لا تكاد عامة الأدبيات المُدوَّنة عن "الغريب" تُخفي اعترافها بهيمنة [جورج] زيمِل (Simmel) وسبْقه في صياغة سوسيولوجيا الغربة، بل إن هذه الأدبيات تُقدِّم من حين إلى آخر إعادة صياغة للغريب مُتوسِّلةً بأنواع مُحدَّدة من الفاعلين؛ فمثلًا، كانت صورة الشخص الغريب، التي بناها زيمل، هي الأساس الذي بُنيَت عليه العديد من الكتابات، مثل: كتاب بارك (Park 1928) "الإنسان الهامشي marginal man"، وكتاب وود (Wood 1934) وكتاب شوتز (Schutz 1944) "الوافد الجديد the newcomer"، وكتاب سيو (Siu 1952) "الزائر/النزيل the sojourner"؛ هذا إلى جانب مفهوم ستونكويست (Stonequist) عن "الفرد الكوزموبوليتاني"، أو"العقل المُدوَّل" (1937) (1). ويمكننا القول إنه رغم اعتماد الأدبيات التجديدية الحديثة على تمثُّل الغريب الزيملي وافتراضاته السابقة، فإنها تتجاوزه. وهكذا شهد مفهوم الغريب نهضةً في النظرية الاجتماعية المعاصرة (Dessewffy, 1996; Harman, 1988; Stichweh, 1997; Tabboni, 1995).
ومن بين تلك الكتابات الحديثة، يُعَدُّ زيغمونت باومان (Zygmunt Bauman) في طليعة المُنظِّرين الاجتماعيين الذين عملوا على تطوير سوسيولوجيا الغربة، وقد كان لمنشوراته المتأخرة النصيب الأكبر من الإسهام في هذا المشروع الفكري؛ ففي كتابَيه "العمل والنزعة الاستهلاكية والفقراء الجدد Work, Consumerism and the New Poor" a1998" و"العولمة: العواقب البشرية Globalization: The Human Consequences" b1998"، يُظهِر باومان اهتمامًا بتكوين الآخر الاجتماعي والثقافي في الغرب والمعاملة التي يتلقَّاها، خصوصًا أولئك الذين استُبعِدوا من مجتمع الاستهلاك الجماهيري الذي اجتاحته موجات عولمة متتالية. اعتمد بولنت ديكن (Bülent Diken) في كتابه "الغرباء، وحالة والنظرية الاجتماعية Strangers, Ambivalence and Social Theory" 1998 على نظرية باومان عن حالة الغريب، وعلاقتها بالحداثة، وقدَّم صياغةً لـ"نظرية اجتماعية لحالة الإبهام". وقد اعتمد ديكن في بناء تلك النظرية على البيانات الإثنوغرافية عن المهاجرين الأتراك في الدنمارك، مميطًا اللثام عن الممارسات الإقصائية والقمعية الكامنة في الخطاب العام بشأن الهجرة. لقد تكررت إشارات ديكن وباومان إلى العديد من موضوعات النظرية الاجتماعية المعاصرة إبان عرضهما لظاهرة الغربة (strangeness)؛ فقد سلَّطا الضوء على موضوعات مثل: سياسات الهوية، والآخروية (alterity)، والعولمة؛ والتهجين (hybridity)، والطبيعة المتغيرة للعمل في ظل ما يُسمَّى بـ"المجتمع ما بعد الفوردي" (post-Fordist society).
تنتظم كتابات باومان عن الفقراء (1982، 1983، 1987) ضمن إطار أوسع في علمَي الاجتماع والاقتصاد السياسي يتمحور حول قضية الفقر في النظام العالمي الرأسمالي الاستهلاكي (Hogan, 1998: 153–4)؛ فبينما مثَّل اليهودي –باعتباره الآخر الثقافي– الصورة المُختزَلة للغريب الحديث (Bauman, 1989)، فإن الآخر الاجتماعي (المحروم والضعيف والمُعدَم) أصبح يمثل نوعًا جديدًا من الغرباء. ففي مجتمعنا الاستهلاكي المعاصر، ظهر الفقراء على أنهم تجسيد لـ"الشياطين الداخلية" التي تُنغِّص على المستهلك حياته (Bauman, 1998a: 75). وفوق ذلك، لا يكفُّ المجتمع الاستهلاكي عن توليد نوع جديد من الفقر يرتبط ارتباطًا وثيقًا بـ"فقراء العمَّال"؛ إذ إن وجود هذه المجموعة يجعل الرأي القائل إن الفقر مرتبط فقط بالحرمان المادي والضنك الجسدي إشكاليًا. يشير باومان إلى أن الفقر حالة اجتماعية ونفسية أيضًا، خصوصًا عندما يعني الاستبعاد من أي شيء يُمثِّل "حياة عادية". في المجتمع الاستهلاكي؛ يُنظَّم الفقراء ويُعرَّفون ذاتيًّا أولًا وقبل كل شيء على أنهم مُشوَّهون، ومُختلُّون، وخاطئون، وناقصون؛ وبعبارة أخرى، إنهم مُستهلِكون معيبون وضامرون، وهؤلاء "المُستهلِكون المعيبون" هم الذين يحتاجون أن يكونوا "ناجحين"، ولكن بسبب ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية لا يمكنهم أن يحلموا بأكثر من تغيير هويتهم. هؤلاء "المُستهلِكون المعيبون" ليسوا الغرباء الحداثيين الذين زعزعوا استقرار الحدود التي أقامتها إرادة الحداثة لفرض النظام والتصنيف، إنهم بالأحرى –"المُستهلِكون المعيبون" أو "الفقراء الجدد"– غرباء ما بعد حداثيين؛ لأنهم نتاج ثانوي لـ"عملية بناء الهوية التي لا تعرف نهاية" (Bauman, 1997: 25).
يعتمد مفهوم ديكن لحالة الغريب على مفهوم زيمل ومفهوم كريستيفا (Kristeva) لكيفية عمل الغريب على مستوى اللاوعي. بيد أن ديكن ينزع إلى إضعاف هذين المفهومين لحالة الغريب عندما يفحص خطاب الهجرة في الدنمارك. يشير مفهوم الغريب البيني الزيملي إلى الغريب الخارجي؛ ذلك الشَّرود، الذي يجري تهميشه واستبعاده في معظم الحالات مما يُعَدُّ "التيار". بينما تشير النسخة الأخرى من الغريب إلى الذات الداخلية –النفسية– المنطوية والقلِقة، والمغتربة (Dessewffy, 1996). صنَّف مولر (Muller 1987) هذا الغريب الداخلي على أنه الذات الهامشية على المستوى الوجودي، وذهب إلى أن الذات الهامشية هي تلك الذات التي ذهب عنها الأمان الذي يُوفِّره المطلق، ولم تعد تقف على أرض صلبة، بل صارت مُشوَّشة وبلا غاية ولا اتجاه. قد لا يشعر الغريب الخارجي بالقلق الوجودي الذي يبدو أنه سمة ملازمة للغريب الداخلي؛ فهذا الأخير لا يلزم أن يكون عضوًا في الجماعة المُهمَّشة. يتضح هذا التمييز بين الغرباء الداخليين والخارجيين أيضًا في بناء باومان لغرباء ما بعد الحداثة؛ إذ يذهب باومان إلى أن الحداثة لا تخلع صفة الغربة –مفهوميًّا– على كل شخص، بينما تنزع ما بعد الحداثة إلى إضفاء طابع الشأن الخاص على تجربة الغربة. يُسمِّي باومان هذه الممارسة بـ"عالمية حالة الغريب" أو "انعدام الجذور" (Bauman, 1991: 94)، حيث تذوب الحدود بين مفاهيم الغربة الداخلية والخارجية. في بعض الأحيان، ترتبط فكرة الغريب ما بعد الحداثي بالفرد الوجودي الشريد في الزمن المعاصر، بينما في أوقات أخرى تشير [فكرة الغريب ما بعد الحداثي] إلى الآخر الاجتماعي والثقافي الذي وُجِد هنا ليبقى (Bauman, 1995a: 13). في هذا الصدد، من الضروري فصل الملابسات الذاتية والموضوعية لحالة الغربة من الناحية المفاهيمية؛ من أجل تجنُّب الخلط بين الحالة النفسية والحرمان المادي، فمع أنه قد تظهر في بعض الأحيان علاقة سببية بينهما، فإن هذا التعالق هو الاستثناء وليس القاعدة.
يُسلِّط ديكن الضوء أيضًا على أن مقولة أو تصنيف "الغريب" ليس تصنيفًا جوهرانيًّا جامدًا؛ لأن هناك درجات من الغربة؛ فقد لاحظ أن "الغرباء غير المرغوب فيهم هم أشد غربةً من غيرهم" (Diken, 1998:135)، وتقوم هذه الرؤية الهرمية لمراتب الغربة على "الخوف" الذي يثيره الغريب داخل المجموعة المضيفة؛ فكلما زاد الخوف الذي يثيره الآخر في الذات، ارتفع شعور الآخر بدرجة غربته. ويلاحظ ديكن أن ما يحدث هو أن بعض فئات الغرباء تُنتقى ويُشهَّر بها بغرض تكثيف الجوانب غير المرغوبة عند الشخص الغريب إزاء وجوده بين الجَمْع، وجعلها سماتٍ ملموسةً، وتصويرها باعتبارها نماذج لا غبار عليها وغير قابلة للنقد. بيد أن باومان يذهب إلى أن تأسيس حالة الغربة لا يعتمد على الخوف تمامًا، بل جزئيًّا فقط؛ ذلك لأن الخوف بذاته ليس هو المفتاح لإماطة اللثام عن بناء حالة الغريب. إن الحرية -وهي موضوع محوري في نظرية باومان النقدية- هي التي تُحدِّد درجة الغربة التي ننقلها إلى الآخرين؛ فعلى حد تعبير باومان، "كلما قلَّت سيطرة الناس على حياتهم وهُويَّاتهم المُؤسِّسة للحياة، وصارت قدرتهم على التحكُّم فيها أقل، زاد عمق إدراكهم للآخرين على أنهم هيكل غامض، وزاد هوسهم بمحاولة فصل أنفسهم عن الغرباء الذين لا يرون فيهم سوى مادة مخادعة، مخاتِلة، لا تقف على قرار، ولا تثبت على شكل" (Bauman, 1997: 28). الحرية والغربة إذن متشابكتان جوهريًّا؛ فأن يكون المرء حرًّا –بصورة مخالفة لحرية المستهلك التي انتقدها باومان– يعني تمكينه وإطلاق العنان لفردانيته. وهذا النوع من الحرية، الذي يشير إليه باومان بأنه حرية أكثر "أصالةً"، هو الذي سيُشجِّع على حوار طليق مع الاختلاف.
يُقِرُّ ديكن –اعتمادًا على أفكار باومان بشأن حالة الإبهام ومقولة الغريب– بأن هذا الإبهام يجب ألَّا يقتصر النظر إليه باعتباره "فوضى محضة أو سيولة مطلقة"، بل إنه بالأحرى "مزيج مُعقَّد من الفوضى والنظام، مزيج تُظهِر عناصره كلًّا من التناغم والتنافر؛ وداخل هذا المزيج يتفاعل كلا الجانبين معًا ويتقاطعان باستمرار زمانيًّا ومكانيًّا" (Diken, 1998: 163). وبتلك الطريقة، يُقدِّم الغرباء تجسيدًا مُقولَبًا لحالة الإبهام المُتمثِّلة في كونهم داخل الجماعة وخارجها في الوقت نفسه، وهذا يجعل من الصعب تصنيفهم على أنهم "أصدقاء" أو "أعداء".
يذهب ديكن بعد ذلك إلى "تفكيك" خطاب الهجرة في الدنمارك، وهو خطاب يعتقد أنه يُجسِّد إرادة الحداثة لفرض التصنيف والتنميط؛ إذ يصف هذا الخطاب المهاجرين بأنهم غرباء يجب إحكام السيطرة عليهم، ويدرس كيف يعمل مُصمِّمو المدن الحضرية على تحييد المساحات، التي يعيش فيها الغرباء، وعزلها بطريقة تُقلِّل تفاعلهم مع السكان المضيفين إلى أقصى حد. إن الدافع وراء اتباع هذه الطريقة في تصميم المدن الحضرية هو الخوف من الاحتكاك بالغريب، الذي يُنظَر إليه كما لو كان كائنًا فضائيًّا يُخشى أن يلمسه المرء. ويلاحظ ديكن -بالاعتماد على البيانات الإثنوغرافية التي أُتيحت له عن المهاجرين الأتراك- أن هؤلاء المهاجرين يخضعون للمراقبة أو يكونون محطَّ أنظار الجميع وتحت بؤرة الضوء، مما يجعل العناصر المرئية والبصرية عناصر مركزية في سياسة المكان (Diken, 1998: 77).
علاوةً على ذلك، تتحكم في خطاب الهجرة عقلية "نحن وهُم"، التي تبني هوية الآخر (المهاجر التركي) والأنا (الدنماركي)، منطلقةً من افتراض ثبات هذه الهُويَّات وتجانسها، ومن هنا أصبح المصطلح المُشتَق -أي "المهاجر"- ضروريًّا لتعريف المصطلح الأساسي؛ الدنماركي[2]. وبصورة لا يخفى فيها اعتماده على دريدا بصورة كبيرة، استنتج ديكن أنه "لا يمكن أن تكون هناك هوية "نقية"، بل في الواقع لا يوجد مفر من تعرُّض كل جانب من جوانب الثنائيات المتقابلة إلى استيعاب عناصر من الآخر المقابل له" (Diken, 1998: 41). بعبارة مُوجَزة: الهويات والثقافات والمناطق التي يُتحدَّث عنها في نقاشات الهجرة لم تكن قط نقية، بل لطالما كانت هجينة.
يُمثِّل باومان سلف ديكن في مقاربته لحالة الغربة، خصوصًا في ما يتعلَّق ببناء الغربة وتأسيسها. بالنسبة إلى باومان، حالة الغربة تتأسَّس على مفهوم بين-ذاتي أو علائقي للهوية، حيث تتشكَّل هوية الذات في مقابل هوية الآخر[3]، بمعنى أن الهوية تخضع لمنطق المقابلة التفاضلي من أجل التأسيس للاختلاف والتباين. فمثلًا: الغريب ما بعد الحداثي -المُستهلِك الناقص- يُعزِّز الحدود بين الذات والآخر؛ فـ"المُستهلِكون الناقصون" -كما أشار باومان سابقًا- هم منتجات ثانوية للمجتمع الاستهلاكي، وهناك حاجة إليهم من أجل استمرار هذا المجتمع وإعادة إنتاجه، وعلى حد تعبير باومان، "لو لم يكن هناك فقراء، لكان من الضروري اختراعهم" (Bauman, 1987: 186).
لقد أنتجت السوق الاستهلاكية ما يمكن أن نطلق عليهم "الفقراء الجدد"، ومن صورهم: العاطلون عن العمل (الصغار والكبار على حدٍّ سواء)، الأمهات العازبات، المستفيدون من الرعاية الاجتماعية، العمَّال غير المهرة ومن تصعب إعادة تأهيلهم. ويُقِرُّ باومان بأن "الفقراء الجدد" يخضعون للرقابة والإدارة البيروقراطية، والغرض الوحيد من تشريعات الرعاية الاجتماعية وممارساتها هو كسر شوكة الفقراء. يمكننا أيضًا أن نرصد الغريب ما بعد الحداثي تحت فئة المُتشرِّدين وجوَّابي الآفاق؛ إذ يتجوَّل جوَّابو الآفاق والمُتشرِّدون؛ ليس بدافع الرغبة، ولكن لأنهم قد دُفِعوا إلى الخارج. ويلاحظ باومان أن "جوَّابي الآفاق والمُتشرِّدين هم سقْط المتاع في العالم الذي كرَّس نفسه لخدمة السائح" (Bauman, 1998b: 92)، فمع أن السيَّاح والمُتشرِّدين كلاهما مُستهلِك، يُمثِّل المُتشرِّدون "الفقراء الجدد" (Bauman, 1998b: 96). إنهم الغرباء في جماعة السائحين، وهم يُمثِّلون ما يمكن أن يصبح عليه السائح يومًا ما، ولذلك فمن مصلحة السائح أن يجعل آخَرَه مُروِّعًا ومثيرًا للاشمئزاز بكل ما أُوتي من قوة (Bauman, 1998b: 98).
هؤلاء المُستهلِكون الناقصون "هم الفَضْلة بعد انتهاء اللعبة" (Bauman, 1998a: 75)، وبدلًا من "اعتبارهم جديرين بالرعاية والمساعدة، فإنهم يُعامَلون كما لو كانوا لا يستحقُّون سوى الكراهية والإدانة" (Bauman, 1997: 43). بالطريقة نفسها، يمكن تصنيف المهاجرين الأتراك في الدنمارك على أنهم جزء من "الفقراء الجدد"؛ لأنهم -كما يلاحظ ديكن- يفتقرون إلى رأس المال الاقتصادي والاجتماعي، ومن ثم يتعرَّضون للتهميش والحرمان من الاعتراف الاجتماعي الذي يعتقد ديكن –استنادًا إلى عمل تشارلز تايلور بشأن سياسة الاعتراف– أنه ضروري لبناء هوية الفرد. وأولئك الذين يُطلَق عليهم "الأتراك المُندمِجون" –مثل اليهودي الألماني الذي حلَّله باومان في كتابه الحداثة والإبهام (1991)– لا تُثمِر محاولاتهم إبعادَ أنفسهم عن كونهم "أتراكًا" إلا أنها تُبراز "تركيتهم"، وتعمّق هوة اختلافهم عن مضيفيهم (Diken, 1998: 92–116).
أصبح مفهوم العمل وعلاقته بالهوية الاجتماعية محطَّ اهتمام البحث التجريبي والنظري؛ فقد تتابع علماء الاجتماع على تأكيد أن هياكل العمل القائمة على نموذج الإنتاج الضخم أو النموذج "الفوردي" قد عفا عليها الزمن، وحلَّت محلَّها بيئة عمل "ما بعد فوردية" أكثر مرونةً. ورغم تعرُّض وجهة النظر هذه للنقد مُؤخَّرًا (Vallas, 1999)، يقبل باومان وديكن حقيقة أن هذا التحول قد حدث. بالنسبة إلى باومان، تغير معنى العمل في ظل "الحداثة" تبعًا للسياقات التاريخية المختلفة. تشير "أخلاقيات العمل"، التي حلَّلها أيضًا في كتابه "ذكريات الطبقة Memories of Class" ، إلى فكرة أن العمل طريق إلى الترقي الأخلاقي والتوبة والفداء، وفي أثناء الثورة الصناعية، كانت أخلاقيات العمل تُحقِّق غاية وظيفية من حيث أنها تسيطر على الطبقة العاملة وتضبطها. وكما يرى باومان، كانت "أخلاقيات العمل بالأساس تتعلَّق بتنازل الفقراء الصناعيين عن الحرية" (Bauman, 1998a: 7). بعبارة أخرى، استُخدِمت أخلاقيات العمل لضبط النظام الاجتماعي، وأصبحت ترمز إلى عالم الحداثة الجديد الشجاع[4] في مقابل "تقليدية" المجتمع ما قبل الصناعي.
غير أن هذا المفهوم الحديث أو "الفوردي" للعمل تغير مع صعود "المجتمع الاستهلاكي" وانحسار "المجتمع المُنتِج" (Bauman, 1998b: 80)؛ إذ يرى باومان أنه على عكس مجتمع المنتجين "الفورديين"، فإن المجتمع المعاصر يُشرِك أعضاءه في المقام الأول باعتبارهم مُستهلِكين؛ ففي "الطور الأحدث من الحداثة" -وهو ما يصفه باومان بأنه حداثة المُستهلِكين- نُفكِّر في أنفسنا أولًا وقبل كل شيء بوصفنا مُستهلِكين، ولم يعد العمل أساسًا لا للتكامل الاجتماعي ولا للتناسل المُمنهَج، ولا الهوية التي تستمر مع المرء مدى الحياة؛ إذ إن هذا الدور قد أُسنِد الآن إلى نشاط المُستهلِك. إن مجتمع المُستهلِكين –تمامًا مثل أسواق العمل المرنة التي يُولِّدها– يُعزِّز الهُويَّات المرنة؛ تلك الهُويَّات التي "تُعامَل مثل السلع الاستهلاكية؛ أي إنه يجب حيازتها وامتلاكها فقط من أجل استهلاكها ثم التخلُّص منها" (Bauman, 1998a: 29)؛ حتى تصير حرية المُستهلِك في الاختيار هي الإنجاز الذي يستحق الإشادة، بل يصبح الاختيار غايةً في حد ذاته، حتى هيمنت جماليات الاستهلاك الآن على المساحة التي كانت تهيمن عليها أخلاقيات العمل في ما سبق. صحيح أن قيمة العمل باعتباره مهنةً لها رسالة يُؤدِّيها المرء بتفانٍ تام لا تزال حاضرة، فإنها أضحت امتيازًا تتمتَّع به القِلة؛ إذ لم يعد بإمكان معظم العمَّال ممارسة "عملهم باعتباره مهنةً تتصل بهويتهم" لأن ذلك "ينطوي على مخاطر هائلة، بل هو أقصر طريق إلى الكوارث النفسية والعاطفية" (Bauman, 1998a: 35). وفوق كل هذا، تُستخدَم أخلاقيات العمل وسيلةً لعقلنة الوجود الأبدي للفقراء؛ فمثلًا، يُقال إن سبب الفقر هو عدم أخذ الفقراء أخلاقيات العمل على محمل الجد (Bauman, 1998a:65).
بيد أن هذه الحجة –كما يلاحظ باومان– تبدو متهافتة وبعيدة تمامًا عن واقع مجتمع المُستهلِكين ما بعد الحداثي، حيث لم يعد الفقراء يُمثِّلون جيشًا من العمالة الاحتياطية، بل يُنظَر إلى الفقراء -في ظل هذه التشكيلات المجتمعية الجديدة- على أنهم عديمو الفائدة تمامًا (Bauman, 1998a: 91)، ومن ثم تُقمَع أصواتهم، ويتعرَّضون للتجاهل، ويُهمَّشون بحيث يكونون بلا مكان. والنتيجة هي استبعادهم من "مجتمع البشر" ومن "عالم الواجب الأخلاقي" (Bauman 1998a: 93). ويخلُص باومان إلى أن نازعنا الأخلاقي –في ظل هذه الظروف– يُخفَت صوته، أو نَجِدْنَا نُقدِّم لأنفسنا مسوغاتٍ لإخماده. إن جوهر هذا الدافع –وهي فكرة فلسفية تناولها باومان بتشريح منهجي في مكان آخر (Bauman, 1993, 1995b)– هو "الشعور بالمسؤولية عن سلامة الأشخاص الآخرين الضعفاء، والتعساء، ومن يعانون، ورفاهيتهم" (Bauman, 1998a: 77)؛ وبتحويل الفقر إلى جُرم، يتمكَّن المجرمون المُحتمَلون من الإفلات من مسؤوليتنا الأخلاقية.
بيد أن هذا النازع الأخلاقي قد يطل برأسه من حين إلى آخر مقاومًا المسوغات التي تُخدِّره، وهنا تأتي "حفلات الأعمال الخيرية" المتتابعة لإخماده وتسكينه؛ تلك الاحتفالات التي يعتقد باومان أنها "تُجرِّد الذين يُزعَم أننا نريد مساعدتهم من إنسانيتهم الكاملة" (Bauman, 1998a: 79). يخشى باومان من أن استبعاد الفقراء من المجتمع البشري وإخراجهم من عالم واجبنا الأخلاقي قد يقودنا إلى تبني المنطق نفسه الذي استخدمه النازيون لتسويغ إبادة اليهود. بعبارة أخرى، الفقراء في المجتمع المعاصر -مثل اليهود تحت حكم ألمانيا الهتلرية- هم "بقعة سوداء في ثوب أبيض"، ومن ثم فإننا سننزع نحو إشباع رغبتنا في "طمس تلك البقعة القذرة، التي لولاها لكان لدينا عالم مُنظَّم ومجتمع طبيعي". (Bauman, 1998a: 94).
قد يبدو قياس الفقراء على اليهود هنا مُبالَغًا فيه، بيد أن بذور تلك المقارنة قد غُرِست في أرض خصبة. فكما يشير باومان، إن التطلُّع إلى الهيكلة والتنظيم –وهو ما يُولِّد بدوره إمكانية استعمال العنف تجاه أولئك الذين يُعرقِلون عملية التنظيم والتصنيف– يتجاوز الثقافات والأنظمة السياسية. يبدو أن باومان يتبنَّى منطقًا وظيفيًّا عندما يتناول العلاقة بين الفقراء ودافعنا الأخلاقي؛ ففي مجتمعنا الاستهلاكي ما بعد الحداثي، قد يبدو الفقراء عديمي الفائدة، لكن باومان يشير إلى أن فائدتهم لم تُمحَ تمامًا؛ فلا يزال بإمكان الفقراء المساعدة في تعزيز دافعنا الأخلاقي؛ فمن دون الفقراء قد يقبع هذا الدافع في سبات عميق.
يقبل باومان -بشكل غير نقدي- أطروحة العولمة، ويشير إلى أننا قد انتقلنا إلى عالم تتسارع فيه وتيرة العولمة. ويبدو أن قبول باومان هذا يتجاهل الإشكاليات التي تعاني منها أطروحة "العولمة"، وحقيقةَ أننا لطالما كنَّا مُعولَمين من بعض النواحي (Beilharz, 1998). استطاع مراقبون مثل هيرست وتومبسون (Hirst and Thompson 1996) رصْد العديد من الأساطير التي تُؤطِّر مقولة العولمة وتعريفها. كما أوضح هول (Hall) مُؤخَّرًا وبعمق (في كتاب له يصدر قريبًا) أن أنماط التداول والتبادل التجاري لا تدعم أطروحة العولمة، وأن تلك الأطروحة تفتقر إلى معنى متماسك لدى من يُروِّجون لها. ويخلُص هول من ذلك إلى أنه ليس هناك سوى قدر ضئيل من الاتفاق على حدودها النظرية والتجريبية. إلا أن قبول باومان لأطروحة العولمة لم يمنعه من الادِّعاء بأن لها آثارًا متناقضة؛ فهي تُفرِّق بقدر ما تُوحِّد، وإذا كان أثرها عند البعض حريةً، فثمة آخرون لا ينالهم منها سوى الاستبعاد والاستغلال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن ما يراه بعض المحليِّين على أنه نزوع نحو العولمة قد يعني لآخرين عودة ظهور تأثيرات التوطين. وبغض النظر عن تقييم المرء للعولمة من حيث كونها ضارة أو مفيدة، فإن باومان يرى أن فكرة التنقُّل قد أصبحت هي السمة الأساسية لها. بيد أن هذه السمة [التنقُّل] لا يتشاركها الجميع بالقدر نفسه؛ فبينما يصبح البعض "عالميًّا" حقًّا، تترسَّخ أقدام البعض الآخر في "منطقتهم المحلية"، والقواعد التي تُنظِّم هذا الوضع –وفقًا لباومان– تضعها "الكرة الأرضية". في هذا العالم المُعولَم والمُتنقِّل وما بعد الحداثي، تعرَّضت مقولة "الوطن" للأشكلة.
استنادًا إلى مقال هيلر (Heller) عن الوطن (Heller, 1995)، سلَّط باومان الضوء على الاختلافات بين أولئك المُرتبِطين بمناطقهم المحلية ومن يعُدُّون وطنهم سجنًا كبيرًا، وأولئك (المُتنقِّلين بحرية في أرجاء العالم) "الذين يمكنهم التخلُّص من أي قيود قد يفرضها عليهم الانتماء إلى وطن حقيقي" (Bauman, 1998b: 91). وبإدراكه الحاد، يستنتج باومان أن التجربة الأولى تقترب من "عبودية ما بعد الحداثة"، بينما التجربة الأخيرة "تستمر باعتبارها حرية ما بعد الحداثة" (Bauman, 1998b: 92). في هذا العالم المُعولَم الجديد، يظهر استقطاب جديد بين المُتنقِّلين والمُتوطِّنين ليكتمل التمييز التقليدي بين الأغنياء والفقراء.
بالنسبة إلى باومان، تُجسِّد الشركات المتعددة الجنسيات أو "المُلَّاك الغائبون" هؤلاء الفاعلين المُتنقِّلين الذين يُمثِّلون الطرف المنتصر في حرب المكان؛ إذ لم تعد القيود الإقليمية –قيود المحلية– تُمثِّل مشكلةً بالنسبة إليهم. يلاحظ باومان أن "الشركة حرة الحركة، لكن عواقب هذه الحركة محكومة بالبقاء حيث هي؛ إن من يمتلك حرية الخروج عن قيود المحلية، له الحرية في تجنُّب العواقب … وله الحق في التحرُّر من واجب الإسهام في الحياة اليومية والعمل على إدامة المجتمع" (Bauman, 1998b: 9–10). وهذه النخب المُتنقِّلة، على الرغم من السفر المستمر، ومن ثم التنقُّل الدائم، تستطيع أن تجد أو تبني مساحات خاصة معزولة وإقصائية. ونتيجةً لهذه العملية وظهور الفضاء الإلكتروني، يُؤكِّد باومان على حدوث "تفكُّكٍ لأشكال التآزر والتضامن المُؤسَّسة على المستوى المحلي، وانهيارٍ للحياة الجماعية المشتركة … وتقليص الفضاء العام ثم اختفائه". وبفقدان الأماكن العامة، لم يعد هناك سوى "فرصة ضئيلة لمناقشة المعايير، ومواجهة القيم والتفاوض بشأنها" (Bauman, 1998b: 25). لا يُبيِّن باومان صراحةً ما قد تعنيه "أشكال التآزر والتضامن المُؤسَّسة على المستوى المحلي، والحياة الجماعية المشتركة"، بل إنه في الواقع ينزلق إلى اللغة الجماعاتية التي انتقدها سابقًا (Bauman, 1996).
قَبِل ديكن في مناقشته للعولمة والهُجنة والغريب تأكيدَ باومان على أن التكامل والتشرذم (الجمع والتفريق) هما التأثيران المُزدوَجان للعولمة. بل ذهب ديكن إلى أبعد من ذلك، ولاحظ أن العالم المُعولَم هو بيئة خصبة لانتشار الهُجنة. ينظر ديكن إلى الثقافة "التركية" في مدينة جيلروب الدنماركية على أنها "مُخلَّطة" وليست وحدة متجانسة ترتبط عادةً بثقافة ريفية "أصيلة" و"تقليدية" (Diken, 1998: 141). في الواقع، يرى ديكن أن ما نجده في جليروب هو "بقعة تركية" تعيش في أزمنة مختلطة؛ المجتمع التقليدي، والحداثة، وما بعد الحداثة. ويُقرِّر ديكن -بإقناع- أن المهاجرين لا يعيشون فقط في أزمنة مختلطة، بل إننا نعيش جميعًا في الوقت نفسه عوالمَ مختلفة، وأنه بدلًا من التعامل مع المجتمع التقليدي والحداثة وما بعد الحداثة على أنها فترات تاريخية مُتفرِّقة، يجب أن نعُدَّها منظورات مختلفة تتجاور معًا في آن واحد (Diken, 1998: 161).
من هذا المنطلق، حدَّد ديكن مُخطَّطات تفسيرية مختلفة وفقًا لما إذا كانت تقبل منطق النظام والتصنيف أو منطق الإبهام؛ فعلى سبيل المثال: لدينا التقليد باعتباره حالة نظام، والحداثة باعتبارها حالة نظام، وما بعد الحداثة باعتبارها حالة نظام، والتقليد باعتباره ، والحداثة باعتبارها حالة إبهام، وما بعد الحداثة باعتبارها حالة إبهام. بيد أن التحليل في الأماكن ينزع نحو التعقيد والتركيب، على الرغم من أن هذه الفئات تُوضِّح لنا الطرق التي تمكَّن بها المُنظِّرون الاجتماعيون من تقديم تأطير مفاهيمي للتكوينات المجتمعية المختلفة. يُقرِّر ديكن بعدد من الحجج أن الحداثة باعتبارها حالة إبهام هي في الوقت نفسه تعمل مع مفهوم التقليد باعتباره حالة نظام؛ إذ ترمز الحداثة إلى "التلاشي" والإبهام. أما في منظور الحداثة باعتبارها حالة نظام، يصبح مفهوم "التقليدي" مُبهَمًا، وهو ما تحاول الحداثة حصره زمانيًّا واستيعابه من خلال "التحديث" (Diken, 1998: 182).
لكن الأمر المُشكِل في هذا التحليل هو إذا ما كان المُنظِّرون الاجتماعيون يتبنَّون موقفًا مُبهَمًا تجاه الحداثة أو التقليد، أو إذا ما كان "الحديث" و"التقليدي" مقولتين ذواتَي طبيعة مُبهَمة. يتجلَّى هذا اللبْس خصوصًا عندما يعتمد ديكن على باومان في تصوُّر كلٍّ من الحداثة باعتبارها حالة إبهام والحداثة باعتبارها حالة نظام؛ فمن غير الواضح إذا ما كان ديكن يعتقد أن باومان يتبنَّى منظور التقليد باعتباره حالة نظام أم التقليد باعتباره جزءًا من حالة الإبهام في تحليله للحداثة. ومع ذلك، فإن تحليل ديكن يستدمج –دون نقد– مجاز الهُجنة لتفكيك خطاب الهجرة في الدنمارك.
يحاجج ديكن بأن الهُجنة ترفع أي نوع من الشمولية، سواء في الداخل أو الخارج؛ فلا توجد هوية "دنماركية" أو "تركية" كاملة [نقية] (Diken, 1998: 149). وبهذه الطريقة، يمكن أن يُؤدِّي تأكيد وقوع التهجين لكل الهُويَّات إلى مواجهة الانعكاسات السلبية التي يمكن أن تُولِّدها تجربة الغربة أو النزوح. كما يذهب باومان وديكن كلاهما إلى أن الاحتفاء ما بعد الحداثي بالاختلاف له أثر مُقلِق لأنه يُشجِّع القبَليَّة؛ فالمجتمعات القبَليَّة الجديدة، التي عُرِّفت ورُصِدت لأول مرة في عمل مافيزولي (Maffesoli 1996)، لديها ميول إلى التعصُّب والعدوان؛ لأنها من دون القرارات الفردية لن يكون لديها أي أساس متين تستند إليه. وما يربط هذه المجتمعات القبَليَّة معًا تحت إقليم واحد هو ما يُصنَّف على أنه "ثقافة"، وهنا يظهر رفض الغرباء "في تعبيرات شفهية تشير إلى عدم توافق الثقافات أو عدم قابليتها للامتزاج ..."( Bauman, 1993: 17).
ويُقرِّر باومان أنه من المُفارَقات أن هذه المجتمعات الإقصائية الجديدة تستخدم اللغة نفسها التي ارتبطت بالخطاب الثقافي الشمولي، ويشير إلى أن "ما يُنظَر إليه الآن باعتباره شذوذًا غير طبيعي تجب مقاومته بقوة ليس التعددية الثقافية والانفصالية، بل التبشير الثقافي والدفع نحو التوحيد الثقافي" (Bauman, 1993: 18). لقد أدَّى هذا التسامح من جانب الليبراليين إلى تغذية روافد التعصُّب من جانب "قبَليَّات ما بعد الحداثة"، وإذا كان التباعد الاجتماعي، الذي حدث في ظل الحداثة، قد أدَّى إلى اضطهاد واسع، فقد أدَّت خصخصة ما بعد الحداثة للتباعد الاجتماعي إلى انتشار الاضطهاد على نطاق ضيق ومتنوع ومُتعدِّد الجوانب.
يدَّعي ديكن أيضًا أن الاحتفاء بحالة الغربة قد "يحمل بين ثناياه جرثومة" البحث عن مراكز ثابتة مثل "الوطن"، ويُعزِّز "القبَليَّة" والأصولية (Diken, 1998: 152). ومن أجل مواجهة هذه التداعيات السلبية لحالة الغربة؛ نحتاج إلى تشجيع العمليات التي تُعزِّز الإبهام والتهجين (Diken, 1998: 155). من ناحية أخرى، يتَّخذ باومان موقفًا نقديًّا أشدَّ تجاه أيديولوجية التهجين وعلاقتها بالعولمة. يتفق باومان مع فريدمان (Freidman 1997) على أن التهجين يشير في أغلب الأحيان إلى "التهجين الثقافي للكرة الأرضية" (Bauman, 1998b: 100). ويلاحظ باومان أن بين الأطراف والنخب المُتعلِّمة فجوةً اقتصادية واجتماعية وثقافية كبيرة (Bauman, 1998b: 102). ومن هنا يذهب باومان إلى أن تأكيد ما بعد الحداثيين غير النقدي على التهجين (2)، ومفهومهم للعولمة، ونقدهم للخطاب الجوهراني بشأن الهوية = "أبعد ما يكون عن تمثيل التعقيد والتناقضات الحادة التي تُمزِّق العالم" (Bauman, 1998b: 101). وتنكشف مثل هذه التناقضات بوضوح عندما نعترف أن العولمة في القمة تُؤدِّي إلى التشرذم والغربة في القاع.
وُظِّفت مقولة الغريب بتزايد لتطوير نظرية اجتماعية للآخر تزعم أنها تُقدِّم نموذجًا نظريًّا أكثر انسجامًا مع عالمنا المُعولَم المتعدد الثقافات. يذهب رودولف ستيشويه (Rudolf Stichweh 1997) إلى أن المقاربة الاجتماعية الكلاسيكية للغريب (تلك التي طوَّرها زيمل وشوتز) تفترض سلفًا أن النظام الاجتماعي، الذي يُصنِّف الآخرين على أنهم غرباء، يصف نفسه بأنه قائم على الانتساب العضوي. ونتيجةً لذلك، لا يصح وصف الغرباء إلا بأنهم ليسوا أعضاء. بعبارة أخرى، يُصنَّف تلقائيًّا أولئك الذين لا يتوافقون مع قيم المجتمع المضيف ورؤيته للعالم على أنهم غرباء. ويُؤكِّد ستيشويه أن هذا النمط من التمثيل والفهم لم يعد له صلة بالمجتمع المعاصر، ويقترح –بالاعتماد على نظرية الأنظمة– أنه في بيئة حضرية تظهر فيها التفاوتات الوظيفية، يصبح الغرباء إما غير مرئيين أو منتشرين في كل مكان. وفي هذه البيئة، تفقد مقولة الغريب وظيفتها المُحتمَلة التي تتمثَّل في الإشارة إلى سمات اجتماعية مميزة. وكما يرى ستيشويه؛ فإن الأفراد المعاصرين لا يبنون علاقاتهم بعضهم ببعض على أساس الصداقة ولا العداوة.
ومن هذا المنطلق أيضًا، يفترض ستيشويه أن حالة الغريب قد أصبحت عالمية لأن الموقف السائد بين الأفراد في بيئة حضرية هو موقف اللامبالاة. لقد شدَّد هارمان (Harman 1988) على موضوع عولمة حالة الغربة، وما يصاحب ذلك من اختفاء الغريب باعتباره دخيلًا. بعبارة أخرى، إذا فُهِمت الحداثة المُتأخِّرة على أنها شكل اجتماعي يهيمن عليه التباين والاختلاف بين أفراده، فإن الاختلاف يصبح هو الأصل لا الفرع، القاعدة لا الاستثناء، ومن ثم لم يعد الاختلاف يقبع على هامش هذا المجتمع، بل يُشكِّل أساسه الذي يقوم عليه. ويخلُص ستيشويه إلى استنتاج مثير للجدل مفاده أنه إذا لم يعد التغلُّب على حالة الغربة يُمثِّل مشكلة استراتيجية للمجتمع الحديث، فإن هذا علامة على اختفاء الغريب. ولكن في ضوء تمييز باومان بين الغريب الحداثي والغريب ما بعد الحداثي، يجب أن يكون لهذا الاستنتاج وجه ما. إلا أننا إذا اعترفنا بوجود غرباء ما بعد حداثيين -كما يُمثَّل لهم بظهور "الفقراء الجدد"- فإن فكرة أننا نشهد اختفاء الغريب تبدو أقل إقناعًا.
علاوةً على ذلك، أظهر باومان أنه مع أن الاختلاف قد يُشكِّل أساس مجتمع ما بعد الحداثة، لا تزال ممارسات التهميش والاستغلال والإقصاء مرتبطةً ارتباطًا جوهريًّا بكيفية تعامل المجتمع المعاصر مع حالة الآخرية/الغيرية. وعند باومان، (فإن) الفرق بين الممارسات الإقصائية الحداثية وما بعد الحداثية هو أن الأخيرة مرتبطة بسياسات الهوية، بينما الأولى مرتبطة ببحث الحداثة عن نظام يكون فوق كل نظام (meta-order).
من ناحية أخرى، تتبنَّى تابوني (Tabboni 1995) موقفًا نقديًّا مشابهًا تجاه الفكرة الكلاسيكية عن الغريب، ولكن، على عكس ستيشويه، نقدها ليس مُوجَّهًا إلى النظام الاجتماعي الذي يُحدِّد من هو الغريب، بل إن تحفُّظاتها مُوجَّهة إلى الطريقة التي يُعرِّف بها الباراديغم الكلاسيكي الغرباءَ تلقائيًّا؛ فالغريب –وفقًا لهذا الباراديغم– هو من يُقوِّض العالم القديم أو يخضع لبطشه. وفي طريقة التحليل الكلاسيكية، يُتجاهَل التراث الثقافي للغريب لأنه يُجسِّد المساواة في الحقوق، بدلًا من الاعتراف بالاختلاف. وفي الحداثة الأوروبية، يرمز الغريب إلى أكثر مبادئ الحداثة شهرةً، ألا وهي العقلانية العالمية، والانفصال العاطفي، والأولوية المعطاة للحياة الفكرية والمال. وتُقرِّر تابوني أن هذا التمثيل للغريب لا يمكن أن يستمر إذا اعترفنا بأننا نعيش في عالم مُعولَم ومُتعدِّد الثقافات؛ ففي ظل هذه الظروف، لم يعد من الممكن اعتبار الشخص الغريب فردًا خاليًا من تأثيرات الجماعة.
تذهب تابوني إلى أن العيب الرئيسي في المفهوم الكلاسيكي للغريب هو أنه يقوم على وجه واحد من الحداثة. تُقرِّر تابوني –اعتمادًا على عمل تورين (Touraine 1995)– أن للحداثة وجهين؛ وجه تظهر فيه عملية تعميم معايير ومقاييس، وآخر تظهر فيه عملية الخصوصية. وتتجلَّى تلك العملية الأخيرة خصوصًا من خلال المطالبة في جميع أنحاء العالم بالاعتراف بالهُويَّات الجمعية؛ إذ أصبح الاعتراف بالهُويَّات العرقية والإثنية مصدرَ تقديرٍ للذات، ومن ثم لا يمكن لنظرية اجتماعية عن الغريب أن تتجاهل خلفيتها الثقافية بعد الآن؛ إذ تشير تابوني إلى أن تاريخ الحداثة ينزع نحو التأكيد على عمليات التعميم أو الخصوصية. وهي في الحقيقة تريد تجاوز هذه النظرة التي تفصل بين وجهَي الحداثة، وتوضيحَ أنه يمكن أيضًا استخدام شخصية الغريب للجمع بين هذين الوجهين معًا. وبهذه الطريقة، يحافظ التصنيف الاجتماعي للغريب على الإبهام الذي عدَّه الباراديغم الكلاسيكي السمةَ الرئيسية له.
على عكس الدراسات السالفة الذكر، التي تستخدم نظريات اجتماعية أخرى لتُصوِّر علاقة الغريب بالحداثة، يستخدم ديكن استعارة الغريب لبناء ما يعتقد أنه نظرية اجتماعية بديلة. طوَّر ديكن مقاربة للهجرة تعتمد على "نظرية اجتماعية لحالة الإبهام" وتتبنَّى في الوقت نفسه منظورًا داخليًّا وآخر خارجيًّا. إن ما يميز هذه النظرية –وفقًا لديكن– هو أنها تجمع بين كونها منفصلة عن وحاضرة بين مُتعلِّقاتها، مما يُمكِّنها من الدخول في حوار بين-ذاتي معهم. إنها "تنطوي على التقابل في خضم العوالم المعيشة، ومن ثم تتطلَّب مهارة عالية من التأمل التأويلي" من أجل .
يُؤكِّد ديكن أن ثمة أوجهَ تشابه تجمع بين النظرية الاجتماعية بشأن الغريب ونظيرتها بشأن حالة الإبهام. تستقر النظرية الاجتماعية بشأن حالة الإبهام على هوامش النظام الاجتماعي وتتخطى الحدود الصارمة، وهو ما تنتج عنه بالضرورة حالة الهُجنة، وهو ما يعني أنها "تتأرجح" دون بناء تركيبي، بمعنى أن المرء يظل في هذا الموقف دون أن يُعوِّل على سرد "رئيسي". يبدو أن النظرية الاجتماعية بشأن حالة الإبهام، التي يُطوِّرها ديكن، تجمع بين وجهَي الحداثة معًا؛ فمن المُفترَض أنها تسمح للباحثين بتبني عمليات العقلنة وإضفاء الطابع الموضوعي، في الوقت نفسه الذي تتيح لهم فيه إمكانية الانغماس في موضوع الدراسة، ومن ثم التعبير عن عمليات التذويت. من الواضح أن النظرية الاجتماعية لحالة الإبهام تميط اللثام عن الطبيعة الهجينة للثقافات؛ لأنها لا تهتم بالثقافات في حد ذاتها، بل من حيث كونها تتقاطع وتتداخل. وهكذا تصبح التعددية الثقافية مركزيةً للنظرية الاجتماعية بشأن حالة الإبهام لأنها تجعل من الممكن -على الأقل من الناحية النظرية- فهم اختلاط الثقافات بعضها ببعض، وأيضًا ترابط الثقافة مع المؤثرات الاجتماعية والمكانية وغيرها من المؤثرات غير البشرية. إن الغريب وقدرته على أن يكون في الداخل والخارج على حدٍّ سواء، وتمكُّنه من تمثيل كلٍّ من القرب والبعد في الوقت نفسه = يُردِّد صدى مشروع تأويلية جادامير (Gadamer 1997)؛ ففي كتابه الحقيقة والمنهج Truth and Method، يحاجج جادامير بأن التفاعل بين الألفة والغربة هو جوهر الممارسة التأويلية. وعلى حد تعبيره، فإن "المكان الحقيقي للتأويل هو هذا الفضاء البيني" (Gadamer, 1997: 295) (3).
ولكن، على الرغم من محاولة ديكن تقديم أساس تجريبي لنظريته الاجتماعية بشأن حالة بتحليل نمط التخطيط الحضري الدنماركي، تتغيَّا النظرية أكثر مما تستطيع تحقيقه بالفعل. هل مثل هذا الموقف البيني -الوقوف بين المنظور الداخلي والخارجي- ممكن؟ يشير نقد مارتن فوكس (Martin Fuchs 1993) للمنظور الإثنولوجي إلى أن هذا الموقف الوسط بين كون المرء داخل الجماعة وخارجها في الوقت نفسه، والرؤى التأويلية التي يزعم أنها تُعزِّزه = لا يثبت على أساس متين؛ فأولًا، يتجاهل هذا المنظور المُزدوَج حقيقة أن "النظرية الاجتماعية بشأن حالة الإبهام" بناها بالأساس شخص خارج الجماعة، تختلف رؤيته وفهمه لمجتمع المهاجرين التركي وتجربة العنصرية عمَّن تعرَّضوا لهذه التجربة بالفعل، ومن المُفترَض -وفقًا لديكن– أنه أقدر من المشاركين أنفسهم على فهم حالتهم. بيد أنه في مرحلة ما يخلُص ديكن –بعد التسليم بفكرة بورديو أن عملية المقابلة تنطوي على افتراض إضفاء الطابع الموضوعي من جانب الباحث– إلى أنه من دون الاعتراف بالشروط الموضوعية الكامنة وراء استجابات المشاركين، يخاطر المرء "بالقراءة الحرفية لهذه الاستجابات، وهو ما يُعَدُّ ممارسةً سخيفة" (Diken, 1998: 95).
يعتمد ديكن على أفكار التحليل النفسي، ومع أن بعض المهاجرين، الذين أُجريَت معهم مقابلات، اعتقدوا أنهم لم يتعرَّضوا للعنصرية، فإنه يدَّعي أن هذا في الحقيقة شكل من أشكال العزل والتنحية الذي يُسبِّبه ما لم يختبروه. ويخلُص إلى أنهم "يقمعون الواقع من خلال محاولة تنحية حقيقة أنهم يتعرَّضون للتمييز، أو أن مناطق عيشهم معزولة وموصومة" (Diken, 1998: 113). مع أن الهدف من النظرية الاجتماعية لحالة الإبهام هو محاولة الحفاظ على الحوار البين-ذاتي والسماح للمراقب بأن يكون أكثر وعيًا بذاته، اضطلع الباحث أو المُحلِّل في النهاية -وفقًا لفوكس- بمهمة "تشييء الكل"، و"لا يزال يبدو أنه المُتحكِّم في عملية التصنيف والعرض" (Fuchs, 1993: 119).
لا يُصرِّح باومان بأنه يستهدف بناء "نظرية اجتماعية لحالة "، مع أن هو موضوع مركزي في كلا كتابيه العولمة والفقراء الجدد. قُرِئت أعمال باومان باعتباره مُنظِّرًا ما بعد حداثي، ويميل ديكن إلى تعزيز هذه القراءة لباومان عندما يعتمد عليه باستمرار لتفكيك خطاب الهجرة في الدنمارك. كما أحال باومان في أعماله إلى كتابات ما بعد البنيويين الفرنسيين، مثل فوكو ودريدا، وقد انتقد باستمرار نسخة الحداثة التي تُروِّج للعقلانية الأداتية والكونية والتأسيسية الأخلاقية. بيد أن هذه القراءة لباومان باعتباره ما بعد حداثي تُغفل الحوار الضمني في أعماله بين النظرية النقدية وما بعد البنيوية. بعبارة أخرى، مع أن باومان لا يألو جهدًا في نقد المشروع الحداثي الشامل، وإرادته فرض النظام والتصنيف، تحاول نظريته الاجتماعية توسيع إمكانيات التحرُّر والعدالة الإنسانية لأولئك المُستبعَدين والمُهمَّشين. و"المشروع الحديث" -على الأقل عندما يُفهَم على أنه عملية يجب أن تُعزِّز الحريات السياسية والاجتماعية للذات الحديثة، وأن تُحسِّن نوعية حياة الأفراد- يقف وراء الكثير من أفكار باومان.
يرفض ديكن اليوتوبيا لأنها تُمثِّل إغلاقًا وليس انفتاحًا للممارسات السياسية والاجتماعية (Diken, 1998: 312)، وبالنسبة إليه فإن "المجتمع الجيد" هو أمر يحتاج إلى التفكيك وليس البناء. في المقابل، تبدو نظرة باومان إلى اليوتوبيا أكثر انفتاحًا؛ ففي كتابه "الفقراء الجدد"، استند باومان إلى مقولة كاستورياديس (Castoriadis) التي مفادها أنه علينا ألَّا نتوقف عن وضع أنفسنا في موضع الشك والمساءلة، وخلُص إلى أنه من أجل تحدي النظرة العالمية السائدة للحالة الإنسانية والعمل وما يعنيه أن نحيا حياة كاملة؛ فنحن بحاجة إلى الاعتراف بوجود وجهات نظر بديلة للعالم أو اليوتوبيا. وهذا هو الموضوع الذي عبَّر عنه بالأساس في الاشتراكية: المدينة الفاضلة النشطة( Socialism, the Active Utopia (1976. طرح كلاوس أوفي (Claus Offe) أحد هذه البدائل لرؤيتنا السائدة والمقبولة للعمل والفقراء؛ فهو يُؤكِّد أنه يجب علينا فصل الدخل الفردي عن القدرة على كسب الدخل.
وفي إطار البديل الثاني الذي قدمه باومان، استُبدِلت أخلاقيات العمل بمفهوم فيبلين عن "الأخلاقيات الحِرَفيَّة"؛ إذ يعترف هذا المفهوم بأن البشر كائنات مبدعة وأنه "من المهين افتراض أن السعر هو ما يُميِّز العمل عمَّا لا يُعَدُّ عملًا، أو الجهد المُثمِر عن التسكُّع بلا طائل" (Bauman, 1998a: 97). غنيٌّ عن القول إن رسالة باومان أعمق وأكثر استنارةً من الافتراض الساذج أنه بمجرد أن نضع هذه البدائل موضع التنفيذ، فإن عامة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه الغرب اليوم سوف تُحَلُّ تلقائيًّا؛ فليست هذه البدائل بعينها بل جنس البدائل في حد ذاتها هي التي ستسمح لنا بمساءلة النظام السائد والمعايير السائدة. ويلاحظ باومان أن البشر هم نوع يتغير باستمرار ويتحدَّى ما يحيط به ويُصنِّفه.
لا يتجاهل باومان مفاهيم مثل "العدالة" و"المجتمع الجيد" ما دمنا ندرك أنها تُمثِّل حالات ومشروعات غير منتهية؛ فالعدالة بالنسبة إلى باومان تعني دائمًا الرغبة في المزيد من العدالة (Bauman, 1997: 69). وعلى عكس ديكن، الذي يحتفي بحالة الإبهام ويفترض أن هذه الحالة جيدة في حد ذاتها، يشير باومان إلى أن الإبهام يُوفِّر الإمكانية أو الوسائل التي نسعى بها إلى الحرية، خصوصًا بالنسبة إلى المُستبعَدين، وهو الوسيلة التي نمد من خلالها يد العون إلى الضعفاء والمُهمَّشين؛ فحالة الإبهام ليست مفردة من مفردات الأخلاق، بل إنها بالأحرى حالة نعيش فيها. والإنسان الحديث -كما افترض هيلر- هو شخص لا يثبت على حال، وحالة الإبهام واللاثبات هذه هي أحد المُكوِّنات الرئيسية للحالة البشرية (Heller, 1989–90)، ومن ثم فحالة الإبهام هي وسيلة لتحقيق غاية، ويُؤدِّي الاحتفاء بها لذاتها إلى انتقالنا نحو ما بعد الحداثة؛ تلك الحالة الخالبة من النظرية الاجتماعية النقدية، وهو ما يعني أنها قد تديم الظلم عوضًا عن تخفيفه.
الهوامش
أود أن أتوجه بالشكر إلى بيتر بيلهارز Peter Beilharz وتريفور هوجان Trevor Hogan على تعليقاتهما على المُسوَّدة الأولى لهذه المقالة.
[1]* Giorgio Agamben, “Hunger of an Ox: Considerations on the Sabbath, the Feast, and Inoperativity”, in Idem, Nudities, trans. David Kishik and Stefan Pedatella (California: Stanford University Press, 2011), p. 104-112.
[2] - يعود التمييز بين المصطلح المُشتَق والمصطلح الأساسي إلى عمل اللغويَّين نيكولاي تروبيتزكوي ورومان جاكوبسون، وقد كانت هذه الطريقة تُستعمَل لوصف المتقابلات الثنائية. المصطلحات المُشتَقة: هي مصطلحات أساسية أُضيف إليها لواحق لغوية فصارت كلمات تُعبِّر عن معنى مغاير لمعنى المصطلح الأساسي، غالبًا ما يكون المعنى المقابل. بينما المصطلح الأساسي يُشار إليه غالبًا بأنه الكلمة "الافتراضية"، ومن ثم يُشكِّل كلا النوعين أزواجًا، على سبيل المثال: كلمة "work" (المصدر الافتراضي) مقابل كلمة "worked" (الفعل الماضي). وفي علم الاجتماع عادةً ما يُستعمَل هذا التمييز في الدراسات الجندرية لرصد تمثُّلات اللامساواة بين الجنسين على صعيد اللغة، وتُضرَب لذلك أمثلة، منها: "man/men" مقابل "woman/women"، و"actor" مقابل "actress"، وغيرها من الكلمات التي تكون فيها الكلمة المُؤنَّثة "مُشتَقة" من الكلمة المُذكَّرة، بينما تكون الكلمة المذكرة هي الأساس، ويرون في هذا نوعًا من استمرار خطاب اللامساواة بين الجنسين. بيد أن المؤلف هنا وسَّع دلالة المصطلح، وقصد منه أن المصطلح الأدنى (المُشتَق) صار جزءًا أساسيًّا من تعريف المصطلح الأساسي الذي يُفترَض فيه أنه يستغني عن غيره في تعريفه. (المترجم)
[3] - في حقيقة الأمر، تعود جذور هذه الفكرة (أن الذات تتشكل في مقابل الآخر) إلى هيجل، وجميع تنويعاتها اللاحقة مُستمَدَّة منه. (المترجم)
[4] - يُعرِّض المؤلف هنا برواية ألدوس هكسلي "عالم جديد شجاع" التي عرض فيها صورة سوداوية لمجتمع تهيمن عليه قيم الإنتاج والنزعة الاستهلاكية. (المترجم)
Bauman, Zygmunt (1976) Socialism, the Active Utopia. London: Allen & Unwin.
Bauman, Zygmunt (1982) Memories of Class. London: Routledge & Kegan Paul.
Bauman, Zygmunt (1983) ‘Industrialism, Consumerism and Power’, Theory, Culture and Society 1(3): 32–43.
Bauman, Zygmunt (1987) Legislators and Interpreters: On Modernity, Postmodernity and Intellectuals. Oxford: Polity Press.
Bauman, Zygmunt (1989) Modernity and the Holocaust. Cambridge: Polity Press.
Bauman, Zygmunt (1991) Modernity and Ambivalence. Oxford: Polity Press.
Bauman, Zygmunt. (1993) Postmodern Ethics. Oxford: Blackwell.
Bauman, Zygmunt (1995a) ‘Making and Unmaking of Strangers’, Thesis Eleven 43: 1–16.
Bauman, Zygmunt (1995b) Life in Fragments: Essays in Postmodern Morality. Oxford: Blackwell.
Bauman, Zygmunt (1996) ‘On Communitarians and Human Freedom or, How to Square the Circle’, Theory, Culture & Society 13(2): 79–90.
Bauman, Zygmunt (1997) Postmodernity and its Discontents. Oxford: Polity Press.
Bauman, Zygmunt (1998a) Work, Consumerism and the New Poor. Buckingham: Open University Press.
Bauman, Zygmunt (1998b) Globalization: The Human Consequences. Cambridge: Polity Press.
Beilharz, Peter (1998) ‘Introduction: Thinking within Pacific Horizons’, Thesis Eleven 55: iii–xiv.
Bhabha, H. (1990) ‘The Third Space’, in Jonathan Rutherford (ed.), Identity: Community, Culture, Difference. London: Lawrence & Wishart.
Bhabha, H. (1994) The Location of Culture. London: Routledge.
Dessewffy, Tibor (1996) ‘Strangerhood without Boundaries: An Essay in the Sociology of Knowledge’, Poetics Today 17(4): 599–615.
Diken, Bülent (1998) Strangers, Ambivalence and Social Theory. Aldershot: Ashgate.
Freidman, Jonathan (1997) ‘Global Crises, the Struggle for Cultural Identity and Intellectual Porkbarrelling: Cosmopolitans versus Locals, Ethnics and Nationals in an Era of De-hegemonisation’, in P. Werbner & T. Modood (eds) Debating Cultural Hybridity: Multicultural Identities and the Politics of Anti-Racism. London: Zed Books.
Fuchs, Martin (1993) ‘The Reversal of the Ethnological Perspective: Attempts at Objectifying One’s Own Cultural Horizon: Dumont, Foucault, Bourdieu’, Thesis Eleven 34: 104–25.
Gadamer, Hans-Georg (1997/1960) Truth and Method, trans. Joel Weinsheimer and Donald G. Marshall. New York: Continuum.
Hall, John A. (forthcoming) ‘Globalization and Nationalism’, Thesis Eleven 64.
Harman, Lesley D. (1988) The Modern Stranger: On Language and Membership. Berlin: Mouton de Grayter.
Heller, Agnes (1995) ‘Where are We at Home’, Thesis Eleven 41: 1–18.
Heller, Agnes (1989-90) ‘The Contingent Person and the Existential Choice’, The Philosophical Forum XXI(1–2): 53–69.
Hirst, Paul and Thompson, Grahame (1996) Globalization in Question: The International Economy and the Possibilities of Governance. Oxford: Polity Press.
Hogan, Trevor (1998) ‘Dead Indians, Flawed Consumers and Snowballs in Hell’, Arena 10: 151–8.
Maffesoli, Michel (1996) The Time of the Tribes: the Decline of Individualism in Mass Society, trans. Don Smith. London/Thousand Oaks, CA: Sage.
Muller, Rene J. (1987) The Marginal Self: An Existential Inquiry into Narcissism. New Jersey: Humanities Press.
Park, R. E. (1928) ‘Human Migration and the Marginal Man’, The Collected Papers of Robert Ezra Park, vol. 1. New York: Arno Press.
Schutz, Alfred (1944) ‘The Stranger: An Essay in Social Psychology’, American Journal of Sociology 49(6): 499–507.
Siu, Paul C. P. (1952) ‘The Sojourner’, American Journal of Sociology 58(1): 34–44.
Stichweh, Rudolf (1997) ‘The Stranger – On the Sociology of Indifference’, Thesis Eleven 51: 1–16.
Stonequist, Everett (1937) The Marginal Man: A Study of Personality and Culture Conflict. New York: Russel & Russel.
Touraine, Alain (1995) Critique of Modernity, trans. David Macey. Oxford: Blackwell.
Tabboni, Simonetta (1995) ‘The Stranger and Modernity: From Equality of Rights to Recognition of Difference’, Thesis Eleven 43: 17–27.
Vallas, Steven P. (1999) ‘Rethinking Post-Fordism: The Meaning of Workplace Flexibility’, Sociological Theory 17(1): 68–101.
Wood, Margaret Mary (1934) The Stranger: A Study in Social Relationships. New York: Columbia University Press.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.