هوبز والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

2024-04-03

هوبز والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

[1] [2]  مقدمة

    يسود بين دارسي هوبز رأي يقول إن نظريته للحقوق لم تكن مهمة أو مؤثرة بالنسبة للنظريات المعاصرة للحقوق، وبالتالي ليس لديها الكثير لتقدمه في المناقشات حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان. تستند هذه الأطروحة بشكل أساسي على فكرة أن الحقوق الفردية لهوبز هي جميعا "حقوق حرية"، أي حقوق لا ترتبط بالتزامات من جانب الآخرين[3]. إذا كان هذا صحيحا، يكون من الواضح أن نظرية هوبز للحقوق الفردية ليس لها علاقة مهمة بخطاب حقوق الإنسان الحالي وبالمشاكل المحيطة بأسس هذه الحقوق. فتفترض الطريقة التي نفكر بها حاليا حول حقوق الإنسان أن هذه الحقوق تنشئ التزاما بالاحترام من جانب الأفراد الآخرين ومن جانب الدولة خصوصا (Tierney, 2008, p. 36; Green, 2012, p. 321; Gauthier, 2001, p. 267; Sreedhar, 2019, p. 142).

     شكك كُتاب مثل إليانور كوران (2002, 2013)[4] وفرانك فان دن (2001) في هذا الرأي المقبول بشكل عام حول نظرية هوبز، وذلك من وجهات نظر مختلفة. فقد حاول فان دن في مقالته بعنوان "كرامة الإنسان: العقل أم الرغبة؟ الحقوق الطبيعية مقابل حقوق الإنسان'' إظهار تأثير نظرية الحقوق الطبيعية الهوبزية وأهميتها في خطاب حقوق الإنسان الحالي. ويجادل فان دون بأن مفهوم حقوق الإنسان الذي كان بمثابة الأساس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو إرث المفهوم الهوبزي للحقوق الطبيعية وليس، كما يقال عادة، إرثا للنظرية الكلاسيكية للقانون الطبيعي والحقوق الطبيعية (Dun, 2001, pp. 2–3).

     يبني فان دون أطروحته على أوجه التشابه التي وجدها بين مفهوم حقوق الإنسان في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومفهوم هوبز للحقوق الطبيعية. ففيما يتعلق بالشكل أوضح أن حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي "حقوق في"؛ وفيما يتعلق بالمحتوى المادي فهي "حقوق في أشياء مرغوبة"، أي أشياء يرغب فيها معظم الناس (Dun, 2001, p. 12). وهكذا يبدو أن حقوق الإنسان هي أشكال محددة لنوع من الحق العام الذي يشبع رغبة. ووفقا لفان دن فإن النهج الاجتماعي والسياسي للفقه، الذي تم الترويج له في نهاية القرن التاسع عشر، كان عودة إلى تعريف هوبز الذاتوي لـ "الحق الطبيعي للإنسان"، الذي بموجبه يعني امتلاك الحقوق وجود رغبات ينبغي إشباعها. ويجادل فان دن بأن هذا التصور للحقوق كان بمثابة الأساس للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويمكن رؤية هذا التصور بشكل أساسي في إدراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي هي العناصر المميزة لذلك الإعلان. ويرى فان دون أن فهم حقوق الإنسان الاجتماعية[5]  باعتبارها حقوقا تشبع المصالح يعني ضمنا قبول أن حقوق الناس يمكن أن تكون مطلقة بقدر رغباتهم، وبالتالي تشكل الحقوق الفردية مصدرا رئيسيا للصراع والاضطراب في التعايش البشري (Dun, 2001, p. 28)[6].

     أطروحة فان دن مبتكرة ومهمة من ثلاث وجهات نظر على الأقل. أولا، تتحدى هذه الأطروحة الرأي التقليدي القائل بأن نظرية الحقوق الهوبزية لم تكن مهمة ولا مؤثرة في صياغة خطاب حقوق الإنسان الحالي. ثانيا، تسعى إلى إظهار أن نظرية هوبز السياسية يمكن أن تكون نموذجا لفهم طبيعة مفهوم معين لحقوق الإنسان وآثاره. ثالثا، تشير أيضا إلى أن نظرية الحقوق الهوبزية يمكنها جلب عناصر تحليلية جديدة للنقاش حول الأسس الفلسفية لحقوق الإنسان. وعلى الرغم مما ورد أعلاه، لا يزال رأي فان دن غير مستكشف من قبل معلقي هوبز ومنظري حقوق الإنسان[7].

     تتبع هذه المقالة خط التحليل الذي اقترحه فان دن كنقطة انطلاق. وتجادل بأن مفاهيم الحقوق الطبيعية في نظرية هوبز ومفاهيم الحقوق الاجتماعية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لها ثلاث خصائص مشتركة تؤدي إلى الاستنتاج أنه بدون سلطة واسعة للدولة، لا يمكن تحقيق نظام ملائم للتعايش. أول تشابه مهم هو أنه في كلتا الحالتين، تتعلق الحقوق بمصالح يرى البشر عموما أن من المهم للغاية إشباعها. الميزة المشتركة الثانية هي أنه في كلا المنظورين يُنظر إلى الدولة على أنها المشكِّل للنظام القانوني الذي لا تستطيع الحقوق الفردية إنشاءه. ثالثا، يُنظر إلى الدولة من خلال كلا المفهومين على أنها الكيان الذي ينبغي أن يحتكر إدارة المصالح الفردية الممثلة في الحقوق الشخصية.

     ننظم بقية هذا المقال على النحو التالي: يعرض القسم 2 مفهوم الحقوق الطبيعية ووظيفتها في نظرية هوبز السياسية. ويستكشف القسم 3 الأعمال التحضيرية للمواد من 22 إلى 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونعرض مفهوم الحقوق الاجتماعية ومبرراتها من منظور واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. يستنتج القسم 4 الحجة الأساسية من خلال تطوير الأطروحة الرئيسية بناء على تحليل الخصائص المقدمة في القسمين السابقين. ويشير القسم 5 إلى أن نتائج البحث تبدو مناقضة للدافع الرئيسي وراء إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

مفهوم الحقوق الطبيعية عند هوبز

     قبل فحص تعريف الحقوق الطبيعية الذي قدمه هوبز في كتابه "اللفياثان"، ينبغي القول إن هوبز يؤسس علاقة مباشرة بين هذا المفهوم ومفهومه عن حالة الطبيعة. فوفقا لهوبز فإن امتلاك الحقوق الطبيعية هو أحد الأسباب التي تجعل حالة الطبيعة حالة حرب[8]. لذلك من أجل الفهم الواضح لمعنى الحقوق الطبيعية ودورها في أعمال هوبز، من المهم أن نوضح أولا وقبل كل شيء ماهية حالة الطبيعة بالضبط ولماذا جعلها هوبز حالة حرب.

     حالة الطبيعة أو "الحالة الطبيعية للجنس البشري" هي الطريقة التي يعيش بها الأفراد عندما لا توجد دولة مدنية. وعلى حد تعبير هوبز، إنه "الوقت الذي يعيش فيه الناس بدون سلطة مشتركة لإبقاءهم جميعا في حالة من الرهبة" (Hobbes, 1998, p. 84)[9]. ويشرح هوبز في الفصل 13 من كتاب "اللفياثان" هذه "الحالة الطبيعية للجنس البشري" بعمق. ويبدأ بالقول إن البشر متساوون بطبيعتهم. ويوضح أن الطبيعة جعلت الناس متساوين جسديا وعقليا لدرجة أنه على الرغم من أن بعضهم قد يكون أقوى أو أذكى من الآخرين، إلا أن هذه الاختلافات ليست مهمة لدرجة تبرر ادعاء فرد لنفسه ميزة لا يستطيع فرد آخر المطالبة بها أيضا (Hobbes, 1998, p. 82)[10]

     يؤكد هوبز أنه تنشأ من تلك المساواة الطبيعية في الملكات مساواة في الرغبة في أن يحقق كل فرد أهدافه. وهكذا عندما يرغب رجلان في الشيء نفسه، شيء لا يمكن أن يتمتع به كلاهما معا، يصبحان أعداء ويحاولان تدمير وإخضاع بعضهما البعض من أجل إشباع رغبتهما. وبالتالي لا يثق كل فرد بالآخر (Hobbes, 1998, p. 83)[11]. وفقا لهوبز: "في ظل عدم الثقة في بعضنا البعض، لا توجد طريقة لأي شخص لتأمين نفسه بشكل معقول أفضل من التحسب؛ أي القوة أو الحيل للسيطرة على أكبر عدد من الناس، حتى لا يرى قوة أخرى كبيرة بما يكفي لتهديده" (Hobbes, 1998, p. 83)[12].

     يقول هوبز أيضا إن الناس لا يشعرون بالمتعة في العيش مع الآخرين، بل على العكس يشعرون بمعاناة شديدة عندما لا توجد قوة مشتركة لإخافتهم جميعا. وهذا لأن كل فرد يريد من رفيقه أن يقدره بالقيمة ذاتها التي يضعها هو لنفسه، وبالتالي سيكون مستعدا لإيذاء أو حتى تدمير أي شخص يُظهر نحوه أي علامة على الاستخفاف أو الازدراء (Hobbes, 1998, p. 83)[13].

     وبالتالي يخلص هوبز إلى أنه توجد في الطبيعة البشرية ثلاثة أسباب رئيسية للخلاف. تدفع هذه الأسباب الثلاثة الناس لمهاجمة بعضهم البعض. الأول هو التنافس الذي يجعل الناس يواجهون بعضهم البعض للحصول على مكاسب؛ والثاني هو عدم الثقة الذي يدفعهم للقتال من أجل الأمان؛ والثالث هو المجد الذي يدفعهم إلى استخدام العنف لكسب السمعة (Hobbes, 1998, pp. 83–84)[14]. وبالنظر لما سبق يقول هوبز إن حالة الطبيعة هي حالة حرب "الكل ضد الكل"(Hobbes, 1998, p. 84)[15]. ويصف هوبز هذه الحالة بأنها الأسوأ بالنسبة للناس، ليس فقط لأنها تمنع التعاون والعيش في مجتمع، ولكن أيضا لأن أولئك الذين يعيشون في هذه الحالة معرضون دائما لخطر الموت بعنف (Hobbes, 1998, p. 84)[16]

      يعرض هوبز مفهوم الحق الطبيعي أو حق الطبيعة بعد وصف حالة الطبيعة مباشرة. يطلق هوبز "الحق الطبيعي" على الحرية التي، في حالة الطبيعة، تسمح لكل فرد باستخدام جميع الوسائل وتنفيذ جميع الأعمال التي يعتبرها ضرورية للحفاظ على نفسه. ووفقا لهوبز، نظرا للمساواة الطبيعية الموجودة بين الناس، فإن الأمر متروك لكل فرد ليرى ما إذا كانت الوسائل التي يستخدمها والأعمال التي يقوم بها تساهم في الحفاظ على حياته (Hobbes, 1991, p. 116)[17].

    يعرف هوبز في الفصل 14 من كتابه"اللفياثان" الحق الطبيعي على النحو التالي:

الحق الطبيعي، الذي يسميه الكتاب عادة القانون الطبيعي، هو الحرية التي يتمتع بها كل إنسان في استخدام قوته الخاصة، كما يشاء هو، من أجل الحفاظ على طبيعته؛ أي على حياته؛ وبالتالي حريته في فعل أي شيء يتصور أنه أفضل وسيلة لتحقيق ذلك وفقا لتقديره وعقله (Hobbes, 1998, p. 86)[18].

     وبعد تعريف الحق الطبيعي كحرية، يشرح هوبز ما يعنيه بالحرية:

تعني الحرية وفقا للدلالة الصحيحة للكلمة، عدم وجود عوائق خارجية: تلك العوائق التي تسلب جزءا من قدرة الإنسان على فعل ما يريد؛ لكنها لا تمنعه من استخدام القوة التي بقيت له حسب ما يمليه عليه رأيه وعقله (Hobbes, 1998, p. 86)[19].

     فلكي نفهم تصور هوبز للحق الطبيعي، من الأساسي أن نفهم أولا تصوره للحرية. فمن الجدير بالذكر أن هوبز لا يتصور الحرية الطبيعية للفرد كسلطة قانونية، وإنما كقدرة واقعية. هذه القدرة، وفقا للتعريف أعلاه، تقل تبعا لوجود عوائق أو عقبات خارجية تواجه الفرد. وفقا لهذا التفسير، يقول هوبز إن الإنسان الحر هو الذي يستطيع فعل ما يشاء بقوته وذكائه، ولا يعوقه شيء عن فعل ما يريده" (Hobbes, 1998, p.139)[20].

     يرى هوبز أن الحرية تدل بشكل صحيح على "غياب المعارضة"، ويعني بالمعارضة "العوائق الخارجية للحركة" ( Hobbes, 1998, p. 139) [21]. وذكر أنه من المناسب تطبيق كلمتي "حر" و"حرية" على الأشياء الجسدية فقط، لأن الشيء الخاضع للحركة فقط هو الذي يمكن أن يخضع للعائق. وإذا كانت الحرية، بالمعنى الدقيق للكلمة، حرية جسدية فيمكنها أن تشير إلى كائنات عقلانية وغير عقلانية:

نقول على ما هو مقيد أو محاط فلا يستطيع التحرك، إلا في مساحة معينة بسبب معارضة جسم خارجي ما، إنه ليس لديه الحرية في الذهاب أبعد من ذلك. وكذلك بالنسبة لجميع الكائنات الحية، أثناء سجنها أو تقييدها بجدران أو بسلاسل؛ وكذلك بالنسبة للمياه عندما يُحتفظ بها عن طريق الضفاف أو توضع في أوان، والتي لولا ذلك لسالت في مساحة أكبر، فنقول حينئذ إنها ليست حرة التحرك بالطريقة التي ستكون عليها حال غياب تلك العوائق الخارجية (Hobbes, 1998, p. 139)[22] .

     وفقا لهوبز فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقلل من الحرية أو يحد منها هو العقبات أو العوائق التي تسببها الأجسام الخارجية. وهكذا "عندما يكون عائق الحركة موجودا في تكوين الشيء ذاته، فإننا لا نقول إنه يفتقد الحرية؛ بل يفتقد القدرة على التحرك. كما في حالة الحجر الساكن أو الإنسان الذي سمره المرض على الفراش" (Hobbes, 1998, p. 139)[23].

     يتضح من التفسير أعلاه  سبب إعلان هوبز أن حرية الإنسان هي، بالمعنى الدقيق للكلمة، التحرر من القيود والسجن؛ أي التحرر من الأجسام الخارجية التي تعوق أو تمنع الحركة (Hobbes, 1998, p. 141)[24]. وبالنظر إلى أن هوبز يُعرف الحق الطبيعي على أنه حرية، إذن علينا فهم هذا الحق كقدرة غير معوقة على الحركة، أو على حد تعبيره حرية جسدية. وكما يقول بيتيت يشير مفهوم هوبز للحرية الجسدية إلى "حرية تنفيذ قرار مُتخذ"، والتي تختلف عن "حرية اتخاذ قرار من بين خيارات مختلفة":

ميز هوبز بين نوعين من الحرية: حرية اتخاذ قرار من بين خيارات مختلفة وحرية تنفيذ قرار متخذ. النوع الأول من الحرية ينفيه الالتزام التعاقدي، لأنه ينقل الحق في اتخاذ القرار إلى آخر ... وهكذا عندما لا يستبعد الوكيل الحق في اتخاذ القرار، قد نعزو مجموعة تعاقدية متنوعة من الحرية. النوع الثاني من الحرية - حرية تنفيذ قرار – وهي حرية يقضي عليها أي عائق مادي أو جسدي أمام اتخاذ قرار ... وهكذا في حالة عدم وجود مثل هذا العائق أمام تنفيذ القرار، قد نعزو ما يسميه هوبز نفسه "الحرية الجسدية"؛ وهذا ما يعتبره هوبز الحرية بالمعنى الدقيق أو المناسب (Pettit, 2012, p. 120)[25].

     بناء على التعريفات التي قدمها هوبز للحق الطبيعي، فهو بالتالي الحرية الجسدية التي توجب على كل فرد استخدام قوته بالطريقة الأكثر ملاءمة للحفاظ على حياته حسب تقديره وعقله. ووفقا لهوبز فإن هذا الحق يشمل أي تصرف يعتبره الفرد ملائما لتحقيق غاية الحفاظ على الذات. وبالتالي فهو حق في كل شيء، حتى جرح رفيق المرء أو قتله:

ولأن حالة الإنسان ... هي حال حرب الكل ضد الكل. في هذه الحالة كل شخص يحكمه عقله الخاص؛ وليس هناك ما لا يُسمح الانتفاع به مما قد يساعده في الحفاظ على حياته ضد أعدائه؛ وبالتالي لكل إنسان في مثل هذه الحالة الحق في كل شيء؛ حتى الحق على جسد الآخر (Hobbes, 1998, 86–87)[26].

     إذا كانت الحرية، بالمعنى الدقيق للكلمة، قدرة حركة لا تعرقلها أجسام خارجية، وإذا كان الحق الطبيعي هو الحرية، فيبدو واضحا أن المعنى الذي ينسبه هوبز إلى مصطلح "الحق الطبيعي" يختلف جوهريا عن المعنى الذي كان لهذا المصطلح ذاته في تراث القانون الطبيعي قبل هوبز. وكما يشرح تيرني، بدأ استخدام عبارة "الحق الطبيعي" بالمعنى الذاتي من قبل فقهاء العصور الوسطى، بدءا من القرن الثاني عشر الميلادي فصاعدا، للإشارة إلى مطالبة أو ملكة أو سلطة مشروعة متأصلة في كل فرد بشري (Tierney, 2004, p. 6). وهكذا يشير الحق الطبيعي عند تعريفه في هذا الشكل الذاتي، إلى سلطة أو ملكة مشروعة فردية لا تستمد مصدرها من القانون البشري بل من القانون الطبيعي. وبما أن القانون الطبيعي إلزام من السلطة الإلهية، فإن الحقوق الطبيعية المستمدة منه تولد التزامات مصاحبة من الاحترام والامتثال. فعندما يؤكد على أن للفرد، على سبيل المثال، حقا طبيعيا في الدفاع عن نفسه ضد تهمة قانونية في محكمة، يعني هذا أن على الآخرين التزام بعدم إعاقة أو عرقلة إتمام هذا الإجراء.

     على عكس ما اقترحه تراث القانون الطبيعي في العصور الوسطى الذي أثر على كتاب مثل فرانسيسكو فيتوريا (1934) وفرانسيسكو سواريز (1918) وهوجو غروتيوس (2005)، لا يتصور هوبز حق الطبيعة على أنه سلطة مشروعة للفرد تولد التزامات مصاحبة بالاحترام أو الامتثال على الآخرين. فالحق الطبيعي عند هوبز ليس سلطة قانونية، بل سلطة واقعية. يصف هوبز الحق الطبيعي بالسلطة الواقعية للفرد للقيام بأعمال من أجل الحفاظ على حياته والدفاع عنها. ومع ذلك فإن هذا "حق" لا يولد التزامات أو واجبات مصاحبة على الآخرين؛ ولا يحد منه أي قيود قانونية نابعة عن الحقوق الطبيعية للأفراد الآخرين (Johns, 2009, p. 564). إذا كان للفرد حق طبيعي في اصطياد حيوان من أجل الغذاء، فإن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن الآخرين ملزمون بعدم منعه من مطاردة الحيوان، أو واجب عدم أخذه منه بمجرد أن يكون تحت سيطرته. لذلك يؤكد هوبز أن الملكية لا توجد في حالة الطبيعة، وأن سيطرة الإنسان على شيء ما تستمر طالما تمكن بالفعل من الاحتفاظ به (Hobbes, 1998, p. 85)[27].

     من الأفكار المهمة لمقاربة هوبز لحق الطبيعة أن استخدام هذا الحق هو مبدأ أو قاعدة عامة للعقل، عندما لا يمكن تحقيق السلام. بعبارة أخرى، لتحقيق الحماية يفرض العقل أن نسعى إلى السلام والحفاظ عليه، وهو ما يعني وفقا لهوبز إنشاء دولة ذات سلطة هائلة على الرعايا. ومع ذلك عندما يتعذر تحقيق هذا الهدف، ونجد أنفسنا في حالة الطبيعة دون أي أمل في الخروج منها، يخبرنا العقل أنه يجب علينا الدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل المتاحة؛ وهذا يعني أنه يجب علينا استخدام حقنا الطبيعي (Hobbes, 1998, p. 87)[28]. وهكذا يقول هوبز في كتابه "في المواطن" إنه عندما يكون الأفراد في حالة طبيعية: "فليس عبثا ولا مستهجنا، ولا ضد إملاءات العقل السليم، أن يستخدم الإنسان كل مساعيه للحفاظ على جسده والدفاع عنه من الموت والضراء" [29](Hobbes, 1991, p. 115).

     ما هي وظيفة الحقوق الطبيعية في حجة هوبز؟ بمعنى آخر، ما هي نيته خلف الجدال بأن لكل فرد الحق في كل شيء في حالة الطبيعة؟ متابعة لمارتينيتش (1995) يمكن القول بأن نية هوبز الرئيسية في إدخال مفهوم الحقوق الطبيعية في نظريته هي إبراز الحاجة الملحة للبشر لمغادرة الحالة البائسة التي يجدون أنفسهم فيها في حالتهم الطبيعية (Martinich, 1995, p. 265). يجادل هوبز بأن وجود الحق في كل شيء لا يجلب أي فائدة للبشر فحسب، ولكنه أيضا يحفز الصراع بينهم. ويصرح هوبز في كتابه "عناصر القانون" بأن حق جميع الرجال على كل شيء "ليس أفضل واقعيا مما لو لم يكن لأي رجل حق في أي شيء" (Hobbes, 1969, p. 72)[30]. وبالمثل يقول في كتابه "في المواطن":

كون لجميع الناس حق مشترك في كل الأشياء، لا فائدة منه، لأن آثار هذا الحق تساوي عدم وجود حق على الإطلاق، لأنه على الرغم من إمكانية أن يقول كل شخص عن كل شيء هذا يخصني، لكنه لن يستطيع الاستمتاع بهذا الشيء، لأن جاره الذي يتمتع بنفس الحقوق المساوية، سيدعي بأن الشيء نفسه ملكه (Hobbes, 1991, p. 117)[31].

     كما ذكرنا أعلاه، فإن الحق الطبيعي لا يُحسّن وضع الأفراد في حالتهم الطبيعية، بل إنه مصدر لانعدام الثقة الدائم بينهم. وبالتالي فالحق الطبيعي سبب آخر للحرب وفقا لهوبز:

إذا كان لدى البشر نزعة طبيعية لإيذاء بعضهم البعض، يستمدونها من شغفهم بالتقدير المغرور لأنفسهم، وإذا كان للجميع حق في الجميع، حيث يغزو أحدهم بحق ويقاوم الآخر بحق، ومن هنا تنشأ الغيرة والشكوك الدائمة لدى الجميع، ولصعوبة صد عدو يغزونا بنية القمع والخراب؛ فلا يمكن إنكار أن الحالة الطبيعية للإنسان، قبل دخولهم المجتمع كانت حالة حرب، وليست مجرد حرب، بل هي حرب كل البشر ضد كل البشر(Hobbes, 1991, pp. 117–18)[32].

     أن يكون لكل فرد الحق في كل شيء يعادل عدم تمتع أي شخص بحق في أي شيء. هذا على وجه التحديد لأن الحق الطبيعي للإنسان، كسلطة واقعية، لا يُنتج أي التزام مصاحب على الآخرين. لا يوجد التزام أو واجب على أي فرد باحترام ما يقرر الآخر القيام به أو ما يملكه في حدود حقه الطبيعي. وبهذا المعنى يمكن القول إن هدف نظرية هوبز للحقوق الطبيعية يختلف جدا عن الهدف الذي تسعى إليه عادة نظريات الحقوق الطبيعية الأخرى. فمثلا تهدف نظريتا الحقوق الطبيعية عند هوغو غروتيوس (2005) وجون لوك (2003) إلى الاعتراف بمجال عمل مشروع للفرد لا يستطيع الآخرون التدخل فيه. وبهذا يتضح أنه في حالة إعاقة ممارسة حق شخص ظلما يمكنه استخدام القوة المشروعة لصد المعتدي أو المطالبة بتعويض الضرر. لذلك فنتيجة إسناد الحقوق إلى الأفراد بهذه الطريقة، هي إنشاء نظام قانوني طبيعي. ومع ذلك لا ينشأ مثل هذا التأثير في نظرية هوبز، لأن الحقوق الطبيعية كونها سلطة واقعية، لا يمكنها أن تؤدي وظيفة رسم خط فاصل بين السلوك المسموح به قانونا والسلوك المحظور.

     ونتيجة لذلك تبتعد الحقوق الطبيعية في نظرية هوبز عن تحديد النظام الطبيعي للتعايش بين البشر، وتقود الأفراد إلى حالة حرب الكل ضد الكل، فيسعى كل فرد لإشباع رغباته من خلال أعمال العنف والاجتياح. وبالتالي فإن استنتاج حجة هوبز هو أنه بما أن الحالة الطبيعية للإنسان هي حالة من الفوضى والصراع التامين، فمن الضروري للغاية الهروب من تلك الحالة من خلال تكوين هيئة تحتكر سلطة اتخاذ قرار بأي طريقة وإلى أي مدى نشبع المصالح المتضاربة للأفراد. وهذه الهيئة بالطبع هي الدولة المدنية.

مفهوم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأسسها.

 

المادة 22

     تهدف المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى تقديم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في الإعلان وتعزيزها. فقد أدرج واضعو الإعلان هذه المادة العامة للتأكيد على هذه الحقوق الجديدة (التي كانت أقل شهرة من الحقوق المدنية والسياسية في ذلك الوقت)، ولفت الانتباه إلى الجهود الإضافية اللازمة لإعمالها[33] (Diller, 2012, p. 38).

     حظيت فكرة إدراج مادة عامة وتمهيدية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بتأييد واسع في اجتماع لجنة حقوق الإنسان في 9 يونيو 1948 (E / CN.4 / SR.65)[34]. وقال شارل مارك (مندوب لبنان) "ينيغي أن يُذكر بوضوح في مكان ما في الإعلان أنه لا يكفي تعداد الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ولكن ينبغي أن يكون المجتمع نفسه ذا طبيعة تضمن احترام تلك الحقوق ... ولذلك ينبغي إدراج مادة لهذا الغرض في الجزء المخصص للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" (E/CN.4/SR.65/p.3). وفي نهاية الاجتماع عين رئيس اللجنة لجنة فرعية لإعداد مادة خاصة تتعلق بالتدابير الواجب اتخاذها لضمان التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية (E /CN.4/SR.65/p.11).

     أوصت اللجنة الفرعية المعينة بأن تضيف اللجنة المادة التالية إلى نهاية الإعلان: "لكل فرد الحق في نظام اجتماعي ودولي جيد يمكن أن تتحقق فيه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان بالكامل" (E/CN.4/120). وفي 10 يونيو 1948 أوضح رينيه كاسان (فرنسا)، الذي كان عضوا في اللجنة الفرعية، للجنة أن وفده يقترح مسودة مادة ثانية تتناول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (E/CN.4/SR.67/p. 5) ، تنص على أن: "لكل فرد بصفته عضوا في المجتمع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المذكورة أدناه، التي يجب أن يكون تحقيقها ممكنا في كل دولة على حدة أو من خلال التعاون الدولي" (E/CN.4/120).

     وفي 14 يونيو 1948 تواصلت المناقشات حول النصوص المقدمة من قبل اللجنة الفرعية والوفد الفرنسي. كان من الواضح بالنسبة إلى كاسان أنه على اللجنة السير على هدي جميع الدساتير الأخيرة التي عوملت فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل مختلف عن الحقوق الأخرى. فالمساعدة المادية من الدولة ضرورية لكي تكون الحقوق الاجتماعية فعالة بشكل كامل. ووفقا لكاسان كان هذا اختلافا عمليا لا يمكن للإعلان تجاهله.

     وأخيرا أقرت اللجنة النص التالي: "لكل فرد بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المذكورة أدناه، وفقا لتنظيم وموارد كل دولة، من خلال الجهد الوطني والتعاون الدولي" (E/CN.4/SR.72/p. 10). وأصبح هذا النص مع بعض التغييرات الأسلوبية المادة 20 من مشروع الإعلان (E/800) ، الذي تم إرساله إلى الجمعية العامة للنظر فيه.

     وفي نوفمبر 1948 أعيد النظر في محتوى المادة 20 في مداولات اللجنة الثالثة للجمعية العامة. وانتقد بيريز سيسنيروس، ممثل كوبا، جزء المادة الذي ينص على أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سيتم تحديدها في مواد لاحقة من الوثيقة. وبحسب قوله فإن هذه الإشارة أضعفت المادة 20 التي تستحق أن تكون مستقلة بذاتها (A/C.3/SR.137/p. 498). واقترح اعتماد التعديل الذي قدمه وفده، وحذف العبارة "المبينة أدناه" والاستعاضة عنها بعبارة "ضروري لكرامتهم والتنمية الحرة لشخصيتهم" (A/C.3/232).

     لم يقدم أي من الوفود التي وافقت صراحة على التعديل الذي اقترحته كوبا حججا لدعم مواقفها، لكنها ذكرت بإيجاز أسبابها الداعمة للتعديل. وقد ذُكر، على سبيل المثال، أن مثل هذا التعديل يضفي مزيدا من القوة والاكتفاء الذاتي على المادة. كما ذُكر أن ميزة التعديل تتمثل في التذكير بكرامة الإنسان والتنمية الحرة لشخصيته التي وردت في مواد أخرى من مشروع الإعلان (A/C.3/SR.138/p. 508-509).

     لم تدرس اللجنة الثالثة ولم تناقش معنى وأهمية مفاهيم الكرامة والتنمية الحرة للشخصية المقترح إدراجها في المادة 20. ويظهر غياب المعارضة أن واضعي الصياغة اعتبروا الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسيلة ضرورية لضمان حياة كريمة للفرد وكشروط لا غنى عنها للتنمية الحرة لشخصيته (Diller, 2012, pp. 69–70). واعتُمد النص وأصبح المادة 22 الحالية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (A/C.3/SR.138/p. 514).

 المادة 23

     بالنسبة لكتاب مسودة الإعلان، كان الحق في العمل أحد أشكال التعبير عن الحق في التنمية الكاملة للشخصية. وقد أقروا بأن الافتقار إلى العمل يمثل مشكلة تؤثر سلبا على الفرد وأسرته، وبالتالي قرروا تكريس حق كل فرد في الحماية من البطالة. وهذا يعني أنه يجب على أعضاء المجتمع الآخرين وعلى الدولة اتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع البطالة ومكافحتها. ورأى الكتاب أيضا أن الأجور وظروف العمل يجب أن تكون متوافقة مع كرامة كل من العامل وعائلته. ومن ثم ، فقد كرسوا حق كل عامل في أجر يضمن له ولأسرته حياة كريمة[35]. وإذا لم يكن الأجر كافيا لتحقيق هذا الغرض، فيجب استكماله بوسائل أخرى للحماية الاجتماعية.

     وفي يونيو 1947 طلبت لجنة الصياغة من رينيه كاسان إعادة كتابة مسودة جديدة للإعلان بناء على الوثيقة التي أعدها جون همفري[36]  (مدير شعبة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة). فأعاد كاسان صياغة جميع الأحكام المتعلقة بالعمل وأدرجها في وثيقته. اقترح كاسان أثناء مراجعة المسودة مادتين تتعلقان بالحق في العمل:

المادة 29

 لكل شخص حق وعليه واجب أداء عمل مفيد اجتماعيا وينمي شخصيته بشكل كامل.

المادة 31

العمل البشري ليس سلعة. ويجب أداء العمل في ظروف جيدة، وأن يؤمن للعامل وأسرته مستوى معيشيا لائقا (E/CN.4/AC.1/W.2/REV.2/p. 5-6).

     وفقا لمورسينك (1999, p.161) فإن الأحكام المتعلقة بالالتزام بالعمل وتنمية الشخصية مرتبطة بالفكر الاشتراكي، الذي ينص على واجب كل فرد في أداء عمل مفيد اجتماعيا. يساهم هذا العمل في الرفاه العام لأنه يفيد المجتمع الذي يُنجَز فيه العمل. وبالمثل يعد العمل تعبيرا عن حق كل شخص في النمو الكامل لشخصيته. وفقا لمورسينك فإن هذا يفسر سبب إضافة كاسان الإشارة إلى الحق في النمو الكامل للشخصية في نص همفري.

     وفي مداولات فريق العمل المعني بإعلان حقوق الإنسان في 9 ديسمبر 1947، اقتُراح تضمين المادة 29 بندا يشير إلى واجب الدولة في اتخاذ تدابير لمنع البطالة (E/CN.4/AC.2/SR.7/p.11). وصرح ستيبانينكو (بيلاروسيا) أن البطالة حالة مؤلمة لها تأثير على حياة الأسرة وأن عبء منعها يجب أن يُنقل إلى الدولة (E/CN.4/AC.2/SR.7/p.11). وقرر فريق العمل إدراج النص التالي باعتباره الفقرة الثانية من المادة 29: "على الدولة واجب اتخاذ التدابير التي في حدود قدرتها لضمان حصول جميع مواطنيها على فرصة العمل المفيد" (E/CN.4/AC.2/SR.7/p.13).

     ثم نظرت اللجنة في اقتراح الوفد اللبناني، المتضمن إضافة عبارة أخيرة إلى الفقرة الأولى من المادة المتعلقة بالحق في العمل (التي كانت في ذلك الوقت المادة 23) نصها: "والحماية من البطالة" (E/CN.4/SR.65/p. 8). وبحسب شارل مالك فإن كلمة "حماية" واضحة تماما وتتضمن جميع التدابير (التي تتخذها الدولة أو المجتمع أو التعاون الدولي) لمعالجة البطالة. وأوضح أن تعديله سيكمل الفقرة الأولى بإرساء نظرية الحق في العمل المستمر. ووافقت اللجنة على اقتراح مالك (E/CN.4/SR.65/p. 11).

     بالنسبة للمادة 31 من مسودة كاسان، فإن أول ما يجب ملاحظته هو أنها لا تختلف في جوهرها كثيرا عما ووفق عليه أخيرا باعتباره الفقرة الثالثة من المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فعندما وافقت اللجنة الثالثة للجمعية العامة على كل من الفقرات الأربعة من المادة المتعلقة بالحق في العمل بشكل منفصل (المادة 21 في ذلك الوقت)، لم تتمكن بعد ذلك من الاتفاق على اعتماد المادة بأكملها (A/C.3/SR.141/p. 539) وحدثت أزمة كبيرة.[37] فعُينت لجنة فرعية لإعداد نص جديد لحل هذه المشكلة. وبالإشارة إلى الظروف التي ينبغي أن يتم في ظلها العمل البشري، اعتمدت اللجنة الفرعية النص التالي باعتباره الفقرة الثانية من المادة 21: "لكل شخص يعمل الحق في أجر عادل وملائم، يُستكمل إذا لزم الأمر بوسائل أخرى من الحماية الاجتماعية التي قد تكون مطلوبة لتلبية احتياجات أسرته" (U.N. Doc. A/C.3/363).

     اعترض بيريز سيسنيروس (كوبا) على حجج بعض الوفود التي أكدت أن المادة 22 غطت المسألة الواردة في هذه الفقرة من المادة 21. ووفقا له فإن المادة 22 تتناول الضمان الاجتماعي لأولئك الذين لا يتمكنون من للعمل لأسباب مختلفة. وبالمقابل أشارت المادة 21 إلى حقيقة أن العاملين يستحقون أجرا يتناسب مع احتياجاتهم واحتياجات أسرهم. ورأى بيريز أن المادة 21 تحمي كرامة العامل الذي ينبغي ألا يعتمد على الإحسان. وبالنسبة له كان من الواضح أنه يجب وضع بعض البنود لأولئك الأشخاص الأكبر سنا من أن يعملوا والأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال. فمن واجب المجتمع ضمان "أن تعيش مثل هذه العائلات حياة متوافقة مع كرامة الإنسان" (A/C.3/SR.157/p. 681).

     اقترح الوفد البيلاروسي إدخال النص التالي على الفقرة الثانية من المادة 21: "لكل شخص يعمل الحق في أجر عادل وملائم يكفل له ولأسرته حياة لائقة بالكرامة الإنسانية، ويُستكمل، إذا لزم الأمر، بوسائل أخرى الحماية الاجتماعية" (A/C.3/SR.157/p. 688). ووفقا لكامينسكي (بيلاروسيا)، توضح صياغة تعديله أن احتياجات الأسرة يجب أن تُدرج في حساب الأجر العادل، والذي من شأنه أن يضمن العيش الكريم للعامل (A/C.3/SR.157/p. 688). ووافقت اللجنة الثالثة على اقتراح كامينسكي (A/C.3/SR.157/p. 689).

     على الرغم من إشارة بعض المندوبين إلى أن حق كل فرد في تكوين النقابات والانضمام إليها مشمول بالفعل بالحق العام في حرية تكوين الجمعيات، فقد انتصرت فكرة أن حداثة الإعلان وعدم الاعتراف به في بعض البلدان، تجعل من الضروري للإعلان الإشارة بشكل خاص إلى الحقوق النقابية (E/CN.4/SR.66/p. 4).

المادة 24

     وجد واضعو الإعلان من الضروري الاعتراف بضرورة منح العامل الحق في الراحة والتمتع بوقت فراغه، لأنه بدون هذا الحق لا يمكنه التطوير الكامل للقدرات التي تشكل شخصيته. ومن ثم رأوا من الضروري منحه إجازات دورية مدفوعة الأجر، والتأكد على تحديد معقول لساعات العمل اليومي.

     عندما كانت اللجنة الثالثة تناقش الحق في الراحة ووقت الفراغ، أُدرج هذا الحق في المادة 24 على النحو التالي: "لكل فرد الحق في الراحة ووقت الفراغ" (E/800). وقدم وفد نيوزيلندا إلى اللجنة الثالثة تعديلا للمادة 24: "لكل فرد الحق في الراحة ووقت الفراغ، وفي تحديد معقول لساعات العمل وفي إجازات دورية مدفوعة الأجر" (A/C.3/359).

     ربطت عدة تعديلات مقترحة أخرى الحق في الراحة بمفاهيم تنمية الشخصية وتحقيق الذات. فعلى سبيل المثال قدم وفدا الفلبين والأرجنتين بشكل مشترك الاقتراح التالي: "لكل فرد الحق في الراحة ووقت الفراغ من أجل رفاهه الروحي والثقافي والبدني" (U.N Doc. A/C.3/358)[38]. وانتُقدت التعديلات التي تشير إلى تنمية الشخصية من قبل بعض الوفود لأنها تكرر الأفكار المتعلقة بالضمان الاجتماعي وبالتالي لا تضيف جديدا للمادة (A/C.3/SR.149/p. 608-609). وأخيرا وافق أعضاء اللجنة الثالثة على اقتراح نيوزيلندا (A/C.3/SR.150/p. 614)، الذي هو نفس المادة 24 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحالي.

المادة 25

     من أجل التنمية الحرة والكاملة للقدرات البشرية، خلص كُتاب الإعلان إلى أنه من الضروري أن يتمتع كل شخص وأسرته بمستوى معيشي ملائم لصحتهم ورفاههم. ويشمل الحق في مستوى معيشي لائق الحق في الغذاء والملبس والمسكن والرعاية الطبية والخدمات الاجتماعية الضرورية. ولمنع الظروف الخارجة عن إرادة الفرد من منعه من التمتع بمستوى معيشي لائق، أقر الكتاب بوجود حق لكل شخص في الضمان الاجتماعي في حالة البطالة أو المرض أو الإعاقة أو الشيخوخة أو غيرها من الظروف التي تجعله يفقد أسباب عيشه[39].

     ونظرت لجنة حقوق الإنسان في دورتها الثالثة في اقتراح مقدم من منظمة العمل الدولية. وكان النص المقترح على النحو التالي: "لكل فرد الحق في مستوى معيشي والخدمات الاجتماعية ملائمين لصحته ورفاهيته هو وأسرته، وفي الضمان الاجتماعي بما في ذلك الحماية في حالة البطالة أو المرض أو الإعاقة أو الشيخوخة أو غير ذلك من الافتقار إلى سبل العيش في ظروف خارجة عن إرادته" (E/CN.4/SR.70/ p. 9). واقترح المندوب الصيني تعديلا على ذلك النص يتضمن إدراج عبارة "بما في ذلك السكن والرعاية الطبية والغذاء والملبس" بعد عبارة "الخدمات الاجتماعية" (E/CN.4/SR.71/ p. 9). وافقت اللجنة على إدراج القائمة الكاملة للحقوق التي اقترحتها الصين في النص (E/CN.4/SR.71/ p. 14)

 المادة 26

     رأى واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه من غير الممكن تنمية الشخصية بشكل كامل بدون تعليم. وقرروا أن يذكروا صراحة أن تنمية الشخصية هي هدف التعليم. وبالتالي نصوا على أن التعليم يجب أن يكون مجانيا وإلزاميا في المرحلة الابتدائية.

     تتشابه النسخة النهائية للمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان جدا مع تلك التي ذكرها همفري في المادة 36 من مسودته (A/C.1/3). وعندما كان فريق عمل إعلان حقوق الإنسان يناقش الحق في التعليم، أشار إيسترمان ممثل المجلس اليهودي العالمي إلى أن المادة المتعلقة بالتعليم "لا تحتوي على أي شيء عن الروح التي تحكم التعليم التي كانت عنصرا أساسيا" (E/CN.4/AC.2/SR.8/p.4). ولذلك اقترح إضافة المادة التالية: "يجب أن يستهدف التعليم التنمية الكاملة لشخصية الإنسان، وإلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويكافح روح التعصب والكراهية ضد الأمم الأخرى أو الجماعات الدينية العرقية في كل مكان" (E/CN.4/AC.2/SR.8/p.4). وهذا في جوهره هو محتوى الفقرة 2 الحالية من المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[40].

المادة 27

     كما اعتبر كُتاب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه من الضروري الاعتراف بحق كل فرد في التمتع بالفنون والمشاركة بحرية في الحياة الثقافية للمجتمع، وذلك من أجل تحقيق التنمية الحرة والكاملة للفرد[41]. ومن الضروري أن يكون للفرد الحق في الاستفادة من التطورات العلمية، حيث قد تعتمد عليها صحته و/أو رفاهه[42]. وأشار كاسان في مداولات اللجنة الثالثة إلى أنه على الرغم من أنه لا يمكن للجميع تقديم مساهمة متساوية في التقدم العلمي، فلا جدال في أن الجميع يجب أن يشاركوا في الفوائد المستمدة منه (A/C.3/SR.150/p. 619).

التنمية الحرة والكاملة للشخصية والكرامة الإنسانية كركيزتين للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

       يتضح من الدراسة أعلاه أن الأساس المنطقي لإدراج الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو أن واضعي الصياغة تصوروا هذه الحقوق وسيلة ضرورية لضمان حياة كريمة للفرد وشرط لا غنى عنه من أجل التنمية الحرة والكاملة لشخصيته (Morsink, 1999, p. 212; Diller, 2012, p. 70). وهكذا تظهر عبارة "تنمية الشخصية" في المادة العامة التي تقدم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 22) وفي المادة التي تكرس الحق في التعليم (المادة 26).

     كما ورد ذكر تنمية الشخصية في مادة أخرى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تكرس الحقوق بل الواجبات. ورد ذلك في الفقرة الأولى من المادة 29، التي تنص على أن "على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل"[43]. يوضح هذا النص أن واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لم يروا الأفراد منفصلين عن سياقهم الاجتماعي؛ بل على العكس دافعوا عن الاعتماد المتبادل بين الفرد والمجتمع. فمثلما رأوا أنه بدون المجتمع لا يمكن للفرد تنمية قدراته الشخصية، فقد اعتبروا أيضا أن الفرد الذي يتلقى مزايا من مجتمعه عليه واجبات تجاهه، وبشكل أساسي واجب احترام حقوق الآخرين وضمان الوفاء بها.

     وكرامة الإنسان هي أساس آخر للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقا لنص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فمثل الإشارة إلى تنمية الشخصية، تظهر الإشارة إلى الكرامة أيضا في المادة التقديمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (المادة 22). فبالنسبة لواضعي الإعلان فإن الإعمال الفعال للحقوق الاجتماعية لكل شخص أمر حيوي لظروف معيشته لكي تتوافق مع كرامته كإنسان. وهذه الفكرة، كما رأينا أعلاه، مذكورة صراحة في المادة 23 التي تتناول الحق في العمل.

     لم تُذكر كرامة الإنسان في المواد التي تشير إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فحسب، بل وردت أيضا في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي ديباجة الإعلان. تنص المادة الأولى على أن "يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء". وبالمثل تشير الديباجة إلى الكرامة في فقرتيها الأولى والخامسة.

     توضح النصوص المشار إليها أعلاه أن واضعي الصياغة اعتبروا كرامة الإنسان الفكرة الأساسية التي تبرر الاعتراف بجميع الحقوق الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتُظهر قراءة الأعمال التحضيرية[44]  أن أهمية إدراج كلمة "الكرامة" في المادة 1 وفي الديباجة لم يشكك فيها أو يعترض عليها واضعو الإعلان[45]. ولم يكن هناك أي نقاش حول ماذا يعني مفهوم الكرامة الإنسانية بالتحديد ولا حول ما ينبغي أن يعني (Hughes, 2011). كما يوضح مكرودين (2008) فليس من المستغرب أن يتم إدراج فكرة الكرامة دون أي نقاش إضافي في نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما أن عبارة "كرامة الإنسان" قد أُدرجت في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة في عام 1945، وبعد بضعة أشهر في ديباجة المعاهدة الدولية المنشئة لليونسكو. وبالمثل ورد في إعلان فيلادلفيا عام 1944 حق جميع البشر في "السعي وراء رفاههم المادي ونموهم الروحي في ظروف من الحرية والكرامة "[46]ووفقا لمكرودن (2008, p.676) فمن خلال اللجوء إلى فكرة الكرامة كأساس لحقوق الإنسان، اطمأن واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنهم يسيرون على أرض آمنة، حيث استُخدام هذا المفهوم بشكل متكرر في الدوائر التي شاركت في تشكيل البنيان العالمي للأمم المتحدة.

الفرضية الرئيسية

     كما رأينا في الجزء الأول من هذا المقال، تثبت الحقوق الطبيعية في نظرية هوبز أنه بدون الدولة لا يوجد نظام ممكن للتعايش. ويقول هوبز نفسه إن الحق الشامل في كل الأشياء له نفس معنى ليس لأحد الحق في أي شيء. ومن ثم فالحرب الشاملة هي النتيجة الوحيدة الممكنة للتفاعل بين الأفراد العقلانيين الذين يسعون إلى البقاء على قيد الحياة، الذين هم بالتساوي عرضة للهجوم من قبل الآخرين، ويتنافسون على الموارد النادرة، ولا يثقون في بعضهم البعض، وتدفعهم الرغبة في التمجيد.

     يسعى هوبز إلى دحض أطروحة تراث القانون الطبيعي السابق، الذي يقول بوجود نظام قانوني طبيعي للتعايش موجود مسبقا ويسمو على النظام القانوني الذي تنشئه السلطة السياسية. فمن خلال إعادة تعريف المفاهيم الرئيسية لنظرية القانون الطبيعي، يريد هوبز إقناعنا بأنه لا يوجد شيء اسمه نظام قانوني ما قبل الدولة. فإذا كان هناك نظام قانوني طبيعي موجود مسبقا ويسمو على النظام القانوني للدولة، فسيكون للسلطة السياسية حدود قانونية لا يمكن أن تتجاوزها دون ارتكاب الظلم. وهذا من شأنه تبرير تمرد الرعايا في الحالات التي يعد فيها عمل الدولة انتهاكا لأي حق من حقوقهم الطبيعية[47]. لكن هذه هي بالضبط الفكرة التي يريد هوبز مهاجمتها، لأن أطروحته تستند إلى فرضية أن الحاكم ليس عليه التزام قانوني تجاه الرعايا[48]. ومن ثم فهو يقدم القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية  ليس كمفاهيم تنشئ نظاما قانونيا طبيعيا، ولكن كأسباب تبرر الضرورة المطلقة لسلطة سياسية تضمن (من خلال إدارة المصالح الفردية المتضاربة) الحفاظ على حياة الأشخاص وإمكانية عيشهم حياة مريحة.

     تبرر الحقوق الطبيعية الهوبزية سلطة الدولة لأنها تبين أنه بدون مساعدة هذه القوة، لن يقدر الفرد على تحديد المطلوب منه قانونا في تعاملاته مع الآخرين من أجل الحفاظ على الذات بشكل أفضل، والتعايش بسلام والتمتع بفوائد التعاون. وبالتالي فدور الحاكم يتمثل في وضع الحدود القانونية بشكل واضح للأشخاص، تلك الحدود التي يجب فرضها من أجل الحفاظ على تعايش سلمي ومزدهر. وتبزغ الحقوق التي تنشئ نظاما قانونيا فقط عندما يُشرع الحاكم الالتزامات القانونية ويحددها للأشخاص على وجه الدقة. وبالتالي يمكن القول أن المهمة الرئيسية للدولة هي حل مشكلة لا مفر منها يواجهها الأفراد عندما يكونون في حالة طبيعية، وهي عدم القدرة على تحديد المحتوى الملموس للالتزامات المتبادلة المطلوبة قانونا للتعايش السلمي.

     غالبا ما تُنتقد فكرة ضرورة الاعتراف بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على أساس فشل هذه الحقوق في تحديد المطالب الاجتماعية والاقتصادية الدقيقة التي ينبغي منحها وضع الحق (Morales, 2018, p. 257;Scott and Macklem, 1992, p. 72). وتتمثل مشكلة عدم تحديد الحقوق الاجتماعية بشكل رئيسي في صعوبة تحديد الفوائد المحددة التي يمكن أن يطالب بها حامل الحق الاجتماعي. وتمتد هذه العقبة منطقيا إلى تحديد الالتزامات المرتبطة بهذه الحقوق على أولئك الذين يجب عليهم احترامها أو حمايتها أو إنفاذها وتحديد نوع السلوك الذي يشكل انتهاكا لهذه الحقوق.

     قد يُعتقد أن إحدى طرق تخفيف مشكلة عدم تحديد الحقوق الاجتماعية هي توضيح أساس هذه الحقوق، أي تحديد الأسباب التي تبرر وجودها والدفاع عنها بشيء من التفصيل. ومع ذلك لا يمكن العثور على هذا الحل الجزئي في حالة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فكما وضحنا في الجزء الثاني من هذا المقال، على الرغم من أن واضعو الإعلان أوضحوا رسميا أن أسس هذه الحقوق هي تحقيق التنمية الحرة والكاملة للشخصية وضمان العيش وفقا لكرامة الإنسان، تُظهر "الأعمال التحضيرية" أنه لم تكن هناك مناقشات حول المعنى الملموس لهذه المفاهيم. وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على وجود حقوق معينة ضرورية لكل إنسان لتنمية قدراته الشخصية بحرية وبشكل كامل، ولعيش حياة كريمة. ومع ذلك لا يقدم الإعلان أي معايير لتحديد تلك القدرات الشخصية التي تعتمد تنميتها المثلى على إعمال هذه الحقوق. كما أنه لا يوفر إرشادات تأويلية لإسناد معنى لعبارة "الكرامة الإنسانية"، بحيث تفيد هذه الإرشادات في تقييم ما إذا كانت الظروف الفعلية لحياة الشخص متوافقة مع هذه الكرامة.

     يجد قارئ المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنه يحق له أن يطلب من أفراد المجتمع الآخرين تأمين سلع أو خدمات معينة حيوية لكرامته وللتنمية الحرة لشخصيته. وبالمثل يجد في المادة 29 أن عليه واجبات تجاه المجتمع، وأنه في ممارسته لحقوقه لن يخضع إلا للقيود اللازمة لضمان احترام حقوق الآخرين ولتلبية المتطلبات العادلة للصالح العام. وبعبارة أخرى، يجد في المادة 29 أن عليه أيضا واجب المساهمة في تلبية الحقوق الاجتماعية للآخرين. ومن ناحية أخرى يغفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أي تفسير أو ذكر لما يمكن فهمه من تنمية الشخصية أو من الكرامة الإنسانية. فماذا يستنتج قارئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟ ما الذي يحق له أن يطلبه من أعضاء المجتمع الآخرين؟ ما هي واجباته أو التزاماته تجاه الآخرين؟

     يبدو من المعقول التأكيد على أن حقوق الإنسان الاجتماعية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا تنشئ في حد ذاتها نظاما قانونيا، بقدر ما لا تقدم أي معيار للتحديد الواضح للسلوك المطلوب قانونا من الأفراد في تعاملهم مع بعضهم البعض. فالشخص الذي يرى نفسه أنه صاحب الحقوق الاجتماعية يعرف أن لديه السلطة القانونية لمطالبة أعضاء المجتمع الآخرين بالسلع والخدمات الضرورية لتنميته كشخص وللعيش بكرامة. وبالمثل فهو يعلم أن للآخرين أيضا الحق في المطالبة بنفس هذه السلع والخدمات منه. ونظرا لمحدودية الموارد، فستنشأ حتما مشكلة تخصيصها. فماذا يحدث إذا طالب أحد الأفراد، من أجل تلبية حقه في التعليم، بنفس الموارد التي يحتاجها آخر لتمويل حقه في الصحة؟ ترك واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مفسر النص دون أي موارد تأويلية تمكنه من وضع الخطوط العريضة لحل معقول لمثل هذه التعارضات[49].

     وفي ضوء ذلك، يتشابه الوضع الذي يجد فيه أصحاب الحقوق الاجتماعية المعلن عنها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أنفسهم مع وضع الأفراد الذين لهم حق طبيعي في كل الأشياء في حالة الطبيعة وفقا لنظرية هوبز. في مثل هذه الحالة يعرف الفرد العقلاني الذي وصفه هوبز بأن له حقا طبيعيا في كل ما يراه ضروريا للحفاظ على نفسه. ومع ذلك يدرك الفرد أن للآخرين أيضا نفس الحقوق التي يتمتع بها. وبالنظر إلى الندرة الحتمية للموارد، ما ينبغي أن يحدث عندما يسعى شخصان إلى نفس الشيء، لكن لا يستطيع أحدهما التمتع به؟ هل يمكن أن تكون الحقوق الطبيعية معيارا لحل النزاع وإيجاد توزيع "عادل" للسلع المتنازع عليها؟ يحرص هوبز على إظهار أن الحقوق الطبيعية لا يمكن أن تحقق مثل هذا الغرض، لأن نتيجتها الرئيسية ليست تنظيم التعايش، بل تُفاقم انعدام الثقة المتبادل وإدامة حالة الحرب بين الأفراد. ولحل مشكلة غياب النظام القانوني الطبيعي، يقترح هوبز إقامة الدولة المدنية: سلطة تحتكر إصدار القانون وتقرر السلوك المطلوب من الأفراد في تعاملاتهم المتبادلة.

     رأى واضعو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مثلما رأى هوبز أن عمل الدولة هو الوسيلة الرئيسية للتغلب على غياب النظام القانوني الذي نتج عن هذه الصياغة للحقوق الاجتماعية في الوثيقة. ويقع على عاتق الدول من وجهة نظرهم التزام أساسي بضمان الحقوق الاجتماعية لمواطنيها. وتشير المداولات حول المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى أن المندوبين اعتبروا أن الاختلاف الأساسي بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية هو أن إعمال الحقوق الاجتماعية يتطلب مساعدة مادية من الدولة. ومع ذلك فقد كان واضحا لهم أيضا أن لكل دولة سلطة اتخاذ القرار المستقل حول كيفية تخطيط سياستها الاقتصادية وتوزيع الموارد لتحقيق هذا الهدف[50]. ولهذا السبب تنص المادة 22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على وجوب إعمال الحقوق الاجتماعية لكل فرد مع الأخذ في الاعتبار "تنظيم وموارد كل دولة". وهكذا فإن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكلف الدول بمهمة إنشاء النظام القانوني الذي على الأفراد مراعاته من أجل إعمال حقوقهم الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، على سلطات الدولة تحديد المبلغ الذي يلتزم كل مواطن بالمساهمة به كضرائب لدعم خدمات الصحة العامة أو التعليم، والنسبة المئوية المحددة التي يجب تخصيصها للوفاء بكل من هذه الحقوق. وبالمثل تحدد نفس السلطات الكمية أو النوعية أو الشكل المحدد لكل سلعة أو خدمة يحق لكل فرد طلبها من أعضاء المجتمع الآخرين.

     إذا كان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يكلف الدول بوظيفة تحديد الالتزامات القانونية على مواطنيها فيما يتعلق بالوفاء بحقوق الإنسان الاجتماعية، فيبدو واضحا أن الدول سيكون لها القدرة على إسناد معنى ملموس لمفهوم "التنمية الحرة والكاملة للشخصية" ومفهوم "الكرامة الإنسانية". وبالتالي تكون سلطات الدولة مسئولة بشكل أساسي عن الإجابة بالتفصيل على أسئلة مثل: ما هي القدرات الشخصية الواجب حماية تنميتها وتحفيزه وإلى أي مدى؟ ماذا يعني القول بوجوب احترام الكرامة الإنسانية لجميع الناس؟ ما هي الأوضاع المادية اللازمة للمواطن ليعيش حياة كريمة؟

     بالنظر إلى أن القدرة على تحديد الطريقة التي ينبغي بها إعادة توزيع ثروة المجتمع لضمان الإعمال الكامل لحقوق الإنسان الاجتماعية تتطلب درجة عالية من التخطيط المركزي، فمن المعقول التأكيد على أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يمنح الدول سلطة كبيرة، حتى من خلال الوسائل القسرية، لضبط الطريقة التي يمكن للمواطنين من خلالها ممارسة حقهم في الملكية بشكل فعال. فينبغي على سلطات الدولة النظر في هذا الحق المعترف به في المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عند تقرير السلوك المطلوب من المواطنين في تعاملاتهم المتبادلة مع بعضهم البعض. وبالتالي تحدد الدولة مدى إمكانية تقييد حق الفرد في الملكية (عبر الضرائب على سبيل المثال)، من أجل تمويل تكلفة الوفاء بحقوقه الاجتماعية وحقوق الأعضاء الآخرين في المجتمع.

     ويتضح مما ورد أعلاه أن مفهومي الحقوق الطبيعية في نظرية هوبز والحقوق الاجتماعية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يتشاركان ثلاثة خصائص تعمل على تبرير فكرة أنه من غير الممكن تحقيق نظام ملائم للتعايش البشري دون صلاحية واسعة جدا لتدخل الدولة. أول تشابه مهم هو أنه في كلتا الحالتين، ترتبط الحقوق بمصالح  يرى البشر إشباعها مهم للغاية. ففي حالة نظرية هوبز، تشمل الحقوق الطبيعية كل شيء يراه الفرد ضروريا للحفاظ على ذاته. وفي حالة الإعلان العالمي، تشمل الحقوق الاجتماعية كل ما هو من أجل تنمية الفرد الحرة والكاملة والعيش بكرامة. وهناك تشابه آخر هو أنه في كلا المفهومين، نجد المحتوى الملموس للالتزامات القانونية المتبادلة التي يجب مراعاتها في تحقيق السلام، أو تحقيق نظام يضمن التنمية الكاملة والكرامة للأفراد، لا يزال غير محدد أمام الأفراد إلى أن تتدخل الدولة وتقرر السلوك المناسب فيما بينهم. وهذا يعادل القول إنه في كلا المفهومين، تُعتبر الدولة هي مكون النظام القانوني الذي لا تخلقه الحقوق الفردية. ومن هنا يولد التشابه الثالث والأهم: يرى كلا المفهومين أن الدولة هي  الكيان الذي ينبغي أن يحتكر إدارة المصالح الفردية الممثلة في الحقوق الشخصية. ومن وجهة النظر هذه، يجب أن يكون للدولة سلطة التدخل في الاقتصاد وتقرير كيف وإلى أي مدى يمكن إشباع المصالح والرغبات الفردية، تلك المصالح والرغبات التي هي في حالة دائمة من التوتر والصراع بسبب التنافس على المصالح النادرة.

ملاحظات ختامية

     تتناقض الفكرة القائلة بأن مفهوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للحقوق الاجتماعية ومفهوم هوبز للحقوق الطبيعية، يعطيان الدولة سلطة هائلة للتدخل في القرارات الفردية مع الهدف الرئيسي الذي حفز إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

     فقد كان الغرض من صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو إنشاء مدونة أخلاقية عالمية لمنع تكرار الفظائع والأفعال البربرية التي ارتكبتها الدول الاستبدادية النازية والفاشية خلال الحرب العالمية الثانية. فقد أظهرت الأحداث التاريخية مثل الهولوكوست التهديد الكبير الذي تشكله دولة تتمتع بسلطة مفرطة على حياة البشر وحرياتهم. ولمنع تكرار تلك الأعمال، الذي كُرس لاحقا في الفقرة الثانية من ديباجة الإعلان، كانت الفكرة هي إصدار وثيقة تعمل كخطة توجيهية لضمان عدم انتهاك أي مؤسسة أو فرد للحقوق غير القابلة للتصرف للأشخاص حول العالم مرة أخرى. وفي الجلسة الأولى للجنة الصياغة، أكد ويلسون ممثل المملكة المتحدة، على أهمية الوضع التاريخي الذي اجتمعت فيه هذه الهيئة الجماعية وقال: "تجاهلت ألمانيا والدول المعادية الأخرى تماما ما اعتبرته البشرية حقوقا وحريات أساسية للإنسان. لقد اجتمعت اللجنة كخطوة أولى نحو توفير أقصى قدر ممكن من الحماية ضد هذا النوع من الأعمال في المستقبل" (E/CN.4/AC.1/SR.7/p. 5).

     إذا كان الهدف الرئيسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وضع ميثاق للحقوق الفردية يكون بمثابة قيد على سلطة الدولة، التي أدت تجاوزاتها إلى أعمال آذت الضمير الإنساني، فيبدو أنه من التناقض أن تمنح الوثيقة الدول نفسها الدور الرئيسي في التحديد الواضح لمحتوى مجموعة مهمة من حقوق الإنسان وطريقة الوفاء بها. علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن واضعي الصياغة امتنعوا تماما عن إرفاق معنى محدد لعبارتي "الكرامة الإنسانية" و "التنمية الحرة للشخصية" يعني أنه تُرك للدول تحديد أسس جميع الحقوق الواردة في الوثيقة، سواء كانت اجتماعية اقتصادية أو مدنية سياسية. وتسلط نتائج هذه الدراسة الضوء على صعوبة التوفيق بين التأكيدين التاليين: 1- الهدف الأساسي للإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو إبقاء سلطة الدولة تحت السيطرة ومنع الانتهاكات ضد الفرد. 2- يمنح الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للدولة سلطات لتحديد المعنى الملموس لأسس حقوق الإنسان، ولتحديد الحدود الواضحة للحقوق الاجتماعية، وللتدخل في الاقتصاد لتقرير كيفية تخصيص الموارد للوفاء بجميع حقوق الإنسان الواردة في الوثيقة.

 

 

 

 

References

 

Curran, E. (2002) ‘Hobbes’s theory of rights – A modern interest theory’, Journal of Ethics, 6(1), pp. 63–86. https://www.jstor.org/stable/25115715

Curran,  E.  (2013)  ‘An  Immodest  Proposal:  Hobbes  Rather  than  Locke  Provides  a Forerunner for Modern Rights Theory’, Law and Philosophy, 32(4), pp. 515–538. https://doi.org/10.1007/s10982-012-9149-y

Diller, J. (2012) Securing Dignity and Freedom Through Human Rights’: Article 22 of the Universal Declaration of Human Right. Leiden: Brill | Nijhoff.

Dun, F. van (2001) ‘Human Dignity’: Reason or Desire? Natural Rights versus Human Rights’, Journal of Libertarian Studies, 15(4), pp. 1–28.

Finkelstein, C. (2001) ‘A Puzzle About Hobbes on Self-Defense’, Pacific Philosophical Quarterly, 82(3–4). https://doi.org/10.1111/1468-0114.00131

Gauthier, D. (1969) The Logic of Leviathan. Oxford: Clarendon Press.

Gauthier, D. (2001) ‘Hobbes: The Laws of Nature’, Pacific  Philosophical  Quarterly, 82(3-4), pp. 258–284. https://doi.org/10.1111/1468-0114.00128

Glendon, M. A. (1999) ‘Foundations of Human Rights: The Unfinished Business’, The American Journal of Jurisprudence, 44(1).

Gottfried, P. (2002) ‘Locke, Hobbes, and The UD: Comment on Van Dun’, Journal  of  Libertarian Studies, 16(3), pp. 83–87.

Green, M. (2012) ‘Hobbes and Human Rights’, in Lloyd, S. A. (ed.) Hobbes Today. Cambridge: Cambridge University Press. https://doi.org/10.1017/CBO9781139047388.020

Grotius, H. (2005) The Rights of War and Peace. Edited by R. Tuck. Indianapolis: Liberty Fund Inc.

Hampton, J. (1986) Hobbes  and  the  Social  Contract  Tradition. Cambridge: Cambridge University Press. https://doi.org/10.1017/CBO9780511625060

Hobbes, T. (1969) The Elements of Law, Natural and Politic. London: Frank Cass & Co.

Hobbes, T. (1991) Man  and  Citizen  (De  Homine  and  De  Cive).  Edited  by  B.  Gert.  Indianapolis: Hackett Publishing Company.

Hobbes, T. (1998) Leviathan. Edited by J. C. A. Gaskin. Oxford: Oxford University Press.

Hughes, G. (2011) ‘The Concept of Dignity in the Universal Declaration of Human Rights’, Journal of Religious Ethics, 39(1). https://doi.org/10.1111/j.1467-9795.2010.00463.x

Johns, C. (2009) ‘The Grounds of Right and Obligation in Leibniz and Hobbes’, The Review of Metaphysics, 62(3). https://www.jstor.org/stable/40387825

Kavka,  G.  S.  (1986) Hobbesian  Moral  and  Political  Theory.  Princeton:  Princeton  University Press.

Locke, J. (2003) Two Treatises of Government and A Letter Concerning Toleration. Edited by I. Shapiro. New Haven: Yale University Press.

Marks,  S.  P.  (2009)  ‘The  Past  and  Future  of  the  Separation  of  Human  Rights  into Categories’, Maryland Journal of International Law, 24(1), pp. 208–241. https://digitalcommons.law.umaryland.edu/mjil/vol24/iss1/19

Martinich, A.  (1995) A Hobbes Dictionary. Cambridge: Blackwell.

McArthur, N. (2012) ‘“Thrown amongst Many”: Hobbes on Taxation and Fiscal Policy’, in Lloyd, S. A. (ed.) Hobbes  Today. Cambridge: Cambridge University Press. https://doi.org/10.1017/CBO9781139047388.011

McCrudden, C. (2008) ‘Human Dignity and Judicial Interpretation of Human Rights’, The European Journal of International Law, 19(4), pp. 655–724. https://doi.org/ 10.1093/ejil/chn043

Morales, L. (2018) ‘The Discontent of Social and Economic Rights’, Res Publica, 24, pp. 257–272. https://doi.org/10.1007/s11158-017-9353-6

Morsink, J. (1999) The  Universal  Declaration  of  Human  Rights:  origins,  drafting  and  intent. Philadelphia: University of Pennsylvania Press.

Pettit, P. (2005) ‘Liberty and Leviathan’, Politics,  Philosophy  &  Economics, 4(1), pp. 131–151. https://doi.org/10.1177/1470594X05049439

Pettit, P. (2012) ‘Freedom in Hobbes’s Ontology and Semantics: A Comment on Quentin Skinner’, Journal of the History of Ideas, 73(1), pp. 111–126.

Scott, C. and Macklem, P. (1992) ‘Constitutional Ropes of Sand or Justiciable Guarantees? Social Rights in a New South African Constitution’, University  of  Pennsylvania  Law Review, 141(1), pp. 1–148.

Sreedhar, S. (2019) ‘Interpreting Hobbes on Civil Liberties and Rights of Resistance’, in Interpreting  Hobbes’s  Political  Philosophy. Cambridge University Press, pp. 141–155. https://doi.org/10.1017/9781108234870.009

Suárez, F. (1918) Tratado de las leyes y de Dios legislador. Madrid: Reus.

Tierney, B. (2004) ‘The Idea of Natural Rights-Origins and Persistence’, Northwestern Journal   of   International   Human   Rights,  2(1). https://scholarlycommons.law .northwestern.edu/njihr/vol2/iss1/2

Tierney, B. (2008) ‘Historical Roots of Modern Rights: Before Locke and After’, in Frohnen, B. and Grasso, K. (eds) Rethinking  Rights:  Historical,  Political,  and  Philosophical Perspectives. University of Missouri Press, pp. 34–57.

Vitoria,  F.  (1934) Commentarios  a  la  Secunda  Secundae  de  Santo  Tomas.  Madrid: Asociación Francisco de Vitoria.Received: July 1st 2021Accepted: September 3rd 2021

 

 

 

[1] مجلة عصر حقوق الإنسان، جامعة جيان، إسبانيا، العدد 17 ديسمبر 2021

[2] قسم العلوم القانونية والسياسية، الجامعة البابوية خافريانا، كالي، كولومبيا.

[3] يدعم هذا الرأي مؤلفون مثل غوتييه (1969, p. 30)، وهامبتون (1986, p. 51)، وكافكا (1986, pp. 299-300) مع فروق دقيقة مختلفة.

[4] حاول كوران إظهار أن لدى هوبز نظرية حقوق تولد التزامات مصاحبة، يمكنها المساهمة كثيرا في النظريات المعاصرة للحقوق الفردية.

[5] نستخدم في هذا المقال عبارات "حقوق الإنسان الاجتماعية" أو "الحقوق الاجتماعية" للإشارة إلى الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[6] وجه فان دون نقده لطريقة تصور جميع حقوق الإنسان الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بشكل عام. ومع ذلك يمكن الاستدلال من الأمثلة والتفسيرات التي قدمها على أن الهدف الرئيسي لانتقاده هو الحقوق الاجتماعية. لذلك نأخذ حجة فان دون بهذا المعنى المحدد، أي مراعاة أوجه التشابه بين حقوق هوبز الطبيعية والحقوق الاجتماعية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان فحسب.

[7] يحتوي مقال واحد بقلم بول غوتفريد على عدة نقاط نقد ضد حجة فان دون، وبشكل أساسي حول فكرته القائلة بأن الأنثروبولوجيا الذرية لهوبز مرتبطة بالأصول المفاهيمية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان (Gottfried, 2002). وتوجد إشارة أخرى إلى أطروحة فان دون في مقال ستيفن ماركس "الماضي والمستقبل لفصل حقوق الإنسان إلى فئات" (2009, p. 225). ومع ذلك لا يتضمن هذا المقال تحليلا نقديا لحجة فان دون.

[8](See Finkelstein (2001, p. 333                                       

[9] (ch.13, par. 8)

[10] (ch.13, par. 1)

[11](ch.13, par. 3)

[12] (ch.13, par. 4)

[13] (ch.13, par. 5)

[14] (ch.13, par. 6-7)

[15] (ch.13, par. 8)

[16]  (ch.13, par. 9)

[17]  (ch.1, sec. 9)

[18] (ch.14, par. 1)

[19]  (ch.14, par. 2)

[20]  (ch.21, par. 2)

[21] (ch.21, par. 1)

[22] (ch.21, par. 1)

[23] (ch.21, par. 1)

[24]  (ch.21, par. 6)

[25] See also Pettit (2005, pp. 131–151)

[26] (ch.14, par. 4)

[27] (ch.13, par. 13)

[28](ch.14, par. 4)

[29](ch.1, sec. 7)

[30](p. I, ch. 14, sec. 10)

[31](ch. 1, sec. 11)

[32](ch. 1, sec. 12)

[33] تفسر فكرة هوبز أن الوظيفة الرئيسية للدولة هي ترتيب الطريقة التي يمكن للأفراد من خلالها تلبية احتياجاتهم سبب اعتقاده أن من الضروري إشراف الدولة على النشاط الاقتصادي وتدخلها عند اللزوم. وكما أوضح ماك آرثر، "يعتقد هوبز أن النشاط الاقتصادي يلعب دورا حاسما في رفاهية الناس وبالتالي في الاستقرار الاجتماعي، ويصر على أن تكون الدولة منتبهة ونشطة في تنظيم السلوك في السوق. كما يعتقد أن الحكومة يجب أن تكون على استعداد لإنفاق الموارد من أجل ضمان رفاهية الشعب" (McArthur, 2012, p. 78).

[34] يمكن العثور على جميع الإحالات إلى الوثائق التحضيرية على الموقع الرسمي للأمم المتحدة: صياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (بدون تاريخ). متاح على: https://research.un.org/en/undhr/introduction[Accessed: 21 February 2021

[35] على الرغم تحديد مبدأ عدم التمييز بوضوح في المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فقد شعر معظم المندوبين أنه من الضروري إدراج الحق في الأجر المتساوي للعمل المتساوي، لا سيما لضمان معاملة النساء على قدم المساواة في مكان العمل (E/CN.4/SR.66).

 [36] يتوافق مشروع همفري مع وثيقة الأمم المتحدة E/CN.4/AC.1/3.

[37] See Morsink (1999, p. 182)

[38] بالمثل اقترح الوفد الكوبي النص التالي: "لكل شخص الحق في وقت فراغ وفي فرصة الاستفادة من وقت فراغه لمصلحته الروحية والثقافية والبدن (U.N. Doc. A/C.3/261).

[39] أُدرجت الحماية التي تكرسها الفقرة الثانية من المادة 25 للأمومة والطفولة منذ مسودة كاسان (U.N. Doc. E/CN.4/AC.1/W.2/REV.2. Art. 34) وتمت الموافقة عليها من قبل كُتاب الإعلان دون مزيد من المناقشة. واقترحت اللجنة الثالثة الجزء الذي يشير إلى المساواة في الحماية الاجتماعية التي يستحقها جميع الأطفال، بغض النظر عن ولادتهم داخل أو خارج إطار الزواج (U.N. Doc. A/C.3/344).

[40] أُدرجت الفقرة 3 من المادة 26 كنتيجة للنقاش حول الحاجة إلى منع المواقف التي تمنع فيها الدولة، كما في ألمانيا النازية ، الآباء من الاختيار الحر لنوع التعليم الذي يتلقاه أطفالهم (A/C.3/SR.146/ p. 582).

[41] اقترحت وفود فرنسا وكوبا والمكسيك معا في اللجنة الثالثة إضافة فقرة ثانية إلى المادة المتعلقة بالحق في المشاركة في الثقافة. وكان النص المقترح على النحو التالي: "لكل فرد الحق في حماية مصالحه المعنوية والمادية في أي اختراع أو أعمال أدبية أو علمية أو فنية من تأليفه"(U.N. Doc. A/C.3/360). وأكد كامبوس أورتيز ممثل المكسيك أن الأمم المتحدة يجب أن تستخدم سلطتها الأخلاقية لحماية جميع أشكال العمل اليدوي والفكري. وأخيرا وافقت اللجنة الثالثة على هذا التعديل (U.N. Doc. /A/C.3/SR.152/p. 635)، وهذا هو سبب إدراج الفقرة الثانية من المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

[42]أشار مورسينك إلى أن هذا الحق يشمل الحق في المشاركة في فوائد العلم، ومن بين أمور أخرى، إمكانية الحصول على الأدوية بأسعار معقولة (Morsink, 1999, p. 219).

[43] أورد كاسان في عملية صياغة الإعلان عبارة "كرامة الإنسان" في المواد. فنصت المادة الأولى من مسودته على ما يلي: "كل الرجال إخوة. وقد وهبوا العقل، وأعضاء في أسرة واحدة، وهم أحرار ويتمتعون بالكرامة والحقوق المتساوية " (E/CN.4/AC.1/W.2/REV.2). وكما نرى، فإن هذه المادة تشبه إلى حد بعيد المادة 1 الحالية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما أن كلا النصين يؤكدان بوضوح أن جميع الناس متساوون في الكرامة.

[44] أدرج كاسان عبارة "كرامة الإنسان" في المادة الأولى من مسودته كما يلي: "كل الرجال إخوة. ويتمتعون بالعقل، وهم أعضاء في أسرة واحدة، وهم أحرار ويتمتعون بالكرامة والحقوق المتساوية" (E/CN.4/AC.1/W.2/REV.2). وكما نرى فإن هذه المادة تشبه إلى حد بعيد المادة 1 الحالية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لا سيما أن كلا النصين يؤكدان بوضوح أن جميع الناس متساوون في الكرامة.

[45] استثناء واحد هو تي ووتر (مندوب اتحاد جنوب إفريقيا) الذي رأى أنه "لا يمكن أن يكون يوجد أي معيار عالمي بين شعوب العالم بخصوص المفاهيم المختلفة للكرامة الإنسانية، التي تُحدد من خلال النظم والعادات والأعراف الدينية والاجتماعية" (A/C.3/SR.95/p. 92).

[46] يمكن العثور على نص هذا الإعلان في إعلان فيلادلفيا لمنظمة العمل الدولية (بدون تاريخ). متاح على: https://www.ilo.org/legacy/english/inwork/cb-policy-guide/declusionofPhilitage1944.pdf [دخول: 24 فبراير 2021].

[47] هذه هي الفكرة التي استخدمها لوك في الرسالة الثانية لتبرير حق الأشخاص في مقاومة أفعال الحاكم عندما يتصرف كطاغية (Locke, 2003, pp. 188–193) (ch.18).

[48] على الرغم من أننا لا نجد في نظرية هوبز أي التزام تعاقدي على الحاكم تجاه الأفراد، فهذا لا يعني أن الحقوق الطبيعية لا تمثل قيودا مهمة على سلطة الحاكم بمجرد تشكيل الدولة المدنية. على العكس من ذلك، يوضح هوبز أن القانون الطبيعي يلزم الحاكم بضمان ممارسة الأشخاص لما يسميه حقوقهم الطبيعية "غير القابلة للتصرف". وهذه الحقوق هي الحريات التي لا غنى عنها للبقاء والعيش بشكل مريح، مثل الحق في مقاومة الاعتداء العنيف، والحق في استخدام الهواء أو الماء (Hobbes, 1998, p. 222) (ch. 30, par. 1). إن التزامات القانون الطبيعي تخفف من سلطة الحاكم إلى حد كبير، بقدر ما يرتبط انتهاكها بالضرورة بعواقب وخيمة بالنسبة للحاكم: تمرد الرعايا، والحرب الأهلية، واحتمال الموت العنيف والمبكر (Hobbes, 1998, p. 244) (ch.31, par. 40). ولكن علينا الأخذ في الاعتبار أن هذه ليست التزامات قانونية في نظرية هوبز، ولكن ما يمكن أن نسميه التزامات "احترازية".

[49] See Glendon (1999, pp. 12–14)

[50] See Morsink (1999, p. 209)

 

التعليقات

أضف تعليقك

الكتاب

سانتياغو دوسان

سانتياغو دوسان

 قسم العلوم القانونية والسياسية، الجامعة البابوية خافريانا، كالي، كولومبيا.…

خافيير هيرنانديز

خافيير هيرنانديز

قسم العلوم القانونية والسياسية، الجامعة البابوية خافريانا، كالي، كولومبيا.…

المترجم

أحمد محمد بكر موسى

أحمد محمد بكر موسى

باحث مصري متخصص في حقوق الإنسان. من بين منشوراته: ": الأبعاد الاعتقادية لحقوق ال…

أوراق ودراسات ذات صلة

مشاهدة المزيد
 الأحداث التاريخية والقوانين الاجتماعية
  • التحرر المعرفي

الأحداث التاريخية والقوانين الاجتماعية

وردة الهاني
  • لا هذا ولا ذاك

وردة الهاني

التفسير التاريخي فنًّا
  • التحرر المعرفي

التفسير التاريخي فنًّا

الإنسان والزمان
  • بينيات

الإنسان والزمان

ملفات تعريف الارتباط

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.