه في غضون شهر واحد، عُقد في سانت ألبان مائة وسبعة وسبعين من هذه الاجتماعات الطبية.[79]
عقد اجتماعات منتظمة، وفقًا لتوسكييز، كان أمرًا في غاية الضرورة من أجل المحاربة ضد السلطة والهرمية والعادات والإقطاعيات المحلية وسيطرة الشركات corporatisms. لا شيء ينبغي أن يُسلم به أبدًا ، كل شيء خاضعٌ للنقاش. ينبغي أن يؤخذ رأي الجميع، ,كل واحد يستطيع أن يقرر. ليس حرصًا على الديمقراطية فقط، ولكن من أجل تسهيل انتصار الكلام خطوة بخطوة، وتعلم الاحترام المتبادل. ينبغي أن يكون المرضى قادرين على إبداء رأيهم في شروط إقامتهم ورعايتهم، وحقوقهم في التبادل والتعبير والتداول.[80]
وهكذا كان النادي والاجتماعات آليتين عمليتين للغاية مصممتان لمحاربة الجمود وتعزيز رؤية أفقية (وليس عمودية) للمجتمع. ومرة أخرى، تناغمت رؤى توسكييز الطبية مع اشتباكاته السياسية قبل الحرب. وكذلك مثّل العلاج النفسي المؤسسي شكلًا من أشكال النقد الدائم أو ما أسماه توسكييز "الثورة الدائمة":
العمل الذي يحوّل منشأة رعاية إلى مؤسسة، وفريق علاج إلى مجموعة، هو عمل لا ينتهي أبدًا. إنه صياغةٌ مستمرة للوسائل المادية والاجتماعية، وللشروط الواعية واللاواعية للعلاج النفسي.
وهذا لم يكن ببساطة في أيدي الأطباء والأخصائيين. ولكنه، تابع توسكييز، "نتيجةُ تنسيق معقد يلعب فيه المرضى أنفسهم دورًا أساسيًا."[81]
المسألة الاجتماعية، كما أوضح توسكييز في أعماله المكتوبة وممارسته الطبية، هي أيضًا مسألة نفسية في الأساس. وعلى عكس الحركات البريطانية والإيطالية المناهضة للطب النفسي، والتي أصرت على أن الجنون بناءٌ اجتماعيٌ خالص، لم ينكر العلاج النفسي المؤسسي أبداً واقع المرض العقلي حتى في تأكيده على العنصر الاجتماعي في ظهور الذهان وعلاجه. وكما أشرت هنا، فإن تجربة توسكييز مع الاحتلال في كاتالونيا، ضمن سياق حزب POUM، وفي معسكر الاعتقال، وفي خضم الحرب العالمية الثانية، قد شكّل عمله بصورة أساسية. وفي إرسائه أسس العلاج النفسي المؤسسي، أصر توسكييز على أهمية ممارسة تفريغ منهجي/نزع منهجي للاحتلال للطاقم الطبي والمستشفى والمرضى والنظريات النفسية. لم يكن العلاج النفسي المؤسسي في نظر توسكييز نموذجًا جامدًا وشاملًا وإنما هو إيتيقا وطريقة للتفكير والعيش. يتطور ويتكيف باستمرار، وقابلٌ للمراجعة دائمًا، العلاج النفسي المؤسسي هو شكل من أشكال الثورة الدائمة في السياسة والمجتمع والحياة النفسية في آن واحد.
..........................
[1]العنوان الأصلي بالانجليزية François Tosquelles and the Psychiatric Revolution in Postwar France
[2] . Jean Oury, “La psychothérapie institutionnelle de Saint-Alban `a La Borde,” conférence `a Poitiers, 1970. Archives IMEC.
[3] See Isabelle von Bueltzingsloewen, L’hécatombe des fous: la famine dans les hôpitaux psychiatriques français sous l’Occupation (Paris: Aubier, 2007), 101, Max Lafont, L’extermination douce: la mort de 40000 malades mentaux dans les hôpitaux psychiatriques en France, sous le Régime deVichy (Ligné: Editions de l’Arefppi, 1987).
[4] اسمه الإسباني فرانسسك توسكييز Francesc Tosquelles –(المترجم)
[5] For more on Fanon’s work at Saint-Alban, see Achille Mbembe and Mireille Fanon-Mendés-France, Frantz Fanon par les textes de l’époque (Paris: Les Petits Matins, 2012), Richard C.Keller, “Clinician and Revolutionary: Frantz Fanon, Biography, and the History of Colonial Medicine,” Bulletin of the History of Medecine 81 (2007). For Guattari and Oury, see Jean Oury, Félix Guattari, and Franc¸ois Tosquelles, Pratique de l’institutionnel et politique (Vigneux: Matrice, 1985 Olivier Apprill, Une avant-garde psychiatrique: le moment GTPSI (1960–1966) (Paris: Epel, 2013), François Dosse, Gilles Deleuze et Félix Guattari: biographie crois´ee (Paris: Découverte, 2007).
[6]Transference تترجم تحويل أو طرح، ويُقصد به تحويل المشاعر والتخييلات والرغبات، بصورة لاواعية، من موضوعاتها القديمة إلى موضوع جديد، المعالج مثلًا
[7] كان فرويد واضحًا بشكل خاص بشأن التحديات التي يطرحها مرضى الذهان على إطار التحليل النفسي في قراءته لضلالات دانيال بول شريبر See Sigmund Freud, The Schreber Case, transl. Andrew Webber, with an introduction by Colin McCabe (New York: Penguin Books, 2003). See also Thomas G. Dalzell, Freud’s Schreber Between Psychiatry and Psychoanalysis: On Subjective Disposition to Psychosis (London: Karnac Books, 2011), Nicolas Gougoulis, “Freud et les psychiatres,” Topique 88 3 (2004): 17–35.
[8] Oury et al., Pratique de l’institutionnel et politique, 93, François Tosquelles, “L’effervescence saintalbanaise,”L’Information psychiatrique 63 (1987): 961; François Tosquelles, L’enseignement de la folie (Paris: Dunod, 2014), 233–8.
[9] Jan Ellen Goldstein, Console and Classify: the French Psychiatric Profession in the Nineteenth Century (New York:
Cambridge University Press, 1987), Marcel Gauchet and Gladys Swain, La pratique de l’esprit humain: l’institution asilaire et la révolution d´emocratique (Paris:Gallimard, 1980).
[10] Michel Foucault, Folie et déraison; histoire de la folie`a l’ˆage classique (Paris: Plon, 1961), Robert Castel, The Regulation of Madness: the Origins of Incarceration in France (Cambridge: Polity Press, 1988). On antipsychiatry, see, for example, John Foot, TheMan who Closed the Asylums: Franco Basaglia and the Revolution in Mental Health Care (London: Verso, 2015),Michael E. Staub, Madness Is Civilization: When the Diagnosis Was Social, 1948–1980 (Chicago: University of Chicago Press, 2011).
[11] For a good summary of these debates, see the introduction to Joy Damousi and Mariano Ben Plotkin, Psychoanalysis and Politics: Histories of Psychoanalysis Under Conditions of Restricted Political Freedom (New York: Oxford University Press, 2012). For an analysis of how psychoanalysis resists the model of political will presumed by liberalism, see Tracy McNulty, “Demanding the Impossible: Desire and Social Change,” differences 20 (2009): 1–39.
[12] Patrick Faugeras, ed., L’ombre portée de François Tosquelles (Ramonville Saint-Agne: ´ Erès, 2007), 10–11.
[13] For a genealogy of Spanish anarchism during these years, see Jesus de Felipe-Redondo, “Worker Resistance to ‘Social’ Reform and the Rise of Anarchism in Spain, 1880– 1920,” Critical Historical Studies 1 (2014): 255–84. See also Chris Ealham, Class, Culture, and Conflict in Barcelona,1898–1937 (London and New York: Routledge, 2005), JosepTermes, História del moviment anarquista a Espanya (1870– 1980) (Barcelona: Avenç, 2011).
[14] Tosquelles recalls this environment in Tosquelles, L’enseignement de la folie, 181–2.
[15] On the POUM, see V´ıctor Alba and Stephen Schwartz, Spanish Marxism Versus Soviet Communism:
a History of the P.O.U.M (New Brunswick: Transaction Books, 1988), Michel Christ, Le POUM: histoire d’un parti révolutionnaire espagnol (1935–1952) (Paris: Harmattan, 2005), Wilebaldo Solano, El POUM en la historia: Andreu Nin y la revolución española (Madrid: Los Libros de Catarata 1999). George Orwell also provided a detailed account of the POUM in George Orwell, Homage to Catalonia (London: Secker and Warburg, 1938).
[16] Alba and Schwartz, Spanish Marxism Versus Soviet Communism: a History of the P.O.U.M, 94–5.
[17] Ibid., 57
[18] Paul Preston, The Spanish Civil War: Reaction, Revolution and Revenge (New York: W.W. Norton, 2007), 254.
[19] 16. Franc¸ois Pain, Jean-Claude Polack, and Dani`ele Sivadon, Francesc Tosquelles: Une politique de la folie, (Video Corporativo, 1989). See also François Tosquelles, “La guerre d’Espagne,” Vie sociale et traitements 127 (1987): 37. Tosquelles explains the importance of Catalan “autogestion” in Tosquelles, L’enseignement de la folie, 178–9.
[20] Josep M. Comelles, “Forgotten Paths: Culture and Ethnicity in Catalan Mental Health Policies (1900–39),” History of Psychiatry 21 (2010): 407.
[21] Ibid., 412
[22] Félix MartíIbáñez, Obra. Diez meses de labor en Sanidad y Asistencia Social (Barcelona: Ediciones Tierra y Libertad, 1937), 33; Cited in Comelles, “Forgotten Paths,” 415.
[23] Tosquelles, L’enseignement de la folie, 53–63. For more on Mira y Lopez, see http://www.miraylopez.com and
Annette Mulberger and Ana Maria Jaco-Vilela, “Es major morir de pie que vivir de rodillas: Emilio Mira y Lopez y la revolucion nacional,” Dynamis 27 (2006): 309–32. For more on the history of psychiatry and psychoanalysis in Spain during this period, see Anne-Cécile Druet, “La psychiatrie espagnole et la psychanalyse des années 1910 `a la guerre civile. De la presse médicale au discours social,” El Argonauta Español 8 (2001), http://argonauta.revues.org/142; Thomas F. Glick, “The Naked Science: Psychoanalysis in Spain, 1914–1948,” Comparative Studies in Society and History of European Ideas 24 (1982): 533–71.
[24] Tosquelles develops this in François Tosquelles, Le vécu de la fin du monde dans la folie: le témoignage de Gérard de Nerval (Grenoble: Jérôme Millon, 2012).
[25] Tosquelles, L’enseignement de la folie, 41–53.
[26] Pain et al., Francesc Tosquelles: Une politique de la folie.
[27] Jean Ayme, for instance, recounts how Tosquelles printed Lacan’s thesis at the Saint-Alban printer and sold copies for 50F, a little under 10$. In Faugeras, ed., L’ombre portée de François Tosquelles, 95.
[28] Hermann Simon, Une th´erapeutique plus active `a l’hˆopital (Traduction française: Hôpital psychiatrique deSt. Alban) (Berlin and Leipzig: Walter de Gruyter, 1929), 13–14. Transl. Tosquelles and Andr´e Chaurand. Saint-Alban Archives.
[29] Ibid., 51.
[30] Ibid., 149.
[31] Ibid., 16.
[32] Ibid., 160.
[33] François Tosquelles, Le travail th´erapeutique `a l’hôpital psychiatrique (Paris: Editions du Scarab´ee, 1967),28.
[34] Ibid., 31.
[35] Ibid., 36.
[36] Ibid., 37.
[37] Ibid., 41
[38] . أشار ميشيل فوكو، بهذا المعنى تحديدًا، لكتاب أوديب مضادًا كـ "كتاب إيتيقا، أول كتاب للإيتيقا يُكتب في فرنسا منذ وقت طويل."
(Gilles Deleuze andF´elix Guattari, Anti-Oedipus: Capitalism and Schizophrenia (Minneapolis: University of Minnesota Press, 1983), xiii.)
[39] لمزيد من التفاصيل حول هذه المعارك الفرنسية راجع إليزابيث رودينيسكو، Roudinesco, La bataille de cent ans: histoire de la psychanalyse en France, vol. I (Paris: Ramsay, 1982), Annick Ohayon, Psychologie et psychanalyse en France: l’impossible rencontre, 1919–1969 (Paris: La Découverte, 2006).
[40] On Lacan and psychiatry see Jacques S´edat, “Lacan et la psychiatrie,” Topique 88 3 (2004): 37–46; Elisabeth Roudinesco, Jacques Lacan: esquisse d’une vie, histoire d’un système de pensée (Paris: Fayard, 1993).
[41] عنوان أطروحة لاكان في الأصل الفرنسي هو De la psychose paranoïaque dans ses rapports avec la personnalité، تٌرجم في النص الإنجليزي محل ترجمتنا إلى On paranoid psychosis and its relations to the personality، رغم وجود تفريق معروف بين الذهان البارانويدي paranoid والبارانوي paranoïaque/paranoiac ( النوع البارانويدي يحدث غالبًا في حالات الفصام وليس له تيمة واضحة أو نظام متماسك من الضلالات التي غالبًا ما تكون عديدة ومستغربة وتخلو من المنطق الداخلي ويصاحبها أعراض أخرى مثل الهلوسة، بينما الذهان البارانوي أكثر تماسكًا وله تيمة واضحة ومنطق داخلي مثل ضلالات الغيرة والحب. في التصنيفات الطبية الحديثة، يوجد تفريق وصفي مشابه، وإن كان بمصطلحات مختلفة، كالذي بين الفصام البارانويدي والاضطرابات الوهامية/الضلالية)، على كلٍ، التزمنا هنا بترجمة المصطلح كما جاء، إلى بارانويدي بدل بارانوي الأصح، إلتزامًا بالنص الإنجليزي.-(المترجم)
[42] Jacques Lacan, De la psychose paranoïaque dans ses rapports avec la personnalité suivi de Premiers écrits sur la paranoïa (Paris: Seuil, 1975), 15
[43] Ibid.
[44] Ibid., 346.
[45] Ibid., 311.
[46] Ibid., 323.
[47] Ibid., 41 and 129. For a helpful introduction to the Freudian and Lacanian subjects, see Kaja Silverman, The Subject of Semiotics (New York: Oxford University Press, 1983), 126–93.
[48] . Roudinesco, Jacques Lacan: esquisse d’une vie, histoire d’un système de pensée, 78.
[49]See for example Oury et al., Pratique de l’institutionnel et politique, 146.
[50] Pain et al., Francesc Tosquelles: Une politique de la folie. See also Tosquelles, L’enseignement de la folie, 206–7 and 27–8, Tosquelles, “La guerre d’Espagne,” 38.
[51] Tosquelles cited in Comelles, “Forgotten Paths,” 418.
[52] Ibid., 417.
[53] For a good overview of the historiography of the Spanish camps in France, see Scott Soo, The Routes to Exile:
France and the Spanish Civil War Refugees, 1939–2009 (Manchester: Manchester University Press, 2013). See also Denis Peschanski, La France des camps: l’internement, 1938– 1946 (Paris: Gallimard, 2002), Geneviève Dreyfus-Armand,L’exil des républicains espagnols en France: de la Guerre civile `a la mort de Franco (Paris: Albin Michel, 1999).
[54] Soo, The Routes to Exile, 63.
[55] Ibid., 62–4.
[56] . “ Etat sanitaire des réfugiès espagnols (Sanitary state of Spanish refugees.)” Archives Départementales du Tarn-et-Garonne, 4M vrac4.
[57] Pain et al., Francesc Tosquelles: Une politique de la folie.
[58] “Histoire de Saint-Alban.” Archives Lucien Bonnafé, IMEC, LBF 70 St Aban 95.
[59] Bruno Coince, “Malades, médecins, infirmiers . ‘Qui guérissait qui?’” Midi Libre, December 3, 1991. Archives Lucien Bonnaf´e, IMEC, LBF 70 St Aban 95.
[60] Lafont, L’extermination douce, 146.
[61] . Lucien Bonnaf´e, handwritten notes.Archives Lucien Bonnafé, IMEC, LBF 70 St Aban 95.
[62] Tosquelles, L’enseignement de la folie, 213
[63] Ibid., 214.
[64] Ibid., 216.
[65] Coince, “Malades, médecins, infirmiers.”
[66] Cited in Lucile Johnes, D´esali´enisme `a l’hôpital psychiatrique de Saint-Alban-sur-Limagnole: L’accueil de la folie dans un hôpital public de Loz`ere de la fin de la deuxi`eme guerre mondiale au d´ebut des ann´ees 1970 (Montpellier: Université de Lettres Paul Valéry, 2010), 39.
[67] . Cited in ibid., 35.
[68] François Tosquelles, “La société vécue par las malades psychiques,” Esprit 197, December (1952), 901.
[69] François Tosquelles, “L’effervescence saint-albanaise,”L’Information psychiatrique 63, 8 (1987), 960.
[70]François Tosquelles, “Symposium sur la psychothérapie collective,” L’E´volution psychiatrique, 531–76,
535.
[71] Ibid., 542.
[72] Jean Lafeuillade, “Mémoire de stage: structures et probl`emes de l’hôpital psychiatrique moderne, exemple de
l’Hôpital Psychiatrique de Saint-Alban (Loz`ère),” December (1968), 16. Saint-Alban Archives.
[73] Coince, “Malades, médecins, infirmiers.”
[74] لا يسعنا تجاهل التشابه الحرفي والصوتي، والمقابلة الدلالية ربما، بين Trait d’union وبين المصطلح اللاكاني Trait Unaire (وهو التركيب الذي استخدمه لاكان لترجمة مصطلح فرويد Einziger Zug ، وطرحه في سلسلة محاضراته عن التماهي -السيمينار التاسع- الممتدة بين عامي 1961 و1962) الذي يُترجم إلى السمة الأحادية أو سمة الواحد، ويُقُصد به، باختزال مخل، العنصر الأولي للدال بصفته فرقٌ خالص والذي يسمح بالتماهي الرمزي. يبدو أن تأثير لاكان على توسكييز في هذا الصدد لم يكن ممكنًا لو اعتبرنا أن طرح لاكان لمصطلحه لم يبدأ إلا في سيميناره المذكور، أي بعد إنشاء المجلة في سانت ألبان، وتسميتها بذلك الاسم، بعشر سنوات أو يزيد. إلا أن ذلك يدعونا للتفكير ، وعندها يمكن ترجمة Trait d’union، فيما تُترجم، إلى سمة الجمع، أما معناها المعروف في الفرنسية فهو شَرْطة الوصل(-). –(المترجم)
[75] Trait d’Union, July 15, 1950. Saint-Alban Archives.
[76] Jean Lafeuillade, “Mémoire de Stage, 18
[77] Tosquelles cited in Johnes, “Désaliénisme `a l’hôpital psychiatrique de Saint-Alban-sur-Limagnole,” 43.
[78] Rencontres de Saint-Alban, 20–21 juin 1986. Archives of Pere Mata in Reus.
[79] Jean-MarcDutrenit, Sociologie, travail social et psychiatrie le berceau lozérien de la psychothérapie institutionnelle (Paris: ´Etudes vivantes, 1981), 15.
[80] Pain et al., Francesc Tosquelles: Une politique de la folie.
[81] Ibid.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.