*1.
لم تُنشر جمهرة مؤلفات الفيلسوف الفرنسي دُني ديدرو المهمة―على سبيل المثال: كتاب حُلم دالمبير والروايتان الفلسفيَّتان ابن أخِ رامو وچاك القدري، أي تلك المؤلفات التي يُعرف بها اليوم أكثر من غيرها―إلا بعد مماته (ت. 1784). ومع ذلك، حظي مؤلَّفٌ بعينه من بينها بقدرٍ من الشهرة، بل وسوء السمعة في حياته، لكنه نادرًا ما يُقرأ في أيامنا، وهو روايته الأولى، الجواهر الطائشة (1748).[1]
في هذه الرواية، تُطرح الفلسفة بواسطة الجسد نفسه. في هذه الأخيولة (fantasy) الفلسفية، ينطق الجسد نفسه، إذ يتمتع بعضوٍ للكلام خاصٍّ به: إنه يتكلم من خلال العضو الذي يُعدُّ، عادة، العضو الأقل خضوعًا للروح أو العقل، وهو عضو المرأة التناسلي، الذي يُكنِّي ديدرو عنه هنا بالجوهرة.[2] ولعل هذه هي الكلمات الوحيدة في تاريخ الفلسفة التي لم تنطق بها الروح أو العقل وإنما الجسد (ولهذا السبب وحده، تستحق هذه الوثيقة الفريدة مكانًا لها في تاريخ الفلسفة). والفلسفة التي يعرضها الجسد المتدبر في شأنه وشأن روحه فلسفة مادية، أي فلسفة ديدرو نفسه. فهذه الرواية تؤشر على تحول ديدرو من مذهب التألة الطبيعي (deism) المبثوث في مؤلفاته المبكرة كـتأملات فلسفية (1746) إلى مذهب المادية الصريحة المبثوث في مؤلفاته المتأخرة كـرسالة في العميان (1749). لقد أتى ديدرو، إذًا، بفكرة الجسد المتكلم في خضم بحثه عن سبيل للمحاججة عن المذهب المادي. ولأنه يعتقد أن الجسد يعلم عن شأنه وشأن روحه أكثر مما تعلم الروح عن شأنها وشأن جسدها، عرض ديدرو الفلسفة المادية كخطاب للجسد عن الجسد. في المذهب الروحاني، الروح (النفس) مائزة عن الجسد الذي تحييه، أي أن الجسد غيرُ روحه، بينما في المذهب المادي، ليست الروح سوى «طبيعة ]بنية، تكوين، حال[ الجسد وحياته»، أي أنَّ الجسد هو روحه. وبمجرد أن يوهب الجسد القدرة على الكلام، لن يطرح إلا فلسفة مادية يقينًا، مثلما لا تطرح الشخصيات الخيالية―أي الروائية أو السينمائية―وهي تتدبر في مقامها الوجودي (الأنطولوجي) في عالم الرواية أو الفيلم إلا نسخة من لاماديّة چورچ باركلي (ت. 1753) في أغلب الأحيان.[3]
حبكة الرواية فريدة، لكنها بسيطة إلى حدٍ ما. في سلطنة الكونغو الإفريقية، وقعت واقعة بالغة العجب: فجأة، شرعت النساء في سرد أفعالهن الأشد خصوصية، من خلال أعضائهن الأشد حميمية، في الأماكن الأشد عمومية، كالأوبرا والمسارح ومحافل الرقص ونحو ذلك. لقد أضحى عضو (آلة) الكلام مزدوجًا في جسد المرأة، إذ لم يعدن يتكلمن من أفواههن فحسب وإنما من فروجهن كذلك. وتفسير هذه الظاهرة العجيبة بسيط في واقع الأمر: بعدما أضنت مسألة عفة النساء السلطان مانجوجول وأعياه التفكير فيها، وقعت يداه على خاتم سحري مكَّنه من إنطاق «الأعضاء (الآلات) الأساسية»[4] التي تقوم بتلك الأفعال التي تؤرق باله، أي الفروج أو الجواهر. ولكي يتبين ما إذا كانت عفة نساء سلطنته محض وهم، أجرى سلسلة من «الاستجوابات»، أكدت فيها كل امرأة بلسانها على عفتها وإخلاصها لزوجها. لكن على أساس الشهادة التي حُصل عليها من خلال «الاستجواب-المضاد»―أي استنطاق جواهر النساء بواسطة الخاتم السحري―تبين أنهن كاذبات، فكلهن فاجرات وخائنات. وباختصار، لقد ثبت أنّ عفة نساء الكونغو ليست سوى وهم. وهذا كل ما في القصة تقريبًا.
لقد وصِفت هذه الرواية بأنها عُهرية (بورنوجرافية) بسبب قيامها على فرضية الفروج أو «الجواهر المتكلمة»، لكن ذلك أبعد ما يكون عن الصواب. فكما قال أرام ڨارتانيان، كل ما تفعله الجواهر هو أنها تتكلم،[5] بل إننا لا نراها حتى وهي تتكلم، وإنما نسمعها فحسب. وكذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة «ثرثرة الجواهر» المؤدبة (ص 33) في رواية ديدرو بما تفعله الجواهر، على سبيل المثال، في رواية الفيلسوفة تريزا، الشهوانية، ذات النَفس الفلسفي، الصادرة في السنة نفسها.[6] بل إن ديدرو نفسه سيغدو أشد "طيشًا" بكثير في مؤلفاته الفلسفية والنظرية اللاحقة؛ ففي حُلم دالمبير، على سبيل المثال، نشهد الشخصية التي يحمل الكتاب اسمها تبلغ النشوة الجنسية في منامها.
في مجمع الشخصيات الأدبية الموجودة في مؤلفات ديدرو، ليست «الجواهر المتكلمة» بالأمر العجيب كما قد يبدو لنا: فالشخصيات الأساسية في بعض أعماله الفلسفية والنظرية الهامة عمياء أو صماء وخرساء، توائم سيامية، غيلان برأسين، عجائب طبية شتى، ونحو ذلك.[7] وكذلك، لا ينبغي أن نعجب من أنّ فروج النساء هي التي تطرح فلسفة ديدرو في الرواية، أي من أنّ ديدرو نفسه، كفيلسوف مادي مغالٍ (راديكالي) هو الذي يتكلم من خلالها. ففي حُلم دالمبير―حتى نضرب المثال نفسه―لا تُطرح فلسفة ديدرو على لسان شخص من شأنه أن يختار كلماته بحذر ويزن الحجج بعناية ويفنِّد الاعتراضات بتروٍ كما يليق ببحث فلسفي رصين، وإنما على لسان دالمبير الهاذي الذي غمغم لاغيًا في منامه (وبلغ النشوة الجنسية في أثناء ذلك) بالمضامين الأساسية لفلسفة ديدرو المادية (مع شروح موجزة عليها لعشيقته التي كانت تدوِّن هذيانه، وللطبيب الذي استدعته إلى سريره لأنها خشيت أنه قد جُنّ).
في واحد من فصولها الهامة، طرحت الرواية نظرية عجيبة عن الروح وترحالها، على لسان عشيقة السلطان مِرزوزا. وهي ليست نظرية عن الروح الخالدة التي تتنقل من جسد إلى آخر―وهي النظرية التي نجد نسخة منها في رواية الأريكة لكلود بروسبير دو كرِبيلون الصادرة في سنة 1742، التي حُكم فيها على روح شخصيتها الأساسية بأن تتنقل من أريكة إلى أخرى (تتألف الرواية برمتها من سرد هذه الشخصية للمغامرات الغرامية التي شهدتها روحه خِلسة على شتى الأرائك التي سكنتها)―وإنما نظرية عن الروح التي تتنقل داخل الجسد الواحد نفسه، وتفنى معه. وهكذا نجد التطورات الفلسفية―النزاع بين أنصار المذهب الروحاني وأنصار المذهب المادي في النفس البشرية―مُعبَّرًا عنه على صفحات الأدب الشهواني المؤلَّف في تلك الفترة؛ وفي حين أنَّ عالم رواية الأريكة ما زال محكومًا بالمذهب الروحاني: فالروح التي تبقى بعد فناء جسدها وتتنقل من جسد إلى آخر، هي بوضوح روح مغايرة للجسد الذي تحييه، عالم رواية الجواهر الطائشة محكوم بالمذهب المادي بجلاء: ففي «ميتافيزيقا مِرزوزا التجريبية» (ص 122)، ليست الروح سوى أثر للعضو الجسدي الذي تسكنه في ساعتها.
على خلاف فلاسفة البلاط الذين يزعمون أنَّ «الروح موجودة في الرأس»،[8] ترى مِرزوزا أنّ «أغلب الرجال يموتون من دون أن تأوي أرواحهم إلى رؤوسهم قط، لأن مأوى الروح الأول هو القدم» (ص 121). لكن الروح لم تأتِ إلى «مسكنها الأول» هذا من خارجه، وإنما «هي تنشأ في القدم» (ص 122). وبعدما تغادر الروح القدم، تتحرك في خلال الجسد كله، فـ«تترك موضعًا، ثم تعود إليه، لترحل عنه مرة أخرى» (ص 125). وكل تغيير في مقعد الروح في الجسد يُحدث تغييرًا في اقتصاد عمل الجسد، ولذلك تقول مِرزوزا: «دائمًا ما تكون أطراف الجسد الأخرى تابعة للطرف الذي تقيم فيه الروح» (ص 125). وعلى ذلك، تتحدد خِصال كل شخص على أساس الوظيفة الأساسية للعضو الذي تسكن فيه روحه: فالمرأة التي تقيم روحها في لسانها امرأة «ثرثارة مزعجة»؛ والمرأة التي تقيم روحها في عينيها امرأة «مغناج»؛ والمرأة التي تقيم روحها «تارة في رأسها وتارة في قلبها، وليس في أي موضع آخر قط» امرأة «عفيفة»؛ والمرأة التي تقيم روحها في قلبها أو «في قلبها عادة، وفي جوهرتها أحيانًا»، طبقًا لتعريف آخر من تعريفات مِرزوزا، امرأة «حنون» أي «محبة مخلصة ووفية»؛ والمرأة التي تقيم روحها «في جوهرتها ولا تحيد عنها قط» امرأة «شهوانية» (ص 126). على خلفية نظرية مِرزوزا هذه عن «الأرواح الشاردة [في الجسد الواحد]» (ص 126)، يتبين أن هذه الرواية―التي شرع القراء في قراءتها، على الأرجح، باعتبارها حكاية فاتنة ومثيرة عن الممارسات الجنسية في سلطنة إفريقية أجنبية―بحث فلسفي رصين في مقعد الروح الحقيقي. تعرض الرواية سلسلة من النساء اللاتي أضحت أرواحهن، في أثناء ترحالها خلال الجسد، عالقة في جواهرهن: كلهن يزعمن أنهن عفيفات، أي لا يضاجعن أحدًا، أو مخلصات وفيات، أي لا يضاجعن إلا أزواجهنَّ، إلا أنهن كلهن «شهوانيات»، في حقيقة الأمر، أي يضاجعن كل أحد. وعلى ذلك، حينما أكدّت النسوة على إخلاصهن أو عفتهن، فإنَّ ما أكدّن عليه حقًّا حينها هو أن أرواحهن تقيم «في قلوبهن عادة، وفي جواهرهن أحيانًا» أو «تارة في رؤوسهن، وتارة في قلوبهن، وليس في أي موضع آخر»، وحقيقة الأمر أن أرواحهن كلهن تقيم في «جواهرهن ولم تحد عنها قط».
لقد أكدَّت النسوة على عفتهن وإخلاصهن من خلال الصوت الذي يخرج من رؤوسهن، فأنكر الجسد نفسه هذه المزاعم الباطلة عن علاقاته بأجساد الرجال، بأن رفع صوته، حرفيًّا، وأحصى مغتاظًا، على رؤوس الأشهاد، كل علاقاته معها. أو بعبارة أخرى: لقد نُقض الصوت الخارج من الرأس، الذي يُعتقد عادة أنه مقعد الروح، خلال الاستجواب-المضاد، مِن قِبل الصوت الخارج من الفرج، الذي يُعتقد عادة أنه العضو الأقل خضوعًا للرأس أو العقل. ما تصوره الرواية، إذًا، هو النزاع بين المذهبين الروحاني والمادي في النفس البشرية. ولقد مكَّنت أداة الحبك الأساسية، أي تثنية أعضاء الكلام، ديدرو من المقابلة بين هذين التصورين، الروحاني والمادي، في الجسد الواحد عينه: فالروح التي تسكن في الرأس و/أو القلب (وهما الموضعان اللذان يعتبران، عادة، مقعدا الروح الخالدة في الجسد الفاني)، لكنها لا تسكن «قط» (أو إلا أحيانًا، طبقًا لتعريف مِرزوزا الأول لـ«المرأة الحنونة») في الجوهرة، هي بوضوح روح مغايرة للجسد المقترن بها؛ أما الروح التي تسكن في الجوهرة، أي في العضو الجسدي الأقل خضوعًا للعقل، و«لا تحيد عنها قط»، فهي بوضوح روح مطابقة للجسد، هي أثر للعضو الذي تسكنه وتتجلى فيه، أثر لطبيعة الجسد. وعلى ذلك، فحينما تمرَّد الجسد على النسوة اللاتي يعتقدن أن أرواحهن مغايرة لأجسادهن، وتملك أزمَّتها، فإ ما تمرد عليهن حقًّا حينها هو الروح المطابقة للجسد أو لطبيعته التي هبَّت وأنكرت الوصف الباطل لمقعدها في الجسد ولوظيفتها فيه. وبعبارة دقيقة: حينما فضحت الجواهر نساء السلطنة وبينت أن عفتهن مجرد كذبة، فضحت المذهب الروحاني نفسه وبينت أنه مجرد كذبة. على خلاف الفلسفة الروحانية التي تعرضها الرأس، فإن فلسفة «الجواهر الطائشة» العفوية فلسفة مادية على نحو لا لبس فيه.
2.
لقد نوقشت ظاهرة تثنية أعضاء الكلام وكُتِب عنها بكثرة في الكونغو: إذ عقدت أكاديمية العلوم جلسة طارئة للبحث في الظاهرة؛ وطُبعت تدوينات حرفية لبعض أحاديث الجواهر ثم دُرِست كلمة كلمة بتدقيق شديد (ص 19)؛ واختصارًا، لقد أنتج كلام الجواهر «عددًا كبيرًا من التصانيف الممتازة» في السلطنة، بل عُدَّ بعضها من «أرقى ما جاد به العقل البشري» (ص 28). ولأن جميع الناس يجهلون السبب الحقيقي لهذه الظاهرة حاشا السلطان وعشيقته، فقد عزا بعض المؤلفين الأفارقة نطق الجواهر إلى «طريقة عمل الطبيعة العمياء» (ص 49)، وراحوا يبحثون عن تفسير له «في خصائص المادة» (ص 28)، في حين تبيَّن فيه آخرون «يد البرهما [الإله الخالق في الدين الهندوسي]» (ص 47) تعمل عملها، بل واعتبروه برهانًا جديدًا على وجود الرب (ص 49).
لأن «مفشيي الأسرار، الوشاة» (ص 21) أو «المتحدثون» (ص 36) الجدد―أي الفروج التي نطقت―لم تُرَ وهي تتكلم قط، لم يكن من الممكن تعيين المصدر الدقيق لهذا «الصوت الغريب» (ص 22)―الذي «لا يطابق» (ص 110) صوت النساء الذي يخرج من أجسادهن―إلا تخمينًا. لكن لأن الأمور المتكلم عنها بواسطة هذا «الصوت الطائش»―الذي يأتي «من المنطقة السفلى» (ص 19)، من تحت ثياب النساء―معروضة من وجهة نظر الجواهر نفسها على نحو جلي، «لم يكن من العسير تخمين من أين يصدر هذا الصوت العجيب» (ص 22).
هذا الصوت الذي لم يُرَ قط، الذي تخرجه النساء «من دون أن يفتحن أفواههن» (ص 22)، والذي أدخل السلطنة في اضطراب شديد، يُعدَّ مثالًا ممتازًا على ما يسميه مِشيل شو بـ"الصوت خفي المصدر" (the acousmatic voice).[9] يعزو سامع هذا الصوت تلقائيًّا إليه―وإلى "صاحبه الخفي" (acousmêtre)―قدرات خارقة: إذ يبدو له أنه «موجود في كل مكان، ويرى كل شيء، ويعلم كل شيء، وقادر على كل شيء».[10] يمثل هذا الصوت غير المرئي وعديم الجسد―من أمثلته السينمائية الشائعة: صوت شخص غريب يتوعد ضحيته عبر اتصال تليفوني―تهديدًا، لا شكل له، ولا يمكن تعيين موضعه، يتربص بنا (نحن سامعيه) في كل مكان؛ ولأننا لا نرى صاحبه، لا يمكننا أن نختبئ منه. على حد علمنا، فإن صاحب هذا الصوت غير المرئي يرى كل شيء ويعلم كل شيء: مَن لا نراه نعتقد أنه يرانا ويرى كل ما لا نراه؛ مَن لا نعلم عنه أي شيء، يبدو أنه يعلم عنا كل شيء. وباختصار، يتمتع هذا صوت بصفات إلهية. ويظل هذا الصوت متمتعًا بهذه الصفات ما دام خفيًّا، ففي اللحظة التي يجد فيها جسده―أي التي يُرى فيها صاحبه―يفقدها. إن صوت جواهر ديدرو الطائشة مرتبط بجسد، إلا أنه يظل خفيًّا، على الرغم من ذلك، إن شئنا الدقة، لأننا لا نرى الجواهر أبدًا وهي تتكلم. ولذلك لعله من الأصوب وصف صاحبه بأنه "شبه-خفي" (semi-acousmêtre)، وهي التسمية التي استعملها مِشيل شو لوصف تلك المرحلة من مراحل عملية "نزع الحجاب عن الصوت خفي المصدر" (de-acousmatization)، التي نرى فيها أعضاءً من جسد المتكلم سوى فمه.[11] ولا تكتمل عملية "نزع الحجاب عن الصوت خفي المصدر" ما لم نتثبت من «تطابق الصوت مع الفم»،[12] أي ما لم يُكشف عن المتكلم بالكامل ونرى الصوت يخرج من فمه. وما دام "نزع الحجاب عن الصوت خفي المصدر" غير تام، يظل الصوت―وصاحبه―محتفظًا بقدراته الخارقة، بصفاته الإلهية. ويشبِّه شو آخر مراحل "نزع الحجاب عن الصوت خفي المصدر"، أي المرحلة التي يعقبها مباشرة الكشف التام عن المتكلم، بآخر مراحل تعرية الجسد الأنثوي: «فكما أن الكشف عن فرج المرأة هو منتهى تعريتها (النقطة التي لا يعود عندها إنكار غياب القضيب أمرًا ممكنًا)،[13] الكشف عن الفم الذي يخرج منه الصوت هو منتهى عملية نزع الحجاب عن مصدره الخفي».[14] في رواية ديدرو، يقتضي "نزع الحجاب عن الصوت خفي المصدر" تعرية المرأة حتمًا، فالكشف عن «الفم الذي يخرج منه الصوت» يقتضي كشف الفرج نفسه.
لم يكن ديدرو يجهل مفهوم الصوت خفي المصدر و"قدراته السحرية"، ويتجلى ذلك في اثنتين على الأقل من مقالاته الموسوعية مكرّستين لفيثاغورث وتلامذته. ففي مقالته عنه "الفيثاغورثية"، قال إن فيثاغورث «قد درّس مذهبًا مزدوجًا»، وكان له «صنفان من التلاميذ»: صنف «يسمعه فحسب»―إذ كان يكلّمهم من وراء حجاب―وصنف «يسمعه ويراه».[15] ولقد كانت فلسفته في عين الصنف الأول «ملغزة وإشارية»، فعلى حين أنها كانت في عين الصنف الثاني «واضحة وصريحة ومجردة من الغوامض والملغزات».[16] وفي مقالته عن "تلامذة فيثاغورث المحجوبين عن رؤيته" (Acousmatiques)―أي أولئك الذين «ما زالوا غير جديرين ... برؤية فيثاغورث وهو يتكلم»―قال ديدرو بعبارة أدق: إلى أولئك الذين «يسمعونه فحسب»، تكلم فيثاغورث على نحو «رمزي»، أي إشاري ومجازي، في حين أنه تكلَّم إلى أولئك الذين «يسمعونه ويرونه» على نحو واضح وصريح من دون إبهام؛ بل إنه كان يعلل لهم ما يقوله ويفسره. وبينما كان يضرب عرض الحائط باعتراضات الصنف الأول واستشكالاتهم―فالرد الوحيد الذي تلقوه عليها هو: «هذا ما قاله فيثاغورث»―كان «فيثاغورث يجيب بنفسه» على اعتراضات الصنف الثاني واستشكالاتهم.[17]
يتبين لنا من وصف ديدرو لصنفي تلامذة فيثاغورث، أنه في اللحظة التي لا يعودون فيها يسمعونه فحسب يتكلم من وراء حجاب―أي التي «يؤذن لهم فيها بدخول الحرم» حيث يتسنى لهم رؤيته «وجهًا لوجه»―يفقد فيثاغورث نفسه منزلته الإلهية، ويفقد صوته قدراته السحرية. حينما كان التلاميذ «يسمعونه فحسب» كانوا على أتم استعداد لتصديق أقواله المبهمة: لقد اعتبروا كل كلمة يسمعونها من وراء الحجاب، «من داخل الحرم»، كأنها آتية من عند الله مباشرة، لقد أنزلوها منزلة الوحي الإلهي؛ وكان يكفيهم ضامنًا لصحة أقواله، على الرغم من شدة غموضها واستغلاقها عليهم، أن يُقال لهم إنّ «هذا ما قاله فيثاغورث». لكن حينما أصبحوا «يرونه ويسمعونه»، تغيَّر الوضع بالكلية: يتكلم فيثاغورث الآن على نحو واضح وصريح دون إبهام، ومع ذلك يبدو أن التلاميذ لم يعودوا مستعدين لتصديق أقواله، فعليه الآن أن يعللها ويفسرها لهم (وهكذا فقدت كلماته منزلة الوحي الإلهي). من الآن، لم يعد التعويل على الصوت العليم―أي على عبارة «هذا ما قاله فيثاغورث»―كافيًا لإسكات التلاميذ، فعلى فيثاغورث الآن أن يجيب بنفسه على اعتراضاتهم واستشكالاتهم (وهكذا فقد صفاته الإلهية). هنا نجد أنّ وضوح المذهب الثاني وصراحته وخلوه من الغموض متوقف على ظهور الأستاذ: بمجرد ما «رآه تلامذته وهو يتكلم» تعيَّن على فيثاغورث أن يتخلى عن لغته الإشارية الملغزة؛ فلأنه فقد في أعينهم هالة الفيلسوف المحيط بكل شيء عِلمًا، التي كان يتمتع بها حينما كان يكلمهم من وراء حجاب، لم يعودوا مستعدين، على الأرجح، لتصديق ما يقوله، ببساطة لأنه قد قاله. علاوة على ذلك، لم يكن تخليه عن العبارات المبهمة كافيًا، إذ عليه الآن أن يجهد نفسه في تفصيل أقواله وشرحها وتفسيرها، وأن يجيب بنفسه على الاعتراضات والاستشكالات التي كان يضرب بها، متغطرسًا، عرض الحائط فيما سلف.
لقد كان للكلمات التي نطق بها صوت الجواهر الخفي عند أهل الكونغو ثقلٌ―لا يقل عن ثقل كلمات الأستاذ فيثاغورث عند تلامذته المحجوبين عن رؤيته―لا تحظى به عندهم الكلمات التي نطق بها صوت الأفواه المرئي. ويتجلى لنا ذلك أوضح ما يكون في الحالات التي يناقض فيها الصوتان، الخفي والمرئي، بعضهما بعضًا. ففي تلك الحالات، كان أهل الكونغو يصدّقون صوت الجواهر الخفي عامة. لقد صدّقوا الصوت الخفي حينما ناقضت شهادته شهادة الصوت المرئي لشخص آخر، بل صدقوه حينما ناقضت شهادته شهادة الصوت المرئي للشخص نفسه.
يمكن لخيانة امرأة معينة (تؤكد بلسانها على عفتها أو إخلاصها) أن تُفتضح أيضًا على يد عشيقها الذي يقدِر، بلا شك، على أن يخبر عن الأمور نفسها التي يمكن لجوهرتها أن تخبر عنها: «فما الفرق بين أن تطيش جوهرة امرأة وتكشف سرها وأن يطيش عشيقها ويكشفه؟ هل تكون فضيحتها أخف وطأة حينما تكون على لسان عشيقها عوضًا عن جوهرتها؟» (ص 22). قد يكون ذلك صحيحًا تمامًا، ومع ذلك، يتمتع صوت الجوهرة الخفي بـ"قوة" لا يتمتع بها صوت العشيق المرئي، حتى لو نطق بما نطق به صوت الجوهرة نفسه. أنَّى ناقضت شهادة الرجل وشهادة الجوهرة بعضهما بعضًا، صدَّق أهل الكونغو صوت الجوهرة دائمًا. على سبيل المثال، لقد كذَّبوا شهادة الرجال الذين تباهوا بمضاجعة نساء بأعينهن فقط لأن «جواهر هؤلاء النسوة» شهدت بالعكس، أي أنكرت أن لها أي علاقة بأولئك الرجال. لكنها تحلَّت في الوقت نفسه بما يكفي من الصدق لتقرَّ بأنها على علاقة برجال كُثُر غيرهم (ص 154). من الجلي، إذًا، أنَّ شهادة الجواهر هي الشهادة الحاسمة؛ أنَّ كلمة الجواهر هي الكلمة الفصل. لقد اعتقد أهل الكونغو أنَّ البرهما نفسه هو الذي تكلم من خلال صوت الجواهر الخفي. ولذلك توقعوا أن «ينطق بالحق من خلال أفواهها» (ص 154)، أي "أفواه" جواهر النساء. لقد تعاملوا مع الجواهر كأنها fons veritatis، أي مصدر أسمى للحقيقة، في حين ضربوا عرض الحائط بشهادة النساء أنفسهن اللاتي نطقت جواهرهن (لأنهم توقعوا أن تنكر النساء هذه العلاقات حتى لو كانت حقيقية). وأنَّى وافقت شهادة الرجل وشهادة الجوهرة بعضهما بعضًا―أي حينما ينطق الرجل أيضًا بالحق― فإن ما «يدين» المرأة الخائنة عندهم حقًّا «ليس صحة الشهادة وإنما مصدرها»: حينما يتكلم الرجل فاضحًا سر امرأة «يدنّس المذبح الذي قدَّم عليه قربانه»، لكن حينما تتكلم جوهرتها «فكأنَّ المذبح نفسه قد رفع صوته» (ص 23). بينما اعتبر أهل الكونغو كلمات الجواهر وحيًا إلهيًّا، اعتبروا كلمات الرجال إما كذبًا محضًا أو تدنيسًا حال كانت صادقة.
لأن أهل الكونغو يعتقدون أنَّ البرهما هو الذي جعل الجواهر تتكلم―ويقينًا، لم يكن الرب لـ«يسمح لها بأن تكذب» (ص 34)―صدَّقوا الجواهر حتى عندما ناقضت شهادة صوتها الخفي شهادة الصوت المرئي لنفس الجسد، أي عندما كانت أعضاء الكلام المتناقضة (الفرج واللسان) تعود إلى نفس المرأة. لقد اعتبروا تكذيب الجواهر معصية وتجديفًا. وباختصار، لقد صدّقوا الجواهر «كأنها عرَّافات (كاهنات) يوحى إليها» (ص 24). لقد تمتع صوت الجواهر الخفي―التي عدّوها «أصدق عضو» (ص 13) في أجساد النساء―بثقل كبير إذ كان من الممكن بلا شك إسكات أي شخص يطعن في شهادتها على النحو نفسه الذي أُسكِت به تلامذة فيثاغورث المحجوبين عن رؤيته: بأن يُردَّ عليه بـ"هذا ما قالته الجوهرة"، فقط لا غير.
دعونا ننظر من كثب الآن إلى حال امرأة تكلمت جوهرتها. في بداية الأمر، تردّ شهادتها أكثر من أي أحد آخر، لكن ينتهي بها الأمر مبهوتة بصوتها الخفي أكثر من أي أحدٍ آخر: فمن بين كل الذين يسمعونه، وحدها المرأة التي نطقت جوهرتها تشعر مباشرة بالقدرات "العِرافية" (الكِهانية) الفريدة التي يتمتع بها صوتها الخفي. فهذا «الصوت المجهول» (ص 35) الذي يفضح مغامراتها الغرامية―إنه «مجهول» حتى للمرأة التي تكلمت جوهرتها؛ فهي نفسها لا تدري من أين يأتي بالضبط، إذ تتلفت حولها بتوتر ظانَّة أنه يخرج من فم أو جوهرة امرأة أخرى―مطَّلع بجلاء على خواطرها الأشد خفاءً وسرية، أي تلك الخواطر التي تعتقد يقينا أنَّها وحدها المطّلعة عليها. لكن في الوقت نفسه، فإن هذا الصوت ليس صوتًا جوانيًّا ولا صوت ضميرها، لأن جميع الحاضرين يسمعونه معها. وما يبهتها بالكلية في نهاية المطاف، تبيُّنها أنّ هذا الصوت أعلم منها بكثير: فهو على دراية بتلك العلاقات التي أقامها جسدها مع أجساد الرجال لكنها نستها―ولذلك لم تكذب عندما أنكرتها (ص 35-36)―وحينما يذّكرها الصوت الخفي بتلك العلاقات المنسية، تتبين مرتاعة أنه يعلم عنها أكثر مما تعلم هي عن نفسها. إنه يقرأ أفكارها وخواطرها، بل ويعلم عنها ما لا تعلمه هي عن نفسها، وعلاوة على ذلك هو أشد منها قوة: فهو يتكلم بمعزل عن مشيئتها بل على عكسها. إنه يتكلم من خلال عضو في جسدها، ومع ذلك لا تملك أي سيطرة عليه ولا تقدر على إسكاته. وباختصار، بمجرد ما تشرع جوهرتها في الكلام، لا يسع المرأة إلا أن تستمع إليها، بلا حول ولا قوة، في حين تفضح خطاياها. إنّ هذا الصوت أقوى منها، إنه المسيطر عليها وليست هي المسيطرة عليه، وسرعان ما تتجلى هذه الحقيقة لكل الذين يسمعونها تتكلم «من دون أن تفتح فمها». يستنبط السامعون ذلك على النحو التالي: «بناءً على الظروف التي تكلمت فيها أغلب الجواهر، والأمور التي تكلمت عنها»―لقد اعترفت جوهرة المرأة على مرأى ومسمع من الجميع بأمور لم تكن المرأة نفسها لتعترف بها طوعًا قط―«يسوغ أن نخلص إلى أن كلامها لم يكن بمشيئة المرأة، وأنها كانت ستظل صامتة لو كان بمقدور صاحبتها أن تُسكِتها» (ص 31-32).
يضع هذا الصوت النساء بين خيارين أحلاهما مُرّ: إما أن يهجرن غرامياتهن منفلتة العقال ويصرن حقًا كما يزعمن (أي عفيفات أو مخلصات)، أو أن يعتبرن أنفسهن كما هي عليه حقًا (أي فاجرات). فـ«لم يعد أمامهن سبيل وسط»؛ لم يعد التظاهر ممكنًا بعد الآن (ص 22). وموجز القول، فإن الجواهر بمجرد أن تكلمت، لم يعد شيء في سلطنة الكونغو إلى سابق عهده: فالنساء يعشن في خوف لا ينقطع من أن «تشرع أي جوهرة في الكلام في أي لحظة» (ص 21) وتفضح أكاذيبهن على رؤوس الأشهاد، على حين يتجول الرجال في الأرجاء بآذان واعية عسى أن يسترقوا السمع إلى المزيد من الاعترافات غير الطوعية.
لقد حمل البراهمة «ثرثرة الجواهر» التي ربطها أهل الكونغو بـ«مذابح القرابين» و«العرّافات» ونحو ذلك، على أنها «عقاب إلهي» بل على أنها «أحدث برهان» على وجود البرهما. فمن بين المحرمات في شريعة البرهما: «شهادة الزور، والكذب، والزنا»، وهذه هي عين الخطايا التي ارتكبتها النساء. ولقد قضى البراهمة ردحًا من الزمن يعظون قومهم وينذرونهم عاقبة هذه المعاصي، لكن سُدى؛ ولذلك «غضب الرب وأنزل من السماء هذه العقوبات التي لم تُرَ من قبل». ولأنه حَكَم عادل وحكيم، كانت العقوبة من جنس المعصية: لقد زنت النساء وكذبن حيال ذلك فعاقبهن الرب بصوت يخرج من فروجهن ليكشف، على عكس مشيئتهن، حقيقة ما ارتكبنه من آثام. أي أن العقوبة على الخطيئة ليست سوى كشف حقيقتها على لسان «الآلة الأساسية» التي اقترفتها. حتى هذه اللحظة، كان أهل الكونغو يقولون «في قلوبهم» أنّ «البرهما غير موجود»، لكن الآن، يعتقد البراهمة أنهم سيبصرون الحق، و«يتوقفون عن إنكار وجود البرهما، أو عن تقييد حدود قدرته. البرهما موجود! وإنه لقدير، وهو يتجلى لنا في هذه البلايا المروعة ]نطق الجواهر[ بالوضوح نفسه الذي يتجلى لنا به في نعمِه التي تجلُّ عن الوصف» (ص 49-50).
3.
هنا تكمن الرسالة المادية الانقلابية لرواية ديدرو: صوت الجواهر الخفي الذي تبين فيه أغلب أهل الكونغو―حاشا القِلة التي راحت تبحث عن تفسير لنطق الجواهر في خصائص المادة―الرب البرهما، ليس في حقيقة الأمر سوى الصوت الذي أضحى الجسد، بعون من خاتم السلطان السحري، يتكلم من خلاله.
ولذلك، ليست القدرات الخارقة المتجلية في صوت الجواهر الخفي قدرات الرب وإنما قدرات الجسد نفسه. ولهذا، ليست هذه القدرات صفات إلهية محضة وإنما قدرات أضعف منها نسبيًّا بما يتفق مع مقام صاحبها، الجسد (وليس الرب)، كـ"متكلم شبه-خفي" (semi-acousmêtre). أجَلْ، صوت الجواهر مرتبط بجسد، ومع ذلك، هو غير مرئي، إن شئنا الدقة، وذلك لأننا لم نتثبت بأم أعيننا قط من تطابق الصوت مع "الفم" (الفرج) الذي يخرج منه. وأجَلْ، لا يسوغ لنا أن نقول إن هذا الصوت يرى ويعلم كل شيء، ومع ذلك، هو يرى ويعلم أكثر مما ترى المرأة التي يخرج من جوهرتها وتعلم؛ ولا أن نقول إنه مطلق القدرة، ومع ذلك، هو أقوى من المرأة نفسها؛ ولا أن نقول إنه موجود في كل مكان، ومع ذلك، من المستحيل الفرار أو الاختباء منه، إذ سيجد النساء أينما ذهبن، لأنهن يحملن، حرفيًّا، المصدر الذي يخرج منه في أنفسهن. أو بعبارة أخرى، علاقة هذا الصوت بالجسد الذي يخرج منه كعلاقة الرب بالكون: كلي البصر، وكلي العلم، وكلي القدرة؛ إنه يبصر كل شيء فيه ويعلمه ويقدر عليه، كما أن الرب يبصر كل شيء في الكون ويعلمه ويقدر عليه. وعليه، إنّ ما يرى ويعلم أكثر مما نرى ونعلم، ما هو أشد منّا قوة، هنا، ليس الرب كلي البصر والعلم والقدرة والوجود، وإنما جسدنا. وموجز القول، ما تبين فيه البراهمة قدرة الرب، تبين فيه الفيلسوف المادي جبروت الجسد.
لم تنتج أي من القدرات الخارقة المتجلية في صوت الجواهر الخفي عن أثر خاتم السلطان السحري، وإنما هي قدرات الجسد نفسه. فالأثر السحري الوحيد للخاتم هو إنطاق الجسد، أي تمكينه من الإعراب عن قدراته بالكلمات. إنّ ديدرو لم يفعل باختلاق الخاتم السحري سوى خلع مَلَكة الكلام على الجسد أو بالأحرى على العضو الجسدي الذي يُعتَبر، عادة، العضو الأقل خضوعًا للروح أو العقل. وعند هذا الحد، تنتهي القدرة السحرية لخاتم السلطان، وتبدأ "القدرة السحرية" للصوت خفي المصدر (وللجسد، صاحب هذا الصوت الذي لا ينكشف بالكامل قط). وعلى خلاف متكلم مِشيل شو الخفي (acousmêtre)―الذي يفقد قدراته، عامة، عندما يُنزع عنه الحجاب―يظل الجسد محتفظا بالقدرات المتجلية في صوته الخفي، حتى لو انكشف بالكامل، وذلك لأن هذه القدرات ليست مجرد أثر لخفاء صوته وإنما هي مَلكة له.
أين تكمن قدرة الجسد "السحرية"؟ ما لُبّها الذي يمكن أن تُردّ إليه؟ للجواب عن هذا السؤال يكفينا النظر في هذا المثال: كيف يمكن للجسد أن "يقرأ" عقل (خواطر وأفكار) المرأة التي يجسدها؟ أو بعبارة أدق، كيف يمكن للجوهرة أن "تعلم" أنّ المرأة―راهبة في مثالنا هذا، ولذلك عفيفة بالضرورة―تفكر في أمور شهوانية فاحشة؟ إليكم جواب جوهرتها: «لقد أخبرني خِنصرها [أنا أعلم لأنني أعلم]» (ص 27).[18] فعلى هذا النحو، أي على أساس العواطف (الانفعالات أو الأحاسيس) التي تنتابها، تعلم الجواهر كل ما تعلمه وكل ما تكلمت عنه: إن «طيشها»، أو عدم تكتمها، مقصور على «الأمور التي تعرفها أكثر من غيرها» (ص 24)، أي على تأويل الأحاسيس التي تنتابها خاصة. أو كما قال رجل من حاشية السلطان: «إن الجواهر لا تتكلم إلا عن الأمور التي تعرفها» (ص 24). فلا يوجد شيء فيما تقوله الجواهر لا يمكن لأي عضو آخر أن يقوله عن نفسه لو قيّض له أن يتكلم. أو بعبارة أخرى، تتكلم الجواهر على النحو الذي كان للفم أن يتكلم به لو أنه قَصَر نفسه على الكلام عن الأمور التي "يعرفها" حق المعرفة، أي على وصف الأحاسيس التي تنتابه دون غيره، كتلك المصاحبة لمضغ الطعام وتذوقه، على سبيل المثال. واختصارًا، تتكلم الجواهر على النحو الذي كان للفم أن يتكلم به لو لم يكن عضوًا للكلام ]وبذلك يتكلم عن كل شيء وليس عمّا يعرفه حقًّا فحسب[.
ولقد حللّ عالم التشريح أُركتوموس―وهو أحد «العقول العظيمة» التي راحت تبحث في خصائص المادة عن تفسير لثرثرة الجواهر―عدمَ خروج الجواهر في كلامها قط عن موضوع واحد بعينه، على النحو التالي: إذا تكلمت الجواهر كلها عن الأمور نفسها، فإن ذلك يرجع إلى «أنّ هذا هو الموضوع الوحيد الذي لها رأي فيه»؛ وإذا لم تنطق ولو بكلمة واحدة عن أي أمر آخر، فإن ذلك يرجع إلى «أنها تفتقر إلى الألفاظ والأفكار اللازمة»؛ وإذا اعتصمت بالصمت، فإن ذلك يرجع إلى «أنها لا تجد ما تقوله» (ص 32). أي أنّ الجواهر لم تفعل سوى أنها أعربت بالكلمات عن «معرفتها التجريبية»، وذلك بغض النظر عن المصدر الذي وهبها القدرة على الكلام، سواء كان خاتم السلطان السحري أو يد الرب أو طريقة عمل الطبيعة العمياء. وإلى ذلك يرجع أيضًا، «سقوط الجواهر بيسر في تكرار الكلام» (ص 105)؛ فعاجلًا أم آجلًا، ستستنفذ حتمًا "معرفتها" وتجاربها المحدودة. وبعدما تخبر عن كل ما تعرفه، لن يعود أمامها إلا أن تكرر قوله مرة أخرى، فهي لا تستطيع أن تخترع أمورًا لم تجربها بنفسها ولا أن تعبّر عنها، لأنها تفتقر إلى الألفاظ والأفكار اللازمة لفعل ذلك.
ولهذا، يرى الفيلسوف المادي المغالي (الراديكالي) أنّ مصداقية الجواهر ترجع إلى أنها―وعلى خلاف النساء أنفسهن، اللاتي لا يفتقرن قط إلى الأفكار أو الألفاظ، ولذلك يقدرن على أن يثرثرن إلى الأبد―تفتقر حتمًا إلى الأفكار والألفاظ، أي إلى أن تتكلم على نحو محايد ولاإرادي وآلي؛ إلى أن تستمسك على نحو أعمى بموضوع واحد ولا تخرج عنه قط، إلى أن يغلب عليها التكرار، وباختصار، إلى أن تتكلم كآلات أو ماكينات.
4.
لكن لا ينبغي اعتبار الجواهر «آلات محضة» لأن أسلوبها الآلي في الكلام يشير إلى وجود روح غير مادية، كما استنتج، خطأً، أحد الديكارتيين الأفارقة في الرواية، بتطبيقه لـ«حجة ديكارت الميتافيزيقة ضد أرواح الحيوانات» على كلام الجواهر، قائلًا: «إنها تتكلم كما تغرّد الطيور» (ص 198).[19] وإنما ينبغي اعتبارها كذلك لأن ما يتكلم من خلالها هو روح ليست سوى أثر لطبيعة الجسد. ففي حين أنه من المرجح أن يكون لروحٍ مغايرةٍ للجسد "رأي" في كثرة من الأمور الأخرى إلى جانب أمور الجسد الذي تسكنه، فإن كلامَ روحٍ مطابقةٍ للجسد يقتصر على التعبير عن العواطف التي تنتاب هذا الجسد وعلى تأويلها بأدنى قدر ممكن. إنّ كل أحوال الروح―وهي «ليست بشيء من دون الجسد»[20]―ما هي إلا تجليات لأحوال الجسد نفسه. أي أن الجسد نفسه هو الذي يتكلم من خلال الروح. ففي رأي ديدرو، أن يقول المرء: je veux ، "أنا أريد" يعني أن يقول: je suis tel، "أنا هكذا".[21] أي أنه لا يمكن فصل رغبتي عن طبيعتي الجسدية؛ وباختصار، إن الحال الروحي (رغبتي هنا) ليس سوى حال جسدي. على خلاف الآلة-الحيوانية (bête-machine) عند ديكارت، التي بلا روح، الإنسان الآلى (homme automate) عند ديدرو والآلة-البشرية (homme-machine) عند چوليان دو لا مِتّري بروح، وهي طبيعة الجسد نفسه: فكما يرى ديدرو أنّ الروح ليست سوى «طبيعة وحياة» الجسد نفسه،[22] يرى لا مِتّري أنّ «كل أحوال الروح معتمدة على طبيعة الدماغ والجسد بأكمله، إلى حدٍ يجعلها هي هذه الطبيعة عينها ولا شيء سواها».[23]
يرى ديدرو أن النساء لسن أهلًا للثقة، ولا خليقات بالتصديق، إلا إذا كنّ آلات، أي إلا إذا كانت أرواحهن، المطابقة لأجسادهن أو لطبيعتها، هي التي تتكلم من خلالهن. وكذلك لا يكون عموم الناس خليقين باحترام لا مِتّري وبمودته إلا إذا كانوا آلات. ففي آخر كتبه، مذهب إبيقور، يتساءل: «أتدرون لماذا ما زلت محتفظًا بشيء من الاحترام للبشر؟» ويجيب: «لأنني أعتقد حقًّا أنهم آلات. ولو أنني أعتقد عكس ذلك، لمَا عاشرت منهم إلا النذر اليسير».[24]
يمكن اعتبار هذه الفكرة حاشية لا مِتّري على الجواهر الطائشة لديدرو، التي كان يعرفها، والتي كال لها المديح قائلًا إنها «عليمة وليست طائشة».[25] هنا، يطرح لا ميتري مذهبه الشائن في أخلاق الآلة-البشرية. فوفقًا لهذا المذهب، «ليس افتقار الزوجة أو العشيقة إلى الوفاء» سوى «عيب بسيط» كما أنَّ السرقة «ليست جريمة وإنما عادة سيئة».[26] لماذا؟ لأن البشر آلات ببساطة، أي لأن أرواحهم ليست سوى أثر لطبيعتهم الجسدية. فبحسب لا مِتّري، فإن ما يدفعنا إلى الفعل هو أجسادنا أما أرواحنا فهي بلا حول أو قوة، حرفيًّا: «عندما أفعل خيرًا أو شرًّا ... فإن ذلك يعود إلى دمي ... الذي يجعلني أريد والذي يملك زمامي في كل شيء».[27] ولذلك ما المجرم إلا «عبد للدم الذي يجري في عروقه كما أنّ عقرب الساعة عبد للآلية التي تحركه».[28] المجرم «غير مذنب لأنه لم يكن حُرًّا».[29] إذ لم يكن بمقدوره أن يوقف «جريان» سوائله الجسدية ومعها خواطره، كما أنه «ليس بمقدور مقياس حرارة أو ضغط أن يوقف سائلًا عن اندفاعه إلى الأعلى تحت تأثير الحرارة أو ضغط الهواء».[30] ولذلك فهو «لا يستحق إلا عطفنا».[31] وهكذا سعى لا مِتّري إلى تحرير المجرم من الندم وتأنيب الضمير على ما اقترفته يداه. ولعل هذه هي أطروحته الأشد فضائحية وخزيًا )الشخص الوحيد الذي تبناها من أعماق قلبه هو ماركي دو ساد).[32] وعليه، فإن ما يمكّن لا مِتّري مِن تحمّل الناس من حوله ومسامحتهم هو أنه يعتقد بقوة أن ما يدفعهم إلى كل أفعالهم―إلى الزنا والسرقة ونحو ذلك―هو طبيعتهم الجسدية (ولكي يمكّن الناس من تحمّله وتحمل تهتكه،[33] كان يشير إلى نفسه أحيانًا بـ«السيد آلة»[34]). لكن لو لم يكن الناس آلات―أي لو كانت لهم أرواح لا تعتمد اعتمادًا كبيرًا على طبيعتهم الجسدية―لنفر منهم. أو بعبارة أدق، كان سينفر من الناس إذا أصرُّوا على الزنا والسرقة ونحو ذلك، على الرغم من أنّ بمقدورهم أن يرغبوا فيما يرغبون فيه على نحوٍ مستقل، بدرجة أو بأخرى، عن طبيعتهم الجسدية، أي على الرغم من أنّ "أنا أريد" لا تعني، في حالتهم، "أنا هكذا".
ولقد تبينت بطلات الجواهر الطائشة أيضًا أن طبيعتهن الجسدية هي التي تدفعهن إلى الزنا (يقول ديدرو في كتاب آخر: «جميع الناس مدفوعون بطبيعتهم الجسدية»)،[35] ولذلك لسن هنَّ أنفسهن من أراد إتيان الفواحش، إن شئنا الدقة، وإنما جواهرهن. واختصارًا، لقد تبينت نسوة الكونغو أنهن مجرد آلات-أنثوية. يتجلى ذلك من قولهن: «إن جواهرنا هي التي تملي علينا أفعالنا» (ص 34). وعليه، فالرسالة المادية للرواية هي التالية: ليست الروح ما يملك زمام أعضاء الجسد ويأمرها وإنما أعضاء الجسد هي التي «تملك زمام الروح وتأمرها على نحو جبار ومستبد غالبًا».[36] والحال، أنّ جبروت أعضاء الجسد أو الجسد ذاته ليتجلى بأوضح ما يكون في الجواهر أو في تلك الأعضاء الجسدية التي تريد عندما لا يريد ابن آدم، ولا تريد عندما يريد ابن آدم، كما قال ديدرو في صالون سنة 1767.[37] أو كما قال في موضع آخر:
ليس أنتَ من يريد أن يأكل أو يتقيأ، وإنما المعدة، وليس أنتَ من يريد أن يتبول وإنما المثانة، وهذا هو حال وظائف الجسد الأخرى. فمهما أردتَ شيئًا لن يقع ما لم يرِد العضو الجسدي أيضًا وقوعه. قد تريد أن تتمتع بالمرأة التي تحب، لكن متى سيتسنى لك ذلك؟ عندما يريد العضو حدوثه.[38]
ختم لا مِتّري تأملاته في أخلاق الآلة-البشرية بهذه الحكمة: «إنَّ المذهب المادي هو ترياق كراهية البشر».[39] وهذه هي العبرة نفسها التي يمكن الخروج بها من رواية الجواهر الطائشة: إن المذهب المادي هو ترياق كراهية النساء.
ينبغي علينا ألا نطوح بهذه الرواية باعتبارها مجرد تجربة أدبية لديدرو الشاب، وإنما ينبغي علينا اعتبارها جزءًا لا يتجزأ من مؤلفاته الفلسفية الأساسية. فبالإضافة إلى نقدها للمذهب الروحاني، فسنجد تحت الرواية مخرجًا مؤقتًا في الطريق المسدود الذي بلغه شيخ الماديين في أثناء تفكيره في عقله. فبحسب ديدرو، تتمثل العقبة الكؤد التي تعترض تفكير المرء في عقله في أنَّ العقل―كالعين―لا يمكنه أن يرى نفسه، يقول:
في العديد من المرات، بنيَّة استجلاء ما يجري في رأسي، والإمساك بعقلي متلبسًا، ألقي بنفسي في غور التأمل العميق، وأنطوي على نفسي بكل ما أوتيت من قوة. لكن يذهب كل هذا الجهد سُدى. ويبدو لي أن المرء يحتاج، لكي يبلغ هذا المرام، إلى أن يكون داخل نفسه وخارجها في الوقت عينه، أن يؤدي دور الشاهد والمشهود في الوقت عينه. لكن حال العقل كحال العين: لا يمكنه أن يرى نفسه ... يمكن لغول برأسين فوق رقبته أن يعلمنا شيئًا جديدًا في هذا الصدد. ولذلك لا يسع المرء إلا أن ينتظر حتى تجود علينا الطبيعة―التي تخلط كل شيء والتي أتت على مدار القرون بالعجب العجاب―بإنسان برأسين يمكنه أن يتأمل نفسه، أن يراقب أحدُ رأسيه رأسَه الآخر.[40]
وفي أثناء انتظاره لظهور الإنسان ذي الرأسين،[41] خلق ديدرو، في الجواهر الطائشة―عن طريق تثنية أعضاء الكلام―غولًا برأسين، «يراقب أحدُ رأسيه رأسه الآخر»: فـ«كلام الجواهر» (ص 19)، ليس سوى شهادة أحد الرأسين―ذلك «المحايد الذي لا ينطق إلا بالحق» (ص 23)―على الرأس الآخر، ليس سوى شهادة عيان لـعقل قد أمسك بنفسه متلبسًا.
* Miran Božovič, “The Omniscient Body,” in Slavoj Žižek (ed.) Lacan: The Silent Partners (London-New York: Verso, 2006), 17-33.
** فيلسوف سلوفيني معاصر، من أعلام مدرسة ليوبليانا للتحليل النفسي.
[1] Les Bijoux Indiscrets
أو الجواهر الرعناء، الفاضحة، غير المتكتمة، مفشية الأسرار.
[2] التكنية عن فرج المرأة بالجوهرة أو علبة الجواهر شهيرة، كما بيَّن فرويد في حالة دورا. (المترجم)
[3] ولذلك نجد، على سبيل المثال، أنَّ الشخصيتين الأساسيتين في رواية عالم صوفي لچوستين جاردر والشخصية الأساسية في فيلم The Purple Rose of Cairo لوودي ألان―الممثل في الفيلم-داخل-الفيلم الذي يخرج من شاشة السينما إلى "العالم الواقعي"―على دراية بأنها ليست موجودة إلا كاختلاق في مخيلة المؤلف. وعندما يتبين لهذه الشخصيات أنها تعيش في عالم الرواية أو الفيلم الخيالي، تتخذ عادة من المؤلف الذي أبدعها وكتب الكلام الذي يجري على ألسنتها ربًّا لها (لم تستطع شخصية الممثل الذي خرج من شاشة السينما في فيلم وودي ألان أن تستوعب دور الرب في العالم الواقعي إلا قياسًا على الدور المبدع والخلَّاق الذي يتمتع به المؤلف في عالم الفيلم الخيالي).
[4] Denis Diderot, The lndiscreet Jewels, trans. Sophie Hawkes (New York: Marsilio, 1993), 49. سأحيل النقول التالية من الرواية إلى رقم الصفحة من هذه الطبعة في المتن
[5] Aram Vartanian, 'Introduction', Les Bijoux Indiscrets, in Denis Diderot, Œuvres complétes, ed. Herbert Dieckmann, Jacques Proust and Jean Varloot (Paris: Hermann, 1975-), 3: 12.
[6] تُعزى هذه الرواية إلى چان باپتِست دو بواير (ت. 1771). (المترجم)
[7] لفهرسة مفصّلة لهذه الشخصيات انظر:
Emita B. Hill, 'The Role of "le monstre" in Diderot's thought,' Studies on Voltaire and the Eighteenth Century 97 (1972), 149-261.
[8] في الغدة الصنوبرية تحديدًا، كما يرى ديكارت. (المترجم)
[9] Michel Chion, The Voice in Cinema, trans. Claudia Gorbman (New York: Columbia University Press, 1999), 23-8.
[10] Chion, The Voice in Cinema, 24.
[11] Chion, The Voice in Cinema, 28.
[12] المرجع نفسه.
[13] يلّمح مِشيل شو هنا إلى الفِتشيه الجنسية (فتشية اللباس الداخلي خاصة): بحسب فرويد، يحمي الفِتّش الجنسي صاحبة من القلق، القلق من الخصاء على وجه التحديد. كل فِتّش في عين صاحبه هو قضيب متخيل، يحل في محل قضيب المرأة الغائب. يُفتشِن المنحرف لباس المرأة الداخلي لأنه آخر ما يفصل بينه وبين الحقيقة التي ينكرها (أو يجحدها بالأحرى): غياب القضيب. وما دامت المرأة ترتدي لباسها الداخلي، يمكن لمفتّشِنه أن يحتفظ بوهمه: يوجد قضيب تحته، لكن بمجرد ما تتعرى منه يتبدد هذا الوهم بلا رجعه. (المترجم)
[14] نفسه، التشديد (على الفم) في الأصل.
[15] Diderot, Encyclopédie, in Œuvres complétes, 8: 163.
[16] المصدر نفسه.
[17] Diderot, Encyclopédie, in Œuvres complétes, 5: 272.
في تقصيه لتاريخ مصطلح "الصوت خفي المصدر" (acousmatic)، أحال مِشيل شو على مقالة ديدرو هذه، انظر:
The Voice in Cinema, 19, note 5.
[18] هذه عبارة مجازية، على غرار عبارة: "العصفورة قالت لي" في العامية المصرية. فالجوهرة لا تقصد أن إصبع المرأة الخنصر هو الذي أخبرها بأنها تفكر في الفواحش، وإنما تقصد أنها تعلم لأنها تعلم ببساطة، لأنها العضو الجسدي المختص بأمور الشهوة أكثر من غيره. (المترجم)
[19] معروف أنّ ديكارت ينفي أن تكون للحيوانات أرواح، وأنه يعتبرها مجرد آلات معقدة. (المترجم)
[20] Denis Diderot, Ѐléments de physiologie, in Œuvres, ed. Laurent Versini, 5 vols (Paris: Robert Laffont, 1994-97), I: 1282.
[21] Diderot, Observations sur Hemsterhuis, in Diderot, Œuvres, 1: 718.
[22] Diderot, Ѐléments de physiologie, 1: 1316.
[23] La Mettrie, Machine Man, in Machine Man and Other Writings, trans. Ann Thomson (Cambridge: Cambridge University Press, 1996 ), 26.
[24] La Mettrie, The System of Epicurus, in Machine Man and Other Writings, 103.
[25] La Mettrie, Ouvrage de Pénélope, ed. Francine Markovits ( Paris: Fayard, 2002 ), 591.
وانظر أيضا:
Aram Vartanian, 'La Mettrie and Diderot Revisited: An Intertextual Encounter', Diderot Studies XX.I (1983), 170.
[26] La Mettrie, The System of Epicurus, 103.
[27] La Mettrie, Anti-Seneca or the Sovereign Good, in Machine Man and Other Writings, 141 .
[28] المصدر نفسه، ص 143.
[29] نفسه.
[30] نفسه، ص 140.
[31] نفسه، ص 143.
[32] Jacques Domenech, L'Ѐthique des Lumiéres: Les fondements de la morale dans la philosophie francaise du XVIII' siécle (Paris: J. Vrin, 1 989), 173.
[33] لوصف شيء من تهتك لا مِتّري في بلاط فريدرك الكبير، انظر:
Giles MacDonogh, Frederick the Great: A Life in Deed and Letters (New York: St.
Martin's Press, 2000), 214.
[34] انظر على سبيل المثال:
La Mettrie, Ѐpître á Mlle A. C. P. ou la machine terrassée, in Œuvres philosophiques, ed. Francine Markovits, 2 vols (Paris: Fayard, 1987), 2 :215 وفي غيرها من المواضع
[35] Diderot, Réfutation d'Helvétius, in Œuvres, I : 805.
[36] Diderot, Observations sur Hemsterhuis, I : 712.
[37] Diderot, Les Salons, in Œuvres, 4: 726.
[38] Diderot, Ѐléments de physiologie, in Œuvres, 1: 1308.
[39] La Mettrie, The System of Epicurus, 103.
[40] Diderot, Additions á la Lettre sur les sourds et muets, in Œuvres, 4: 55.
التشديد (على والإمساك بعقلي متلبسا) في الأصل.
وهذا هو رأي جورج دو بوفون (ت. 1788) أيضا، إذ كتب في رسالة بتاريخ 6 يناير من سنة 1739 إلى إتيان فرنسوا ديتور (ت. 1789)، قائلا: «كما أنّ رأس الإصبع لا يمكنها أن تلمس نفسها، وكما أنّ العين لا يمكنها أن ترى نفسها، لا يمكن للعقل أن يفكر في نفسه»، مستشهد به في:
Roger, Buffon: un philosophe au Jardin du Roi (Paris: Fayard, 1989), 72.
[41] معروف أن هذه التشوهات التي كان ديدرو ما يزال ينتظر الطبيعة أن تأتي بها، قد ظهرت قبل زمنه بقرون، انظر:
Jan Bondeson, 'The Tocci Brothers, and Other Dicephali', in The Two-headed Boy, and Other Medical Marvels (Ithaca, NY and London: Cornell University Press, 2000), 160-88.
نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.