قراءة نقدية لكتاب (العقد العرقي) ل (تشارلز ميلز)

2023-09-28

قراءة نقدية لكتاب (العقد العرقي) ل (تشارلز ميلز)

[1]: يتناول تشارلز ميلز في كتابه (العقد العرقي) مفهوم العقد الاجتماعي، ذلك المفهوم المحوري الذي تتناوله كل الأكاديمية الغربية ببعديه السياسي والاجتماعي بوصفه عقدًا عالميًا يمثل التحول من الحالة الطبيعية إلى الحالة الاجتماعية التي نشأت من خلالها المجتمعات والحكومات والتي يكون فيها الجميع متساويًا، وهو بالضرورة  يعمى عن موضوع العرق. وبالنسبة لهؤلاء التعاقديين، فإن التمييز العنصري المبني على العرق حدث متأخر لا يفسرونه إلا بكونه انحراف عن مبادئ المساواة التي جاء بها التنوير ويقوم عليها العقد الاجتماعي. يوضح ميلز كيف أن هذا العقد الاجتماعي عقد مثالي غير موجود وإنما يحل محله عقد آخر أسماه بالعقد العرقي. العقد العرقي هو عقد بين البيض يضمن لهم حقوقًا متساوية ولكن يهدف بالأساس إلى وضع نظام تراتبي يتسيده الرجل الأبيض (ومفهوم البياض هنا هو مفهوم متغير تندرج تحته صفات شكلية وثقافية واجتماعية)، ويموضع بقية الأعراق في مستويات أدنى تسمح له بممارسة دور الوصاية عليهم واستغلال أجسادهم وأراضيهم وثرواتهم. ولهذا العقد العرقي بعد سياسي واجتماعي بالإضافة إلى بعد إبستمولوجي، يوفر هذا الأخير رؤية مشوهة للعالم تقسمه إلى عالمين؛ عالم متحضر وآخر متوحش، تحمل في صميمها سياسة تمييزية ليست تالية للعقد الاجتماعي وليست حتى متزامنة معه ولكنها تمتد أبعد من ذلك، أي أنها تُرجع تميز البيض عن غيرهم إلى مرحلة الطبيعة وما قبل تكوّن العقود الاجتماعية والمجتمعات. توفر هذه الرؤية تبريرًا لأفعال الرجل الأبيض من مذابح واستعباد واحتلال واستغلال، وتفرض مجموعتين مختلفتين من القوانين، إحداها تسرى على البيض فيما بينهم والأخرى تسري على الملونين بدرجات متفاوتة. يقدم ميلز في هذا الكتاب مفهوم العقد العرقي ليفسر العالم الحديث وهيكلته السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ويمد الباحثين بعدسة مختلفة يدعوهم إلى استخدامها، وأرضية أكثر ثباتًا واتصالًا بالواقع يقفون عليها في رؤية العالم من حولهم ومن ثم في تصور حلول أكثر جدية لمسألة التمييز العنصري واللامساواة.

 

ترجمة لمقدمة الكتاب:

سيادة البيض هي النظام السياسي غير المسمى الذي جعل من العالم ما هو عليه اليوم. لن تجد هذا المصطلح في النصوص التمهيدية ولا المتقدمة عن النظرية السياسية. يبدأ المقرر السياسي المعتاد لمستوى ما دون الخريجين بأفلاطون وأرسطو، ربما يشير إلى أوغسطين و الإكويني وميكافيللي، ومن ثم ينتقل إلى هوبز ولوك وميل وماركس ثم ينتهي إلى رولز و نوزيك. سيعرّفونك بمبادئ الأرستقراطية والديمقراطية والاستبداد والليبرالية والحكومات التمثيلية والاشتراكية ورأسمالية الرفاهة و الليبرتارية. ورغم أن هذا التعريف يغطي أكثر من ألفي عام من الفكر السياسي الغربي ويعرض السلسلة المزعومة للأنظمة السياسية، إلا أنه لا يأتي على ذكر النظام السياسي الأساسي الذي شكل العالم في آخر عدة مئات من السنين. وهذا الاستبعاد ليس على سبيل الصدفة. بل على النقيض، فهو يعكس حقيقة كون غالبية كاتبي ومصممي النصوص والمناهج المرجعية من البيض، والذين يسلمون بامتيازاتهم العنصرية لدرجة تعميهم عن رؤيتها كأمر سياسي أو كشكل من أشكال الهيمنة. ومما يدعو للسخرية أن أكثر الأنظمة السياسية في تاريخ العالم الحديث -نظام الهيمنة الذي تسيد به البيض في الماضي على غير البيض ولا يزالون يستمرون، من خلال طرق معينة وذات أهمية، في هذا التسيد- لا يعتبر كنظام سياسي على الإطلاق. إنما يسلم به فحسب؛ فهو الخلفية التي تبرز أمامها باقي الأنظمة التي لنا أن نرى فيها الصفة السياسية. هذا الكتاب هو محاولة لإعادة توجيه بصرك، أن يجعلك بمعنى ما ترى ماذا كان يحدث منذ البداية.

 بقيت الفلسفة غير متأثرة، وياللعجب، بسجالات تعدد الثقافات والإصلاحات التشريعية والتعددات العرقية التي عصفت بالمجتمع الأكاديمي؛ وهي بذلك، سواء ديموغرافيًا أو مفاهيميًا، واحدة من أكثر علوم الإنسانيات "بياضًا". فمثلًا، لا يمثل السود سوى 1 في المائة من المشتغلين بالفلسفة في جامعات أمريكا الشمالية- هم حوالي مائة فرد ضمن أكثر من عشرة آلاف مشتغل- والعدد أقل بالنسبة للأمريكيين للمشتغلين

بالفلسفة من أصل لاتيني أو أسيوي أو من السكان الأصليين[2]. لا شك أن عدم التكافؤ في التمثيل هذا يستلزم تفسيرًا في حد ذاته، وأرى أنه يمكن إرجاعه جزئيًا إلى تشكيلة من المفاهيم ومخزون نمطي من الدواعي والتي تتجاهل بتجردها تجربة الأقليات العرقية بدلًا عن احتوائها بصدق. وحيث أن لدى النساء(البيض) امتيازًا ديمغرافي من حيث أعدادهن، فهناك بلا شك عدد أكبر من المشتغلات بالفلسفة عن المشتغلين غير البيض (رغم عدم تناسب أعدادهن مع نسبتهن في المجتمع) وقد أحرزن تقدمًا أكبر بكثير في تطوير تصورات مفاهيمية بديلة. يميل هؤلاء الفلاسفة الأمريكيون من أصل أفريقي والمشتغلون بالنظريات الأخلاقية والسياسية إلى إنتاج أعمال لا تختلف كثيرا عن أقرانهم البيض أو إلى صب تركيزهم في شؤون محلية ( مثل الإجراءات التوكيدية وطبقة السود"المغبونة"underclass) أو شخصيات تاريخية ( ويليام دو بويس وآلان لوك) بطريقة لا تتشابك بعنف مع السجال الأوسع.

نحتاج إلى إطار نظري عالمي لكي نموضع نقاشات العرق والعنصرية البيضاء ومن ثم نتحدى افتراضات الفلسفة السياسية البيضاء، وهذا في توازي مع صياغة المنظرين النسويين حول مركزية الجندر والأبوية والتمييز الجنسي في النظريات الأخلاقية والسياسية التقليدية. ما نحتاج إليه بعبارة أخرى هو التعرف على العنصرية ( أو كما سأدعي لاحقًا، سيادة البيض العالمية) كنظام سياسي في حد ذاته، كبنية محددة للسلطة من قواعد رسمية وغير رسمية و امتيازات اجتماعية واقتصادية وأعراف توزيع منحاز للثروات المادية والفرص والمنافع والأعباء والحقوق والواجبات. مفهوم العقد العرقي حسب اقتراحي هو مسار ممكن لتكوين رابط مع النظرية السائدة، حيث أنها تستخدم مصطلحات و أدوات تم تطويرها من أجل أن ترسم التعاقدية contractarianism خارطة هذا النظام غير المعترف به.  ويظل الحديث التعاقدي في نهاية المطاف هو اللسان السياسي المشترك في زماننا الحالي.

جميعنا يدرك مفهوم"العقد"، فهو اتفاق بين شخصين أو أكثر على القيام بفعل ما. ويوسع " العقد الاجتماعي" نطاق تلك الفكرة لا أكثر. إذا تصورنا نقطة انطلاق البشر من " حالة الطبيعة" فهذا يشير إلى أنهم قرروا أن يؤسسوا مجتمعًا مدنيًا وحكومة. ومن ثم نجد لدينا نظرية تشرعن الحكومات بناء على الموافقة consent الشعبية للأفراد باعتبارهم متساوين. [3]

والعقد الغريب/المتفرد الذي أحيل إليه رغم أنه مبني على المنهاج التقليدي للعقد الاجتماعي والذي لعب دورًا محوريًا في النظرية السياسية الغربية، إلا أنه ليس عقدًا بين الجميع ("نحن شعب الـ") ولكنه بين أولئك المهمين فقط والذين يحسبون كأفراد بالفعل (" نحن الشعب الأبيض للـ"). وبهذا فهو عقد عرقي.

يمثل العقد الاجتماعي سواء بصيغته الأصلية أو المعاصرة عدسات فعالة للنظر المتمعن في المجتمع والحكومات. ولكن نظرًا لتعتيمها على الحقائق البشعة لقوى الجماعات والهيمنة فإنها ستكون، إن لم يُكمَّل نقصانها، سردية في غاية التضليل عن الكيفيات التي تكوَّن من خلالها والتي يسير بواسطتها العالم الحديث. "العقد العرقي" كنظرية- استخدم علامات التنصيص حين أتحدث عن نظرية العقد العرقي بخلاف الأماكن التي أتحدث فيها عن العقد العرقي نفسه- سوف يوضح كيف أن العقد العرقي حقيقي بالفعل وأن التعديات العنصرية الظاهرية لبنود العقد الاجتماعي ترفع على أكتافها بنود العقد العرقي.

 

يراد بال"عقد العرقي" أن يعمل كجسر مفهومي بين مساحتين منفصلتين عن بعضهما ببون شاسع في الوقت الراهن: من ناحية بين عالم الأخلاقيات والفلسفة السياسية السائد ( أي الأبيض) والمشغول بسجالات حول العدالة والحقوق على مستوى مجرد، ومن ناحية أخرى، عالم الفكر السياسي والتاريخي لسكان أمريكا الأصليين والأمريكيين من أصل إفريقي ومواطني العالم الثالث والرابع[4] و المنصبة على قضايا الاحتلال والامبريالية و الكولونيالية والاستعمار الأبيض وحقوق الأرض والعرق والعنصرية والعبودية وسياسات الفصل العرقي jim crow، وتعويض الأضرار والفصل العنصري و الأصالة الثقافية والهوية القومية والإندجينزمو indigenismo والمركزية الأفريقية Afrocentrism، إلخ. ونادرًا ما تظهر تلك القضايا في الفلسفة السياسية السائدة،[5] ولكنها تبوأت مكانة مركزية في صراعات أغلبية شعوب العالم. وغياب تلك القضايا عما يعتبر فلسفة جادة لا يعكس افتقار تلك القضايا للجدية ولكن يعكس لون الأغلبية العظمى للفلاسفة الأكاديميين الغربيين (وربما يعكس أيضا افتقارهم للجدية).

       Efc1e721 8572 4ed8 9704 193eef8cf56b

الميزة الكبرى للنظرية التقليدية للعقد الاجتماعي هي أنها وفرت ما يبدو أنها إجابات مباشرة لكل من التساؤلات الوقائعية عن أصول وتطورات المجتمع والحكومات و التساؤلات المعيارية normative عن تبرير البُنى الاقتصادية الاجتماعية والمؤسسات السياسية. كما تميز "العقد" بكونه شديد المرونة ويعتمد على الكيفية التي ينظر بها المنظرون المختلفون إلى الحالة الطبيعية والدافع الإنساني و الحقوق و الحريات التي تخلى الناس عنها أو تمسكوا بها، وعلى التفاصيل الخاصة بالاتفاقية وعلى الطابع الخاص بالحكومات الناتجة عنها. ولا زلنا قادرين على الإشارة إلى تلك المرونة في النسخة الرولزية المعاصرة من العقد، حيث تخلى رولز عن الادعاءات التاريخية للتعاقدية الكلاسيكية وركز بدلا عن ذلك على تبرير البنية الأساسية للمجتمع.[6] وانتقل العقد من أيامه المجيدة فيما بين عامي 1650 و 1800 والتي كان فيها بمثابة سردية كبرى شبه أنثروبولوجية لأصول المجتمع و الدولة و تطوراتهما، ليصبح الآن مجرد أداة معيارية و آلية مفاهيمية تحفز تفكيرنا حول العدالة.

لكن استعمالي هنا مختلف. "العقد العرقي" الذي استعمله معني أكثر بالاحتفاظ بروح التعاقديين الكلاسيكيين أمثال هوبز ولوك وروسو وكانط.[7] لا يقتصر استخدامي له كمعيار لتوليد أحكام عن العدالة الاجتماعية أو غيابها، و لكن كوصف يبتغي تفسير العملية الفعلية لتولد المجتمع والدولة، و الكيفية التي تأسس عليها المجتمع، والكيفية التي تعمل بها الحكومات، والسيكولوجيا الأخلاقية للشعوب.[8]أشهر المواضع التي استعمل فيها العقد لتفسير مجتمع يطفح بغياب المثالية والذي يمكن أن يسمى في اللغة الفلسفية المعاصرة بالسردية الـ" المتطبعة" "naturalized"، هو خطاب روسو حول اللامساواة (1755). يقول روسو أن التطورات التكنولوجية في مرحلة حالة الطبيعة جلبت إلى الوجود مجتمعًا ناشئًا يشهد انقسامات متزايدة للثروة بين الأغنياء والفقراء، والتي تتوطد بدورها وتأخذ صفة الدوام من خلال "عقد اجتماعي" مخادع.[9] وبينما يفسر العقد المثالي كيف يمكن تكوين مجتمع عادل تحكمه حكومة أخلاقية و ينظمه قانون أخلاقي وجيه، فإن هذا العقد غير المثالي/المتطبع يفسر كيف ينشأ مجتمع غير عادل ومستغل ، تحكمه حكومة قمعية وينظمه قانون غير أخلاقي. وإذا كان ينبغي أن نؤيد العقد المثالي و نحذو حذوه فينبغي أيضًا أن نفضح العقد غير المثالي/المتطبع وأن ندينه. بالتالي فليس الغرض من تحليل العقد غير المثالي هو أن نعترف بوجوده ولكن أن نستعمله في تفسير وفضح اللامساواة التي تطفح بها سياسات الحكم الحقيقية وغير المثالية وأن يساعدنا في النظر فيما وراء ستار النظريات والتبريرات الأخلاقية التي تدافع عنها. فهو يمنحنا رؤية مثل الأشعة السينية تنفذ إلى المنطق الباطني الحقيقي داخل النظام السياسي الاجتماعي. وبذلك فإنه يقوم بوظيفة معيارية في صالحنا، ليس من خلال قيمه المقيتة ولكن من خلال تمكيننا من فهم التاريخ الحقيقي لسياسات الحكم والكيفية التي وُظفت بها تلك القيم والمفاهيم في مَنْطَقِة القمع، وذلك حتى يتسنى لنا اصلاحها.

 

ويعد العمل النسوي المثير الذي أنجزته كارول باتمن في العقد الماضي ، العقد الجنساني The Sexual Contact، مثالًا جيدًا لهذا النهج (ومصدر إلهام لكتابي هذا، رغم أن تناولي مختلف إلى حد ما)، والذي

يبين كيف يستمر العقد في حمله للإمكانات التوصيفية/التفسيرية الحية.[10] تستعمل باتمن هذا النهج بطريقة طبيعانية naturalistically، كطريقة لنمذجة الديناميات الداخلية للمجتمعات ذات الهيمنة الذكورية غير المثالية والتي توجد بالفعل في يومنا هذا. وبالتالي فإنه يمثل، كما سبق التوضيح، عودة إلى النهج "الأنثروبولوجي" الأصلي والذي يُراد بالعقد أن يلعب فيه دورًا تفسيريًا. لكن الحبكة هنا بالطبع هي في غاية باتمن التمردية بعد هذا كله: أن تنقب عن الاتفاقية الذكورية المستترة والتي يرتكز عليها العقد الاجتماعي المتظاهر بالحياد الجنساني. تقدم باتمن "تاريخًا حدسيًا" من خلال النظر إلى المجتمع الغربي والأيديولوجيات السياسية والأخلاقية السائدة وكأنها ترتكز على "عقد جنساني" غير معترف به، ليكشف ويفضح المنطق المعياري الذي يمنطق التناقضات و الالتفافات و المراوغات التي يستعملها التعاقديون الكلاسيكيون ومن ثم فضح عالم الهيمنة الذكورية الذي ساعدت أعمالهم في تبريره.

أهدف إلى تبني عقدًا غير مثالي كمجاز بياني rhetorical trope وكمنهج نظري لفهم المنطق الباطني للهيمنة العرقية والكيفية التي تبني بها سياسات الحكم في الغرب وغيره. لعب مفهوم "العقد الاجتماعي" المثالي دورًا مركزيًا في فهم وتقييم النظرية السياسية الغربية للعالم الاجتماعي. ولا غنى للمعرفة الإدراكية عن المفاهيم: يساعدنا العلماء المعرفيون في التصنيف والتعلم والتذكر والاستدلال والتفسير وحل المعضلات والتعميم والتشبيه.[11] ويمكن لغياب المفاهيم المناسبة في المقابل أن تعرقل التعلم وتتدخل في تكوين الذكريات و تعوق الاستدلال وتعطل التفسير وتديم المعضلات. ومن هنا أقترح أن فكرة العقد العرقي كمفهوم مركزي يمكن أن يكشف عن السمات الحقيقية للعالم الذي نعيش فيه وما يقابله من ثغرات تاريخية في النظريات والممارسات المعيارية أكثر من المفاهيم اللاعرقية التي تهيمن على النظرية السياسية في الوقت الحالي.[12] يساعدنا "العقد العرقي" أن نشتبك مع النظرية السياسية الغربية السائدة وأن نطرح موضوع العرق سواء كان على مستوى أولي متعلق بتصور مفاهيمي بديل حول الحقائق أو على مستوى ثانوي (انعكاسي) متعلق بتحليل نقدي للنظريات الأورثودوكسية نفسها. وطالما ينظر للتعاقدية على أنها وسيلة مفيدة لممارسة الفلسفة السياسية والتنظير حول نشأة السياسة والمعايير التي ينبغي أن ترشد مساعينا في جعلها أكثر عدالة، فإنه لا يخفى على أي أحد ضرورة فهم كيف كان ولا يزال "العقد" الأصلي والمستمر حتى الآن وذلك حتى نتمكن من تصحيحه في مسعانا لإنشاء "العقد" المثالي. ولذلك ينبغي أن يستقبل "العقد العرقي" بالترحيب من قبل المنظرين التعاقديين البيض على السواء.

 

تلخيصًا، يمكن اعتبار هذا الكتاب مرتكزًا على ثلاثة ادعاءات بسيطة: ادعاء وجودي- وجود محلي وعالمي لسيادة البيض في الحاضر ولسنوات طويلة في الماضي، وادعاء مفاهيمي- ينبغي رؤية سيادة البيض كنظام سياسي في حد ذاته، و ادعاء منهجي- يمكن لسيادة البيض بوصفها نظام سياسي أن تُنَظَّر، وتفتح أعيننا، على كونها قائمة على "عقد" بين البيض، أي عقد عرقي.

ومن هنا يصبح لدينا عشرة أطروحات عن العقد العرقي مقسمة إلى ثلاثة فصول.

ماهية العقد العرقي:

سأبدأ باستعراض عام للعقد العرقي، مسلطًا الضوء على اختلافاته عن وتشابهاته مع العقد الاجتماعي الكلاسيكي والمعاصر. العقد العرقي له وجود سياسي وأخلاقي ومعرفي: العقد العرقي له وجود حقيقي، وبتحديده من له الحق في ماذا، فهو، اقتصاديًا، عقد استغلال. 

                                                    العقد العرقي له وجود سياسي وأخلاقي ومعرفي

"العقد الاجتماعي" هو في الحقيقة عدة عقود في عقد واحد. مبدئيا، يفرق التعاقديون المعاصرون في أغلبيتهم بين العقد السياسي والعقد الاخلاقي، وهذا قبل أن يقسموا كل منهما بدوره إلى فروع ثانوية. وأدعي أن العقد الاجتماعي الأورثودوكسي يستلزم ضمنيًا، وبالإضافة إلى ذلك، عقدًا "معرفي"، والتصريح بهذا هو في غاية الأهمية بالنسبة للعقد العرقي.

العقد السياسي هو سردية تفسر منشأ الحكومات و التزامنا السياسي نحوها. وتنقسم الفروع الثانوية في العقد السياسي أحيانًا إلى العقد الذي يهدف إلى تكوين مجتمع (وبالتالي الانتقال بالأشخاص "الطبيعيين" قبل المجتمعيين من حالة الطبيعة وإعادة صياغتهم وتأسيسهم كأعضاء في كيان مشترك) وإلى العقد الذي يهدف إلى تكوين دولة (وبالتالي تحويل الحقوق والسلطات التي نمتلكها في حالة الطبيعة مباشرة أو عن طريق التفويض،ومن خلال علاقة ثقة، إلى كيان سيادي حاكم).[13] والعقد الأخلاقي من الناحية الأخرى هو عماد القانون الأخلاقي للمجتمع، والذي ينبغي على المواطنين بموجبه ضبط سلوكهم. وتنقسم فروعه الثانوية بين تأويلين مختلفين (سيأتي ذكرهما فيما بعد) للعلاقة بين العقد الأخلاقي والنظام الأخلاقي في حالة الطبيعة. اختفى شق العقد السياسي في النماذج الحديثة من العقد على نحو كبير وخاصة في نموذج رولز، وحلت الأنثروبولوجيا الحديثة محل التأريخ الساذج لأصول المجتمع الذي قدمه التعاقديون الكلاسيكيون. وبالتالي أصبح التركيز شبه مُقتصر على العقد الأخلاقي. ولا ينظر إلي ذلك على أنه حدث تاريخي حقيقي جاء مع الابتعاد عن حالة الطبيعة. بل أن حالة الطبيعة يستمر وجودها فقط في صيغة مخففة مما يطلق عليه رولز "الموضع الطبيعي"، وما الـ"عقد" إلا تمرين افتراضي خالص (تجربة ذهنية) لتصور كيف يمكن أن تقوم "بنية أساسية" عادلة تحوي قوائم من حقوق وواجبات وحريات تشكل السيكولوجيا الأخلاقية للمواطنين ومفاهيمهم عن الحقوق واحترام الذات، إلخ.[14]

 

والآن، يتبع العقد العرقي- و"العقد العرقي" كنظرية تأخذ مسافة عن العقد العرقي وتتناوله بالفحص الناقد- النموذج الكلاسيكي في كونه اجتماعي سياسي وأخلاقي. ويفسر كيف تكون المجتمع أو تحول تحولات حاسمة، وكيف أعيد تشكيل الأفراد فيه، وكيف تكونت الدولة، وكيف بزغ قانون أخلاقي بعينه و سيكولوجيا أخلاقية إلى الوجود. ( وكما أكدت مرارًا فإن "العقد العرقي" يهدف إلى تكوين سردية عن ماهية الأشياء وكيف جاءت على النحو الذي جاءت عليه - الجانب الوصفي-  وإلى تكوين سردية عن كيف ينبغي أن تصير- الجانب المعياري- خاصة وأن أحد عيوب الفلسفة السياسية البيضاء هو تحديدًا غرائبيتها، وتجاهلها للحقائق السياسية الأساسية. وفوق ذلك فإن للعقد العرقي، كما سيتضح فيما بعد، جانب معرفي، فهو يصف معايير الإدراك التي ينبغي على الموقعين عليه أن يلتزموا بها. ولو أردنا تحديد خصائص هذا العقد بصورة مبدأية فسيكون قريبًا من الوصف التالي:

العقد العرقي هو مجموعة من الاتفاقيات الرسمية وغير الرسمية أو اتفاقيات فوقية/دستورية meta-agreements (عقود ذات مستوى أعلى تتناول العقود نفسها وتحدد صلاحياتها) بين أفراد تابعين لفئة محددة من البشر، موسومين من خلال معايير "عرقية" (ظاهرية/ تتعلق بالنسب/ ثقافية) (متغيرة) م1، م2، م3… بأنهم "بيض" وأنهم يمتلكون معايير مطابقة لمرتبة الأشخاص المكتملين (مع السماح بمجال يستوعب الاختلافات الجندرية)، ويصنف الفئات المتبقية من البشر على أنهم "غير بيض" وأنهم في مستوى أخلاقي مختلف وأدنى، أشخاص غير مكتملين/دون المستوى، وبالتالي لهم مكانة مدنية أدنى في سياسات الحكم البيضاء أو التي يحكمها البيض إما بمعيشتهم الفعلية تحتها أو تأسيسهم لها أو حتى تعاملهم معها بوصفهم غرباء، ولا تنطبق القواعد الأخلاقية والقانونية التي تنظم سلوكيات البيض في تعاملهم مع بعضهم على التعامل مع غير البيض إما مطلقًا أو أنها تنطبق على نحو مشروط (يعتمد هذا على الظروف التاريخية المتغيرة وعلى صنف الفئة غير البيضاء المعنية)، وعلى أي حال فإن الغرض العام من العقد هو دائمًا حصد الامتيازات للبيض كفئة مقابل غير البيض كفئة مغايرة، واستغلال أجساد غير البيض و أراضيهم ومواردهم ومنعهم من الولوج إلى فرص اجتماعية اقتصادية مساوية. كل البيض منتفعون من هذا العقد مع أن بعضهم ليسوا من الموقعين عليه.[15]

سيتضح بناء على ذلك أن العقد العرقي ليس عقدًا يمكن لغير البيض أن يكونوا طرفًا موافقًا عليه بصورة حقيقية (رغم أنه قد يكون من ألعاب السياسة أحيانًا، ومجددًا على حسب الظروف، أن يُدعى أن هذا فعلًا ما حصل). وإنما هو عقد بين أولئك المصنفين أنهم بيض على حساب غير البيض، والذين من ثم يكونون أغراضًا في هذه الاتفاقية وليسوا أطرافًا فيها.

 ومن ثم يخضع المنطق وراء العقد الاجتماعي بصفاته السياسية والأخلاقية والمعرفية إلى اعوجاج مماثل ومتغير في مصطلحاته ومفاهيمه الجوهرية.

بصفته السياسية، فإن العقد الذي ينبغي أن يؤسس لمجتمع وحكومة ويحول "الرجال" المجردين منزوعي الصفة العرقية من معيشتهم في حالة الطبيعة إلى مخلوقات اجتماعية ملزمين سياسيًا تجاه دولة محايدة، سيصبح مؤسسًا لسياسات حاكمة ذات صفة عرقية، وذلك سواء في حالة الدول ذات الاستيطان الأبيض (حيث الشعوب الأصلية إما أنها قليلة أو جُعلت هكذا) أو في حالة ما يطلق عليه أحيانًا "مستعمرات بالوكالة" sojourner colonies، بمعنى تأسيس وجود أبيض وحكم كولونيالي على مجتمعات قائمة (والتي تكون أكثر كثافة أو يكون سكانها أكثر مقاومة لمحاولات الإبادة). وبالإضافة إلى ذلك، تتعرض البلد المستعمرة الأم لتغيرات جراء علاقتها بهذه السياسات الجديدة وبالتالي يتعرض مواطنوها أيضًا للتغيير.

في العقد الاجتماعي يكون التحول من الإنسان "الطبيعي" إلى الإنسان "المدني/السياسي" هو التحول الإنساني الحاسم، ومن آهل لحالة الطبيعة إلى مواطن في المجتمع المحدث. وهذا التغير يمكن أن يُرى بدرجات متفاوته باختلاف المُنَظِّرين. بالنسبة لروسو كان تحولًا دراماتيكيًا انتقلت من خلاله مخلوقات أشبه بالحيوانات، نهمة وغريزية إلى مواطنين ملزمين بالعدالة والقوانين التي احتكموا إليها بأنفسهم.

بالنسبة إلى هوبز فإنه حدثٌ أقل حدة، تعلم منه أناس يهتمون بأنفسهم أولًا أن يحجموا من أنانيتهم في سبيل مصلحتهم الشخصية.[16]وفي أي الأحوال فإن "حالة الطبيعة " الأصلية يفترض أن تشير إلى وضع كل الرجال وأن تشملهم كلهم تأثيرات التحول الاجتماعي بنفس الطريقة. وفي العقد العرقي، بخلاف ما سبق، فإن التحول الحاسم هو التفرقة المفاهيمية المبدئية ثم التحول/الانقسام المماثل في الكتلة البشرية إلى رجال "بيض" و "غير بيض". وبهذا يصبح الدور الذي تلعبه "حالة الطبيعة" مختلفًا جذريًا. فليس وظيفتها في حالة دولة الاستيطان الأبيض أن تحدد الحالة ما قبل السياسية (المؤقتة) لـ "كل" الرجال ولكن أن تحدد الحالة ما قبل السياسية الدائمة أو بتعبير أفضل الحالة اللاسياسية (حيث يوحي مصطلح "ما قبل" بتحرك داخلي أكيد في المستقبل) للرجال غير البيض. و بهذا يتضمن تأسيس المجتمع رفضًا لوجوده من الأساس؛ إحداث مجتمع ما يتطلب تدخل الرجل الأبيض والذي يتموضع حينها ككائن سياسي اجتماعي سلفًا. يتقابل الرجل الأبيض والذي هو (بالتأكيد) جزء من المجتمع مع غير البيض والذين هم ليسوا جزء منه، فهم آهلون "متوحشون" في حالة الطبيعة التي توسم بمصطلحات البرية والغابة والأرض الخراب.

  ويجلب البيض هؤلاء المتوحشين جزئيًا إلى المجتمع كمواطنين دون المستوى أو يستبعدونهم بتحفظات عدة أو ينكرون وجودهم أو يبيدونهم. في الحالة الكولونيالية يستولي المستعمرون على المجتمعات سابقة الوجود والتي يعترفون بها ولكن يعتبرونها (لسبب أو لآخر) مجتمعات ناقصة (منحطة، راكدة، فاسدة) ويديرونها من أجل "مصلحة" السكان الأصليين غير البيض، والذين يُعتبرون أشباه أطفال وغير قادرين على الحكم الذاتي أو إدارة شؤونهم الخاصة وبالتالي يحق أن يكونوا تحت وصاية الدولة. وهنا يوصف السكان الأصليين كـ"بربريين" بدلًا عن "متوحشين" كونهم أكثر بعدًا إلى حد ما عن حالتهم الطبيعية (ولكن ليس كالبعد المترامي بين الأوروبيين وبين حالتهم الطبيعية المفقودة، هذا إذا سبق لها الوجود أصلاً). وفي أوقات الأزمات، تنزع المسافة بين الإثنين، البربريين والمتوحشين، إلى التضاؤل أو تختفي كليًا، حيث أن التفرقة بين غير البيض بعضهم عن بعض هي أقل في أهميتها بكثير من التفرقة المركزية بين البيض وغير البيض.

في كلتا الحالتين يتضح أن العقد العرقي يؤسس سياسات حكم عرقية ودولة عرقية ونظام قضائي عرقي حيث تُرسم  حدود واضحة بين وضع البيض ووضع غير البيض.وهدف هذه الدولة، من جملة أهدافها الأخرى، وفي مقابلة مع الدولة المحايدة في النظرية التعاقدية الكلاسيكية هو تحديدًا أن تحافظ على النظام العرقي وتعيد انتاجه وتؤمن امتيازات و مزايا المواطنين مكتملي البياض وتبقى على دونية غير البيض. وبالتالي تعتبر "الموافقة" المتوقعة من المواطنين البيض ولو جزئيًا موافقة، علنية أو مستترة، على سيادة البيض وعلى ما يمكن أن يطلق عليه الكينونة البيضاء Whiteness. وذلك لدرجة أن يُواجَه الذين يفشلون في تأدية مسؤولياتهم المدنية والسياسية تجاه الكينونة البيضاء من الذين يُصنَفون بيضًا بالظاهر أو النسب أو الثقافة، باتهامات التقصير في واجباتهم كمواطنين.

إذن، ليس العرق بأي حال، ومنذ بداياته،" فكرة متأخرة" أو "انحراف" عن المثاليات الغربية المحايدة عرقيًا في الظاهر، وإنما عنصر تكويني مركزي لهذه المثاليات.

في تقاليد العقد الاجتماعي هناك علاقتان محتملتان أساسيتان بين العقد الاخلاقي والعقد السياسي. في العلاقة المحتملة الأولى، يمثل العقد الأخلاقي مبادئ أخلاقية موضوعانية سابقة الوجود preexisting objectivist morality (لاهوتية أو علمانية) وبالتالي تفرض قيودًا على بنود العقد السياسي. ونجد هذه الرؤية في كتابات لوك وكانط. هذا يعني بعبارة أخرى أن هناك قانون/شريعة أخلاقي موضوعي في حالة الطبيعة نفسها، حتى في غياب رجال شرطة وقضاة يعملون على فرضه. ومن ثم ينبغي أن يقوم أي مجتمع أو حكومة أو نظام قانوني على قانون أخلاقي. في العلاقة المحتملة الثانية، يولِّد العقد السياسي المبادئ الأخلاقية كمجموعة عرفية من القواعد. ومن ثم لا يوجد أي معيار أخلاقي مستقل وموضوعي ليحكم بأفضلية شريعة أخلاقية على أخرى أو ليحكم على الأخلاقيات الموجودة في مجتمع ما بأنها غير عادلة. ووفق هذا المفهوم الذي ينسب إلى هوبز، لا تمثل الأخلاقيات إلا مجموعة من القواعد تهدف إلى تسهيل السعي المنطقي نحو مصالحنا وتنظيمها دون صراع مع الآخرين في مساعيهم المماثلة.[17]

 يمكن للعقد العرقي أن يستوعب الاحتمالين كليهما، وحيث أن الاحتمال الأول (العقد كما وصفه لوك وكانط) هو ما يمثل التقليد التعاقدي السائد وليس الاحتمال الثاني( العقد كما وصفه هوبز) فسوف أركز إذن على هذا الأول.[18] يستلزم هذا الاحتمال أن ترتكز سياسات الحكم الرشيدة على أسس أخلاقية سابقة الوجود. وهذا بالطبع تصور أكثر جاذبية بكثير عن تصور هوبز فيما يخص النظام السياسي. في التقاليد الغربية ترجع مثاليات الدولة المدنية العادلة والموضوعية التي ينبغي أن نتطلع إليها في نشاطنا السياسي إلى أفلاطون. ويوجد في النظرة الكونية المسيحية في القرون الوسطى والتي استمرت في تأثيرها على التعاقدية حتى الأزمنة الحديثة "قانون طبيعي" جوهري في بنية العالم والذي يُفترض أن يرشدنا أخلاقيًا إلى التطلع نحو هذه المثاليات.[19] (وفي هذا المثال الأخير فإن النسخ العلمانية من التعاقدية تنص ببساطة على أن للناس حقوق وواجبات حتى في حالة الطبيعة بسبب حقيقتهم ككائنات بشرية). ولذلك فإنه من الخطأ في حالة الطبيعة أن تسرق أو تغتصب أو تقتل حتى ولو غابت أي قوانين بشرية تنص على خطأ تلك الأفعال. وينبغي على هذه المبادئ الأخلاقية أن تفرض قيودًا على القوانين البشرية المحدثة وعلى الحقوق المدنية المعينة بمجرد إرساء السياسات الحاكمة. وبالتالي فإن العقد السياسي لا يفعل، ولوجزئيًا، شيئًا سوى أن يقنن (يدون في قوانين) الأخلاقيات الموجودة سلفًا، يدونها ويملأ تفاصيلها، بحيث لا نعتمد على حدس أخلاقي مزروع من السماء أو على ضمير يمكن لحواسه أحيانًا أن تتشوه بفعل المصلحة الشخصية. تعريف ما هو الصواب وما الخطأ أو ما العدل وما الظلم في أي مجتمع يعتمد على تعريف الصواب والخطأ والعدل والظلم في حالة الطبيعة.

يتضح من ذلك الأهمية الحاسمة لطبيعة الأسس الأخلاقية الموضوعية. وبالنسبة إلى التقاليد التعاقدية فإن هذه الأسس الأخلاقية تتمثل في حرية وتساوي جميع الرجال في حالة الطبيعة.

قال لوك في رسالته الثانية في الحكم المدني[20]Second Treatise ما يلي " ولكي نفهم السلطة السياسية على الوجه الصحيح -بعد الرجوع إلى نشأتها- يجب علينا أن نفهم الحالة الطبيعية التي انوجد الناس فيها : وهي الحرية المطلقة في تسيير دفة أعمالهم…. كما تعني المساواة أمام السلطة وأمام القضاء، بدون أن ينعم أحد بأكثر مما ينعم به غيره".[21] والأمر مماثل عند كانط فيما يخص التساوي الأخلاقي لكل الأفراد . [22]equal moral personhood تلتزم التعاقدية ( أو يفترض بها) بالمساواتية الأخلاقية moral egalitarianism، والتساوي الأخلاقي بين جميع الرجال و بالمبدأ الذي يقول بتساوي مصالح الجميع و بوجوب أن يحظى الجميع بحقوق متساوية. وبالتالي تلتزم التعاقدية بمبدأ تأسيسي معاكس للأيديولوجية التراتبية التقليدية للنظام الإقطاعي القديم الذي يؤمن بوجود مكانة متأصلة مستحقة وتبعية طبيعية. تتردد لغة المساواة تلك في الثورتين الأمريكية والفرنسية وفي إعلان الاستقلال والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وهذه المساواتية الأخلاقية هي ما يجب التمسك به أثناء تعيين الحقوق والحريات في المجتمع المدني. وحين يؤكد الناس على حقوقهم وحرياتهم ويعربون عن غضبهم تجاه عدم معاملتهم بمساواة ، فإن ما يناشدونه حينها هي تلك المفاهيم الكلاسيكية، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوا.

 

وعلى الرغم من هذا، كما سنرى لاحقًا في شئ من التفصيل، فإن أخلاقيات العقد العرقي المتحيزة لونيًا تحصر التمتع بالحرية والمساواة الطبيعيين على الرجال البيض. و بموجب الغياب التام لإدراكهم بواجبات القانون الطبيعي أو على الأقل إدراكهم الضيق المنقوص، فعلى غير البيض أن يهبطوا إلى مكانتهم المستحقة على درجة دنيا من السلم الأخلاقي (السلسلة الكبرى للوجود).[23] وُسِموا بأنهم يولدون غير أحرار وغير متساويين. ومن ثم خلقت أنطولوجيا اجتماعية منقسمة، عالم منقسم بين أفراد وأنصاف أفراد عرقيين، ما دون آدميين Untermenschen سواء كانوا سودًا أو حمرًا أو سمرًا أو صفرًا- عبيد، سكان أصليين، شعوب مستعمرة- ويُعرفون إجمالًا وكما يليق بهم بـ"الرعايا ذوي العرق". وأشباه الآدميين هؤلاء- زنوج niggers، هنود حمر injuns، صينيون chinks، شرق أوسطيين wogs، مكسيكيون greasers، سود blackfellows، كفار kaffirs، آسيويون coolies و gooks، السكان الأصليون الأستراليون abos، فيتناميون dinks، فلبينيون googoos- مكتوب عليهم بيولوجيًا ألا يخترقوا سقف حقوقهم المتعارف عليها و المصممة لهم أسفل الأفراد البيض. ولهذا فإنه من المسلم به، سواء اعترفوا بذلك أم لم يعترفوا، أن النظريات الأخلاقية الكبرى المطروحة خلال تطور الفكر الأخلاقي والسياسي الغربي هي ذات منظور مقيد يهدف الدعاة إليها، صراحة أو ضمنيًا، إلى قصرها على الأفراد البيض. تحدد نصوص العقد العرقي معايير الأخلاقيات البيضاء بصفة عامة، بحيث يبقى النطاق الذي يتنافس فيه التعاقديون من أتباع نظرية لوك وأتباع نظرية كانط حول الحقوق والواجبات الطبيعية وكذلك فيما بعد أتباع النظريات اللاتعاقدية مثل نفعية utilitarianism القرن التاسع عشر، محجمًا بهذه الشروط العامة.

D2efa61a C2c4 4044 Af02 8d0b9fc4978a

وأخيرًا، يتطلب العقد العرقي إبستمولوجيا أخلاقية و إمبريقية خاصة به، وكذلك أعرافًا وإجراءات لتحديد ما يمكن اعتباره معرفة أخلاقية وحقائقية عن العالم. ليس من الشائع أن تتحدث السرديات النمطية المتعلقة بالتعاقدية عن وجود عقد "إبستمولوجي (معرفي)" ، ولكن هناك بالفعل إبستيمولوجيا متعلقة بالتعاقدية تتمثل في القانون الطبيعي. وهو ما يزودنا ببوصلة أخلاقية، سواء في نسخة لوك التقليدية- نور العقل الذي أنبته الله فينا لنتمكن من تمييز بين ما هو صحيح وما هو خاطئ موضوعيًا - أو في نسخة هوبز المعدلة- القدرة على التقدير الموضوعي للسلوك المثالي والأحوط وما يتطلبه منا من أجل تعاون مع الآخرين تدفعه المصلحة الشخصية. ومن ثم يمكننا، بواسطة ملكاتنا الطبيعية، أن ندرك الحقيقة reality بجوانبها الوقائعية/الحقائقية والقيمية، وأن ندرك الأشياء كما هي موضوعيًا وما فيها من خير وشر موضوعي. أرى أنه يمكننا اعتبار هذا كإجماع مثالي حول الأعراف المعرفية/الإدراكية وبالتالي كموافقة أو "عقد" من نوع ما. هناك فهم ما عما يعتبر تفسيرًا موضوعيًا وصحيحًا للعالم، ويُمنح أحدنا، بموافقته على هذا الفهم، (و"بموجب العقد")موضعًا معرفيًا كاملًا في الحقل السياسي والمجتمع الإبستمولوجي الرسمي.[24]

 

أما فيما يخص العقد العرقي فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدًا بالضرورة. تصبح احتياجات الإدراك "الموضوعي"، بشقيه الوقائعي/الحقائقي والأخلاقي، في المنظومة السياسية العرقية أكثر تطلبًا لأن الحقيقة المعترف بها رسميًا تنحرف عن الحقيقة الفعلية. ويمكننا أن نقول هنا أن لدينا اتفاقية على إساءة تفسير العالم. وأن على أحدنا أن يتعلم كيف يرى العالم بطريقة خاطئة، ولكن في وجود ضمانة التصديق على حفنة الإدراكات المغلوطة هذه والتي توفرها/تصكها السلطة المعرفية البيضاء سواء كانت دينية أم علمانية.

وبناء على ذلك، وفيما يتعلق بالعرق، فإن العقد العرقي يطرح أمام الموقعين عليه إبستمولوجيا معكوسة، إبستمولوجيا تجهيلية، نمط معين لاختلالات في الإدراك المحلي والعالمي (والتي لا تخل مع هذا بوظائفها السيكولوجية والاجتماعية)، يتحصل عنها في الأخير أن عموم البيض لن يتمكنوا من فهم العالم الذي بنوه بأنفسهم. جزء مما يعنيه التكوين "الأبيض"( انمساخ العقد السياسي الاجتماعي وتحوله) وجزء مما يقتضيه تحقق الكينونة البيضاء والصيرورة الناجحة إلى الفرد الأبيض (لنا أن نتخيل حفلًا وشهادات تمنح إجازات للملتحقين: "مبروك، أنت الآن رسميًا فرد أبيض")، يتمثل في منهج معرفي يستبعد الشفافية الذاتية والفهم الأصيل للحقائق الاجتماعية. ولهذا فإن الموقعين البيض سيعيشون، على نحو كبير، في عالم متوهم ومختلق، أرض الفانتازيا العرقية، أو كما وصف وليام جيبسون الفضاء السيبراني بوصفه الشهير"هلوسة متفق عليها" " consensual hallucination"، إلا أن هذه الهلوسة بالتحديد محلها فضاء حقيقي.[25] ومن ثم ستكون هناك أساطير بيضاء ومشارق مختلقة وإفريقيات مختلقة بشعوب مفبركة وبلدان لم توجد قط مأهولة بسكان لم يوجدوا قط - كاليبانيين وتونتويين وفرايدايين وسامبويين[26]- ولكنهم مع ذلك سيكتسبون واقعًا افتراضيًا من خلال وجودهم في حكايات الرحالة والأساطير الشعبية والقصص الخيالية، الشعبية منها والرفيعة، وتقارير المستعمرات والنظريات الأكاديمية و سينما هوليوود، سيعيشون في المخيلة البيضاء وسيُفرضون فرضًا على نظرائهم المذعورين في العالم الحقيقي.[27] يمكننا إذن أن نقول كقاعدة عامة أن سوء الفهم الأبيض وسوء تمثيله وتحايله وخداعه لنفسه حول الأمور المتعلقة بالعرق هو من أكثر الظواهر الذهنية انتشارًا في القرون الأخيرة، ويمثل عملة معرفية وأخلاقية لازمة نفسيًا من أجل الاحتلال والاستعمار والاستعباد. وهذه الظواهر ليست على سبيل الصدفة بأي حال من الأحوال، بل منصوص عليها في بنود العقد العرقي والذي يتطلب نظامًا معينًا من العمى المنهجي ومن الضبابية حتى يتسنى له تأسيس السياسات الحاكمة البيضاء والإبقاء عليها.

مناقشة نقدية للكتاب:

كانت هذه ترجمة مقدمة الكتاب وجزء من فصله الأول، وربما يجد القارئ، بتوقف الترجمة عند هذه النقطة، انقطاعا في حبل الأفكار الذي أراد به الكاتب أن يمتد عبر الكتاب بفصوله الثلاثة. لكن لا شك ستتكون لديه بانتهاء الجزء المترجم صورة ما عن موضوعه الأساسي، أي مفهوم العقد العرقي بوصفه عدسة تتفحص العقد الاجتماعي وتعري عنه مثالياته المزعومة، بل وتفسر لنا ما استعصى تفسيره في ضوئها، أو لنقل ما لزم اخفاؤه في ظلالها، من ظواهر العنصرية العالمية التي تضع الرجل الأبيض على قمة هرمية كائنة بالفعل و منفية بالنظريات السائدة (ما يذكرنا بالنفي الفرويدي الذي هو في الحقيقة تأكيد مفارق).

سياسيًا، يتأسس العقد الاجتماعي، فيما يدعي، على أحادية التساوي الطبيعي، ويؤسس لمواطنة أحادية تشمل الجميع، بينما يتأسس في الواقع، بعدسة العقد العرقي، على ثنائية الأبيض الذي انسلخ عن حالته الطبيعية فور وجوده، وغير الأبيض الذي لن ينسلخ عن حالته الطبيعية أبدًا، ويؤسس لمواطنة ثنائية؛ واحدة إنسانية بيضاء وأخرى وحشية غير بيضاء.

اخلاقيًا، يتأسس العقد الاجتماعي، فيما يدعي، إما على أخلاقيات حدسية في عالم الطبيعة أو على لا أخلاقية ذلك العالم، فيقوم بتقعيد تلك الأخلاقيات ويدونها ويُحكِمها في الحالة الأولى، أو يخلقها من العدم في الحالة الثانية، وينتج عنهما في الأخير أفرادٌ أخلاقيون متساوون وأحرار. بينما يتأسس في الواقع، بعدسة العقد العرقي، على حالة أخلاقية بيضاء متساوية وحرة سابقة الوجود، وقائمة بدورها على نفي أي وجود أخلاقي مشابه لغير البيض.

ابستمولوجيًا، يتأسس العقد الاجتماعي إما على معرفة أنبتها الله فينا أو على ملكات عقلية طبيعية، نفرق بها بين الخير والشر والحق والباطل. بينما يتأسس في الواقع، بعدسة العقد العرقي، على تشويه نظامي وتجهيل متطبع يقلب حقيقة الأشياء ويطمس على أي فهم مترابط للواقع، لدرجة أن يعمى عن حقيقة وجوده هو ذاته ويتغافل عن الشكل السياسي الأكثر تأثيرًا في آخر عدة مئات من السنين؛ السيادة العرقية البيضاء.

 

 

 

[1] تشارلز و. ميلز ( يناير 1951- سبتمبر 2021)

فيزيائي وفيلسوف جامايكي أمريكي، وُلد في لندن ونشأ في كينغستون بجامايكا، درس الفيزياء في مرحلة البكالوريوس ثم الفلسفة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه وعمل محاضرًا في الفلسفة في عدة جامعات أمريكية منها جامعة أوكلاهوما وجامعة إليانوس وجامعة نورثويسترن، له ستة أعمال منشورة بالإضافة إلى عشرات المقالات العلمية. حاز كتابه "العقد العرقي" على جائزة غوستافوس مايرز للكتاب المتميز.

 

[2] كشف تقرير يختص بالفلسفة الأمريكية منشور عام 1994 تحت عنوان "مكانة مهنتنا ومستقبلها"" Status and Future of the Profession، أنه "لا يوجد أعضاء هيئة تدريس أمريكيون من أصل أفريقي (ذوي مسار مهني متصاعد)سوى في قسم واحد لكل 20 قسم  28 قسم من الأقسام الـ 456 المشاركة) وأقل من هذا العدد بقليل فيما يخص الأمريكيين من أصل لاتيني أو أسيوي (17 قسم لكل منهما). ولا يوجد سوى 7 أقسام تضم أمريكيين أصليين ذوي مسار مهني متصاعد. Proceedings and Addresses of The American Philosophical Association 701 no. 2 ( 1 9 9 6 ) : 1 3 7

 

 [3] للإلمام بالموضوع انظر مثلاً، Ernest Barker, Introduction to Social Contract: Essays by Locke, Hume, and R ousseau, ed. Barker ( 1 947; rpt . Oxford: Oxford University Press, 1 9 60); Michael Lessnoff, Social Contract (Atlantic Highlands, N.J . : Humanities Press, 1 9 8 6 ); Will Kymlicka, "The Social Contract Tradition, " in A Companion to Ethics, ed. Peter Singer ( Oxford: Blackwell Reference, 1 99 1 ), pp. 1 8 6 -96; Jean Hampton, " Contract and Consent , " in A Companion to Contemporary Political Philosophy, ed. Robert E. Goodin and Philip Pettit ( Oxford: Blackwell Reference, 1 99 3 ), pp. 3 79 -9 3 .

 

 

[4] يُشار أحيانًا إلى الشعوب الأصلية في مجموعهم عالميًا بـ "العالم الرابع"، انظر Roger Moody, ed., The Indigenous Voice: Visions and Realities, 2d ed., rev. ( 1 98 8 ; rpt . Utrecht: International Books, 1 993 ) .

 

[5] - يستثنى من ذلك عمل جدير بالثناء Iris Marion Young, Justice and the Politics of Difference ( Princeton: Princeton University Press, 1 990 ) . حيث يركز يونج صراحة على تداعيات المفاهيم المعيارية للعدالة في حالة إخضاع/تراتبية الجماعات، بما فيها الجماعات العرقية.

 

 

[6] عادة ما يرجع فضل إعادة إحياء العقد الاجتماعي والفلسفة السياسية ما بعد الحرب في العموم إلى عمل جون رولز، A Theory of Justice (Cambridge: Harvard University Press, 1 9 7 1 ) .

 

[7] Thomas Hobbes, Leviathan, ed. Richard Tuck ( Cambridge: Cambridge University Press, 1 9 9 1 ); John Locke, Two Trea tises of Governmen t, ed. Peter Laslett ( l 9 60; rpt . Cambridge : Cambridge University Press, 1 9 8 8 ); Jean-Jacques Rousseau, Discourse on the Origins and Foundations of Inequality among Men, trans. Maurice Cranston ( London: Penguin, 1 9 84); Rousseau, The Social Contract, trans. Maurice Cranston ( London : Penguin, 1 9 6 8 ); Immanuel Kant, The Metaphysics of Morals, trans. Mary Gregor ( Cambridge: Cambridge University Press, 1 9 9 1 ) .

 

[8] تذكرنا جان هامبتون في مقالها العقد والمصادقة "Contract and Consent" P. 382  أنه يراد بالعقد عند للتعاقديين الكلاسيكيين أن "يصف طبيعة المجتمعات السياسية في نفس الوقت الذي يحدد فيه لتلك المجتمعات شكلًا جديدًا يمكن الدفاع عنه"، في ذلك المقال، كما في مقال "التفسير التعاقدي للدولة" " The Contractarian Explanation of the State, " في Midwest Studies in Philosophy, l 5, ed. Peter A. French, Theodore E. Uehling Jr., and Howard K. Wettstein ( Notre Dame, Ind . : University of Notre Dame Press, 1 990), pp. 3 44-7 1، تدعو هامبتون صراحة إلى إعادة إحياء "التفسير التعاقدي للدولة" ذلك التفسير  العتيق الذي فقد بريقه على ما يبدو.تشير هامبتون إلى أن الصورة المتخيلة عن "العقد" تمسك بالنقطة الجوهرية التي تقول بأن "المجتمعات السياسية السلطوية authoritiative هي اختراعات بشرية" (وليست تنزلات سماوية أو حتمية طبيعية) وأنها "تتولد بالاتفاقconventionally generated . "

 

[9] روسو Discourse o n Inequality, pt . 2

 

[10] كارول بيتمان، العقد الجنساني The Sexual Contract ( Stanford: Stanford University Press, 1 98 8 ). إحدى اختلافاتها عن مقاربتنا هو اعتبار بيتمان أن التعاقدية قمعية بالضرورة- "دومًا ما يولد العقد حقوقًا سياسية في شكل علاقات هيمنة وخضوع" ص 8— بينما أرى الهيمنة في داخل نظرية العقد كأمر طارئ عليها. أي بعبارة أخرى، لا يشترط بالنسبة إلى أن يقوم العقد الاجتماعي على عقد عرقي. وما ذلك العقد  إلا نتيجة اقتران ظروف بعينها في التاريخ العالمي أدت إلى الاستعمار الأوروبي. وبالتبعية، فإنني أعتقد بإمكانية استخدام نظرية العقد إيجابيًا فور الإلمام بهذا التاريخ المخفي، رغم أنني لا أتعقب خط السير  هذا هنا. ويمكن الرجوع إلى كتاب سوزان موللر أوكين Justice, Gender, and the Family (New York: Basic Books, 1 9 8 9 ) كمثال على تعاقدية نسوية تعارض تقييم بيتمان السلبي.

 

 

[11] - انظر مثلًا Paul Thagard, Conceptual R evolutions ( Princeton: Princeton University Press, 1 9 9 2 ), p. 2 2 .

 

[12] ارجع إلى مقاليّ هامبتون " Contract and Consent " and "Contractarian Explanation. تتمحور أطروحة هامبتون حول الدولة الديمقراطية الليبرالية، لكن يسهل استنتاج أنه يمكن تطويع الاستراتيجية التي اتبعتها بيتمان و توظيفها لـ"العقد" لوضع تصور مفاهيمي عن الأعراف والممارسات المتولدة بالاتفاق، يمكن تطويعها من أجل فهم الدولة الديمقراطية غير الليبرالية العرقية، يقع الاختلاف فقط في تحوّل "الشعب"  إلى "الشعب الأبيض".

 

 

[13] أطلق أوتو جييرك Otto Gierke عليهما بالترتيب Gesellschaftsvertrag و Herrschaftsvertrag. للمزيد انظر مثلًا Barker, Introduction, Social Contract; and Lessnoff, Social Contract, chap. 3 

[14] - رولز Theory of justice, pt . r

[15] - حين أتحدث عن "البيض" في العموم فأنا لا أنكر بالطبع وجود علاقات هيمنة وخضوع جندرية داخل المجتمع الأبيض، أو على نفس النسق، علاقات هيمنة وخضوع طبقية. لا أدعي أن العرق هو المحور الوحيد للقهر الاجتماعي. لكن العرق هو ما أريد أن أركز عليه؛ ويبدو لي في غياب هذا الكيان السرابي والنظرية الموحدة بين القهر العرقي والطبقي والجندري، أنه علينا أن نقول، بشئ من التعميم، بصعوبة توضيح ذلك في كل نقطة. ومن ثم ينبغي أن نأخذ هذا في الاعتبار أثناء القراءة. أرغب رغم ذلك في الإصرار  على صحة تصوري بشكل عام، أي أن البيض يستفيدون من السيادة البيضاء في العموم (بحيث يعني التمايز الجندري والطبقي أنهم بالتأكيد لا يستفيدون بالتساوي) وأن التضامن العرقي الأبيض قد تجاوز overridden التضامن الطبقي والجندري تاريخيًا. يمكن أن تشترك النساء مع الطبقات الدنيا و غير البيض في تعرضهم للقهر، إلا أنه ليس قهرًا مشتركًا: يختلف في هيكلته لدرجة أنه لم يقدم أي جبهات مشتركة فيما بين تلك الفئات. فلم يسبق تاريخيًا للنساء البيض أو العمال البيض بصفتهم جماعات (مقابل كونهم أفراد ذوي مبادئ) أن شاركوا قضية مع غير البيض ضد الاستعمار أو الاستيطان الأبيض أو العبودية أو الإمبريالية أو الفصل العنصري. لكل منا هويات متعددة، وعليه، فإن معظمنا يتمتع بالامتيازات في نفس الوقت الذي يعاني فيه من المساوئ حسب اختلاف أنظمة الهيمنة. لكن الهوية العرقية البيضاء قد انتصرت على باقي الهويات في العموم، و العرق (المجاوز للجندر والمجاوز للطبقة) هو الذي حدد عمومًا العالم الاجتماعي والتحالفات والحياة المعاشة للبيض- سواء كمواطنين للدولة الاستعمارية الأم أو كمستوطنين أو كأحرار nonslaves أو مستفيدين من "العتبة اللونية color bar" أو "الفاصل اللوني color line". لم يحدث وأن تبلور عالم  متجاوز للعرق من "العمال" أو من "النساء" بتلقائية مماثلة: العرق هو الهوية التي غالبًا ما التحمت حولها صفوف البيض. ورغم ذلك فأنا سوف استخدم أحيانًا لفظة "الرجال" غير المحايدة جندريًا عن عمد كإقرار وإشارة دلالية على هذا الإمتياز الجندري المعترف به بين الشعوب البيضاء، والذي تكوّن به تشخص personhood النساء البيض افتراضيًا/نظريًا بالأساس، والمعتمد بدوره على وجود علاقات مُلائَمة (ابنة، اخت، زوجة) مع الرجل الأبيض. لمزيد من الكتابات الحديثة عن هذه التقاطعات الإشكالية للهوية، انظر مثلًا Ruth Frankenberg, White Women, Race Matters: The Social Construction of Whiteness ( Minneapolis: University of Minnesota Press, l 99 3 ); Nupur Chaudhuri and  Margaret Strobel, eds ., Western Women and Imperialism : Complicity and Resistance (Bloomington: Indiana University Press, 1 99 2 ); David Roediger, The Wages of Whiteness: Race and the Making of the American Working Class ( London: Verso, 1 9 9 1 ) .

[16] روسو Social Contract; Hobbes, Leviathan

[17]  لمزيد حول النسختين انظر كيمليكا Kymlicka, "The Social Contract Tradition . "

 

[18] - يؤخذ قول هوبز  "ما الظلم إلا عدم تنفيذ الاتفاق" Leviathan, p. 100, بمثابة مقولة للاتفاقية الأخلاقية moral conventionalism. لا تقوم الأخلاقية الاجتماعية المساواتية لهوبز على التساوي الأخلاقي للبشر وإنما على التكافؤ التقريبي في القوة الفيزيقية والقدرات العقلية في حالة الطبيعة(الفصل 13). سيظهر العقد العرقي في داخل هذا الإطار إذن كنتاج طبيعي للتفاوت النظامي في القوى -الناتجة عن قدرة السلاح بدلًا عن قدرة الفرد- بين أوروبا التوسعية وبين بقية العالم. ويمكن القول بأن هذا المعنى يتلخص بحذاقة في غنوة هيلير بيلوك Hilaire Belloc الشهيرة: "مهما يحدث، فلدينا سلاحنا الآلي The Maxim Gun، بينما هم لا يملكونه".  في قصيدة الرحالة الحديث The Modern Traveller مقتبسة في كتاب جون إليس The Social History of the Machine Gun ( 1 97 5 ; rpt . Baltimore: Johns Hopkins Paperbacks, 1 9 8 6 ), p. 94، وبالمثل في عصور متقدمة، أثناء غزو الأمريكتين، لدينا البندقية والسيف الحديدي.

 

[19] انظر مثلًا A. P. d'Entreves, Natural Law: An Introduction to Legal Philosophy, 2d rev. ed. ( 1 9 5 1 ; rpt . London: Hutchinson, 1 970).

 

[20] ترجمها محمد شوقي الكيال تحت عنوان "الحكومة المدنية" ونعتمد ترجمته للنص المقتبس مع التصرف في بعض المصطلحات– المترجم

 

[21] لوك Second Treatise of Two Treatises of Government, p. 2 6 9 .

 

[22]  كانط Metaphysics o f Morals, p p . 2 3 0-3 2 .

 

[23]  - انظر كتاب لوفيجوي0 . Lovejoy, The Great Chain of Being: A Study of the History of an Idea ( Cambridge: Harvard University Press, 1 948 ) .

 

[24] - لمزيد حول مفهوم "المجتمعات الابستمولوجية"  " epistemological communities, " ارجع إلى الأعمال الحديثة في النظرية النسوية، مثلًا example, Linda Alcoff and Elizabeth Potter, eds., Feminist Epistemologies ( New York: Routledge, 1 99 3 ).

 

[25]  هكذا تكلم وورد تشرشل Ward Churchill,، الأمريكي الأصلي، بسخرية عن "خيالات العرق السيد" " fantasies of the master race . "Ward Churchill, Fantasies of the Master Race: Literature, Cinema, and the Colonization of American Indians, ed. M. Annette Jaimes (Monroe, Maine: Common Courage Press, 1 9 9 2 ); William Gibson, Neuromancer (New York: Ace Science Fiction Books, 1 9 8 4 ) .

 

[26] نسبة إلى شخصيات عرقية خيالية في أعمال شكسبير وجورج ترندل ودانيال ديفو وهيريت بيتشر بالترتيب– المترجم

 

[27] Robert Young, White Mythologies: Writing History a n d t h e West ( London: Routledge, 1 990); Edward W . Said, Orientalism ( 1 9 7 8 ; rpt . New York: Vintage Books, 1 97 9 ); V . Y. Mu<limbe, The Invention of Africa : Gnosis, Philosophy, and the Order of Knowledge (Bloomington: Indiana University Press, 1 98 8 ); Enrique Dussel, The Invention of the Americas: Eclipse of " the Other " and the Myth of Modernity, trans . Michael D. Barber ( 1 9 9 2; rpt . New York: Continuum, 1 9 9 5 ); Robert Berkhofer Jr., The White Man 's Indian: Images of the American Indian from Columbus to the Present ( New York: Knopf, 1 9 7 8 ); Gretchen M. Bataille and Charles L. P. Silet, eds . , The Pretend Indians: Images of Native Americans in the Movies (Ames: Iowa State University Press, 1 9 80); George M. Fredrickson, The Black Image in the White Mind: The Debate on Afro-American Character and Destiny, l B n- 1 9 1 4 ( 1 9 7 1 ; rpt . Hanover, N . H . : Wesleyan University Press, 1 9 8 7 ); Roberto Fernandez Retamar, Caliban and Other Essays, trans. Edward Baker (Minneapolis: University of Minnesota Press, l 989 ); Peter Hulme, Colonial Encounters: Europe and the Native Caribbean, 1492-n97 ( 1 9 8 6 ; rpt . London: Routledge, 1 9 9 2 ). 

التعليقات

أضف تعليقك

الكتاب

أحمد فتحي إسماعيل

أحمد فتحي إسماعيل

طبيب نفسي مهتم بالفلسفة والتحليل النفسي والأدب …

أوراق ودراسات ذات صلة

مشاهدة المزيد
دين الرأسمالية (لاهوت النقود)
  • بينيات

دين الرأسمالية (لاهوت النقود)

جسد الَّذين أنعم الله عليهم
  • بينيات

جسد الَّذين أنعم الله عليهم

يا علبة الصبر:  كيف تورث الأغنية حكمة الأيام؟!
  • لا هذا ولا ذاك

يا علبة الصبر: كيف تورث الأغنية حكمة الأيام؟!

فرانسوا توسكييز وثورة الطب النفسي
  • تخصصات

فرانسوا توسكييز وثورة الطب النفسي

ملفات تعريف الارتباط

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط الخاصة بنا وملفات تعريف الارتباط الخاصة بالجهات الخارجية حتى نتمكن من عرض هذا الموقع وفهم كيفية استخدامه بشكل أفضل ، بهدف تحسين الخدمات التي نقدمها. إذا واصلت التصفح ، فإننا نعتبر أنك قبلت ملفات تعريف الارتباط.