"الآخر" في ثالوث الشرائع السوسيولوجية؛ قراءة نقدية ما بعد كولونيالية

2023-04-17

"الآخر" في ثالوث الشرائع السوسيولوجية؛ قراءة نقدية ما بعد كولونيالية

تمثَّلت صورة «الآخر» في إدراك أوروبا الحديثة تمثُّلات محورية كـ«الشرق والمستعمَر والنسوي ومثلي الجنس»، التي عُدَّت تهديدات لقيم المجتمع الذي بات مُعقلَنًا وتقدميًّا ومتحضرًا آنذاك. لكن «الآخر غير الأوروبي» قد تمثَّل بشكل أو بآخر في أسس علم الاجتماع الكلاسيكي التي كتبها الثالوث دوركهايم وويبر وماركس، فكيف حدث ذلك التمثُّل؟

تُركِّز هذه الورقة على بحث دوركهايم للساتي الهندوسي باعتباره انتحارًا إيثاريًّا، وتنظير ويبر بأن المسيحية البروتستانتية الأوروبية لا يمكن أن تنتج سوى العقلانية والرأسمالية، وتجاهُل ماركس -على غير عدل- لما قبل الحداثة التقدمية في ماضي الهند ما قبل الاستعماري؛ إذ تتجلى بالنصوص المختارة خطوط الصدع (الاستشراقية والعرقية والاستعمارية وغير الآخذة بالمناحي التاريخية) التي تعتري تلك الشرائع الاجتماعية، ونناقشها بعدسة نقدية ما بعد كولونيالية. فلقد حان الوقت لردع إنكار الذات تجاه «الآخر غير الغربي» الذي نواجهه دائمًا بتلك الشرائع الاجتماعية. وتخلُص الورقة إلى أن «الآخر غير الغربي» قادر على أن يكون موضوعًا في حد ذاته. فتلك القراءة النقدية للشرائع الاجتماعية تُعَدُّ خطوة صغيرة نحو بناء الأساس لعلم اجتماع عالمي أكثر ارتباطًا بحقبة ما بعد الاستعمار ومتموضع تاريخيًّا لها. فهي محاولة فكرية لما بعد الاستعمار الآني، ومحاولة ليكون علم الاجتماع العالمي يقظًا بشأن ميل الرأسمالية العالمية إلى طمس طرق التفكير والسلوك المتنوعة.

الكلمات المفتاحية:

السوسيولوجيا ما بعد الكولونيالية، السوسيولوجيا العالمية، الرأسمالية العولمية، الحداثة غير الغربية، السوسيولوجيا الكلاسيكية، دوركهايم، ويبر، ماركس، الساتي الهندوسي

 

تظل إشكالية «ثقافات الآخر» أحد التصدعات المتجذرة في النظرية الاجتماعية الغربية، ومنذ هيرودوت على الأقل؛ فمجرد الوعي بالاختلاف يعطي نتيجة حتمية لاختلافات اجتماعية شتى، خصوصًا حينها بين الأحرار والعبيد. وفي الغرب، أنتجت الصراعات اللاهوتية بين الأديان الإبراهيمية المجموعةَ الأولى من النظريات المنهجية عن «الآخر». ولاحقًا، تمثَّلت صورة «الآخر» تمثُّلات محورية في الإدراك الأوروبي، كالشرق والمستعمَر والنسويات ومثلي الجنس؛ إذ كانت تُعَدُّ تهديدات لقيم المجتمع الذي بات مُعقلَنًا وتقدميًّا ومتحضرًا آنذاك. وأتى القرن التاسع عشر، فارتسمت صورة «الآخر» باللون العلمي حينذاك، أعني «العِرق». لذا، ينصب التمحيص الموضوعي في بحثي هذا على التساؤل التالي: كيف مُثِّل هذا «الآخر» في شرائع علم الاجتماع الكلاسيكي؟ ولذلك أجري قراءة مُوجَزة ولكن عن كثب لنصوص مختارة كتبها علماء الاجتماع الكلاسيكيون الذين علَّقوا على الهند والشرق؛ إذ يُمثِّل هؤلاء المنظرون -وهم دوركهايم وويبر وماركس- ثالوث السوسيولوجيا الكلاسيكية.

وعلى ما سبق ذكره، أحاول في هذه الورقة تقديم مشاركة نقدية للنظرية الاجتماعية الكلاسيكية مستعينةً بمجال الدراسات البينية؛ بجمعٍ من علم الاجتماع والتاريخ والبحث المقارن عبر الثقافات. وآمل أن يساعد هذا النوع من المشاركة النقدية في بدء القراءة الارتدادية للشرائع الاجتماعية من قِبل علماء الاجتماع اليوم، والتي بدورها يمكن أن تُولِّد نظريات اجتماعية جديدة قادرة على فهم السياق الاجتماعي العالمي بدقَّة؛ فقد باتت الآن الحاجة إلى نموذج جديد لـ«علم الاجتماع العالمي» ملحةً على علماء الاجتماع الممارسين بعمق. فمثلًا، ابتكرت الرابطة الأمريكية لعلم الاجتماع قسم «علم الاجتماع العالمي العابر للقوميات» منذ عامي 2010 و2011 (الرابطة الأمريكية لعلم الاجتماع 2010)، وفي عام 2009، انخرطت الرابطة الدولية لعلم الاجتماع في قضية تحديات علم الاجتماع العالمي، وحدث ذلك في المؤتمر السنوي بـ"Taipei". وفي عام 2016، أنشأ عدد من الجامعات البحثية في كندا والولايات المتحدة الأمريكية مناصبَ وظيفية في مجال علم الاجتماع العالمي، حيث يُطلَب من المُرشَّح أن يكون لديه معرفة بالنظريات من الجنوب العالمي. فقد يبدو جليًّا أن الاستعداد الفكري لفهم تعقيد العالم الاجتماعي المُعولَم قد بدأ بالفعل داخل أروقة علم الاجتماع، بدلًا من علم الاجتماع المرتبط بالأمة، وبهذا فنحن نرسم الطريق لعلم اجتماع مُعولَم ومترابط. وهذه الورقة هي خطوة صغيرة نحو بناء أرضية لعلم الاجتماع العالمي؛ فالهدف منها هو جعل القرَّاء على دراية بخطوط الصدع الموجودة في شرائعنا الاجتماعية، بحيث يمكن للوعي أن يُولِّد طرقًا أفضل لتصوُّر خيال اجتماعي عالمي.

إنكار رضوانية المرأة الهندوسية عند دوركهايم:

تقدم دراسة «الانتحار» عند إميل دوركهايم ([1897] 1979) السوسيولوجيا العلمية والإيجابية بفرنسا في القرن التاسع عشر؛ إذ إن دراسة «الانتحار» أحد الأمثلة المبكرة لاستخدام الإمبريقية والأدوات الإحصائية والتحليل السببي في دراسة الظواهر الاجتماعية أو «الحقائق الاجتماعية». لن أناقش هنا الحجج الأساسية لدوركهايم بشأن سبب كون الانتحار حقيقة اجتماعية، أو سبب كون الشذوذ نتيجة غير مقصودة للحياة الاجتماعية الحديثة. فبدلًا من ذلك، ونظرًا إلى اهتمامي بتمثُّل «الآخر» في السوسيولوجيا الكلاسيكية، فسوف أجري قراءة دقيقة لفصل معين بعنوان «الانتحار الإيثاري»، حيث يُصنِّف دوركهايم «حالات انتحار النساء عند وفاة أزواجهن» أو الممارسة الهندوسية «الساتي»[2] كشكل من أشكال الانتحار الإيثاري. سأقتبس أولًا جزءًا مُطوَّلًا من كتاب «الانتحار»، ثم أقدم قراءتي التفكُّرية عن قراءة دوركهايم للساتي.

«هذه الممارسة البربرية للساتي متأصلة في العادات الهندوسية، وقد استمرت حتى إن جهود الإنجليز في دحضها لم يكن من ورائها طائل. ففي عام 1817، قتلت 706 أرامل أنفسهن في مقاطعة واحدة هي ولاية البنغال […] والواقع أن الإنسان حينما ينتحر في جميع هذه الحالات فليس لأنه يملك الحق في الانتحار، بل لأن الانتحار -وهذا وجه الخلاف- واجب عليه. فالانتحار الإيثاري يحدث حتى عندما يقتل الفرد نفسه لمجرد فرحة التضحية، لأنه بلا سبب معين، فإن التخلي في حد ذاته يُعَدُّ أمرًا يستحق الثناء والمدح الاجتماعي. فالهند هي التربة الكلاسيكية لهذا النوع من الانتحار. […] إن التفكير في أن على المرء أن يسعى للهروب من الوجود هو ركيزة في روح العقيدة الهندوسية ومتوافق تمامًا مع تطلُّعات المزاج الهندوسي […] فإذا كان الانتحار جوهر وحدة الوجود فهو إنكار جذري إلى حد ما لكل الفردية الشخصية. فمن الطبيعي حينئذٍ أن يكون الفرد أقل حماية حيال المقتضيات الجمعية، وأن المجتمع لن يتردد لأقل سبب في أن يطلب منه أن يضع حدًّا لحياته التي يعدُّها شيئًا تافهًا لا قيمة له (دوركهايم [1897] 1979: 219، 223، 227) (الترجمة العربية 267: 270).

صنَّف دوركهايم «الساتي» كشكل من أشكال «الانتحار الإيثاري الإجباري»؛ فقد كان يفهمه على أنه واجب اجتماعي، أما الانتحار الصوفي بين المؤمنين بوحدة الوجود فعدَّه «انتحارًا إيثاريًّا حادًّا». ولن أدع نقدي ها هنا يتورط في تصنيف دوركهايم للمجتمعات على أنها «بدائية» و«أقل»؛ لأن هذه الممارسة التصنيفية تكاد تكون معتادة للوسط الفكري في أوروبا بالقرن التاسع عشر. ولكن الأمر الأكثر لفتًا للنظر هو نوع البحث «العلمي» الذي يُشكِّل العمود الفقري لحجج دوركهايم. سنناقش معًا بالأساس مدى ضعف تحليل دوركهايم -المستنير تاريخيًّا واجتماعيًّا- عندما يتعلق الأمر بالتعليق على مجتمعات «النظام الأدنى». وبالتأكيد -كما يرى بعض مؤرخي جنوب آسيا- هذه الطريقة في التعليق على «غير أوروبا» تُمثِّل نوعًا من إحجام الفهم (لا يمكن تفسيره) من جانب علماء الاجتماع والعلماء الأوروبيين المعاصرين. وهو جزء لا يتجزأ من الخطاب الاستعماري -خصوصًا في الهند- أعاده دوركهايم ثانيةً.

بدايةً: سأقوم بمنعطف قصير وأنظر إلى تاريخ أصل ممارسة الساتي؛ إذ إنها غارقة في الجدل التأويلي اللغوي؛ فعلماء اللغة السنسكريتية يجادلون بأنه خطأً -عن قصد أو بلا قصد- تُوافِق كلمة "O Agni" (في مقدمة الكتاب المقدس البراهماني) كلمات agne) i، أو Fire)، وتعني النار في ترنيمة "RigVeda"، وبذلك يستشهد أنصار الساتي في القرن الثامن (براهما بورانا ومعلق أباراكا على Yajnavalkyasmriti) بترنيمة "RigVedic" بشكل مُشوَّه كدليل على القول المأثور القديم عن الساتي (Bose 2000: 24). ومن المثير للدهشة أن الخطأ قد استمر حتى أثَّر على بعض أعظم علماء الهنديات في القرن التاسع عشر، مثل «ماكس مولر» و«إتش إتش ويلسون»، اللذين خلُصا إلى أن الساتي كان يُمارَس في الفترة الفيدية. ولكن الساتي جزء من الاضطهاد المنهجي للمرأة، وقد كان واقعًا اجتماعيًّا لفترة ما بعد الفيدية. وبحلول أواخر العصور الوسطى، تُقبِّلت ظاهرة الساتي بين الطبقات العليا (الخاصة من البراهمة) في كثير من المناطق، وغالبًا ما شجَّعتها السلطات الدينية الذكورية. ولكن حتى خلال هذا الوقت وكذلك في وقت لاحق خلال فترة المغول، غالبًا ما ثبَّط كلٌّ من الحكام المسلمين والهندوس هذه الممارسة، وقد وجدنا أدلة مُسجَّلة على ذلك. (Weinberger-Thomas 1999)

وفي أواخر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، ازدادت نسبة الساتي، خصوصًا بين الطبقات العليا (الأعلى ماديًّا بين أرامل البراهمة)[3] في البنغال ومهاراشترا. ففي حالة البنغال، فإن ممارسة الساتي تدحض قانون الميراث ديابهاغا؛ تعليق بواسطة (Yajnavalkyasmriti Bose 2000). فوفقًا لهذا القانون، يمكن للأرامل الهندوس من الطبقة العليا[4] أن يرثن ممتلكات أزواجهن كليًّا أو جزئيًّا. وهذا التقليد يعني ضمنيًّا حرمان أفراد الأسرة الآخرين أو تجزئة الملكية، فبالإضافة إلى تلك القوة الاقتصادية للأرامل إن ظللن على قيد الحياة، فإن ذلك القانون أيضًا يتعارض مع الهيكل الاجتماعي الأبوي الذي يغلب عليه الطابع الزراعي؛ فقد كان حجز الملكية لسلالة الذكور عن طريق الاستحقاق هو الأعم، وفقًا لشاكرافارتي (2003)، لذلك فإن ممارسات مثل الساتي أو الترمُّل الزاهد هي رموز ثقافية للنظام الأبوي في الهند، وهو «نظام أبوي براهماني» بوضوح.

تسترشد هذه البنية الفريدة للسلطة الأبوية بمجموعة من القواعد والقوى الاجتماعية التي تتشابك فيها الطبقة والجنس، ويشكل كلٌّ منهما الآخر، وعمومًا تلعب النساء دورًا حاسمًا في الحفاظ على الحدود بين الطوائف. يختلف الأمر في الهند؛ فقد شكلت القواعد (مثل زواج الأقارب الطبقي والترمُّل الزاهد) أمرًا أيديولوجيًّا للطبقات العليا على وجه الخصوص، مما يجعل حدوث الساتي نادرًا بين الطبقات الدنيا التي كانت ولا تزال أكبر مُكوِّن من السكان الهندوس. وأيضًا، تُظهِر القواعد المتعلقة بالزواج والنشاط الجنسي (على سبيل المثال: حظر الزواج مرة أخرى لأرامل الطبقة العليا في أحد طرفيه، وأحيانًا، التعايش القسري لرجال الطبقة العليا مع نساء الطبقة الدنيا في الطرف الآخر)، وذلك يعني أن الطبقة، والجنس، واستيلاء الطبقات العليا على عمل الطبقات الدنيا، كلها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا (Chakravarti 2003: 34).

ثانيًا: يتجاهل دوركهايم التاريخ والحقائق عندما ينظر بانتقائية إلى جهود القرن التاسع عشر للقضاء على الساتي باعتبارها جهودًا «إنجليزية» محضة. فأولًا في هذه الفترة، جاءت محاولات القضاء على الساتي أيضًا من المثقفين «الأصليين»، مثل رامموهون روي. وبالإضافة إلى ذلك، اتبعت الإدارة الاستعمارية البريطانية في الهند «سياسة يقظة» تنص على: «عدم التدخل بشكل مستقل في الممارسات الدينية والاجتماعية المحلية». فقد كانت الإدارة الاستعمارية حذرة من إثارة أشكال من القومية التخريبية. كما تضمن دخول قانون «إلغاء الساتي» لعام 1829، الذي أصدره اللورد ويليام بنتينك، إلى حيز التنفيذ بسبب جهود المثقفين الأصليين إلى حد كبير. كما قد نُشِر كُتيِّبي رامموهون روي الأول والثاني عن الساتي في عامي 1818 و1819 على التوالي. وقد كانت طبيعة هجوم روي على الساتي في هذه الكتابات انفصالًا واضحًا عن التقاليد؛ فقد شكَّك جذريًّا في الكتب المقدسة الهندوسية (شاسترا، سمريتيس، سروتيس) وأثبت إدراكه للبنى الاجتماعية التي تعمل على إخضاع الأنثى. ومثالًا على ذلك: بنى روي الكثير من حججه ضد الساتي وكراهية النساء على الأسباب والأخلاق الاجتماعية المُستمَدَّة من التجربة الإنسانية (Abhigataa)، والإدراك الحسي المباشر مثل الملاحظة (Guha 2010: 20 21). ومع ذلك، أظهر نقده أيضًا بعض التناقض؛ إذ أشاد بالترمُّل الزاهد، فيما قد تحدَّى لاحقًا الحركة الاجتماعية الناشئة لـ«زواج الأرامل» بين الطبقات العليا في البنغال (Sarkar 1994).

ثالثًا: تشير الأوراق البرلمانية (لـWalter Ewer 1821) عن أرامل الهندوس إلى وجود حالات لا حصر لها في هذه الفترة قاومت فيها الأرامل فعل ذلك، ولكن غالبًا ما أُجبِرن على «ارتكاب» الساتي (في Mani 1993: 92 93). ومن ثم فإن مقدار الإيثار، الذي يمكن أن يُعزى إلى ممارسة الساتي، أمر محل جدل وخلاف وليس كما يزعم دوركهايم. ولذلك فإن تفسير دوركهايم للساتي يعكس الممارسات الاستشراقية، ولا شك إذن أن دوركهايم أهمل تاريخ ظاهرة الساتي وسوسيولوجيتها، وكان طوعيًّا له فعل ذلك. أيضًا، يتغافل دوركهايم تمامًا حدوث أي قسر للأرامل السبايا؛ لأنه لا ينظر إليهن بمعايشتهن، فلا يرى أنهن ضحايا أبنية اجتماعية ودينية ملتزمة بالتقاليد وليس لديهن أي صوت للمقاومة.

والأهم من ذلك، وجود مشكلة تحليلية في تصنيف دوركهايم للساتي على أنه «انتحار إيثاري». فنظرًا إلى الواقع الاجتماعي الجنساني الذي كان يعلق عليه، يمكن تصنيف الساتي في بعض الحالات على أنه «انتحار قاتل»[5]، وفقًا لتصنيف دوركهايم للانتحار. فالانتحار القاتل -وفقًا لدوركهايم- يحدث بسبب تجاوز الأعراف الاجتماعية والقيود. لم يتعامل دوركهايم بتكثيف مع هذا النوع من الانتحار، باستثناء حاشية في كتابه «الانتحار». ولاحظ أنه عندما تُفرَض اللوائح المفرطة على الناس فقد يشعرون أن حياتهم لن تسوقهم إلى حل ناجع أفضل من الانتحار؛ فالمرء حينئذ يُضحِي بائسًا من جميع أشكال الانضباط المفروضة عليه ويكون لديه شعور اجتماعي قوي بانعدام القيمة؛ فقد كان على أرملة من الطبقة العليا 7 في البنغال أن تخضع لأنظمة قاسية للغاية من القيود الغذائية، وتجنُّب الجماليات الجسدية والاحتفالات الاجتماعية، والامتناع عن ممارسة الجنس، والتديُّن المفرط، وعدد لا يُحصى من العادات غير الإنسانية التي تُذكِّرها باستمرار بوضعها «المشؤوم». وبذلك فليس من المُستغرَب أن تختار بعض الأرامل فعل «الساتي» كطريقة للخروج من هذا الوجود المفرط في الانضباط والقمع. ويمكننا العثور على الدليل على ذلك في بعض اليوميات التي تركتها الأرامل المتعلمات في هذه الفترة. على سبيل المثال، تصف مفكرة تحتفظ بها امرأة من ماهاراشترا بالتفصيل توابع ترمُّلها:

«من المعتاد أن تأكل الأرملة مرة واحدة فقط في اليوم لمدة عام بعد وفاة زوجها […]. والمرأة التي مات زوجها مثل الجثة الحية […] ليس لها أي حقوق في المنزل […] يموت الآلاف من الأرامل بعد وفاة الزوج. ولكن أكثر من ذلك بكثير سيعانين من مصير أسوأ طوال حياتهن إذا بقين على قيد الحياة». (Tharu and Lalitha 1991: 358 63)

كانت حياة الأرملة في هذه الفترة مشوبة بالأنظمة الاجتماعية الضاغطة وإنكار الذات البشرية الفردية. فإذا لم يُنظَر إلى إنهاء الحياة على أنه هزيمة وخضوع كامل لرغبة أبوية، فيمكن القول إن الأرامل، اللائي قرَّرن بوعي الهروب من وجودهن اللاإنساني من خلال الساتي، كن في الواقع يستعدن ذواتهن ضمن حدود ذلك الهيكل الأبوي القمعي. فتبطل حينئذ مناقشة دوركهايم بشأن «الانتحار الإيثاري الحاد» بقوله:

«إن التفكير في أن على المرء أن يسعى للهروب من الوجود هو ركيزة في روح العقيدة الهندوسية ومتوافق تمامًا مع تطلُّعات المزاج الهندوسي […] فإذا كان الانتحار جوهر وحدة الوجود فهو إنكار جذري إلى حد ما لكل الفردية الشخصية. فمن الطبيعي حينئذ أن يكون الفرد أقل حماية حيال المقتضيات الجمعية، وأن المجتمع لن يتردد لأقل سبب في أن يطلب منه أن يضع حدًّا لحياته التي يعدُّها شيئًا تافهًا لا قيمة له» (دوركهايم [1897] 1979: 219، 223، 227).

كما أن ذلك أيضًا مثال على مزية الكتاب المقدس الهندوسي البرهماني، كخطاب للنخبة وممارساتها؛ فهو مفتاح لفهم متعمق للاستعمار البريطاني للمجتمع الهندي؛ إذ رأى المسؤولون البريطانيون وعلماء الهنود أنفسهم حينئذ على أنهم يُحيون تقليدًا قديمًا يعتمد فقط على الكتب المقدسة البرهمانية. فالاتجاه البراهماني (Kosambi 1985) في الخطاب الاستعماري قد تغافل تعقُّد الواقع الاجتماعي الهندي وتنوُّعه الذي يعتريه كثير من الاختلافات الإقليمية واللغوية والدينية والطائفية والقومية التي أُنشِئت لتحويل الثقافة والمجتمع الهندي إلى «الرؤية النفقية»[6].

 

خطاب «في الغرب وحده» عند ويبر "Weber":

وبانتقالنا الآن إلى ماكس ويبر "Weber"، فإن الأطروحة الأساسية لأعظم إبداعاته (الأخلاق البروتستانتية و«روح» الرأسمالية) ([1905] 2002]]) (يُشار إليها في المقال في ما بعد بالرمز PESC) هي كيف يتولَّد مركب ثقافي من الطائفة الدينية؟ ومن المفارقات الجديرة بالذكر هنا أن البروتستانتية الكالفينية[7] بينها وبين الثقافة العلمانية الرأسمالية انجذاب طوعي؛ فقد انصبَّ تركيز لوثر على عقيدة (sola fides)[8] أي «الخلاص بالإيمان وحده»، فأولى اهتمامه بالإيمان الفردي للخلاص، ممَّا أوضح تناقُض دعوته مع الكنيسة الكاثوليكية؛ إذ ترتكز عقيدتها على النمط الجماعي التنظيمي للخلاص في (Ecclesiam nulla salus)[9] أي «لا خلاص خارج الكنيسة». فيما ترى البروتستانتية أن الإيمان والخلاص المتمركزين حول الفرد يمكن العثور عليهما في دعوة دنيوية في ارتياد «مهنة» تستلزم أخلاقيات عمل منضبطة، إضافةً إلى الاقتصاد وتراكم رأس المال الأخلاقي (لتصير «الشخص المختار») من خلال الازدهار الاقتصادي، فيُنظَر إلى الثروة بشكل فريد ومغاير على أنها عنصر فضيلة. وفي هذا يستفيد ويبر "Weber" من الخطب الشعبية لكاهن الرعية البروتستانتية، ريتشارد باكستر:

«في هذا العالم، علينا أن نحمل دعوتنا بكل عزم؛ فإن الملائكة هم فقط الباقون، أما أنت فلا يمكنك الراحة إلا في العالم التالي فقط. وما هو مُستهجَن حقًّا أن تتحايل على ممتلكات الآخر […] [أ] فإن العمل فقط وفقًا لإرادة الرب المُعلَنة بشكل لا عوج فيه، وليس الكسل والتساهل، هو الذي يعمل على تعظيم مجد الرب» ([1905] 2002: 106).

فبالنسبة إلى ويبر "Weber"، قدمت الأخلاق البروتستانتية المحتوى الثقافي (قيم الفردانية والحافز والإنجاز) إلى الرأسمالية الحديثة المبكرة. وهذا بدوره أعطى دفعة لعقلنة الحياة المتزايدة في الحداثة الغربية آنذاك.

ومن منظور أوسع، فإن "PESC" هي أطروحة تناقش تشكُّل الحداثة العقلانية والأداتية من مركب ديني ثقافي فريد في أوروبا الغربية. ومن ثم فإن مكانة ويبر "Weber" ظلت راسخة ضمن بنية السوسيولوجيا الأوروبية الكلاسيكية؛ فهو الذي اهتم على نحو واسع بالسمات المميزة للمجتمع الأوروبي الحديث. بيد أن هذا الاهتمام قامت به شخصيات بارزة أخرى مثل كونت ودوركهايم. لكن ما يجعل ويبر "Weber" مختلفًا بشكل أفضل في هذا الاهتمام أمرين رئيسيين، أولهما انبثاق فضوله الفكري مواكبًا لظهور العقلانية العلمية الحديثة (الإمبريقية، والإحصائية، والبيروقراطية، وما شابه) في أوروبا، وثانيهما جهوده لفهم هذه العقلانية عبر التكوينات الاجتماعية من منظور مقارن مع «غير الغربي».

وقد ذكَّر ويبر "Weber" في أطروحته "PESC" «الملاحظات الأولية للمقالات المُجمَّعة في علم اجتماع الدين» بمقاله الأول، وأشار إليه بعد ذلك داخل النص بعبارة «المقال التمهيدي/ توطئة». وقد يبدو للقارئ أنه أقل أهمية مقارنة بالمقالين الرئيسيين في النص، لكن هذا المقال يتعلق بالسعي الفكري الجوهري لويبر "Weber": «ما الذي يميز العقلانية الغربية؟»، كما أنه يوفر الأساس المنطقي لمشروعه اللاحق بشأن علم الاجتماع المقارن لأديان العالم؛ إذ يطرح إشكالية ما طبيعة العلاقة بين الأديان والتصرفات العقلية ومن ثم الأفعال الاجتماعية لمعتقدي تلك الأديان. وعلى وجه التحديد، كان ويبر مهتمًّا بفهم الأخلاق الاقتصادية لأديان العالم. ومن هنا، يتأتى اهتمامه بالتركيز على أنه في الغرب «المشروعات الرأسمالية والابتكارات العلمية لها علاقات متبادلة، ولكن صعود العلم الغربي لم تُحدِّده المصلحة الرأسمالية وحدها» (Weber [1905] 2002: 364). فهنا يلاحظ ويبر أنه على الرغم من إمكانية العثور على الاختراعات العلمية في مجتمعات ما قبل الرأسمالية (غير الغربية)، فإنه «فقط» في الغرب سُخِّرت تلك الاختراعات «نفعيةً» لخدمة المشروع الرأسمالي.

 

بدايةً: سأُحدِّد بعض المشكلات المنهجية التي أجدها إشكالية في المقال التمهيدي/ التوطئة، والتي كانت نقطة انطلاق ويبر «أولًا في أوروبا ثم في أي مكان آخر» واصطلاح «فقط في الغرب» كان مجرد حشو، وحيث أن المركزية الأوروبية تأسيسية في هذا النوع من الخطاب التاريخي (تشاكرابارتي 2000). إلى جانب ذلك، يفترض ويبر أن التطور التاريخي ذو طابع داخلي أممي. لكن، اسمحوا لي أولًا أن أقتبس من ويبر بشيء من التفصيل:

«فقط في الغرب توجد «علوم» في مرحلة التطوُّر التي نعترف بها اليوم كونها «نافذة» ذات صلاحية وفاعلية […] يجب أن يُنسَب التطوُّر الكامل لعلم اللاهوت النظامي إلى المسيحية […] إذ لم يكُن في الإسلام وفي عدد قليل من الطوائف الهندية إلا مجرد مبادرات لذلك فحسب […] وافتقر التأريخ الصيني المتطوُّر للغاية إلى المنهج المُسمَّى على (المؤرخ الإغريقي) ثيوقديداس […] كما أعوز الفكر السياسي الهندي الكثير والكثير […] مصطلحات ومفاهيم عقلانية […] أما عن منشأ [العقلاني] فقد عُرِف لدينا تفاعل وتناغم مجموعة وفيرة من الآلات … فنحن نمتلك أوركسترا […] لدينا سوناتات، سيمفونيات، أوبرا […] كل هذه الأشياء معروفة فقط في الغرب […] [إن] المشرق يفتقر […] هذا النوع من الترشيد الكلاسيكي لكل الفنون […] التي خلقها لنا عصر النهضة». (ويبر 2002: 356 58) (الترجمة العربية، 2015، 15: 18)

بهذه الاقتباسات، غالبًا ما يقارن ويبر بين أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، بعلومها وفنونها، وبين الحضارات القديمة غير الأوروبية. ونلاحظ عند ويبر أيضًا ميل إلى تحديد أممي مُوحَّد وذلك نقيض لرؤية النشوء العالمي للحداثة الرأسمالية المتشتت بطبعه، وذلك ينم أيضًا على نظرة شمولية «الغرب» لدى ويبر، ومن ناحية أخرى فها هنا تم بناء «الغرب» كحضارة، وذلك فهم غير مادي «للغرب» والحداثة. فيُعَدُّ ذلك في المقام الأول نوعًا من التحايل الثقافي، يناقش ذلك بالتفصيل الفرضية الاجتماعية - التاريخية لتلك الحداثة، كما لاحظ فريدريك جيمسون: (Lazarus 2002: 45)

«إن كمال الآلية الكبرى للرأسمالية (بما في ذلك صناعتها) ليست حصرًا مزية قومية لدى الأوروبيين الشماليين البيض (وغالبًا البروتستانت): إنها تضافر للكثير من الظروف والهياكل التاريخية (أو معاملات الاحتمال)، والتي يجب أن ترى كعامل ضمن عوامل كثيرة مثال «التربويين» الذين بحكم التعريف هم أنفسهم «قد أُعيد تعليمهم» بالفعل، لأن الرأسمالية تنتج وتُطوِّر الإنسان البشري أيضًا من بين التقنيات الأخرى؛ فهو المنوط بإنجاز «العمل المنتج»[10]». (productive labor تـ1992: 38182)

ثانيًا: تستند حجج ويبر إلى المصادر النصية لأديان العالم فقط دون النظر الى الجوانب الظاهراتية للدين ولا الممارسات الدينية الاجتماعية، وهذا درب منهجي مجازف للتعليق على الواقع الاجتماعي المعيش للفعل الاقتصادي المتأثر بالأخلاق الدينية. وإلى جانب ذلك، في حالة الهندوسية، لا يوجد نص إلزامي كما هو موجود في اليهودية والإسلام والمسيحية. ومن أجل الإنصاف، فإن "Bhagavad Gita"[11] أو "The Upanishads" سيكون له أعظم الأثر في تشكيل التصرفات العقلية الهندوسية والأخلاق الاقتصادية اللاحقة على الاعتقاد به، وهو نسخة النخبة (البراهمانية) من الهندوسية، والأهم من ذلك المزية السابقة الذكر أن الكتب المقدسة البراهمانية -كخطاب للنخبة وممارساتها- مفتاح فهم متعمق للاستعمار البريطاني للمجتمع الهندي في القرن التاسع عشر؛ فقد ظهرت معادلة الخطاب الاستعماري للتقاليد «الهندية أو الهندوسية» مع الكتب المقدسة البراهمانية نتيجةً لعملية تفاعل معقدة بين المستعمرين و«السكان الأصليين» المختارين من قِبل المستعمرين (Cohn 1996، Dirks 2001). ومع ذلك، كان لهذا التفاعل أيضًا بُعد قوة؛ إذ كان من الواضح أن المسؤولين الاستعماريين البريطانيين لديهم سلطة على السكان الأصليين المعنيين (Mani 1993). وفي الوقت نفسه، من المهم أن نلاحظ أن ويبر يُثار حوله بعض الشكوك بشأن حقيقة أن تعليقاته في هذا المقال تستند إلى نصوص مترجمة، وغالبًا ما كانت تلك الترجمات موضع نزاع ([1905] 2002: 367). كما أنه -خلال فترة بحث ويبر- ظهرت الداروينية والداروينية الاجتماعية كواحد من أعظم الإنجازات العلمية في أوروبا. تقترب بعض الآراء التي عبَّر عنها ويبر في هذا المقال من التشابه مع علم الأحياء الاجتماعي العنصري، على الرغم من أن نهج ويبر في مسألة «كيف يؤثر العرق في الوراثة» حذر للغاية؛ إذ يُصرِّح:

«حيثما وجدنا مرارًا وتكرارًا […] اتجاهات مُعمَّقة للعقلنة تنمو في الغرب وبه فقط، فستذهب أذهاننا إلى افتراض منطقي، وهو أن الصفات الوراثية هي العامل الرئيسي هنا. ويعترف المؤلف بأنه يميل شخصيًّا وذاتيًّا إلى تقييم أهمية الوراثة البيولوجية بدرجة عالية جدًّا. ومع ذلك، وعلى الرغم من الإنجازات الهامة لعلماء الأنثروبولوجيا، فلا يمكنني في الوقت الحالي أن أرى ذلك دربًا يُحتذى حتى بالتعويل على الدور الذي يلعبه تطوير ذلك وتفعيلاته ها هنا […]. فيجب أن تكون إحدى مهام العمل البحثي الاجتماعي والتاريخي تمحيص تلك الآراء أولًا … فستؤتي ثمارًا تلك التأثيراتُ والاستنتاجات السببية … بالرجوع إلى […] بيئة المرء الاجتماعية. عندها فقط يمكن ذلك […] فإن دراسة علم الأعصاب المقارن وسيكولوجيا العِرق[12] تطوَّرا إلى حد عظيم أبعد من تصوُّر المراحل الحالية (وهي بعض الحالات الواعدة للغاية)، فربما حينئذ نكون قادرين على الأمل في الحصول على نتائج مرضية ذات صلة بمشكلتنا تلك». ([1905] 2002: 369 [التأكيد بالخط العريض(الأحمر)]

واسمحوا لي الآن أن أنهي نقاشي عن ويبر بطرح التساؤل التالي: هل أطروحة ويبر عن الدين والأخلاق الاقتصادية والعمل ذات صلة هنا والآن؟ عندما تعمل الرأسمالية المُعولَمة عبر حدود الدولة القومية وتشمل الجهات الفاعلة الاقتصادية التي تشترك في كثير من الأحيان مع غير البروتستانت وغير المسيحي أصلًا وتمتزج بالديانات الغربية عنهم مثل الكونفوشيوسية والطاوية والبوذية والهندوسية والجاينية، إنني أشير هنا إلى النجاح الكبير للرأسمالية في بلدان مثل اليابان والهند والصين وكوريا الجنوبية. وفي البحث عن إجابة لهذا السؤال، دعونا لا ننسى أن الموقف العلماني أو الأخلاق الاقتصادية للأديان الثلاثة الأخيرة يفهمه ويبر على أنه «تعديل سلبي» و«تأمل سلبي» على عكس «إتقان مؤثر» للأخلاق البروتستانتية. ويبدو أن السؤال الأكثر أهميةً اليوم: متى وجدت العاصمة العالمية «موطنًا شرقيًّا» بعيدًا عن «منزلها الغربي»؟ على سبيل المثال؛ مجلة "Business Week"، التي وُزِّعت بكثافة بتاريخ 30 أكتوبر 2006، تحمل تقريرًا خاصًّا بعنوان "Karma Capitalism"، وتناقش إذا ما كان "The Bhagavad Gita" (نص مقدس هندوسي) قد حلَّ محل كتاب «فن الحرب» كنص بنيوي شرقي قديم وجديد في آن واحد (Engardio 2006). هل هذا التقرير الخاص له وقع مع المكانة الجيدة لشركات البرمجيات الهندية في بورصة «ناسداك» أو حقيقة أن الهند قد شهدت معدل نمو اقتصادي بنسبة ثمانية إلى عشرة بالمئة على مدى السنوات القليلة الماضية؟ ممَّا لا شك فيه ومن الضروري أن نجد منصة نظرية أكثر مادية وتاريخانية لبدء السعي الفكري لـ«روح» الرأسمالية العالمية النيوليبرالية المعاصرة.

إهمال سيرورة/ اطِّراد ما قبل الحداثة عند ماركس:

قد يبدو أن الفهم المادي للتاريخ البشري وللمجتمع الرأسمالي مُؤيَّد من كارل ماركس، وهو الشخصية الثالثة في ثالوث السوسيولوجيا الكلاسيكية. فقد صاغ ماركس نظرية كبرى وعولمية للتاريخ والتطور الاجتماعي؛ نظرية المادية التاريخية عبر نقد المثالية الألمانية. فبالنسبة إلى ماركس، المجتمع الرأسمالي غير مسبوق بسبب طبيعة تشكُّل الطبقة البرجوازية المهيمنة:

«لا يمكن للبرجوازية أن توجد دون إحداث ثورة مستمرة في أدوات الإنتاج […] فالحاجة تطارد السوق إلى التوسُّع باستمرار، [هي] تنتشر على سطح الكرة الأرضية […]. [هي]، من خلال استغلالها للسوق العالمية، أعطت طابعًا كوزموبوليتانيًّا للإنتاج والاستهلاك في كل دولة». (Marx 2003: 128)

فعند ماركس، كان هذا الدور الثوري للبرجوازية مفيدًا، خصوصًا في السياق الاستعماري. وكما قال ماركس: «يمكن للبرجوازية الأوروبية أن تجتذب «كل» الدول حتى أكثرها بربرية إلى الحضارة […] فمثلما جعلت بلادها تعتمد على المدينة، جعلت البلدان البربرية أو شبه البربرية تعتمد على الدول المتحضرة، […] الشرق في الغرب» (2003: 129). وكذلك يُفهَم الاستعمار الأوروبي على أنه أداة غير واعية للتاريخ، الأداة التي ستدفع المستعمرات في طريق التطور الرأسمالي والحضارة الحديثة. ماركس هنا هو بالفعل مدافع عن الإمبراطورية؛ لأن الاستعمار في الحالة الأخيرة يحمل ثمارًا حلوة لنمط إنتاج أعلى وحضارة متفوقة. ومع ذلك، لا يعني هذا أنه غير مدرك أو غير رافض للوحشية التي أطلقها الحكم الاستعماري في الهند.

«ومع ذلك، لا يمكن أن يبقى هناك أي شك أن البؤس الذي تسبب به البريطانيون في الهند هو نوع مختلف جوهريًّا وأكثر كثافة بشكل لا نهائي ممَّا عاناه كل الهنديين من قبل […] لقد حطمت إنجلترا الإطار الصلب للمجتمع الهندي، دون ظهور أي أعراض لإعادة البناء حتى الآن. هذه الخسارة لعالمه القديم، مع عدم وجود مكاسب لعالم جديد، تضفي نوعًا خاصًّا من الكآبة والبؤس على الهنود، وتفصل الهند، التي تحكمها بريطانيا، عن كل تقاليدها القديمة، وعن ماضيها وتاريخها بأكمله. […] فقد كان الدخيل البريطاني هو الذي حطَّم النول اليدوي الهندي ودمَّر عجلة الغزل. وحينها بدأت إنجلترا بطرد الأقطان الهندية من السوق الأوروبية. ثم أدخلت تطوُّرًا في الهند، وفي النهاية أُغرِقت البلد الأم للقطن بالقطن. ومن عام 1818 إلى عام 1836، ارتفع تصدير تويست من بريطانيا العظمى إلى الهند بنسبة 1 إلى 5200. في عام 1824، وبلغت صادرات موسلين البريطانية إلى الهند بالكاد مليون ياردة، بينما في عام 1837 تجاوزت 64 مليون ياردة. ولكن في الوقت نفسه انخفض عدد سكان دكا من 150 ألف نسمة إلى 20 ألف نسمة […] صحيح أن إنجلترا -في إحداث ثورة اجتماعية في الهند- كانت مدفوعة فقط بالمصالح الشريرة، وكانت غبية في أسلوب فرضها، لكن هذا ليس السؤال. السؤال هو: هل يمكن للبشرية أن تُحقِّق مصيرها دون ثورة لازمة للتغيير في الوضع الاجتماعي الآسيوي؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فمهما كانت جرائم إنجلترا، فقد كانت أداة التاريخ اللاواعية في إحداث تلك الثورة اللازمة». (ماركس 1853)

فلم يكن وعي ماركس بوحشية الحكم الاستعماري في الهند لينوء به عن الطبيعة الموضوعية لنظريته في التاريخ «[استعمار الهند] […] كانت مدفوعة فقط بالمصالح الشريرة، […] مهما كانت جرائم إنجلترا، فقد كانت الأداة اللاواعية للتاريخ في إحداث تلك الثورة» (1853 أ). يمضي ماركس في اقتباس مواطنه الألماني جوته: «هل ينبغي لهذا التعذيب أن يعذبنا لأنه يجلب لنا متعة أكبر؟» (1853 أ). من بين علماء الاجتماع الكلاسيكيين، كان ماركس هو أكثر النقاد حدة وأعظم محارب للرأسمالية؛ ففي نظريته التاريخية للتقدم الاجتماعي، يمكن لنمط الإنتاج الرأسمالي -سواء عبر أبواب الثورة (على سبيل المثال فرنسا) أو الاستعمار (على سبيل المثال الهند)- أن يشرع في مرحلة «أعلى» من التكوين الاجتماعي والتاريخ. هنا علينا أن نتذكر أن ماركس يدرس العلاقة الاجتماعية الرأسمالية في مجملها، حيث كل جزء من مكوناتها، أي قيمة الاستخدام، وقيمة التبادل، وقيمة السلع، هو ما يغير باستمرار العلاقات الاجتماعية والطبيعية. جاء البريطانيون إلى الهند لإدراك قيمة رأس المال؛ بحثًا عن توسيع السوق لمزيد من تراكم رأس المال.

يخبرنا ماركس بأنه «يتعين على إنجلترا إنجاز مهمة مزدوجة في الهند: واحدة مدمرة، والأخرى تجديد تدمير المجتمع الآسيوي القديم، وإرساء الأسس المادية للمجتمع الغربي في آسيا» (1853 b). بالنسبة إلى ماركس، نمط الإنتاج (الرأسمالي) المتقدم في إنجلترا هو علامة حضارتها المتفوقة، مع اقتناع قوي بالفهم التاريخي للتقدم، فهو لا ينتبه إلى وجود التناقضات والمقاومات والعناصر التقدمية في التكوين الاجتماعي قبل الحداثة وما قبل الاستعمار في الهند. فغالبًا ما يتساوى لديه «النمط الأعلى للإنتاج» مع «الحضارة الأعلى». إن الحضارة لدى ماركس هي تحوُّل الطبيعة عن طريق العمل البشري؛ إذ لا تتعلق عملية العمل فقط بالمحددات الاقتصادية للحياة، ولكن أيضًا «بوحدة القوى المنتجة والعلاقات الاجتماعية والمفاهيم الذهنية للعالم» (Harvey 1982: 102). يجادل ماركس «في اكتسابهم لقوى إنتاجية جديدة، يغير الرجال نمط إنتاجهم؛ وفي تغيير أسلوب إنتاجهم … يغيرون كل علاقاتهم الاجتماعية» (Harvey 1982: 103). هذان النقلان يُدرِج فيهما ديفيد هارفي المفاهيم الذهنية للعالم بهذا التحول في العلاقات الاجتماعية.

لقد كان نمط الإنتاج قبل الاستعمار في الهند أدنى نسبيًّا من الرأسمالية الصناعية البريطانية حقًّا. لكن ماركس فشل تمامًا في تصوُّر إذا ما كان اقتصاد القرية ومكوناته في الهند قبل الاستعمار لديه القدرة على تحويل نفسه إلى اقتصاد سلعي كامل دون التدخل الاستعماري البريطاني! إنه لا يتعامل مع هذا السؤال حتى على مستوى الفرضية، وهو ما يفعله في حالة المجموعات الزراعية الروسية على صعيد آخر. وبذلك المعنى، يتضح أن في ملاحظات ماركس عن الهند اختزالًا اقتصاديًّا.

ويتجلى الاختزال الاقتصادي في كتابات ماركس عن استعمار «الآخر». «كان البريطانيون هم أول الغزاة المتفوقين/ السباقين، ومن ثم تعذَّر الوصول إلى الحضارة الهندوسية» (ماركس 1853). وهكذا ينفي ماركس إمكانية التأثير المتبادل بين إنجلترا والهند؛ فالشأن الاستعماري تُنفِّذه وكالة الاستعمار البريطانية المتفوقة. ينظر ماركس إلى الهند على أنها «مجتمع سلبي لا يقاوم ولا يتغير» (ماركس 1853 ب). وقد تحدَّت الثورة الهندية عام 1857 وسم المجتمع الهندي بأنه «غير مقاوم». في خطاب أرسله ماركس عام 1857 إلى صحيفة «نيويورك ديلي تريبيون»، انتقد عنف السيبوي[13] الهندي ووصفه بأنه «مروع، بشع، لا يوصف». ومع ذلك، فسَّر احتمالية الدفاع الشرعي الذاتي أنها أشبه بالمستحيل من خلال التأكيد على أن أفعال أفراد الشرطة ليست سوى «رد الفعل، في شكل مُركَّز» لسلوك إنجلترا في الهند (ماركس 1857).

 يشير ماركس في عدد من كتاباته إلى تميُّز أسلوب الإنتاج في الشرق بنمط الإنتاج الآسيوي (AMP)، حيث لا توجد ملكية خاصة مملوكة للأفراد في الأرض؛ هناك حيازة جماعية للأراضي المملوكة للدولة ومجتمعات قروية ثابتة ومستقرة ومكتفية ذاتيًّا، وكذلك رآها مرتكزات للإنتاج والتكاثر لا أكثر.

«فقد قُسِّمت الإمبراطورية بأكملها إلى قرى صغيرة، باستثناء القليل من المدن الكبيرة، وأضحت تلك القرى تمتلك كلٌّ منها تنظيمًا منفصلًا تمامًا وتُشكِّل عالمًا صغيرًا في حد ذاتها، فتجد داخل (القرى) نظام العبودية والطبقات. إضافةً إلى أراضي النفايات المخصصة للمراعي المشتركة. وهناك تقوم الزوجات والبنات بالنسيج المنزلي والغزل. هذه الجموع الرعوية، التي تستبتل في حماية حدود قريتهم ضد القرى المجاورة، لا تزال موجودة بكامل تكوينها إلى حد ما في الأجزاء الشمالية الغربية من الهند، والتي كانت انضمامًا إنجليزيًّا حديثًا. ولا أظن أن أي شخص يمكنه أن يتخيل بنية للاستبداد أكثر صلابة من ذلك الاستبداد الآسيوي الآسن». (ماركس 1968: 431 32)

فوفقًا لماركس، أنتجت المجتمعات القروية الآسنة و"AMP" كثيرًا من الخصوصيات «الاستشراقية»، وبالتحديد الاستبداد الآسيوي، وكانت هذه الخصائص هي المسؤولة عن تخلُّف التكوين الاجتماعي الهندي وجموده.

«ويجب ألا ننسى إذن أن هذه الحياة المهينة والجامدة والزراعية، التي أثارها هذا النوع السلبي من الوجود، تحتمل على الجانب الآخر وسمًا متناقضًا؛ إذ تجد قوى دمار جامحة، بلا هدف، ولا حدود لها، ممَّا جعل القتل نفسه طقسًا دينيًّا في الهند. ويجب ألا ننسى أن هذه المجتمعات الصغيرة كانت ملوثة بالتمييز بين الطبقة الاجتماعية والعبودية، وأنها أخضعت الإنسان للظروف الخارجية بدلًا من رفع الإنسان إلى سيادة الظروف، وأنها حوَّلت الشأن الاجتماعي الذاتي التطور إلى مصير طبيعي لا يتغير أبدًا، وكل ذلك أدى إلى عبادة وحشية للطبيعة، وأجلُّ ما يُرى لانحطاط تلك العبادة حقيقةَ أن الإنسان سيد الطبيعة؛ فقد جثا على ركبتيه في عبادة كانومان (هانومان)، والقرد، و(سبالا)، والبقرة». (ماركس 1853)

وبذلك يُدلِّل ماركس على أنه طفل لتقليد «التنوير الفكري»؛ فهو مؤمن صادق بثنائية التقليديين والحداثيين، فهو يفسر مرحلة «الحديث» على أنها سيرورة خطية وسبَّاقة بشكل مترابط، فأن تكون حديثًا هو أن تتحكم في الذات والطبيعة. والهندوس، الذين يفتقرون إلى فكرة الذات السيادية التي تتحكم في الطبيعة، يمارسون المذهب الطبيعي! ولا ينقصه إلا كلمة «إلى الخلف»، فقد تكون غائبة بغير قصد في الاقتباس أعلاه. وكذلك يظل ماركس منكرًا الاعتراف بحقيقة أن الهندوسية الفيدية القربانية والطقوسية تعرضت لتحدٍ من قِبل التقاليد الدينية الأخرى قبل الحداثة وقبل الاستعمار، مثل البوذية والجاينية. ولدينا روميلا ثابار (1979)، مؤرخة الهند القديمة، حيث تناقش دور البوذية في خلق الاحتجاج الاجتماعي والحراك الاجتماعي في النظام الطبقي. لكن ماركس ظل مهملًا الاهتمام بمقاومات المجتمع الهندي ما قبل الحديث وتناقضاته. وهذا الموقف النائي تجاه فحص الشرق -بالطبع- ليس أمرًا استثنائيًّا في ماركس؛ فقد لاحظنا بالفعل مثل هذا الموقف عند دوركهايم.

وهكذا أيضًا ظل ماركس مؤمنًا بالمهمة الحضارية للرأسمالية البريطانية والاستعمار، التي بدورها تقود التغييرات «التقدمية» في المجتمع الهندي. ويلاحظ أن «الصناعة الحداثية، الناتجة عن نظام السكك الحديدية، ستحل إشكالية التقسيمات الوراثية للعمل، التي تعتمد عليها الطوائف الهندية، فتلك هي العوائق الكبرى أمام تقدُّم الهند والسلطة الهندية» (1853). وهكذا، مع ظهور نمط الإنتاج الرأسمالي، ووسائل النقل الحديثة، فإن الممارسات الاجتماعية ما قبل الحداثة، «التراجعية»، «غير العقلانية» للنظام الطبقي، سوف تتوقف عن الوجود. يعتقد ماركس بذلك أنه من خلال كسر عقبات الطبقة الاجتماعية والعمل غير الحر، فإن القهر الاستعماري للهند يُمهِّد الطريق لثورة بروليتارية. ولم يكن يتصور قط أن الحكم الاستعماري والأداة الحديثة للدولة كـ«الإحصاء» مثلًا يمكن أن تؤدي إلى تفاقم هويات ما قبل الحداثة للطائفة والقبيلة والدين (Dirks 2001).

ففي المقام الأول، لا يولي ماركس اهتمامًا لحقيقة أن التشكيلات الاجتماعية قبل الحداثة كان من الممكن أن تنتج تناقضات ونقدًا وتنظيرًا وممارسات تهدف إلى تفكيك التسلسل الهرمي الاجتماعي القائم على الطبقة. كما سبق أن أشرنا، فإن أفضل مثال على مثل هذا التطبيق النقدي يأتي من مجال الدين. لكن غالبًا ما ينتقد ماركس الممارسات الدينية الهندية قبل الحداثة باعتبارها ممارسات رجعية، كالبوذية، وحركة بهاكتي، والصوفية، وقد حدث ذلك بالفعل من خلال إعادة كتابة الملحمة الهندوسية «رامايانا» بفعل ورؤية «المجتمع التابع»[14]، وهو بيت القصيد على مثل هذا التطبيق النقدي قبل الحداثة. ولكن ماركس ظل متفائلًا للغاية بشأن دور القوى الحداثية مثل الرأسمالية والحكم الاستعماري البريطاني لإعادة هيكلة مجتمعات القرى المحتضرة ومحو الممارسات الانقسامية للطائفة.

ودعني أؤكد أن الهند في القرن الحادي والعشرين هي مثال قوي للتعرف على كيف يمكن للرأسمالية ونظام التعليم الحديث والديمقراطية البرلمانية أن تعزز الهويات الطبقية. فلا تزال معضلات التحيز والتمييز الطبقي متفشيةً في أجزاء مختلفة من الهند، حتى حينما أُنشِئت مؤسسات قانونية عقلانية حديثة في البلاد؛ فالشباب الهنود «الحداثيون» ذوو الطبقة المتوسطة لا يحجب وصولهم إلى التعليم والتوظيف الحديث المتطور في الشركات الممتازة من العثور على شركاء زواج من خلال مواقع الزواج القائمة على الطبقية في المقام الأول. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وصل تسييس الطبقة الاجتماعية وتقسيم السياسة إلى مستوى غير مسبوق في المناطق الحضرية والريفية في الهند.

وعمومًا، بنى ماركس ملاحظاته عن «الآخر» على افتراض «استشراقي» عميق الجذور. وقد أوضح وأبان إدوارد سعيد في عمله الأساسي «الاستشراق» تصوُّر الاستشراق كنظام إبستيمي للمجتمعات الشرقية على أساس نموذج ثنائي التفرع (إما - أو)، إما «الغرب» الديناميكي أو «الشرق» الساكن. وذلك النظام الإبستيمي هو فصل وجودي ومعرفي بين الغرب والشرق، حيث يفتقر الشرق ببساطة إلى العناصر الديناميكية والإيجابية للتكوينات الاجتماعية الغربية مثل العقلانية القانونية والملكية الخاصة والتناقضات البنيوية؛ إذ يصف خطابُ الاستشراق الشرقَ من منظور الرغبات الغربية أو المفاهيم الغربية للتاريخ والطبيعة والثقافة والمجتمع والإنسان والعقلانية. وبذلك أُنشِئ تصنيف من قِبل الاستشراق الذي يقارن الشرق الأدنى مع الغرب المتفوق والديناميكي. ومنتهى الحديث أن الاستشراق أسلوب غربي للهيمنة على الشرق وإعادة هيكلته وسلطته (سعيد 1978: 2 3).

إن أفضل تعبير عن استشراق ماركس هو في كلماته «المجتمع الهندي ليس له تاريخ على الإطلاق، أو على الأقل ليس له تاريخ معروف؛ فما نسميه «تاريخ الهند» ليس سوى تاريخ الغزاة المتعاقبين عليها الذين أسسوا إمبراطوريات على بنى سلبية لذلك المجتمع الذي لا يقاوم ولا يتغير» (1968: 185). وبذلك تتضح بشدة مواضع ازدواجية (شرق/ غرب) في كتابات ماركس؛ فجلب الاستعمار الأوروبي الذكوري والديناميكي هو المرحلة العليا التي عملت على التكوين الاجتماعي الرأسمالي للهند السلبية وغير المقاومة في جوهرها، والمجتمعات «الشرقية» الأخرى. ووفقًا لماركس، فإن التدخل الاستعماري البريطاني في الصين حطَّم الإيمان الخرافي بخلود الإمبراطورية السماوية، وبذلك انقطعت العزلة البربرية للصين، التي كانت خانقة لمجريات التحضر (Marx 1968: 62 63). «سيؤدي الاستعمار الكامل للشرق إلى إزالة العقبات التي تحول دون بدء تكوين اجتماعي أعلى في تلك المناطق من العالم بسرعة». لا يخلق استشراق ماركس فقط صورة نمطية للشرق، ولكن أيضًا تمثيلًا مُتخيَّلًا للحضارة الأوروبية بفانتازيا تمتاز بالتاريخ المتجانس من العلم والتقدم والتكوين الاجتماعي «الأعلى» عن «الآخر» غير الأوربي.

ولا نغفل عن أن ماركس هو صاحب رؤية وناقد لاذع للطبيعة الاستغلالية للرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر. ولا شك أن رؤى ماركس النظرية بشأن طبيعة الرأسمالية لها صلة بنا اليوم، خصوصًا عندما نرى بأعيننا كيف يترنح العالم تحت تأثير العولمة النيوليبرالية. لكن الأمر يختلف عندما يتعلق بمسألة تجاوز الخطاب الاستشراقي في القرن التاسع عشر، وبذلك فإن ماركس مفكر محدود؛ فتمركُز عمله يقع ضمن نموذج تقليد «التنوير الفكري»، وبذلك تنبني نظرياته الاجتماعية وتعليقاته على الافتراضات الجامعة للاستشراق والتاريخانية في آن واحد. فتخلُص أعماله إلى نصفين: الطبيعة «التقدمية» للفئة «الحديثة»، والطبيعة «التراجعية» لفئة «ما قبل الحداثة». والشرق يقع في الفئة الأخيرة وفقًا لماركس المؤرخ.

خاتمة

إن إلقاء نظرة فاحصة على شرائعنا الاجتماعية يُظهِر بلا شك أنها هي مستنقعنا التاريخي؛ فهي ليست عالمية في نطاقها، كما تصوَّرها ثالوث دوركهايم وويبر وماركس، أو كما روَّج لها علم الاجتماع السائد في أغلب أدبياته. وإن وعينا بهذا القيد والقسر لحقبة ما بعد الاستعمار يجعل حاجتنا إلى قضية علم الاجتماع العالمي تزداد بقوة. وبذلك قد يؤدي التعرف على خطوط الصدع الموجودة في تلك الشرائع الاجتماعية إلى تعزيز التواصل المثمر بين الثقافات والبينيات المتعددة التخصصات، وحينئذ يصبح العلماء من جميع أنحاء العالم ومن التخصصات الأخرى غير علم الاجتماع قادرين على تصوُّر نطاق البحث العالمي والعابر للقوميات بانعكاسات بندولية، وسوف يدركون الحاجة إلى استخراج الموارد الفكرية، وخصوصًا الترجمات الفلسفية والأدبية على المجتمع من الآفاق غير الغربية، التي بدورها من شأنها أن تجعل علم الاجتماع والتنظير الاجتماعي أكثر تحديدًا تاريخيًّا. وتتيح تلك الخطوة لإمكانات علماء الاجتماع الانفتاح على المؤرخين والنقاد الأدبيين والفلاسفة من مناطق جغرافية مختلفة، وسيُطلَب إثر ذلك من علماء الاجتماع متابعة البحوث الاجتماعية العالمية والبينية وأيضًا معرفة الفلسفات الاجتماعية من الجنوب العالمي. وبذلك فإن تعلُّم الفلسفة والنظريات الاجتماعية القارية/ الكبرى ومِراسها لن يكون كافيًا لتطوير نظريات علم الاجتماع العالمي. وبذلك، سيؤدي الاهتمام الدقيق بالتاريخ والأدب والفلسفة لغير الغرب إلى أن تولد طرق أفضل لإبداع «الخيال السوسيولوجي» العالمي.

وبتلك النقطة تحديدًا، دعونا نركز على أن علم الاجتماع نشأ في بوتقة الزمان والمكان للحداثة الأوروبية؛ إذ كانت أفكار الحرية والمساواة والعقل والتقدم هي السمات المميزة للفلسفة الاجتماعية للحداثة. فتلك الحداثة الأوروبية محصورة في الظروف التاريخية الخاصة بأوروبا، بينما أشكال الحداثة تتنوع بين الدول المختلفة تبعًا لظروفها التاريخية وممارساتها الاجتماعية الذاتوية. فإذا لم نعترف بالاختلافات بين «حداثة أوروبا الغربية وحداثة أوروبا الشرقية»، وبين «الحداثة اليابانية والحداثة الأوروبية»، وبين «الحداثة الأوروبية والحداثة الاستعمارية للهند»، فسيكون ذلك تدليلًا على العلم غير المعترف بالتاريخي. ومع ذلك، فإذا كان هناك أي تعريف عالمي للحداثة، فهذا يكون من خلال استخدام منهجيات البحث العقلي، فإن الحداثة العالمية عليها إذن أن تُمكِّننا من تحديد أشكال الحداثة غير الأوروبية (Chatterjee 1997: 198 99). وهذا قطعًا على عكس الخطاب الاستعماري، ولذلك فإن منظور «ما بعد الكولونيالية» يحمل وجهة النظر التي يمكن أن ينتجها غير الغرب أيضًا، وليس مجرد استهلاك الحداثة؛ فالشخص غير الغربي قادر على أن يكون موضوعًا في حد ذاته (Chatterjee 1997: 209). وإن الاعتراف بمنظور «ما بعد الكولونيالية» هذا ليس له إلا أن يُصحِّح سيرورة إنكار الذات تجاه «الآخر غير الغربي» الذي نواجهه غالبًا في تلك الشرائع الاجتماعية.

وقد بقيت نقطة مهمة أخيرة يجب التأكيد عليها، وهي أن علم الاجتماع العالمي لا ينبغي أن تكون مهمته محصورة فقط في تعزيز الذات والاعتراف بــ«الآخر غير الغربي»، ولكن يجب أيضًا أن تكون أدبياته واعيةً جدًّا بشأن اصطلاح «الحداثة البديلة غير الغربية»، فهو كذلك ملائم فقط لمنطق رأس المال العالمي للقرن الحادي والعشرين. ومن الأمثلة على ذلك تسويق «الأورجانك فوود» الذي يخدم النخبة فقط في البلدان الرأسمالية المتقدمة؛ فقد فشلت الحداثة الأوروبية في أن تكون لها أي علاقة مع الطبيعة لا تكون إلا علاقة استغلالية أو أداتية. بيد أن كثيرًا من الفلسفات الاجتماعية الأصلية وغير الأوروبية لها علاقة غير استغلالية بل وتعاونية مع الطبيعة. ومع ذلك، نجحت العلامات التجارية للأغذية المتعددة الجنسيات في خصخصة الطبيعة وعلاقة الإنسان الذاتية معها من خلال إغراق السوبر ماركت بمنتجات خضراء باهظة الثمن وصحية ونافعة من الناحية السياسية. وكمحاولة فكرية مضنية لحقبة ما بعد الاستعمار، فيجب أن يكون علم الاجتماع العالمي يقظًا بشأن ميل الرأسمالية العالمية إلى طمس طرق التفكير والسلوك المتنوعة للتعامل مع القضايا الاجتماعية المتأججة المتمثلة في العِرق، والتدهور البيئي، والاغتراب الاجتماعي، والعنف، فبذلك يتشكَّل فهم دقيق ولائق للأشكال البديلة للحداثة والفلسفة الاجتماعية والتطبيقات الحقيقية لفلسفات الإنسان والطبيعة، ويجب أن تُشكِّل العلاقة بين الإنسان والإنسان نطاقَ علم الاجتماع العالمي.

في هذه الورقة، حاولت تحليل الطرق التي مُثِّل بها «الآخر غير الغربي» في الشرائع الاجتماعية التي ألَّفها ثالوث دوركهايم وويبر وماركس. لقد أجريت قراءة دقيقة لنصوص مختارة كتبها علماء الاجتماع الكلاسيكيون الثلاثة الذين حاولوا فهم الهند والشرق. قرأت النصوص بعدسة نقدية ما بعد كولونيالية لتحديد خطوط الصدع الاستشراقية والعرقية والاستعمارية وغير الآخذة بالمناحي التاريخية التي تتقاطع مع الشرائع الاجتماعية. وهذه المشاركة الناقدة للشرائع الاجتماعية تُعَدُّ خطوة صغيرة نحو بناء الأساس لعلم اجتماع عالمي أكثر ارتباطًا بحقبة ما بعد الاستعمار ومتموضع تاريخيًّا لها. هذا وإلا فلا داعي أن نسرع في بناء نموذج اجتماعي آخر غير تاريخاني كسابقيه ولكن له اسم جديد يُدعى «علم الاجتماع العالمي». فعلى فهمنا لاصطلاح «عالمي» أن يتمركز حول أنه يعني أنه يُشكِّل ماضينا، فلا يجب ألا تلتهم فئة «عالمي» أحوال المكان والزمان والذاتية والتقاليد الفكرية.

شكر وتقدير

بفضل فينس موراتا على اقتراحاته المفيدة. شكر خاص لإندرانيل تشاكرابورتي على تعليقاته ودعمه.

هوامش المؤلفة

[1] بيان المهمة في القسم هو: يسعى القسم الخاص بعلم الاجتماع العالمي والعابر للقوميات إلى تسهيل الاتصال وتوسيع الشبكات وتوفير منتدى للتبادل الفكري والنقاش بين علماء الاجتماع وأساتذة الجامعات والمعلمين العالميين. بما يتناسب مع اسمه، يسعى القسم أيضًا إلى التواصل مع العلماء من جميع أنحاء العالم ومن تخصصات أخرى غير علم الاجتماع تتناول القضايا العالمية والعابرة للقوميات. ويرحب القسم بالأعضاء من جميع المعتقدات النظرية والمصالح الموضوعية التي تشملها نماذج واسعة من البحوث العالمية والعابرة للقوميات.

[2] الهندوسية والبوذية والجاينية ينظر إليها دوركهايم على أنها ديانات وحدة الوجود.

[3] ذكر فكرة «الإحجام» ديبيش تشاكرابارتي (2000) في عمله "Provincial Sizing Europe".

[4] في البنية الاجتماعية الزراعية، يمكن أن يؤدي تقسيم الأرض إلى كارثة مالية للعائلة بأكملها.

[5] الاستشراق وخطاب الاستشراق وضعهما إدوارد سعيد (1978) في كتابه «الاستشراق». نُوقِش هذا المفهوم في نقدي لكتابات ماركس عن الهند.

[6] لاحظ أن فكرة ميشيل فوكو عن المجتمع التأديبي يمكن أن تقع في شكلها الناشئ في مفهوم دوركهايم هذا.

[7] كان سن الزواج، خصوصًا بين نساء الطبقة العليا، منخفضًا جدًّا، وكان فارق السن بين الزوجين مرتفعًا في كثير من الأحيان. وهكذا كانت نسبة الأرملة الهندوسية الشابة من الطبقة العليا مرتفعة للغاية في هذه الفترة.

[8] في وقت لاحق ، أُنتج أيضًا خطابًا عُرفيًا هندوسيًا قائمًا على "الكتب المقدسة البراهمانية". وقد تم به تجاهل الروح المعادية للطائفة ، والحساسية للجنس ، وإبراز للعلمانية والعقلانية والمساواة (فمثالًا قد تم دحض فكرة أن البوذية تحدي للهندوسية البراهمة الأرثوذكسية ، وكذلك حركة Bhakti) التي كانت موجودة في الهند قبل الاستعمار تمامًا ، وتم تجاهل المثقفين الهنود المتعلمين في القرن التاسع عشر. وتلك مسؤولية جزئية عن فقدان الذاكرة محل حديثنا.

[9] ومن المثير للاهتمام أن هذا النص ينقل أيضًا رؤية ويبر المأساوية للتاريخ البشري؛ إذ تهيمن العقلانية الأداتية على جميع مناحي الحياة الحديثة، وتجرد القيم الأخلاقية والأخلاقية من الأفراد، وتخضعهم للتنظيم البيروقراطي، تثبت روح القيمة العقلانية للحداثة داخل «الغلاف الصلب» للعقل الأداتي.

[10] كما يقول ماركس: إن الميل إلى إنشاء السوق العالمية يُعطى مباشرة في مفهوم رأس المال نفسه. كل حد يظهر كحاجز يجب التغلب عليه. في البداية، لإخضاع كل لحظة من الإنتاج نفسه للتبادل وتعليق إنتاج قيم الاستخدام المباشر التي لا تدخل في التبادل، أي تحديد الإنتاج على أساس رأس المال بدلًا من أنماط الإنتاج السابقة، والتي تبدو بدائية [naturwuchsig] من وجهة نظرها. لم تعُد التجارة تظهر هنا كدالة تحدث بين المنتجات المستقلة لتبادل منتجاتها. بل بالأحرى كافتراض سابق شامل للجميع ولحظة إنتاج في حد ذاتها (ماركس 1973: 408). هذه هي الطريقة الديالكتيكية لماركس. إن لحظة الإنتاج التي يتوسطها رأس المال تُحوِّل جميع أنواع أساليب الحياة التقليدية وتخلق علاقات اجتماعية جديدة. هذا التحوُّل هو مصادرة وحشية لكل ما هو قديم، ولكنه في الوقت نفسه يخلق علاقات اجتماعية أكثر تقدمًا.

المراجع:

American Sociological Association, 2010. American Sociological Association’s mission statement on

the Section on Global and Transnational Sociology [online]. Available from: http://www.

asanet.org/sections/global.cfm [Accessed 16 September 2011].

Bose, M., 2000. Sati: the event and the ideology. In: M. Bose, ed. Faces of the feminine in ancient,

medieval and modern India. New York: Oxford University Press, 2132.

Chakrabarty, D., 2000. Provincializing Europe: postcolonial thought and historical difference.

Princeton: Princeton University Press.

Chakravarti, U., 2003. Gendering caste through a feminist lens. Calcutta: Stree.

Chatterjee, P., 1997. The present history of west Bengal: essays in political criticism. Delhi: Oxford

University Press.

Cohn, B.S., 1996. Colonialism and its forms of knowledge: the British in India. Princeton: Princeton

University Press.

Dirks, N., 2001. Castes of mind: colonialism and the making of modern India. Princeton: Princeton

University Press.

Durkheim, E., [1897] 1979. Suicide: a study in sociology. New York: Free Press.

Engardio, P., 2006. Karma capitalism. Business Week, 8487, October 30.

Ewer, W., [1821] 1993. Parliamentary Papers on Hindoo Widows. Cited by L. Mani. Contentious

traditions: the debate on Sati in colonial India. In: K. Sangari and S. Vaid, eds. Recasting

women: essays in colonial history. New Delhi: Kali for Women, 88126.

Guha, R., 2010. Daya: Rammohun Roy O Amader Adhunikata [Compassion: Rammohun Roy and

Our Modernity]. Calcutta: Talpata.

Harvey, D., 1982. The limits of capital. Chicago: The University of Chicago Press.

Jameson, F., 1992. Postmodernism, or, the cultural logic of late capitalism. Durham: Duke University

Press.

Kosambi, D.D., 1985. Kosambi on history and society. Bombay: University of Bombay Press.

Lazarus, N., 2002. The fetish of ‘the West’ in postcolonial theory. In: N. Lazarus and C. Bartolovich,

eds. Marxism, modernity and postcolonial studies. Cambridge: Cambridge University Press,

4364.

Mani, L., 1993. Contentious traditions: the debate on Sati in colonial India. In: K. Sangari and

  1. Vaid, eds. Recasting women: essays in colonial history. New Delhi: Kali for Women, 88126.

Marx, K., 1853a. The British rule in India [online]. Available from: http://www.marxists.org/archive/

marx/works/1853/06/25.htm [Accessed 6 September 2011].

Marx, K., 1853b. The future of British rule in India [online]. Available from: http://www.marxists.

org/archive/marx/works/1853/07/22.htm [Accessed 6 September 2011].

Marx, K., 1857. The Indian revolt. Available from: http://www.marxists.org/archive/marx/works/

1857/09/16.htm [Accessed 6 September 2011].

Marx, K., 1968. From the Correspondence. In: S. Avineri, ed. Karl Marx on colonialism and

modernization: his despatches and other writings on China, India, Mexico, the middle east and

North Africa. New York: Doubleday, 423448.

Marx, K., 1973. Grundrisse: foundations of the critique of political economy. London: Penguin.

Marx, K., 2003. The manifesto of the communist party. In: B. Blaidell, ed. The communist manifesto

and other revolutionary writings. New York: Dover Publications, 123150.

Said, E., 1978. Orientalism: western conceptions of the orient. London: Routledge and Kegan Paul.

Sarkar, S., 1994. The women’s question in nineteenth century Bengal. In: K. Sangari and S. Vaid, eds.

Women and culture. Bombay: SNDT University, 103112.

Thapar, R., 1979. Ancient Indian social history: some interpretations. New Delhi: Orient Longman.

Tharu, S. and Lalitha, K., 1991. Women writing in India. New York: Feminist Press.

Weber, M., [1905] 2002. Prefatory remarks to collected essays in the sociology of religion. In:

  1. Baehr and G.C. Wells, trans., eds. The protestant ethic and the ‘Spirit’ of capitalism and other

writings. NY: Penguin Books, 356372.

Weinberger-Thomas, C., 1999. Ashes of Immortality: widow burning in India. Trans. J. Mehlman and

D.G. White. Chicago: University of Chicago Press.

 

[1] أنشيتا داتا: أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة براندون، كندا. يرتكز مشروعها البحثي الحالي على فحص العلاقة بين مجتمع داليت الطبقي والدولة الهندية ما بعد الاستعمار، بقواعد منهجية بينية أشمل؛ إذ ترتكز أعمالها على التفاعل بين الدولة القومية ومنظمات المجتمع المدني والمهمشين في مجموعات معايشة اجتماعية واقتصادية وثقافية معولمة.

[2] أصل الكلمة ثقافيًّا يُعبِّر عن امرأة حرقت نفسها مع جثة زوجها حزنًا عليه بعدما أهانه أبوها ولم تستطِع الدفاع عنه، ولها عدة معابد في الهند الآن كإلهة، واسمها ساتي. أما عن الظاهرة فقد انتشرت تحديدًا في العصور الوسطى، وكانت المرأة تجلس بنفسها فوق محرقة جثة الزوج لتموت معه وفاءً منها له. وقد تعددت التشريعات الرافضة لتلك الممارسة بدايةً بحكم المغول ومن بعدهم حكام المسلمين، والإصلاحيون الهندوس كغاندي، والإنجليز، وصولًا إلى تجريمها المُشدَّد في قانون الهند الحالي.(المترجم)

[3] طائفة داخل المجتمع الهندوسي. في شبه القارة الهندية الفيدية وما بعد الفيدية، عُيِّن البراهمة كفئة كهنوتية فخدموا ككهنة (Purohit أو pandit أو pujari) ومعلمين روحيين. (المترجم)

[4] يُقصَد بالطبقة العليا هنا أنها أعلى ماديًّا، وهم رجال دين أيضًا؛ فالحديث هنا يدور تحديدًا على أرامل رجال الدين من البراهمة وميسوري المعيشة.(المترجم)

[5] يحدث الانتحار القاتل عندما يُخضَع الأفراد لقواعد تنظيمية صارمة. يُوضَع هؤلاء الأفراد تحت قواعد متطرفة أو تُوضَع توقعات عالية عليهم، ممَّا يزيل إحساس الشخص بالذات أو الفردية، فيلجأ إلى الانتحار. (المترجم)

[6] (رؤية النفق) أو (الرؤية النفقية) هي فقدان الرؤية المحيطية مع الاحتفاظ بالرؤية المركزية، ممَّا يؤدي إلى ضيق مجال الرؤية الدائري الشبيه بالنفق، ويُستخدَم المصطلح كثيرًا في الدراسات الثقافية التي تناقش مرحلة الاستعمار وما بعده للتعبير عن السلطة الرمزية للمحتل على السكان الأصليين. (المترجم)

[7] الكالفينية هي فرع رئيسي من البروتستانتية التي تتبع التقاليد اللاهوتية وأشكال الممارسة المسيحية التي حددها جون كالفين وغيره من اللاهوتيين في عصر الإصلاح. إنه يؤكد على سيادة الله وسلطة الكتاب المقدس. حيث انفصل الكالفينيون عن الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في القرن السادس عشر. (المترجم)

[8] تعني الخلاص من خلال الإيمان وحده، هي عقيدة خلاصية في اللاهوت المسيحي تُعتقَد عمومًا لتمييز التقاليد اللوثرية والإصلاحية للبروتستانتية عن التقاليد الأخرى للكاثوليكية والأرثوذكسية الشرقية والأرثوذكسية الرومانية والكنائس الآشورية. تؤكد العقيدة أنه على أساس الإيمان يصبح المؤمنون على حق في تجاوزاتهم لشريعة الله وليس على أساس ما يسميه بولس «أعمال الناموس»، والتي تُسمَّى أحيانًا الأعمال الصالحة. يُعرَف هذا الغفران باسم «التبرير». في اللاهوتيات اللوثرية والإصلاحية الكلاسيكية، يُنظَر إلى الأعمال على أنها دليل على الإيمان، لكن الأعمال نفسها لا تُحدِّد الخلاص. في المقابل، تؤكد العقيدة الميثودية على الإيمان بالتبرير الذي يقدم غفران الله، لكنها ترى أن الحياة المقدسة بهدف الكمال المسيحي (التقديس) ضرورية للخلاص. (المترجم)

[9] جاء التعبير من كتابات القديس قبريانوس قرطاج، وهو أسقف مسيحي من القرن الثالث. التعبير عبارة عن بديهية تُستخدَم غالبًا كاختصار للعقيدة القائلة بأن الكنيسة ضرورية للخلاص. إنها عقيدة في الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية، في إشارة إلى شركاتهم الخاصة. كما تحتفظ بها كثير من الكنائس البروتستانتية التاريخية. (المترجم)

[10] productive labor تُعرَّف إنتاجية العمل -المعروفة أيضًا باسم إنتاجية القوى العاملة- على أنها ناتج اقتصادي حقيقي لكل ساعة عمل. يُقاس النمو في إنتاجية العمل بالتغير في الناتج الاقتصادي لكل ساعة عمل خلال فترة محددة. (المترجم)

[11] البهاغافاد غيتا، أو بْهَغْفَدْ غِيْتَا‏، هو الكتاب المقدس في الهندوسية، وهو الحوار الذي جرى بين السيد أو الرب المبارك كريشنا وأرجونا عند بداية المعركة، وهو عبارة عن 700 بيت أو آية تقع في ثمانية عشر فصلًا، ويعود تاريخه إلى قرابة الألف الثالث قبل الميلاد.(المؤلفة)

[12] سيكولوجيا العِرق: ظهرت كفرع معرفي في أواخر القرن التاسع عشر والجزء الأول من القرن العشرين؛ إذ حاولت حركة تحسين النسل، التي ترسخت بعمق في نموذج الداروينية الاجتماعية، تغيير السمات الوراثية البشرية وتعزيز العلوم والسياسات الاجتماعية التي تم التمييز ضدها في أجزاء من أوروبا والولايات المتحدة. وتم التخلي عن علم تحسين النسل إلى حد كبير بعد الحرب العالمية الثانية؛ إذ أدرك علماء النفس وعلماء آخرون هذه الحركة باعتبارها انتهاكًا لحقوق الإنسان. وتوسَّع علم نفس «العرق» ليشمل دراسة الفروق «العرقية» في سياقات متعددة. كان علم نفس العرق مجالًا للدراسة لكثير من تخصصات علم النفس المتميزة (على سبيل المثال: الاجتماعية، والشخصية، والمعرفية، والمجتمع، والنسوية، ومتعددة الثقافات، والنقدية، والاستشارية، والسريرية). لقد أدى علم نفس العرق إلى إدامة وتحدي الصور النمطية والعنصرية، من خلال تركيزه على الاختلافات «العرقية» في مختلف مجالات الحياة البشرية، بما في ذلك الإدراك والشخصية (Durrheim، Hook، & Riggs، 2009). تثير المناقشات الجارية المتعلقة بدراسة العرق في علم النفس الانتباه إلى مفهوم العرق وآثار فئات العرق والعنصرية للبحث والممارسة السريرية والتدريب والسياسة. (المترجم)

[13] كان جنود Sepoys جنودًا هنودًا جنَّدتهم القوى الاستعمارية الأوروبية من السكان الأصليين للهند. دُرِّبت قوات السيبوي وسُلِّحت على الطريقة الأوروبية، ونُظِّمت في كتائب بقيادة ضباط أوروبيين. كانت تُسمَّى الوحدات «sepoys الأصلية» حتى عام 1885، وبعد ذلك أُسقِط مصطلح «الأصلي».(المترجم)

[14] في دراسات ما بعد الاستعمار وفي النظرية النقدية، يُعيِّن مصطلح التابع ويُعرِّف السكان المستعمرين المستبعدين اجتماعيًّا وسياسيًّا وجغرافيًّا من التسلسل الهرمي لسلطة مستعمرة إمبراطورية ومن الوطن الحضري للإمبراطورية. صاغ أنطونيو غرامشي مصطلح التابع لتعريف الهيمنة الثقافية التي تستبعد وتشرد أشخاصًا معينين وفئات اجتماعية من المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، من أجل إنكار وكالتهم وأصواتهم في السياسة الاستعمارية. دخلت مصطلحات الدراسات التابعة والدراسات التابعة إلى مفردات دراسات ما بعد الاستعمار من خلال أعمال مجموعة المؤرخين التابعين لدراسات التابعين الذين استكشفوا دور الفاعل السياسي لعامة الناس الذين يشكلون الجماهير، بدلًا من إعادة استكشاف الفاعل السياسي أدوار النخب الاجتماعية والاقتصادية في تاريخ الهند. (المترجم)

التعليقات

محمود زايد

2023-07-01

مقال صائب ومحوري ونقده مرتكز حول البنى النظرية التحتية للسوسيولوجيا، لكني تمنيت إن تعمق أكثر بدول الجنوب والشرق الأبعد فلو طبقنا نفس آلياته على مصر ودول الخليج العربي لوجدنا تصدعات أعمق بكثير في شرائعنا الإجتماعية خلفها الإستعمار البريطاني أيضًا.

أضف تعليقك

الكتاب

أنشيتا داتا

أنشيتا داتا

أستاذ مساعد علم الاجتماع بجامعة براندون هندية الأصل، كندا. يرتكز مشروعها البحثي…

المترجم

أحمد القاضي

أحمد القاضي

مدير النشر بمؤسسة مزيج الثقافية. وهو باحث ومترجم، حاصل على ماجستير العمل الاجتم…

أوراق ودراسات ذات صلة

مشاهدة المزيد
هوبز والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان
  • تخصصات

هوبز والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان

 الأحداث التاريخية والقوانين الاجتماعية
  • التحرر المعرفي

الأحداث التاريخية والقوانين الاجتماعية

وردة الهاني
  • لا هذا ولا ذاك

وردة الهاني

التفسير التاريخي فنًّا
  • التحرر المعرفي

التفسير التاريخي فنًّا

ملفات تعريف الارتباط

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.